كيف يمكن فهم موقف شولتس؟

أولاف شولتس (أ.ب)
من اجتماع قاعدة رامشتاين (رويترز)
أولاف شولتس (أ.ب) من اجتماع قاعدة رامشتاين (رويترز)
TT

كيف يمكن فهم موقف شولتس؟

أولاف شولتس (أ.ب)
من اجتماع قاعدة رامشتاين (رويترز)
أولاف شولتس (أ.ب) من اجتماع قاعدة رامشتاين (رويترز)

> يرى الخبير توماس كلاين - بروكوف من معهد «صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة» أن المستشار الألماني أولاف شولتس قرّر منذ بداية الحرب في أوكرانيا أنه لا يريد أن يقود المساعدات العسكرية لأوكرانيا، بل يريد أن يكون حليفا جيدا وجزءا من التحالف ويقف في الوسط. وأضاف: «لكن هذه المقاربة الحذرة تغضب حلفاء ألمانيا، وتجعلهم يتساءلون عما إذا كان بإمكانهم الاعتماد على الألمان».
ويتابع كلاين - بروكوف في حديث لوكالة «أسوشييتد برس» قائلاً: «ليس هناك أي مستشار ألماني، من أي حزب، يريد أن يُنظر إليه على أنه يدفع بأجندة عسكرية. عليه أن يجرب كل الخيارات قبل أن يلجأ لذلك». ويستطرد شارحاً «من ناحية السياسة الداخلية، يعتبر أمرا إيجابيا ألا يكون هناك مستشار ألماني يقود بأجندة عسكرية، وأن يكون حذراً ومقاوماً وسبق أن جرب كل الخيارات الأخرى». وبالفعل شولتس نفسه كرر أكثر من مرة أنه لن يخضع للابتزاز العام، وأنه يرفض الإذعان للضغوط السياسية لاتخاذ قرارات تكون بحاجة إلى دراسة بعناية كبيرة.
وفي قرار دبابات «ليوبارد» تمسك شولتس بهذا المنطق. إذ رفض اتخاذ قرار أمام أكثر من 40 وزير دفاع من التحالف الغربي المؤيد لأوكرانيا تجمعوا في قاعدة رامشتاين الأميركية العسكرية في غرب ألمانيا، منتظرين ردا من ألمانيا حول السماح بتصدير الدبابات الألمانية. ولم يأت الجواب إلا بعد أيام، إثر تصاعد الضغوط الداخلية بشكل لم يعد يسمح للمستشار بتأجيل اتخاذ القرار، وبعد حصوله على تعهد أميركي بإرسال واشنطن دبابات «أبرامز». وقال البعض إن تمهل شولتس، كان سببه أيضا تجاوبا مع انقسام الآراء بين الناخبين الألمان حول تقديم هذه المساعدات العسكرية لألمانيا والتي أظهرت استطلاعات الرأي أنها بالفعل منقسمة، خاصة بين مؤيدي الحزب الاشتراكي.
ولكن رغم أن ثمة من يتفهّم التلكؤ الألماني، فهم أيضا يذكّرون بالمسؤولية التاريخية لألمانيا لدعم أوكرانيا من دون تردد. ومن بين هؤلاء الكاتب والمؤرخ البريطاني تيموثي غارتن آش الذي كتب في صحيفة «الغارديان» مذكراً بأن النازيين دخلوا إلى أراضي أوكرانيا قبل 80 سنة وارتكبوا أفظع الجرائم. وأردف «رغم أنه ليست هناك مقارنة تاريخية دقيقة، فإن محاولة بوتين تدمير الوجود المستقل لدول مجاورة عبر جرائم حرب وعمليات إبادة واستهداف ممنهج للمدنيين، هي أقرب ما لدينا لما عاشته أوروبا منذ عام 1945 وما اقترفه هتلر في الحرب العالمية الثانية».
ثم تابع «إن الدرس الذي يجب أن نستخلصه من ذلك، ليس أن الدبابات الألمانية لا يجوز أن تستخدم ضد روسيا مهما فعل الكرملين، بل يجب أن تستخدم لحماية الأوكرانيين الذين كانوا أكبر ضحايا هتلر وستالين».
غارتون آش يتحدث كذلك عن «مسؤولية تاريخية» أمام ألمانيا تنبع من اعتراف الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير (الذي ينتمي للاشتراكيين) ويعد من الذين كانوا مقربين من موسكو، بأن سياسة ألمانيا تجاه روسيا بعد ضمها القرم كانت «فاشلة». ورغم اعتراف غارتون آش بأن موقف ألمانيا من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، تقدم كثيرا منذ بداية الحرب، فإنه أضاف «في كل خطوة كانت ألمانيا مترددة وضائعة ودائماً في مؤخرة الدول الغربية». ثم أشار إلى أن لدى ألمانيا صناعة عسكرية من الأكثر تقدماً في العالم، متسائلا «لماذا لا تستخدم للدفاع عن الديمقراطية الجديدة في وجه هتلر جديد؟... إن الطريق الوحيد لحل دائم في أوكرانيا هو زيادة الدعم العسكري لها كي تتمكن من استعادة أراضيها وبعد ذلك تتفاوض على اتفاقية سلام من نقطة قوة».


مقالات ذات صلة

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

العالم ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

عشية بدء المستشار الألماني أولاف شولتس زيارة رسمية إلى أفريقيا، هي الثانية له منذ تسلمه مهامه، أعلنت الحكومة الألمانية رسمياً إنهاء مهمة الجيش الألماني في مالي بعد 11 عاماً من انتشاره في الدولة الأفريقية ضمن قوات حفظ السلام الأممية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة الألمانية شددت على أنها ستبقى «فاعلة» في أفريقيا، وملتزمة بدعم الأمن في القارة، وهي الرسالة التي يحملها شولتس معه إلى إثيوبيا وكينيا.

راغدة بهنام (برلين)
العالم ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

منذ إعلانها استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا، العام الماضي، كثفت برلين نشاطها في القارة غرباً وجنوباً، فيما تتجه البوصلة الآن شرقاً، عبر جولة على المستوى الأعلى رسمياً، حين يبدأ المستشار الألماني أولاف شولتس، الخميس، جولة إلى منطقة القرن الأفريقي تضم دولتي إثيوبيا وكينيا. وتعد جولة المستشار الألماني الثانية له في القارة الأفريقية، منذ توليه منصبه في ديسمبر (كانون الأول) عام 2021. وقال مسؤولون بالحكومة الألمانية في إفادة صحافية، إن شولتس سيلتقي في إثيوبيا رئيس الوزراء آبي أحمد والزعيم المؤقت لإقليم تيغراي غيتاتشو رضا؛ لمناقشة التقدم المحرز في ضمان السلام بعد حرب استمرت عامين، وأسفرت عن مقتل عشرات

العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الرياضة مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

لا يرغب هانز يواخيم فاتسكه، المدير الإداري لنادي بوروسيا دورتموند، في تأجيج النقاش حول عدم حصول فريقه على ركلة جزاء محتملة خلال تعادله 1 - 1 مع مضيفه بوخوم أول من أمس الجمعة في بطولة الدوري الألماني لكرة القدم. وصرح فاتسكه لوكالة الأنباء الألمانية اليوم الأحد: «نتقبل الأمر.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش
TT

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

في محاولة لسد الفراغ القيادي في بنغلاديش، ولو بصفة مؤقتة، عُيّنَ محمد يونس الحائز على «جائزة نوبل» والخبير الاقتصادي، كبير مستشاري الحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش، وذلك بعدما أدّت انتفاضة شعبية واسعة إلى الإطاحة برئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، وهروبها إلى الهند. وحقاً، أصدر رئيس البلاد، محمد شهاب الدين، قراراً بحل البرلمان البنغالي. وأدت حكومة مؤقتة مكوّنة من 17 عضواً برئاسة يونس اليمين الدستورية يوم 8 أغسطس (آب) الحالي، بعدما تخلّت حسينة عن منصبها، وغادرت إثر أسابيع من الاحتجاجات الطلابية والغضب من نظام الحصص الذي يقتطع نسبة كبيرة من الوظائف الحكومية. وكانت حدة المظاهرات قد اشتدت وتوسّعت إلى تحدٍّ أعنف وأوسع لحكم حسينة الذي اتهم بـ«التسلّط» الزائد. وقُتل في أعمال العنف 400 متظاهر، في حين خلق الفراغ في السلطة تميزاً بالعنف في أجزاء مختلفة من البلاد.

يتولّى الدكتور محمد يونس (84 سنة) قيادة الحكومة المؤقتة في بنغلاديش، وسط شعور عام للمواطنين باشمئزاز عام إزاء الأحزاب السياسية في البلاد. ويتوقع الخبراء السياسيون أنه في تفويضه المحدود زعيماً مؤقتاً، فإنه يواجه مهمات صعبة، أبرزها: إعادة إرساء القانون والنظام، وإعادة بناء الثقة في الدولة، والعمل بفاعلية مع الجيش، وضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وبالفعل، طلب يونس بعد توليه الرئاسة من المتظاهرين الابتعاد عن العنف، وهدّد بأنه سيستقيل إن لم يمتثلوا.

تعهّدات تغييرية

للعلم، سبق للدكتور يونس وصف الشيخة حسينة بأنها «ديكتاتورة». وعدَّ الإطاحة بها أخيراً «تحريراً ثانياً» لبنغلاديش، عندما علّق «لقد تحررت بنغلاديش... نحن بلد حر الآن».

وحقاً، دعا يونس إلى إجراء تغييرات شاملة قبل إجراء الانتخابات العامة المقبلة، متعهداً: «سننظم انتخابات حرة وتشاركية نزيهة في أسرع وقت ممكن، لاستكمال مهمتنا في إقرار إصلاحات حيوية في لجنة الانتخابات والقضاء والإدارة المدنية وقوات الأمن ووسائل الإعلام». وأردف: «وتُجري حكومتنا أيضاً تغييرات اقتصادية بعيدة المدى؛ هدفها استعادة استقرار الاقتصاد الكلي ودعم النمو، لا سيما أنه في جهدها الحثيث للبقاء في السلطة دمرت ديكتاتورية الشيخة حسينة كل مؤسسات البلاد».

يونس وصف القضاء بأنه «منهار»، واتهم الحكومة السابقة بأنها «سمحت للمحسوبية السياسية بسرقة البنوك ونهب خزائن الدولة»، ورحّب بقرار الأمم المتحدة إرسال بعثة تقصّي حقائق للتحقيق في أحداث العنف الأخيرة، متعهداً بالتعاون الكامل مع التحقيق الدولي.

وحول التطوّرات الأخيرة التي حملت يونس إلى السلطة، قال هارش فاردان شرينغلا، وزير الخارجية الهندي السابق، والمبعوث الهندي السابق إلى بنغلاديش: «إن الاحتجاجات الطلابية الأولية كانت مدفوعة بمظالم مشروعة، خصوصاً ما يتعلق بنظام الحصص وفرص العمل، ولكن سرعان ما تسللت عناصر متشددة إلى الحركة، بينها (الجماعة الإسلامية) وجناحها الشبابي (إسلامي شهاترا شيبير)، ومن ثم اختطفت هذه الجماعات الاحتجاجات، وحوّلتها إلى هجمات عنيفة موجهة ضد الدولة. ومن ثم، فإن تحقيق الاستقرار لا يكمن في معالجة الاقتصاد فحسب، بل أيضاً في فرض الأمن والثقة».

النشأة والمسيرة

ولد الدكتور محمد يونس عام 1940، لأسرة بنغالية مسلمة إبان الحكم الاستعماري البريطاني لشبه القارة الهندية، في قرية باثوا، القريبة من مدينة تشيتاغونغ الساحلية، ثاني كبرى مدن بنغلاديش، وقاعدة جنوب شرقها.

محمد هو الابن الثالث من بين 9 أطفال في عائلة تجارية، وكان والداه يعملان في مجال تجارة المصوغات والمجوهرات. وهو يَنسب الفضل إلى والدته، صوفيا خاتون، لإلهامه بمساعدة الفقراء. وفي سيرته الذاتية «مصرفي الفقراء» قال عنها: «كانت دائماً تضع المال جانباً من أجل أي أقارب فقراء يزوروننا من قرى بعيدة. لقد كانت من خلال اهتمامها بالفقراء والمحرومين، هي التي ساعدتني على اكتشاف مصيري».

وأكمل محمد يونس مرحلة الدراسة الجامعية الأولى متخصصاً في الاقتصاد بجامعة «دكا» بالعاصمة، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة «فاندربيلت» العريقة بولاية تينيسي في الولايات المتحدة. ثم عمل أستاذاً مساعداً في جامعة ولاية تينيسي الوسطى القريبة، وعاد بعد ذلك لتدريس الاقتصاد في جامعة تشيتاغونغ. وفي الفترة الفاصلة، التقى امرأة روسية تُدعى فيرا فورستينكو، التي تزوّجها، وأنجب منها طفلة واحدة سميَّاها مونيكا يونس -وهي مغنية أوبرا شهيرة في الولايات المتحدة- ثم انفصلا بعد ذلك، ومن ثم، تزوّج من زوجته الثانية أفروزي يونس، وهي باحثة في علم الفيزياء بجامعة مانشستر البريطانية، التي أصبحت لاحقاً أستاذة في جامعة جاهانغيربور. ووُلدت ابنتهما دينا أفروز يونس عام 1986.

أما عن أبرز أقاربه الآخرين، فمن إخوته الكبار محمد جهانغير (توفي عام 2019)، وكان ناشطاً اجتماعياً ومذيعاً تلفزيونياً، في حين أخاه الأصغر، الدكتور محمد إبراهيم، أكاديمي لامع، ومؤسس «مركز التعليم الجماهيري للعلوم»، الذي يقدم تعليم العلوم للفتيات الصغيرات في القرى.

نشاطه السياسي

مع اندلاع حرب استقلال بنغلاديش (انفصالها عن باكستان) عام 1971، أدار محمد يونس مركز اتصالات للبنغاليين الذين كانوا ينتظرون الأخبار خارج البلاد. وأطلق نشرة أخبار بنغلاديش في ناشفيل، عاصمة ولاية تينيسي الأميركية، لزيادة الدعم للحركة. ومع قمع القوات الباكستانية حركة الاستقلال (الانفصال)، شارك يونس -الذي كان آنذاك أستاذاً في الولايات المتحدة- في المعركة من الخارج، وحثّ البيت الأبيض على الاعتراف رسمياً ببنغلاديش. وعندما تحقق الاستقلال، عاد يونس إلى الوطن للانضمام إلى الحكومة الجديدة موظفاً في لجنة التخطيط الحكومية، قبل أن تحبطه البيروقراطية المستشرية. ولاحقاً التحق يونس بالعمل الأكاديمي رئيساً لقسم الاقتصاد في إحدى الجامعات المحلية. إلا أنه مع اجتياح المجاعة بنغلاديش عام 1974، أعرب عن شعوره بالرهبة من تدريس «نظريات الاقتصاد الأنيقة»، وسط مجاعة واسعة النطاق، مفضّلاً أن يكون «ذا فائدة لبعض الناس».

ولقد كتب في سيرته الذاتية «بعد عودتي إلى الديار من عدة سنوات في الولايات المتحدة، وجدت صعوبة في تدريس نظريات الاقتصاد الأنيقة داخل قاعات الدراسة الجامعية، على خلفية المجاعة الرهيبة التي ضربت بنغلاديش. وفجأة، شعرت بخواء هذه النظريات في وجه المجاعات والفقر، وأدركت أن الحكومة عاجزة عن سد حاجات الفقراء، ومن ثم فكرت... لماذا لا يستطيع هؤلاء الفقراء تحسين حياتهم الخاصة بأنفسهم؟».

وهكذا، عام 1976، أثناء زيارة له إلى إحدى القرى، أدرك أن الناس يحتاجون معظم الأحيان إلى قروض صغيرة غير تقليدية للصمود مالياً، وتنمية أعمالهم التجارية، ما خلق عنده فكرة القروض الصغيرة. وفعلاً، بدأ إقراض نساء القرى مبالغ صغيرة من ماله الخاص، متيحاً لهن شراء الخيزران لاستخدامه في صنع الأثاث. ولاحقاً، حصل على قروض من بنوك أكبر، وأعاد توزيع المال على شكل قروض صغيرة للفقراء.

ومع نمو المبادرة، ظهرت مجموعة تضم عدداً من الشركات العاملة في صيد الأسماك والزراعة والائتمان المرتبط بالاتصالات ومساعدة الفقراء. وأخيراً، عندما وجد يونس أن الدولة غير راغبة في زيادة حجم القروض الصغيرة المقدمة للفقراء، أسّس مشروعه الاجتماعي الذي عرف بـ«بنك غرامين» (بنك القرية).

مع اجتياح المجاعة بنغلاديش عام 1974 أعرب يونس عن شعوره

بالرهبة من تدريس «نظريات الاقتصاد الأنيقة»

وسط مجاعة واسعة النطاق

«بنك غرامين»

أسّس يونس «بنك غرامين» عام 1983، ليكون مؤسسة تُقرض المال للفئات الأكثر حاجة، من دون الحاجة إلى ضمانات، وأعرب عن اعتقاده بأن تأمين رأس المال اللازم لأي شخص يرغب في إنشاء مشروع تجاري سيساعد في انتشال المستفيدين من الفقر. في البداية، كان من المفترض تقسيم القروض بالتساوي بين الرجال والنساء، لكن يونس سرعان ما لاحظ أن الأموال تُنفق بشكل مختلف: إذ كانت أولويات الرجال إنفاق المال خارج المنزل، في حين أن النساء يعملن على تعظيم العائد من الأموال، ويواصلن الاستثمار في مشاريع جديدة، ويُنفقن المال على الأسرة. وبناءً عليه، بدأ «بنك غرامين» التركيز في المقام الأول على النساء اللاتي سيطلقن مشاريع تجارية صغيرة، مثل تأجير الهاتف المحمول الوحيد في القرية، أو فتح متجر صغير، أو شراء الماشية. وكُنّ يسددن القروض على نحو موثوق به، وغالباً ما يأخذن قروضاً أكبر للسماح لهن بالتوسّع.

اليوم، يُعد «بنك غرامين» عملاقاً مالياً يضم 23 ألف موظف، وعنده 11 مليون مقترض، في 94 بالمائة من قرى بنغلاديش، وقد صرف تراكمياً نحو 39 مليار دولار في شكل قروض؛ معظمها للنساء الفقيرات. كما صار التمويل متناهي الصغر ظاهرة دولية. وبإلهام من البنك، أُطلقت أكثر من 100 دولة نامية في جميع أنحاء العالم خدمات الائتمان الصغير. وإضافة إلى «بنك غرامين»، أنشأ يونس شركات فرعية أخرى مثل «غرامين فون»، وهي أكبر خدمة للهواتف في بنغلاديش، ومنذ ذلك الحين، تقود الشركة قطاع الاتصالات في بنغلاديش، وتخدم أكثر من 85 مليون عميل.

«نوبل»... وأكثر

وبفضل نجاح «بنك غرامين»، منح الدكتور يونس عام 2006 «جائزة نوبل للسلام»، وإلى جانب «جائزة نوبل»، حصل يونس عام 2009 على «وسام الحرية الرئاسي» الأميركي، و«الميدالية الذهبية للكونغرس» عام 2010. وعلى صعيد التقديرات والتكريمات، حاز يونس على عدة جوائز أخرى مرموقة، ونحو 50 درجة دكتوراه فخرية من جامعات من 20 دولة، و113 جائزة دولية من 26 دولة، بما في ذلك أوسمة الدولة من 10 دول. أصدرت الحكومة البنغلاديشية طابعاً تذكارياً تكريماً لـ«جائزة نوبل» التي حصل عليها.