ضحايا حمى الضنك والحر لا يقلون عن قتلى القصف في عدن

يمنيون جنوبيون يتحدثون عن مائة يوم من المعاناة

ضحايا حمى الضنك والحر لا يقلون عن قتلى القصف في عدن
TT

ضحايا حمى الضنك والحر لا يقلون عن قتلى القصف في عدن

ضحايا حمى الضنك والحر لا يقلون عن قتلى القصف في عدن

يقف الطفل حزام خالد، ذو الـ13 عامًا، على مقربة من محل صغير بوسط حي القطيع، أحد أفقر أحياء مدينة كريتر القديمة في عدن، بانتظار دوره لشحن مروحة هوائية سفري حيث يقدم مالك المحل خدمة الشحن الكهربائي للأهالي مقابل 200 ريال يمني للساعة أي ما يعادل 1 دولار. وتعكس حالة هذا الفتى مدى المآسي والمعاناة التي عاشها سكان كريتر خلال فترة الحرب وما تبعها من صور دمار وقتل وسط انعدام كلي لأبسط مقومات العيش الكريم كالكهرباء والمياه والغذاء.
ويدخل انقطاع خدمة الكهرباء كليا عن مدينة كريتر شهره الثالث على التوالي منذ سقوط المدينة بيد الميليشيات الحوثية في أواخر أبريل (نيسان) الفائت في ظل رطوبة وصيف ساخن تشهده المدينة الساحلية وتصل فيه درجة الحرارة إلى 39 درجة مئوية.
ويقول وديع خان (47 عاما) بصوت متحشرج تملأه الغصة والحزن قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «لم أعد أصدق أني بقيت أعيش حيا حتى اللحظة، لقد كان شبح الموت يخيم علينا ليل نهار خلال فترة الـ100 يوم من الحرب والقتل والدمار والحصار الخانق الذي شنه الحوثي وعفاش على مدينة كريتر وبقية مدن عدن الأخرى». يتوقف وديع برهة من الوقت ليعاود الحديث، بعد تنهيدة توحي بمرارة الألم والقهر الذي حل بسكان المدينة فيواصل قائلاً: لم يكن الأهالي يموتون فقط برصاص الحوثيين أو جراء القصف على الأحياء السكنية بل تعددت صور الموت بطرق شتى فإما أن تموت بمرض حمى الضنك الفتاك أو تموت جراء الحر الشديد بسب انقطاع الكهرباء أو تموت متضورا جوعًا وعطشان. ومضى وديع خان قائلا: «هل تصدق أن مرض حمى الضنك الذي اجتاح مدينة كريتر تسبب في حالات وفاة أكثر من الضحايا المدنيين الذين سقطوا برصاص الميليشيات». والسبب في ذلك كما يشير وديع هو توقف المجمعات والمراكز الصحية عن تقديم خدماتها الطبية وانعدام الأدوية، في ظل الحصار الذي فرضته الميليشيات على المدينة ومنعها دخول الأدوية والأطباء إلى كريتر.
من جهتها، تقول الشابة ريام ثابت، وهي في العشرينات من العمر إنها، حتى اللحظة الحالية، لم تصدق نفسها أن «عدن انتصرت وتم تطهيرها» مما سمتها قوى الغزو والعدوان بعد أن ظلت ترى ذلك خيالا على مدى ثلاثة أشهر من القتل الذي كانت تموت معه عشرات المرات، كما تقول. وتابعت حديثها بكلمات متقطعة والدموع تنهمر من عينيها: «أشعر بأنني خلقت من جديد عندما أرى الأهالي يعودون إلى بيوتهم، وعندما أطل من نافذة منزلي وأرى الأطفال يتجمعون بركن الحافة يستعرضون بعض ألعابهم التي قدمتها لهم بعض قافلات الإغاثة التي دخلت عدن مؤخرا».
وقد أدى انتشار الأوبئة والحميات في مدينة كريتر منذ أبريل الفائت وأبرزها حمى الضنك إلى وفاة أكثر من 600 شخص وإصابة 10 آلاف آخرين بحسب آخر إحصائيات للجنة الطبية الشعبية العليا ومكتب الصحة والسكان في عدن. وتشير الإحصائيات إلى وفاة 11 إلى 15 شخصا يوميا وإصابة ما بين 120 و170 يوميا، غالبيتهم في مدينة كريتر تليها خور مكسر ثم المعلا والتواهي وهي المدن التي بقيت تحت قبضة الميليشيات وتوقفت فيها المراكز الصحية وعدد 4 مستشفيات بالكامل.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.