«إم 19»... ترسانة فنية تجمع جنود الخفاء لترجمة أفكار المصممين

«الشرق الأوسط» تدخل عالم «شانيل» حيث يتحول الحجر إلى أزرار والأقمشة إلى ورود

من عرض «ميتييه داغ» الأخير الذي جرى في داكار (خاص «الشرق الأوسط»)
من عرض «ميتييه داغ» الأخير الذي جرى في داكار (خاص «الشرق الأوسط»)
TT

«إم 19»... ترسانة فنية تجمع جنود الخفاء لترجمة أفكار المصممين

من عرض «ميتييه داغ» الأخير الذي جرى في داكار (خاص «الشرق الأوسط»)
من عرض «ميتييه داغ» الأخير الذي جرى في داكار (خاص «الشرق الأوسط»)

انتهى أسبوع الموضة الخاص بالأزياء الراقية أو ما يُعرف بالـ«هوت كوتور» منذ أسابيع، وبقيت أصداؤه وصُوره عالقة في الأذهان. صور تحاكي اللوحات الفنية في بعض الأحيان بألوانها وتفاصيلها الدقيقة. فهذا الموسم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتصاميم لا مثيل لها نُفِّذ أغلبها بأنامل ناعمة سهرت ليالي وأسابيع على إنجازها. لحُسن الحظ أنه على الرغم مما يُكلِّفه تفردها من أسعار نارية، فإن لهذه التصاميم زبونات لا يبخلن عليها بالغالي والنفيس، لإدراكهن كم الشَّغف الذي تتضمنه كل طية من طياتها أو خط من خطوطها. المصممون، بدورهم، يعشقون هذا الخط لما يوفره لهم من اختبار لأفكار غريبة وابتكار أقمشة جديدة، كل ما تحتاج إليه لتتحول إلى واقع، هو حرفيون متمرسون، أو ما يُطلق عليهم الأنامل الناعمة وجنود الخفاء.

في مشغل «لوساج» (تصوير أليكس مارنا)

بالنسبة لدار «شانيل»، هذه الحرفية لا تقتصر على خط الـ«هوت كوتور»، بل تمتد إلى باقي الخطوط: الأزياء الجاهزة والـ«كروز» و«ميتييه داغ». فالدار تقوم منذ عام 1985، وبكل ما أوتيت من قوة إمكانات، بمحاولات لضمان استمرارية صناعة الموضة الراقية ومفهوم «صُنع باليد». أمر بالنسبة لها لا يمكن أن يتحقق سوى بضمان مُستقبل حرفييها. خط الـ«ميتييه داغ» مثلاً بدأه مصممها الراحل كارل لاغرفيلد في عام 2002 لتسليط الضوء على الأيادي الناعمة التي تعمل في مجالات مختلفة، من صناعة البليسيهات والأزرار والورود والريش إلى القبعات والأحذية والقفازات وغيرها. فمن دون خبرات هؤلاء لا تكتمل الموضة. في منتصف القرن الماضي كاد يتعرض بعض هذه الورشات الحرفية للإفلاس والاختفاء تماماً. تقلص عددها وعدد العاملين فيها بشكل مخيف، إما لشُح الإمكانات المادية أو بسبب العولمة وما ترتب عنها من زحف الآلات الصناعية على صناعة الموضة، أو لعدم وجود ورثة يُكملون مسيرة المؤسسين.

ورشة «مونتيكس» للتطريز لها مكان مهم في صناعة الموضة (شانيل مونتيكس)

الخوف عليها حفَز «شانيل» أن تقوم بعملية إنقاذ واسعة لضمِّها إلى حضنها.
في عام 1985 بدأت دار «شانيل» العملية، وفي عام 1997، تم إطلاق شركة موازية سمتها «Paraffection باغ أفيكسيون»، ومعناها باللغة الفرنسية «حُباً في»، انضوت تحتها هذه الورشات. مع السنين تكاثر عدد المنضوين من مختلف التخصصات تحت جناح الشركة، بعضهم يُتقن تطويع الجلود وبعضهم يتفنن في غزل الصوف وابتكار الأزرار بمواد جديدة، ومنهم من يهتم بالديكورات المنزلية. المشكلة أن هذه الورشات بقيت إلى عهد قريب متناثرة في أنحاء باريس وضواحيها، وهو ما كان يستنزف الوقت والجهد من المصممين وبيوت الأزياء التي تتعامل معها. ورغم أن «شانيل» حاولت جمع بعضهم في بناية واحدة في السابق، فإن عددهم المتزايد كان يجعل أي مكان يستقرون فيه يصغر ويضيق عليهم بعد فترة. في عام 2021 تغير الوضع تماماً. فقد شيّدت بناية ضخمة بمساحة تستوعب عدداً معقولاً من الورشات. لم تكن الدار تتوقع أن تُصبح البناية، التي أطلقت عليها اسم «19 إم» مَعلمة معمارية من معالم باريس.

في عام 1960 ابتكر «لوماري» لكوكو شانيل وردتها المفضلة الكاميليا من القماش (تصوير: أليكس مارنا)

مساحتها تبلغ 25.000 متر مربع و7 طوابق، استقبلت بعد الافتتاح في عام 2021، 11 ورشة من بين نحو 40 ورشة تحتضنها الدار، لسبب أساسي وهو أن الـ11 ورشة كانت موجودة في باريس وضواحيها، في حين توجد باقي الورشات في مناطق بعيدة مثل شركة «باري» المتخصصة في غزل الكشمير، التي توجد في اسكتلندا، و«غاييرا» المتخصصة في الجلود التي توجد بالقرب من ميلانو، وغيرها.

في ورشة «لونيو» تكتسب الأقمشة البسيطة بليسيهات بأشكال متنوعة (تصوير: آن كومباز)

زيارة قامت بها صحيفة «الشرق الأوسط» للمبنى خلال أسبوع الـ«هوت كوتور» الأخير، أكدت أن ما يجري على منصات العرض ما هو إلا قطرة في بحر ما يجري العمل عليه في هذا المبنى لأسابيع، إن لم نقل أشهراً. هنا تتحول النقاشات والأفكار المجنونة التي تبدأ في مشاغل المصممين ومكاتبهم إلى تلك اللوحات الفنية المتحركة التي نتابعها على منصات العرض، بدءاً من الأقمشة التي يتم تطويعها والبليسيهات التي يتم تشكيلُها هنا، إلى الورود والأحذية وباقي الإكسسوارات.

يحتضن «إم 19» ورشة بالوما بونبون المتخصصة في الأقمشة الناعمة وتشكيلها (تصوير: أليكس مارنا)

كل الجوارح خلال الأسبوع تكون موجهة بانبهار نحو الأزياء والإكسسوارات وباقي عناصر الإبهار التي ترافق العرض من إضاءة وموسيقى وغيرها من العناصر التي تستهدف دغدغة مشاعرنا وتنجح دائماً في نقلنا إلى عوالم حالمة. وفي نهاية كل عرض تبقى صور العارضات وهن يتخايلن في أزياء تزهو بالألوان والترصيعات والتطريزات، وأسماء مُصمميها، عالقة في الأذهان، وقلما يخطر بالبال أن كل هذا الجمال والإبداع وراءه جنود مجهولون لا يقلون شغفاً وعطاء. جنود لولاهم لما تم تحويل الرسمات والأفكار، الخيالية والسريالية في بعض الأحيان، إلى واقع ملموس.
بعد دقائق من التجول بين أقسام «19 إم» ينتابك شعور بأن اسم «شانيل» لم يعد يرتبط بشارع «غامبون» الأيقوني، حيث شقة غابرييل شانيل ومشغلها ومحلها وحده، ولا بد أن يشمل العنوان الجديد، الذي من حقه أن يأخذ حصته من الاحترام والاهتمام. وهذا لا يقتصر على معماره الحديث أو مساحته الشاسعة فحسب، بل في كونه ترسانة فنية لا مثيل لها في كل العالم لما تحتضنه من خبرات ومدارس لا توجد في أي مكان آخر. هذه الترسانة تحتمل بعض المبالغة بالقول إنها تمثل لصناعة الموضة ومستقبلها ما تُمثله «ناسا» للولايات المتحدة من صولات وجولات استكشافية في الفضاء. فهنا يتحول الحجر إلى أزرار والأقمشة إلى ورود، وهنا تكتسب الأقمشة أشكالاً وأبعاداً جديدة. مثلاً قماش يتم بسطُه بين قطعتين من الورق المقوى بعناية يتم لفه من الجانبين كما لو كان «ساندويتش»، في عملية تبدو بسيطة، لكنها دقيقة للغاية، يتحول بعدها القماش العادي والمنسدل إلى قماش مختلف تماماً ببليسيهات بديعة، تأخذ تارة شكل أكورديون وتارة شكل مربعات. تشرح مسؤولة القسم أنه ليس هناك مدرسة أو معهد تُعلَّم فيه هذه التقنية، فـ«ورشة (لونيو/ lognon) هنا هي الوحيدة التي تتقن هذه العملية وتحرص على نقلها من جيل إلى آخر»، حسب قولها.

من عرض الـ«هوت كوتور» الأخير لربيع وصيف 2023

منذ البداية كانت الفكرة بالنسبة لدار «شانيل» أن يُصبح المكان بمثابة مطبخ فكري وفني يتم فيه تبادل الخبرات والمهارات. يتم فيه أيضاً تسليم المشعل من جيل إلى آخر. فالزائر هذا المبنى يكتشف أن الماضي فيه، جزء من الحاضر والمستقبل. أغلب العاملين فيه شباب تقل أعمارهم عن الـ30 عاماً، يغرفون من خبرات الأجيال السابقة فيما يتعلق باستعمال أياديهم وأناملهم لصياغة هذه الأزياء والإكسسوارات وكل ما يتعلق بها من تفاصيل، إلى جانب إتقانهم أدوات العصر الحديثة مثل آلات الطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها. فقد تكون التكنولوجيا مُكملاً ضرورياً هنا بحكم متطلبات العصر، إلا أنها لا تُعوض عن الدقة والحرفية التي تجود بها الأنامل الناعمة.

في عام 1957 طلبت كوكو شانيل من «ماسارو» أن يصنع لها أحذية بلونين وهو ما أصبح من أيقوناتها (تصوير: أليكس مارنا)

الوصول إلى المبنى ليس سهلاً وفي الوقت ذاته ليس معقداً. فهو في الجادة «19» الواقعة شمال شرقي باريس. منطقة قد لا تقارن بشارع «غامبون» الراقي، إلا أنها تشهد انتعاشاً ثقافياً وفنياً ملموساً في السنوات الأخيرة. أول ما يثير انتباهك في المبنى من الخارج، شكله المثلث المترامي على مساحة 25.000 متر مربع وطوابقه السبعة. تبدو نوافذه الزجاجية وكأنها تمتد من الأرض إلى سقفه. فهيكله الخارجي يتكون من 231 وحدة خرسانية رفيعة جداً. بيد أن ما يلفت النظر أكثر، أنه يبدو كما لو كان مكسواً بالقماش تنسدل خيوطاً متشابكة على طول طوابقه السبعة. مهندسه الفرنسي رودي ريشيوتي أخذ بعين الاعتبار أنه مبنى خاص بالموضة، وأنه لدار أيقونية راسخة في المخيلة الفرنسية كمؤسسة ثقافية وفنية قائمة بذاتها، لهذا استعمل الحديد والزجاج والإسمنت بهذه الطريقة المبتكرة، تماماً مثل تركيزه على الإضاءة الطبيعية والاستفادة من المساحات المفتوحة. اسم المكان نفسه «L e 19M» قد يبدو وظيفياً للوهلة الأولى، لكنه يحمل الكثير من المعاني التي ترتبط بصناعة الموضة عموماً وبالدار الفرنسية خصوصاً. فإلى جانب أن رقم «19» يرمز إلى موقعه الجغرافي في الجادة «19»، فإنه أيضاً تاريخ يوم ميلاد غابرييل شانيل، التي وُلدت في 19 من شهر أغسطس (آب). أما حرف «إم M» فيرمز إلى عدة أشياء كلها ترتبط بالحرفية، مثل موضة، «ميتييه Metier»؛ أي حرفية، «مين Mains»؛ أي يد أو ما يُعرف بالأنامل الناعمة في لغة الخياطة الرفيعة، و«ميزون Maison»؛ أي دار أزياء.
الجميل في المكان عندما تطأ أقدامك عتبته ليس رائحة الإبداع والابتكار التي تزكم الأنفاس فحسب، بل كيف تتكشف أسراره وتقنياته، كما لو كانت لعبة «بازل» تكتمل صورتها أمام العيون. فهذه الورشات لا ترى أنها يجب أن تُبقي هذه التقنيات ملفوفة بالسرية، بل العكس تريد أن تستعرضها أمام العالم. كما لا تبخل على أي دار أزياء بها. وهذا يُحسب لـ«شانيل» التي على الرغم من أنها تمتلكها، فإنها لا تتملَّكها أو تحتكرها، بل تفسح لها المجال للتعاون مع كل بيوت الأزياء العالمية. من جهة لكي تحافظ على استمرارية مفهوم «صُنع باليد»، ومن جهة ثانية لتمويل نفسها. ورغم أن خط الـ«هوت كوتور» هو من يستفيد من هذه الخبرات بشكل واسع، فإنها بالنسبة للدار، الأكسجين الذي يتنفس منه خط الـ«ميتييه داغ». فهو خاص بها بدأه الراحل كارل لاغرفيلد منذ أكثر من عقدين لكي يكون احتفالاً بهذه الحرف واستعراضاً لما تُنتجه. وحتى لا يُفوِّت على أحد متعة متابعتها، حرص أن يعرض هذا الخط مرة في السنة، في عواصم مختلفة من العالم. وهذا تقليد لا تزال الدار تلتزم به لحد الآن. ففي شهر ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، تأخذ ضيوفها المهمين في رحلة تخاطب كل الحواس، كان آخرها إلى داكار، عاصمة السنغال.
كانت هذه أول مرة تحتضن أفريقيا عرضاً مماثلاً، كما كانت وجهة جديدة ومجنونة، ولا سيما أن الدار لا تنوي فتح محلات لها في العاصمة الأفريقية. تبريرها كان أنها تريد فتح حوار فكري، ثقافي، وفني، مع مُبدعي السنغال. فمقرها «19M» ليس مجرد مطبخ إبداعي لصناعة الموضة، بل هو أيضاً ملتقى فني وثقافي تفتحه للعامة في أيام محددة لمن يريدون تعلم حرفة ما، وتُخصص جزءاً منه، نحو 1.200 متر مربع، لتنظيم معارض متنوعة.
الآن وبالتعاون مع متحف «تيودور مونو» للفنون الأفريقية، هناك حوار جارٍ بينه وبين حرفيين سنغاليين ضمن برنامج «19 إم داكار»، تحت عنوان «Sur le fil»، ومعناها «على الخيط»، إشارة إلى تلك العلاقة التي تربط التطريز بمجالات فنية أخرى مثل الرسم والتصوير الفوتوغرافي وغيرها.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.