سنوات السينما

Macaroni
ضحك رقيق وحزن عميق
جيد ★★★
هذا الفيلم الذي حققه الإيطالي إيتوري سكولا سنة 1985 نموذج من الكوميديات الناضجة التي اشتهرت بها السينما الإيطالية طويلاً. سكولا كان واحداً من أهم مخرجي الأفلام الكوميدية ذات المواضيع الإنسانية، لجانب أمثال بيترو جيرمي وستينو وألبرتو لاتوادا.
يبدأ الفيلم بكاميرا تتبع شخصاً وصل إلى مطار نابولي صباح أحد الأيام. تبدو المدينة بليدة والسماء فوقها ملبّدة. لا شيء يغري، ولا روبرت القادم من الولايات المتحدة (جاك ليمون في واحد من أفضل أدواره) من النوع الذي يكترث للأماكن التي تطأها قدماه. هو أحد كبار موظفي «شركة دوغلاس للطائرات الحربية»، وحط في المدينة لاجتماع مع نظرائه الإيطاليين. تعب، لكنه يجد راحته في وحدته، ولديه زوجة تسعى للطلاق منه. حياته خالية من المسرات ومليئة بالمشاغل العملية ومفتقرة إلى البهجة والحياة. في غرفة الفندق يفاجأ برجل إيطالي اسمه أنطونيو (مارشيللو ماستروياني) يتقدّم منه ويأخذه بالأحضان.
يحاول أنطونيو تذكير روبرت بأنهما حاربا معاً خلال معارك الحرب العالمية الثانية، وأنه كان على علاقة عاطفية مع شقيقته. لكن روبرت لا يتذكر شيئاً من هذا إلا في اليوم التالي؛ عندما يقصد روبرت زيارة أنطونيو ويعتذر منه. وهذه بداية صداقة مديدة يتعرّف خلالها روبرت على عائلة إيطالية طيّبة، ويلتقي بمن كان يحب (داريا نيكولودي)، التي تزوّجت من ذلك الحين، ولديها قبيلة من الأولاد.
يغزل المخرج المقارنة بين الإيطالي أنطونيو والأميركي روبرت، برقّة؛ لا يدين الأميركي لنوعية حياته، لكنه يذكّره بأن الحياة السعيدة مكوّنة من البساطة والرضا. يجعله يدرك أن منوال حياته يفتقد الحياة. بذلك، الفيلم عن الإنسانية والألفة والصداقة. هناك مشاهد إنسانية رائعة، من بينها النهاية المفتوحة على احتمالات أن أنطونيو لم يمت وقد يعود للحياة. هناك مشاهد صغيرة رائعة، مثل مشهد المصالحة عندما يدّعي ماستروياني الغضب لاستقبال ليمون الجاف له، ثم يختفي وراء خزنة ملفّات، ويضحك، مستلذاً بأسف صديقه.
في مشهد آخر، تتناثر محتويات محفظة الأميركي على الأرض، ويبدأ روبرت بالبحث عن بطاقاته المصرفية، وكلما التقط واحدة ذكر اسمها: «هذه (الداينر كلوب)... هذه (الفيزا)... هذه (الماستر كارد)»، ثم بعد جمعها يبحث عن «الأميركان إكسبرس»: «وأين التي لا تترك البيت من دونها؟»، مستعيراً عبارة كانت تلازم إعلانات تلك البطاقة.
فيلم رائع، ضاحك، إنساني، مع حزن غير انفعالي، وثيمة بديعة عن الصداقة والحياة الجديدة.