«الشرق الأوسط» في جنديرس المنكوبة... أحياء مدمرة و«نازحون» تحت الأنقاض

روايات لشهود عن اللحظات الأولى للزلزال... ومتطوعون يبحثون عن ناجين باستخدام أدوات يدوية

متطوعون يحفرون أمس مقابر لضحايا الزلزال في جنديرس بريف حلب الشمالي الغربي (رويترز)
متطوعون يحفرون أمس مقابر لضحايا الزلزال في جنديرس بريف حلب الشمالي الغربي (رويترز)
TT

«الشرق الأوسط» في جنديرس المنكوبة... أحياء مدمرة و«نازحون» تحت الأنقاض

متطوعون يحفرون أمس مقابر لضحايا الزلزال في جنديرس بريف حلب الشمالي الغربي (رويترز)
متطوعون يحفرون أمس مقابر لضحايا الزلزال في جنديرس بريف حلب الشمالي الغربي (رويترز)

لليوم الخامس على التوالي، واصل مسعفون في فرق الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) ومتطوعون مدنيون في مناطق المعارضة بشمال غربي سوريا، سباقهم مع الوقت لإنقاذ أكبر عدد من المدنيين الممكن أن يكونوا عالقين تحت أنقاض الأبنية المدمرة جراء الزلزال المدمّر الذي حوّل أجزاء واسعة من شمال سوريا إلى مناطق منكوبة، يوم الاثنين.
وبينما كانت فرق الدفاع تقوم بعمليات بحث عن ناجين وانتشال الجثث من تحت الأنقاض في جنديرس في منطقة عفرين بريف حلب، وقفت أم محمود في الحي الغربي من المدينة، تنظر إلى منازل جيرانها التي حوّلها الزلزال إلى كومة ركام «على غفلة»، وهي تذرف الدموع، وقلبها يعتصر ألماً وحزناً عليهم، بعدما قضوا تحت الأنقاض.
تحدثت أم محمود (51 عاماً)، وهي ابنة مدينة جنديرس، لـ«الشرق الأوسط»، عن اللحظات الأولى لوقوع الزلزال الذي تسبب بمقتل عشرات من جيرانها تحت الأنقاض وغالبيتهم من النازحين من مناطق مختلفة في سوريا، فقالت وهي تبكي بحرقة: «كنا نياماً أنا وزوجي وابني. حدث شيء مرعب، كدنا نفقد عقولنا من هوله! حصل اهتزاز وتساقطت أجزاء من المنزل على رؤوسنا قبل أن نخليه في غضون لحظات ونلجأ إلى منطقة قريبة خالية من الأبنية. وبدأت أصوات الصراخ بالارتفاع في المنازل المحيطة بنا، وسرعان ما ملأ الغبار وعمّ الظلام الدامس كل المكان، ثم بدأت أصوات الصراخ بالخفوت، علمنا حينها أنه زلزال دمر كل شيء في المدينة».
وأضافت أم محمود قائلة: «حاولنا استغلال فرصة توقف الزلزال للعودة إلى المنزل لأخذ بعض الألبسة والأغطية، إلا أن الطرق المؤدية إليه كانت كلها مغلقة بأكوام من ركام الأبنية المتساقطة، فأيقنا أن المصيبة كبيرة، وأن من المؤكد أن كل من تحت هذه الأبنية في خطر كبير، وقد يفقد كثير منهم حياته... وهذا ما حصل للأسف».
وفي جولة في البلدة للوقوف على تداعيات الزلزال المدمر، شاهدت «الشرق الأوسط» مئات الأبنية المتساقطة وعشرات الآليات الثقيلة من حفّارات وتركسات وفرق الدفاع المدني السوري، بالإضافة إلى المئات من المتطوعين المدنيين، عند الأبنية المدمرة؛ بحثاً عن ناجين.
حسن (33 عاماً)، وهو نازح من ريف حماة، ويقود مجموعة من المتطوعين المدنيين في عمليات البحث عن ناجين تحت أنقاض الأبنية في الجزء الشرقي لجنديرس، مستعينين بالمعاول والأدوات البسيطة والمطارق الحديدية، قال إنه «تطوع» ورفاقه في عمليات الإنقاذ الجارية في جنديرس، بعد مشاهدته مئات المنازل المدمرة فوق رؤوس أصحابها، ولاحظ القدرة المحدودة لفرق الدفاع المدني على تغطية عمليات الإنقاذ؛ «نظراً لكثرة المباني المتساقطة التي لا تزال عشرات العوائل تحت أنقاضها».
وشدد حسن على أنه بسبب انقضاء 4 أيام على وقوع الزلزال «باتت فرص نجاة الأحياء تحت الركام ضئيلة جداً، وتتطلب مساهمة الجميع لإنقاذ أكبر عدد من الضحايا العالقين، وكل ساعة تأخير في عملية الإنقاذ قد نفقد معها شخصاً».
وفي إحصائية جديدة لعدد الضحايا في جنديرس شمال غربي حلب، قال أحد أعضاء المجلس المحلي للبلدة إن «عدد ضحايا الزلزال في جنديرس بلغ حتى الآن نحو 513 حالة وفاة و831 مصاباً، بينما لا تزال عشرات العوائل تحت الأنقاض. وبسبب محدودية وسائل الحفر والآليات الثقيلة، فإن عمليات الإنقاذ بطيئة جداً مقارنة بعدد المنازل المدمرة فوق أصحابها، التي بلغ عددها نحو 233 منزلاً بشكل كامل، وأكثر من 120 منزلاً أصابها التدمير بشكل جزئي، وصارت مهددة في أي لحظة بالتهاوي والسقوط».
وتعتبر جنديرس من المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال غربي حلب، من أهم المدن التابعة لمنطقة عفرين نظراً لمساحتها الواسعة وقربها من محافظة إدلب، وكان عدد سكانها قبل اندلاع الحرب السورية في 2011 نحو 13 ألف نسمة.
وسيطرت على المدينة «وحدات حماية الشعب» الكردية لسنوات، ولكن في مارس (آذار) 2018، أعلنت القوات التركية وفصائل المعارضة السورية الموالية لأنقرة سيطرتها الكاملة عليها عقب عملية عسكرية أُطلق عليها «غصن الزيتون».
ومنذ ذلك الوقت أصبحت المدينة وجهة لأكثر من 30 ألف نازح من مناطق ريف حماة وإدلب الذين فروا من عمليات قوات النظام السوري وسيطرته على مدنهم وبلداتهم. وكان مصير كثير من هؤلاء النازحين إلى جنديرس الموت جراء الزلزال المدمر، وفق ما يقول ناشطون.
في غضون ذلك، قالت منظمة الدفاع المدني «الخوذ البيضاء»، في بيان الخميس، إن «حصيلة ضحايا الزلزال في شمال غربي سوريا ارتفعت لأكثر من 2037 حالة وفاة، وأكثر من 2950 مصاباً، والعدد مرشح للارتفاع بشكل كبير؛ بسبب وجود مئات العوائل تحت أنقاض الأبنية والمنازل المدمرة».
وأضافت أن فرقها تواصل عمليات البحث والإنقاذ وسط ظروف صعبة جداً بعد مرور أكثر من 100 ساعة على الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة.
من جهتها، ذكرت وكالة «رويترز» في تقرير من جنديرس أن مواطناً يدعى ناصر الوكاع جلس وسط الأنقاض والكتل الخرسانية ينعى زوجته وعدداً من أبنائه محتضناً ملابسهم بعدما قضوا في الزلزال، علماً أن رجال الإنقاذ تمكنوا من إخراج اثنين من أطفاله أحياء من تحت أنقاض منزل العائلة. كما نجا ابن آخر له. قال ناصر: «لا أصدق أبداً... كأنه منام... أهلي راحوا كلهم في لحظة».
وروى الوكاع لحظة وقوع الزلزال وكيف أن الأمر كان مختلفاً تماماً عن الضربات الجوية والصواريخ والبراميل المتفجرة التي قال إنه نجا منها خلال الحرب الأهلية الدائرة في سوريا.
وحمل الوكاع معه قصاصة من الورق كتبتها ابنته الكبرى هبة التي عُثر عليها ميتة وفي حجرها جثة أختها الصغيرة إسراء. وعثر على شقيقة لهما أخرى ميتة بالقرب منهما.
وفي وقت لاحق، وقف الوكاع مذهولاً بينما كان يجري دفن أحد أبنائه مكفناً بالأبيض في قبر جماعي ضم العديد من ضحايا الكارثة.


مقالات ذات صلة

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أوروبا شخص ينظر إلى الأنقاض والحطام بعد زلزال في كهرمان مرعش بتركيا 8 فبراير 2023 (رويترز)

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أفاد التلفزيون التركي، اليوم الأحد، بوقوع زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
يوميات الشرق شرم الشيخ شهدت زلزالاً بلغت قوته 4.25 درجة على مقياس ريختر (عبد الفتاح فرج)

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

سجّلت محطات شبكة الزلازل القومية، هزة أرضية على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، عند الساعة 7:34 صباحاً بتوقيت القاهرة، مما أثار انتباه السكان في المنطقة.

محمد السيد علي (القاهرة)
شؤون إقليمية قُبض على الإسرائيلي بوريس ولفمان في إسطنبول 2015 وسُلم لإسرائيل لاتهامه بالاتجار بالأعضاء وعاد إلى تركيا عام 2017 (إعلام تركية)

القبض على إسرائيلي في تركيا للاتجار بأعضاء اللاجئين السوريين

قررت محكمة تركية في إسطنبول توقيف إسرائيلي مطلوب من الإنتربول الدولي بنشرة حمراء، لتورطه في عمليات اتجار بالأعضاء في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)

زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب شمال تركيا وأعاد ذكريات «كهرمان ماراش»

ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة على مقياس ريختر ولاية مالاطيا في شرق تركيا تأثرت به بعض المناطق في جنوب شرقي البلاد وفي شمال سوريا ولم يسفر عن ضحايا أو إصابات خطيرة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية لآثار الزلزال الذي ضرب ملاطية العام الماضي (غيتي)

شعر به سكان مدن سورية... زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب جنوب شرق تركيا

أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن زلزالاً بقوة 5.9 درجة هز إقليم ملاطية في جنوب شرق تركيا، اليوم الأربعاء، وشعر به سكان مدن سورية.

«الشرق الأوسط» (اسطنبول)

الإمارات: «المركزي» يوقف شركة صرافة لانتهاكها قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب

مصرف الإمارات المركزي (وام)
مصرف الإمارات المركزي (وام)
TT

الإمارات: «المركزي» يوقف شركة صرافة لانتهاكها قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب

مصرف الإمارات المركزي (وام)
مصرف الإمارات المركزي (وام)

قرر مصرف الإمارات المركزي تعليق نشاط تحويل الأموال لشركة «الرازوقي» للصرافة العاملة في الدولة، لمدة 3 سنوات، وذلك بسبب انتهاك قانون مواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب.

وبحسب بيان للمصرف المركزي، أرسل نسخة منه لـ«الشرق الأوسط» قال إنه تم إغلاق فرعين للشركة في منطقتي المرر وديرة بدبي، حيث اتُّخذت هذه الإجراءات الإدارية بموجب المادة 14 من قانون مواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب.

ووفقاً للبيان، فإن المصرف المركزي يعمل من خلال مهامه الرقابية والإشرافية، على ضمان التزام جميع شركات الصرافة ومالكيها وموظفيها، بالقوانين السارية في البلاد، والأنظمة والمعايير المعتمَدة من المصرف المركزي، مشيراً إلى أنه يهدف للحفاظ على شفافية ونزاهة النظام المالي للدولة.

وتنص المادة 14 من قانون غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في الإمارات أنه يجب على جميع المرخص لهم الامتثال للمتطلبات القانونية والتنظيمية الحالية الخاصة بمواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب المحددة من قِبل المصرف المركزي، والتصدي لمخاطر غسل الأموال، وتمويل الإرهاب من خلال التدابير الوقائية المناسبة لردع إساءة استخدام القطاع قناةً للأموال غير المشروعة، والكشف عن غسل الأموال، وأنشطة تمويل الإرهاب، وإبلاغ وحدة المعلومات المالية في المصرف المركزي عن أي معاملات مشبوهة.