«إم 19»... ترسانة فنية تجمع جنود الخفاء لترجمة أفكار المصممين

«الشرق الأوسط» تدخل عالم «شانيل» حيث يتحول الحجر إلى أزرار والأقمشة إلى ورود

من عرض «ميتييه داغ» الأخير الذي جرى في داكار (خاص «الشرق الأوسط»)
من عرض «ميتييه داغ» الأخير الذي جرى في داكار (خاص «الشرق الأوسط»)
TT

«إم 19»... ترسانة فنية تجمع جنود الخفاء لترجمة أفكار المصممين

من عرض «ميتييه داغ» الأخير الذي جرى في داكار (خاص «الشرق الأوسط»)
من عرض «ميتييه داغ» الأخير الذي جرى في داكار (خاص «الشرق الأوسط»)

انتهى أسبوع الموضة الخاص بالأزياء الراقية أو ما يُعرف بالـ«هوت كوتور» منذ أسابيع، وبقيت أصداؤه وصُوره عالقة في الأذهان. صور تحاكي اللوحات الفنية في بعض الأحيان بألوانها وتفاصيلها الدقيقة. فهذا الموسم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتصاميم لا مثيل لها نُفِّذ أغلبها بأنامل ناعمة سهرت ليالي وأسابيع على إنجازها. لحُسن الحظ أنه على الرغم مما يُكلِّفه تفردها من أسعار نارية، فإن لهذه التصاميم زبونات لا يبخلن عليها بالغالي والنفيس، لإدراكهن كم الشَّغف الذي تتضمنه كل طية من طياتها أو خط من خطوطها. المصممون، بدورهم، يعشقون هذا الخط لما يوفره لهم من اختبار لأفكار غريبة وابتكار أقمشة جديدة، كل ما تحتاج إليه لتتحول إلى واقع، هو حرفيون متمرسون، أو ما يُطلق عليهم الأنامل الناعمة وجنود الخفاء.

في مشغل «لوساج» (تصوير أليكس مارنا)

بالنسبة لدار «شانيل»، هذه الحرفية لا تقتصر على خط الـ«هوت كوتور»، بل تمتد إلى باقي الخطوط: الأزياء الجاهزة والـ«كروز» و«ميتييه داغ». فالدار تقوم منذ عام 1985، وبكل ما أوتيت من قوة إمكانات، بمحاولات لضمان استمرارية صناعة الموضة الراقية ومفهوم «صُنع باليد». أمر بالنسبة لها لا يمكن أن يتحقق سوى بضمان مُستقبل حرفييها. خط الـ«ميتييه داغ» مثلاً بدأه مصممها الراحل كارل لاغرفيلد في عام 2002 لتسليط الضوء على الأيادي الناعمة التي تعمل في مجالات مختلفة، من صناعة البليسيهات والأزرار والورود والريش إلى القبعات والأحذية والقفازات وغيرها. فمن دون خبرات هؤلاء لا تكتمل الموضة. في منتصف القرن الماضي كاد يتعرض بعض هذه الورشات الحرفية للإفلاس والاختفاء تماماً. تقلص عددها وعدد العاملين فيها بشكل مخيف، إما لشُح الإمكانات المادية أو بسبب العولمة وما ترتب عنها من زحف الآلات الصناعية على صناعة الموضة، أو لعدم وجود ورثة يُكملون مسيرة المؤسسين.

ورشة «مونتيكس» للتطريز لها مكان مهم في صناعة الموضة (شانيل مونتيكس)

الخوف عليها حفَز «شانيل» أن تقوم بعملية إنقاذ واسعة لضمِّها إلى حضنها.
في عام 1985 بدأت دار «شانيل» العملية، وفي عام 1997، تم إطلاق شركة موازية سمتها «Paraffection باغ أفيكسيون»، ومعناها باللغة الفرنسية «حُباً في»، انضوت تحتها هذه الورشات. مع السنين تكاثر عدد المنضوين من مختلف التخصصات تحت جناح الشركة، بعضهم يُتقن تطويع الجلود وبعضهم يتفنن في غزل الصوف وابتكار الأزرار بمواد جديدة، ومنهم من يهتم بالديكورات المنزلية. المشكلة أن هذه الورشات بقيت إلى عهد قريب متناثرة في أنحاء باريس وضواحيها، وهو ما كان يستنزف الوقت والجهد من المصممين وبيوت الأزياء التي تتعامل معها. ورغم أن «شانيل» حاولت جمع بعضهم في بناية واحدة في السابق، فإن عددهم المتزايد كان يجعل أي مكان يستقرون فيه يصغر ويضيق عليهم بعد فترة. في عام 2021 تغير الوضع تماماً. فقد شيّدت بناية ضخمة بمساحة تستوعب عدداً معقولاً من الورشات. لم تكن الدار تتوقع أن تُصبح البناية، التي أطلقت عليها اسم «19 إم» مَعلمة معمارية من معالم باريس.

في عام 1960 ابتكر «لوماري» لكوكو شانيل وردتها المفضلة الكاميليا من القماش (تصوير: أليكس مارنا)

مساحتها تبلغ 25.000 متر مربع و7 طوابق، استقبلت بعد الافتتاح في عام 2021، 11 ورشة من بين نحو 40 ورشة تحتضنها الدار، لسبب أساسي وهو أن الـ11 ورشة كانت موجودة في باريس وضواحيها، في حين توجد باقي الورشات في مناطق بعيدة مثل شركة «باري» المتخصصة في غزل الكشمير، التي توجد في اسكتلندا، و«غاييرا» المتخصصة في الجلود التي توجد بالقرب من ميلانو، وغيرها.

في ورشة «لونيو» تكتسب الأقمشة البسيطة بليسيهات بأشكال متنوعة (تصوير: آن كومباز)

زيارة قامت بها صحيفة «الشرق الأوسط» للمبنى خلال أسبوع الـ«هوت كوتور» الأخير، أكدت أن ما يجري على منصات العرض ما هو إلا قطرة في بحر ما يجري العمل عليه في هذا المبنى لأسابيع، إن لم نقل أشهراً. هنا تتحول النقاشات والأفكار المجنونة التي تبدأ في مشاغل المصممين ومكاتبهم إلى تلك اللوحات الفنية المتحركة التي نتابعها على منصات العرض، بدءاً من الأقمشة التي يتم تطويعها والبليسيهات التي يتم تشكيلُها هنا، إلى الورود والأحذية وباقي الإكسسوارات.

يحتضن «إم 19» ورشة بالوما بونبون المتخصصة في الأقمشة الناعمة وتشكيلها (تصوير: أليكس مارنا)

كل الجوارح خلال الأسبوع تكون موجهة بانبهار نحو الأزياء والإكسسوارات وباقي عناصر الإبهار التي ترافق العرض من إضاءة وموسيقى وغيرها من العناصر التي تستهدف دغدغة مشاعرنا وتنجح دائماً في نقلنا إلى عوالم حالمة. وفي نهاية كل عرض تبقى صور العارضات وهن يتخايلن في أزياء تزهو بالألوان والترصيعات والتطريزات، وأسماء مُصمميها، عالقة في الأذهان، وقلما يخطر بالبال أن كل هذا الجمال والإبداع وراءه جنود مجهولون لا يقلون شغفاً وعطاء. جنود لولاهم لما تم تحويل الرسمات والأفكار، الخيالية والسريالية في بعض الأحيان، إلى واقع ملموس.
بعد دقائق من التجول بين أقسام «19 إم» ينتابك شعور بأن اسم «شانيل» لم يعد يرتبط بشارع «غامبون» الأيقوني، حيث شقة غابرييل شانيل ومشغلها ومحلها وحده، ولا بد أن يشمل العنوان الجديد، الذي من حقه أن يأخذ حصته من الاحترام والاهتمام. وهذا لا يقتصر على معماره الحديث أو مساحته الشاسعة فحسب، بل في كونه ترسانة فنية لا مثيل لها في كل العالم لما تحتضنه من خبرات ومدارس لا توجد في أي مكان آخر. هذه الترسانة تحتمل بعض المبالغة بالقول إنها تمثل لصناعة الموضة ومستقبلها ما تُمثله «ناسا» للولايات المتحدة من صولات وجولات استكشافية في الفضاء. فهنا يتحول الحجر إلى أزرار والأقمشة إلى ورود، وهنا تكتسب الأقمشة أشكالاً وأبعاداً جديدة. مثلاً قماش يتم بسطُه بين قطعتين من الورق المقوى بعناية يتم لفه من الجانبين كما لو كان «ساندويتش»، في عملية تبدو بسيطة، لكنها دقيقة للغاية، يتحول بعدها القماش العادي والمنسدل إلى قماش مختلف تماماً ببليسيهات بديعة، تأخذ تارة شكل أكورديون وتارة شكل مربعات. تشرح مسؤولة القسم أنه ليس هناك مدرسة أو معهد تُعلَّم فيه هذه التقنية، فـ«ورشة (لونيو/ lognon) هنا هي الوحيدة التي تتقن هذه العملية وتحرص على نقلها من جيل إلى آخر»، حسب قولها.

من عرض الـ«هوت كوتور» الأخير لربيع وصيف 2023

منذ البداية كانت الفكرة بالنسبة لدار «شانيل» أن يُصبح المكان بمثابة مطبخ فكري وفني يتم فيه تبادل الخبرات والمهارات. يتم فيه أيضاً تسليم المشعل من جيل إلى آخر. فالزائر هذا المبنى يكتشف أن الماضي فيه، جزء من الحاضر والمستقبل. أغلب العاملين فيه شباب تقل أعمارهم عن الـ30 عاماً، يغرفون من خبرات الأجيال السابقة فيما يتعلق باستعمال أياديهم وأناملهم لصياغة هذه الأزياء والإكسسوارات وكل ما يتعلق بها من تفاصيل، إلى جانب إتقانهم أدوات العصر الحديثة مثل آلات الطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها. فقد تكون التكنولوجيا مُكملاً ضرورياً هنا بحكم متطلبات العصر، إلا أنها لا تُعوض عن الدقة والحرفية التي تجود بها الأنامل الناعمة.

في عام 1957 طلبت كوكو شانيل من «ماسارو» أن يصنع لها أحذية بلونين وهو ما أصبح من أيقوناتها (تصوير: أليكس مارنا)

الوصول إلى المبنى ليس سهلاً وفي الوقت ذاته ليس معقداً. فهو في الجادة «19» الواقعة شمال شرقي باريس. منطقة قد لا تقارن بشارع «غامبون» الراقي، إلا أنها تشهد انتعاشاً ثقافياً وفنياً ملموساً في السنوات الأخيرة. أول ما يثير انتباهك في المبنى من الخارج، شكله المثلث المترامي على مساحة 25.000 متر مربع وطوابقه السبعة. تبدو نوافذه الزجاجية وكأنها تمتد من الأرض إلى سقفه. فهيكله الخارجي يتكون من 231 وحدة خرسانية رفيعة جداً. بيد أن ما يلفت النظر أكثر، أنه يبدو كما لو كان مكسواً بالقماش تنسدل خيوطاً متشابكة على طول طوابقه السبعة. مهندسه الفرنسي رودي ريشيوتي أخذ بعين الاعتبار أنه مبنى خاص بالموضة، وأنه لدار أيقونية راسخة في المخيلة الفرنسية كمؤسسة ثقافية وفنية قائمة بذاتها، لهذا استعمل الحديد والزجاج والإسمنت بهذه الطريقة المبتكرة، تماماً مثل تركيزه على الإضاءة الطبيعية والاستفادة من المساحات المفتوحة. اسم المكان نفسه «L e 19M» قد يبدو وظيفياً للوهلة الأولى، لكنه يحمل الكثير من المعاني التي ترتبط بصناعة الموضة عموماً وبالدار الفرنسية خصوصاً. فإلى جانب أن رقم «19» يرمز إلى موقعه الجغرافي في الجادة «19»، فإنه أيضاً تاريخ يوم ميلاد غابرييل شانيل، التي وُلدت في 19 من شهر أغسطس (آب). أما حرف «إم M» فيرمز إلى عدة أشياء كلها ترتبط بالحرفية، مثل موضة، «ميتييه Metier»؛ أي حرفية، «مين Mains»؛ أي يد أو ما يُعرف بالأنامل الناعمة في لغة الخياطة الرفيعة، و«ميزون Maison»؛ أي دار أزياء.
الجميل في المكان عندما تطأ أقدامك عتبته ليس رائحة الإبداع والابتكار التي تزكم الأنفاس فحسب، بل كيف تتكشف أسراره وتقنياته، كما لو كانت لعبة «بازل» تكتمل صورتها أمام العيون. فهذه الورشات لا ترى أنها يجب أن تُبقي هذه التقنيات ملفوفة بالسرية، بل العكس تريد أن تستعرضها أمام العالم. كما لا تبخل على أي دار أزياء بها. وهذا يُحسب لـ«شانيل» التي على الرغم من أنها تمتلكها، فإنها لا تتملَّكها أو تحتكرها، بل تفسح لها المجال للتعاون مع كل بيوت الأزياء العالمية. من جهة لكي تحافظ على استمرارية مفهوم «صُنع باليد»، ومن جهة ثانية لتمويل نفسها. ورغم أن خط الـ«هوت كوتور» هو من يستفيد من هذه الخبرات بشكل واسع، فإنها بالنسبة للدار، الأكسجين الذي يتنفس منه خط الـ«ميتييه داغ». فهو خاص بها بدأه الراحل كارل لاغرفيلد منذ أكثر من عقدين لكي يكون احتفالاً بهذه الحرف واستعراضاً لما تُنتجه. وحتى لا يُفوِّت على أحد متعة متابعتها، حرص أن يعرض هذا الخط مرة في السنة، في عواصم مختلفة من العالم. وهذا تقليد لا تزال الدار تلتزم به لحد الآن. ففي شهر ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، تأخذ ضيوفها المهمين في رحلة تخاطب كل الحواس، كان آخرها إلى داكار، عاصمة السنغال.
كانت هذه أول مرة تحتضن أفريقيا عرضاً مماثلاً، كما كانت وجهة جديدة ومجنونة، ولا سيما أن الدار لا تنوي فتح محلات لها في العاصمة الأفريقية. تبريرها كان أنها تريد فتح حوار فكري، ثقافي، وفني، مع مُبدعي السنغال. فمقرها «19M» ليس مجرد مطبخ إبداعي لصناعة الموضة، بل هو أيضاً ملتقى فني وثقافي تفتحه للعامة في أيام محددة لمن يريدون تعلم حرفة ما، وتُخصص جزءاً منه، نحو 1.200 متر مربع، لتنظيم معارض متنوعة.
الآن وبالتعاون مع متحف «تيودور مونو» للفنون الأفريقية، هناك حوار جارٍ بينه وبين حرفيين سنغاليين ضمن برنامج «19 إم داكار»، تحت عنوان «Sur le fil»، ومعناها «على الخيط»، إشارة إلى تلك العلاقة التي تربط التطريز بمجالات فنية أخرى مثل الرسم والتصوير الفوتوغرافي وغيرها.


مقالات ذات صلة

جون غاليانو يعود من الانكسار ليُحقق الانتصار

لمسات الموضة  كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)

جون غاليانو يعود من الانكسار ليُحقق الانتصار

كانت الإطلالات تحتاج إلى ترويضها للتخفيف من جموحها الفانتازي وجُرأتها، لكنها حتى بلعبها على التضاريس الأنثوية بشكل مبالغ فيه تضمنت معاني فلسفية وفنية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أدريان أبيولازا

من هو مصمم «موسكينو» الجديد؟

أعلنت دار «موسكينو» عن تعيينها أدريان أبيولازا مديراً إبداعياً جديداً لها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة المصممة تامارا رالف في مشغلها (أوديمار بيغيه)

تمارا رالف لـ«الشرق الأوسط»: أنظر إلى كأسي هذه الفترة فأراها تنضح بالحب والحظ

المصممة تامارا رالف تغلبها روح الأمومة هذه الأيام، وتريد أن تحتضن المرأة في كل مكان وزمان وتُحفزها على أن تثق بنفسها وقدراتها «لأن أي واحدة منا تستطيع خوض

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اختار لعروس فستاناً بلون بيج يستحضر كثبان الرمل الذهبية (إيلي صعب)

«وردة الصحراء» ملهمة تشكيلة إيلي صعب لربيع وصيف 2024

خط «الهوت كوتور» بالنسبة لإيلي صعب ليس مجرد «بريستيج» أو أداة للترويج للأزياء الجاهزة أو لبيع العطور بل عمود «ميزون إيلي صعب» الفقري.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لتكون في المستوى العالمي تحرص «ليم» على الجودة في الخامات والدقة في التفاصيل (ليم)

كيف وصلت «ليم» السعودية إلى العالمية؟

لعبت «ليم» على الحبلين، حتى تضمن نجاحها بكل الأشكال. وفي الحالتين كانت تضع العالمية على رأس قائمة أولوياتها...

جميلة حلفيشي (لندن)

«ديور» تضرب موعداً مع عشاق خط الـ«كروز» في أسكوتلندا

تتميز حديقة دراموند كاسل بتصميم هندسي جعلها واحدة من أجمل وأهم حدائق أوروبا على الإطلاق» (كاتيلي اروسميث)
تتميز حديقة دراموند كاسل بتصميم هندسي جعلها واحدة من أجمل وأهم حدائق أوروبا على الإطلاق» (كاتيلي اروسميث)
TT

«ديور» تضرب موعداً مع عشاق خط الـ«كروز» في أسكوتلندا

تتميز حديقة دراموند كاسل بتصميم هندسي جعلها واحدة من أجمل وأهم حدائق أوروبا على الإطلاق» (كاتيلي اروسميث)
تتميز حديقة دراموند كاسل بتصميم هندسي جعلها واحدة من أجمل وأهم حدائق أوروبا على الإطلاق» (كاتيلي اروسميث)

أعلنت دار «ديور» في الأسبوع الماضي أنها اختارت قصراً أسكوتلندياً لعرض تشكيلتها الخاصة من خط الـ«كروز» لعام 2025. وهكذا سيكون لضيوفها موعد مع التاريخ والطبيعة في أجمل حالاتهما يوم 3 يونيو (حزيران).

تتميز حديقة دراموند كاسل بتصميم هندسي جعلها واحدة من أجمل وأهم حدائق أوروبا على الإطلاق» (كاتيلي اروسميث)

فحديقة دراموند كاسل في بيرثشاير تعود إلى عام 1630 وتوصف بأنها «واحدة من أجمل وأهم حدائق أوروبا على الإطلاق». وهي نفس حديقة القصر الذي صُوّر فيها فيلم «روب روي» والسلسلة التلفزيونية «آوتلاندر» بديلاً لقصر فيرساي. وصرح متحدث باسم الدار بأن هذه الوجهة مهمة بالنسبة للدار الفرنسية لما تمثله من جمال وشاعرية، وأيضاً لكونها جسراً يربط الماضي بالمستقبل، ويُذكر بتلك العلاقة التي ربطت مؤسسها «كريستيان ديور» بالمنطقة في منتصف القرن الماضي. في تشكيلته لخريف وشتاء 1947، أطلق على فستان اسم «إيكوس» أي أسكوتلندا. وفي عام 1955 نظم حفلاً راقصاً فخماً في فندق «دي غلينيغل» احتفالاً بتشكيلته للربيع والصيف.

في كل عاصمة تتوجه إليها تحرص على تسليط الضوء على الأعمال الحرفية فيها (خاص)

مصممة الدار الحالية ماريا غراتزيا تشيوري، وكما في كل عروضها السابقة من هذا الخط، ستواصل تعاونها مع حرفيين محليين لإنعاش حِرفهم وتجارتهم بتسليط الأضواء على المنطقة. ما يُحسب لها أنها حولت هذه العملية تقليداً. ففي لقاء مع موقع «بي أو إف» في عام 2022، صرحت بأنها تؤمن بأنها مصممة مجتمع وليست مصممة تعيش في برج عاجي.

بتنقل الدار بين عواصم العالم، فإنها أيضاً تُسلط الأضواء على إمكاناتها الحِرفية بالنظر إلى أن الأزياء تُصنع في أوراشها الباريسية، كما على إمكانياتها الضخمة كدار أزياء تعدّها فرنسا مؤسسة ثقافية.


حفل «الأوسكار» هذا العام... كثير من الترتر قليل من البريق

تعرضت إيما ستون لموقف حرج بسبب انزلاق سحاب الفستان (رويترز)
تعرضت إيما ستون لموقف حرج بسبب انزلاق سحاب الفستان (رويترز)
TT

حفل «الأوسكار» هذا العام... كثير من الترتر قليل من البريق

تعرضت إيما ستون لموقف حرج بسبب انزلاق سحاب الفستان (رويترز)
تعرضت إيما ستون لموقف حرج بسبب انزلاق سحاب الفستان (رويترز)

فساتين كثيرة طرزت بالكامل بالترتر واختالت بها نجمات السينما أمام الكاميرات. كان الهدف منها إما أن تضفي البريق أو تسرقه. لكنها لم تحقق أياً من هذين الهدفين. بالرغم من لمعانها لم تُبهر أو تُلهم. نقطة ضعفها أنها افتقدت الابتكار وتلك الجرأة المحسوبة في الاختيار التي كنا دائماً ننتظرها، أولاً في حفل توزيع جوائز الـ«غولدن غلوب» وثانياً في حفل توزيع جوائز «الأوسكار» الذي يليه من حيث التوقيت. هذا العام، ومهما حاول البعض إقناعنا، جاءت الصورة باهتة والكثير من التصاميم أقل من عادية، فضلاً عن كونها غير متقنة الصُنع والتنفيذ. ليس أدل على هذا من الفستان الذي ظهرت به الممثلة إيما ستون. كان من المفروض أن يجعلها نجمة النجمات؛ كونه من دار «لوي فويتون» التي اقتحمت مجال أزياء المساء والسهرة منذ سنوات فقط. لكنه في المقابل عرضها لموقف محرج عندما علق سحاب فستانها وانزلق وهي تتوجه لتسلم جائزتها.

حتى أمس قريب، كان هذا الحفل أهم وأكبر عرض أزياء سنوي بالنسبة لعشاق الموضة وبيوت الأزياء على حد سواء. هذه الأخيرة ترصد له ميزانيات لا يستهان بها، أحياناً بتفصيل فساتين على المقاس للنجمات وأحياناً بتقديم اقتراحات من تشكيلاتها الجاهزة على أمل أن يخترن واحداً منها يكون له مفعول السحر على اسم الدار وحرفيتها. ففي زمن أصبحت فيه النجمات مؤثرات تغذي إطلالاتهن وأخبارهن «السوشيال ميديا»، كان من الطبيعي أن يتهافت الكل عليهن، سواء لتصدر أغلفة المجلات البراقة أو لخلق محتوى يمكن تداوله بسهولة لجلب أكبر عدد من المتابعات. بالنسبة لبيوت الأزياء، فإنها تخصص حالياً جزءاً كبيراً من الميزانية التي كانت ترصدها سابقاً للإعلانات التقليدية في المجلات البراقة والتلفزيونات، وتعتمد فيها على عارضات أزياء ومصورين عالميين، لهؤلاء النجمات لكسب ودهن وربط علاقات مبنية على الإفادة والاستفادة بينهما.

إميلي بلانت في فستان من «سكاباريللي» ومجوهرات من «تيفاني آند كو» (رويترز)

الممثلة البريطانية إميلي بلانت مثلاً، وبموجب علاقتها بدار «تيفاني آند كو» للمجوهرات، ظهرت في الحفل بعقد مكون من 700 ماسة. لإبرازه اختارت فستاناً من «سكاباريللي» من دون أكمام وأكتاف ترتفع، أو بالأحرى تعوم فوق الكتف بسنتيمترين تقريباً. كان أيضاً من البديهي أن تظهر نجمة دعايات عطور دار «ديور» تشارليز ثيرون بإطلالة من تصميم مصممة الدار ماريا غراتزيا تشيوري، وهو ما كان.

أما الممثلة إيما ستون، فيُشاع أنها تتلقى نحو مليوني دولار سنوياً من «لويس فويتون» للظهور بتصاميمها في المناسبات المهمة. وإذا كان مقولة: «أي دعاية مهما كانت أفضل من لا دعاية»، فإنها هذه المرة أثارت ضجة وحركة في وسائل التواصل الاجتماعي ليس لعدم أناقة التصميم فحسب، بل لتعريضه لها إلى الموقف الحرج وهي تتوجه لتسلم جائزتها كأحسن ممثلة.

الممثلة دافين جوي راندولف في فستان من دار «لويس فويتون» كان مخيباً للآمال (أ.ب)

الممثلة دافين جوي راندولف، الحائزة جائزة أفضل ممثلة مساندة عن فيلم «المستمرون» هي الأخرى اختارت إطلالة بلون سماوي مغطى بالترتر مع أكمام بالونية من الريش من دار «لويس فويتون»، وهي الأخرى لم تكن موفقة.

لم يقتصر هذا الفشل في الإبهار على «لوي فويتون»؛ شمل حتى جورجيو أرماني الذي يعد إلى جانب المصممين اللبنانيين العالميين، ملك السجاد الأحمر. لم تحبس تصاميمه الأنفاس كما قبل، رغم أن عددها وصل إلى أكثر من 30 تقريباً. لكن ما يحسب لها أنها كانت على الأقل أنيقة ومنفذة بشكل راقٍ يعكس أسلوبه وتفانيه في إتقان التفاصيل النهائية.

أ.ف.روكويل في قطع مجوهرات من دار «بوشرون» (بوشرون)

المجوهرات في المقابل حققت ما لم تُحققه الأزياء من بريق. جاءت بجودة عالية، كما وُظفت بشكل راقٍ غطى على بساطة الأزياء وأضفى عليها قيمة افتقدتها في جوانب مهمة مثل التفصيل وتلك اللمسات النهائية التي خلّفت الانطباع كما لو كانت مرتجلة وتم تنفيذها في آخر لحظة. العقد الذي تزينت به إميلي بلانت، مثلاً، صممته دار «تيفاني آند كو» على شكل أوراق الشجر، نسقته مع قرطين من الألماس والذهب عيار 18 قيراطاً، والسوار الذي زينت به المغنية دوا ليبا معصمها كان من البلاتين والذهب عيار 18 قيراطاً مرصعاً بالياقوت البرتقالي، وهو أيضاً من «تيفاني آند كو».

«بوشرون» أيضاً ساهمت في رش الكثير من البريق على المناسبة بتعاونها مع عدد من النجمات من أمثال غريتا جيرويج، وهايلي ستاينفلد، وأوليفيا وايلد، ودايان كروغر، ورشيدة جونز، وجون سمولز، ولويزا جيكوبسون.

هند صبري في فستان من المخمل الأسود من تصميم نيكولا جبران ومجوهرات من دار «بياجيه»

أما هند صبري التي حضرت حفل «الأوسكار» في فستان كلاسيكي طويل باللون الأسود تخللته خيوط تلمع من اللون نفسه، من تصميم اللبناني نيكولا جبران، فتألقت في قلادة وأقراط أذن وسوار من «بياجيه».


«سيلين» تقدم تشكيلة «النصر» بوحي من الستينات

دمج المصمم الأزياء الجاهزة بأزياء راقية تم تطريزها باليد بحرفية عالية (سيلين)
دمج المصمم الأزياء الجاهزة بأزياء راقية تم تطريزها باليد بحرفية عالية (سيلين)
TT

«سيلين» تقدم تشكيلة «النصر» بوحي من الستينات

دمج المصمم الأزياء الجاهزة بأزياء راقية تم تطريزها باليد بحرفية عالية (سيلين)
دمج المصمم الأزياء الجاهزة بأزياء راقية تم تطريزها باليد بحرفية عالية (سيلين)

هادي سليمان مصمم معروف بحبه لأن تكون الصورة متكاملة؛ فهو مصمم ومصور ومخرج ويهتم بكل صغيرة وكبيرة. لهذا ليس غريباً أنه يريد أن تكون صورة امرأة «سيلين» متكاملة من الأزياء والإكسسوارات إلى العطور ومستحضرات التجميل التي طرحها مؤخراً وينوي التوسع فيها أكثر، ابتداء من عام 2025.

كل صغيرة وكبيرة تم الانتباه إليها في العرض (سيلين)

منذ أيام قليلة، تم عرض تشكيلة «سيلين» لخريف وشتاء 2024، من خلال فيلم قصير، التقط جمالياتها من كل الزوايا. تشرح الدار أن مديرها الفني، هادي سليمان، هو مَن صوَّر الفيلم وأخرجه، وهو أيضاً مَن نسج قصة العرض من خيوط تعود إلى عام 1971، هذه الخيوط كانت بمثابة نقطة التحول بالنسبة للدار الفرنسية التي تأسست في عام 1945.

كان ذلك عندما تعطَّلت سيارة سيلين فيبيانا، مؤسِّسة «سيلين»، وهي عند تقاطع باريس المواجه لقوس النصر. ظلَّت للحظات واقفة في انتظار تصليح السيارة. كان من الطبيعي، ولكي تقتل الوقت، أن تجول بعينها في الأماكن المحيطة بها. هذه الجولة البصرية شدتها إلى الزخرفة المميزة التي تزين أسوار القوس. تمعنت في ذلك التسلسل الذي يلتف حوله ثم ينساب ويتشابك بشكل فني وكأنه سلسلة من ذهب. انبهرت به، ولم تمر سوى فترة قصيرة حتى وُلِد من وحيها «مونوغرام سيلين»، الذي يزين حقائب اليد والأبازيم والأوشحة إلى اليوم؛ فقد أصبح هذا المونوغرام لصيقاً بـ«سيلين»، ومطلب المرأة الفرنسية... البورجوازية على وجه الخصوص.

كل ما في التشكيلة من قصات وألوان يستحضر حقبة الستينات (سيلين)

في عام 2018، وعندما تسلم هادي سليمان مقاليد الدار، كان هذا «المونوغرام» أول ما أثار انتباهه. أعاد تصوره وصياغته بشكل أبسط وأكثر حداثة. راقته قصة ولادته، فقرر أن يبقى وفياً لها، لهذا أطلق عليه اسم «تريومف» ليرسِخ مكانته بوصفه رمزاً من رموز الدار الأساسية. حتى عرضه لخريف وشتاء 2024 حمل عنوان «تشكيلة قوس النصر» (La Collection de l’Arc de Triomphe)، وجاء بمثابة احتفال بتلك العلاقة الروحية التي تربط الدار بالمعلمة الباريسية الشهيرة.

من ناحية الأزياء والإكسسوارات، قرر هادي سليمان أن يعود بنا إلى ستينات القرن الماضي؛ فهو العصر الذهبي لسيلين، وهو أيضاً الحقبة التي شهدت نشاط حركة نسوية قادتها شابات يردن التحرر من قيود الماضي ومصممين لبوا النداء، من أمثال أندريه كوريج وبيار كاردان وإيف سان لوران. لم يكن في التشكيلة بنطلون واحد، رغم أن هادي سليمان ضليع في تفصيله بكل أشكاله الرجالية والنسائية. كلها كانت عبارة عن فساتين ناعمة وتايورات بتنورات قصيرة ومعاطف أيضاً لا تتعدى الركبة. لم تكن متمردة على مفهوم الأناقة الكلاسيكي من ناحية تفصيلها وتفاصيلها.

اهتم هادي سليمان بكل التفاصيل لتأتي الصورة ذهبية تعكس عصرا ذهبيا كما تصوره (سيلين)

بالعكس كل ما فيها يضج بأنوثة تتراقص على نغمات كلاسيكية راقية تستحضر صورة أودري هيبورن بفستانها الأسود وصفوف اللؤلؤ التي كانت تتزين بها، في فيلم «إفطار في تيفاني»، ونظارتها السوداء. لكن بترجمة هادي سليمان الشبابية. فهذه الفساتين رغم إيحاءاتها الستينية معاصرة تفوح من كل تفاصيلها عند الأكتاف والياقات والجوانب ديناميكية عجيبة. أعاد لنا «الثنائيات» المكونة من قطعتين، بينما دمج الأزياء الجاهزة بقطع من الأزياء الراقية مطرزة يدوياً وتبرق بمئات الأحجار من الكريستال. ويبدو واضحاً أن هادي يستمتع بدور المايسترو المصمم والمخرج. أخذ كل جزئية بعين الاعتبار من النظارات السوداء إلى عقود اللؤلؤ وحقائب اليد بحجمها الصغير والقبعات المصنوعة من اللباد، ويتوسطها مونوغرام «سيلين» بعفوية ذكية ومدروسة في الوقت ذاته، وأحذية «ماري جاين» وغيرها.

تم إنشاء قسم التجميل على يد هادي سليمان في عام 2023 بعد النجاح في إطلاق مجموعة العطور الراقية في عام 2019 (سيلين)

بيد أن أهم ما في الخبر أن المصمم لم يكتفِ بطرح تشكيلة في غاية الأناقة لربيع وخريف 2024 - 2025، فقد أعلن دخول الدار مجال التجميل، بعد نجاحه في مجال العطور الذي اقتحمه في عام 2019 بكل قوته وإمكاناته الإبداعية.

ماكياج العارضات في الفيلم كان أيضاً مستوحى من الستينات. استعمل فيه أحمر شفاه (La Peau Nue) أي «البشرة العارية»، وهو واحد من بين 15 درجة ستضمها مجموعة ’Le Rouge Celine، التي ستتوفر في الأسواق ابتداء من عام 2025، وسيكون من ضمنها «روج تريومف» الكلاسيكي بغلاف ذهبي محدب مزين بمونوغرام قوس النصر، شعار الدار.

بدأت الدار بأحمر الشفاه على أن تتوسع لمستحضرات أخرى (سيلين)

تجدر الإشارة إلى أن قسم التجميل أُنشئ على يد هادي سليمان في عام 2023، بعد نجاحه في إطلاق مجموعة العطور الراقية في عام 2019. وتنوي الدار الكشف في كل موسم عن مجموعات جديدة من تصميم هدي سليمان تشمل مرطبات الشفاه والمسكارا وأقلام تحديد العيون والحواجب وحافظات البودرة والخدود والأظافر، وغيرها كثير.


العباءة والبشت ورموز سعودية أخرى بعيون إيطالية

راعت الدار عنصرَي الحشمة والاحترام في كل تفاصيل هذه المجموعة (لورو بيانا)
راعت الدار عنصرَي الحشمة والاحترام في كل تفاصيل هذه المجموعة (لورو بيانا)
TT

العباءة والبشت ورموز سعودية أخرى بعيون إيطالية

راعت الدار عنصرَي الحشمة والاحترام في كل تفاصيل هذه المجموعة (لورو بيانا)
راعت الدار عنصرَي الحشمة والاحترام في كل تفاصيل هذه المجموعة (لورو بيانا)

من بين تكوينات منطقة العُلا التاريخية... تضاريسها الصخرية وألوانها الغنية، أكدت دار «لورو بيانا» مرة أخرى أنها لا تقدم أناقة راقية لكل زمان ومكان فحسب، بل أيضاً رؤية فنية عابرة للثقافات؛ فمن بين كل المجموعات الرمضانية التي تسابقت بيوت الأزياء على طرحها هذا العام، برز ما قدَمته دافئاً ومنعشاً في الوقت ذاته. لم تعتمد الدار على صوفها المترف والنادر، رغم أنه عُملتها الذهبية وماركتها المسجلة، واجتهدت في المقابل على دراسة ثقافة المنطقة حتى تخاطبها بلغة سلسلة تفرض انسيابية الخطوط وابتعادها عن الجسم كما عن التقليد. والنتيجة أنها جاءت مزيجاً من الحشمة والاحترام.

تشمل المجموعة أوشحة من الحرير (لورو بيانا)

الحشمة برزت في التصاميم الطويلة والخطوط المنسدلة، والاحترام بمراعاتها كل التفاصيل التي تحتفل برموز المنطقة ومفرداتها بشكل راقٍ، من دون أي كليشيهات أو تباخُل في الابتكار. العباية والبشت، مثلاً، أخذا أشكالاً عصرية والأوشحة ترفاً تستمده من الأنسجة وأليافها، إلى جانب بنطلونات واسعة ببليسهات عند الخصر تضيق عند الكاحل لتستحضر لنا «سراويل الحريم»، من دون أن تغرق في الاستشراق. كل ما فيها كان معاصراً يتراقص على درجات باستيلية، مثل الأبيض والكريم والبيج والأخضر المطفي. كانت هادئة لا تحتاج إلى أن تصرخ لتؤكد أنها راقية. بين القطعة والأخرى قد تخترق جوانبها خيوط ذهبية، أو تطريزات خفيفة في الحواشي والجوانب، فيما يكتفي أغلبها بغنى القماش وفخامتها. أما الخلفية التي وفرتها منطقة العلا لتصوير هذه المجموعة، فكان لها دور كبير في أن تضيف إلى هذه اللوحة الفنية جمالاً ووهجاً دافئاً، إضافة إلى خلق تناقض متناغم بين التضاريس الصخرية الحادة والتصاميم الانسيابية بنعومة.

اعتمدت على تنسيق عدة قطع مع بعض بشكل لا يعترف بثقافة معينة (لورو بيانا)

في لقاء خاص مع أليساندرا فاريانيني، مصممة منتجات الدار، وضَّحت أنها ليس المرة الأولى التي تتوجه فيها «لورو بيانا» إلى المنطقة خلال شهر رمضان «فأولى محاولاتنا بدأت في عام صيف 2020، لكنها كانت خجولة بالمقارنة، بينما هذه أول مرة نتوسع بإضفاء خصوصية شرقية عليها».

لم يكن الدافع بالنسبة لأليساندرا تجاري محض، بقدر ما هو رغبة صادقة في التفاعل مع منطقة «تُقدِّر كل ما هو خاص ومتميز». فما شجع أكثر على هذه الخطوة، حسب قولها، أن زبونات المنطقة هن مَن كُنَّ يطالبن بها «فكلما زرنا المنطقة وتواصلنا معهن كان دائماً يتردد من بين ما نسمعه منهن سؤال عما إذا كانت لدينا نية لطرح تصاميم خاصة بهن».

قفاطين وعباءات وفساتين منسدلة بتفاصيل ذهبية أخرجتها من هدوئها (لورو بيانا)

ظلَّت الفكرة تراود الدار، ولم تجد أفضل من شهر رمضان الفضيل مناسبة لتلبية رغبتهن. جنّدت كل فريق عملها وإمكانياتها لابتكار تشكيلة تُعبّر عن فلسفتها الغارقة في الهدوء الراقي، كما تُعبِّر عن ثقافة المنطقة بأناقة. تقول أليساندرا: «قمنا بأبحاث طويلة في كتب التاريخ والمتاحف والحرف والطبيعة المحيطة. وطبعاً كان لا بد من زيارة المنطقة لنتعرف عليها عن قُرب قبل أي خطوة في هذا الصدد». أتت العملية أُكُلها، بحيث لا يمكن لأي امرأة ألا ترى نفسها فيها. الأزياء والإكسسوارات على حد سواء تحمل صبغة عالمية لا تعترف بمكان وزمان رغم أن مفرداتها شرقية مستوحاة من قطع تقليدية مثل البشت والعباءة». انصبَّ كل الاهتمام على ترجمتها في خطوط بعيدة عن التقليدي وتمنح صاحبتها الأناقة والراحة.

تم تنسيق هذه الأزياء مع حقائب يد تنوعت أحجامها وبقيت ألوانها مستمدة من طبيعة العلا والصحراء (لورو بيانا)

وبما أن قوة «لورو بيانا» تكمن في الأنسجة والألياف المترفة، كان من السهل عليها دراسة طقس المنطقة وأخذه بعين الاعتبار. كان من الممكن أن تستعمل صوفها الخفيف والنادر لتسهيل تسويق المجموعة، لكنها لم تقبل على نفسها الاعتماد عليه وحده. صحيح أنه فريد من نوعه، إلا أن خفة وزنه ونعومة ملمسه تمنحان الجسم دفئاً لا يحتاج إليه زبون المنطقة. من هذا المنظور استعملت الكريب والحرير والكتان لامتصاصه الحرارة ومنحه الانتعاش في أجواء الصيف. استعملت أيضا قماش اللوريكس لما يتمتع به من لمسة معتقة.

وطبعاً لم تنسَ الدار تقديم حقائبها الجلدية الشهيرة، مثل حقيبتي «إكسترا» و«بايل»، بزخارف حصرية جديدة. هي الأخرى تلونت بدرجات مستوحاة من طبيعة العُلا لكن كل ما فيها يصرخ بالعالمية والعملية.


ساعة «توندا بي إف» الجديدة تحيّة للحضارة الإسلامية

يعرض الميناء الفرعي أيضاً شكل القمر في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي (بارميجياني فلورييه)
يعرض الميناء الفرعي أيضاً شكل القمر في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي (بارميجياني فلورييه)
TT

ساعة «توندا بي إف» الجديدة تحيّة للحضارة الإسلامية

يعرض الميناء الفرعي أيضاً شكل القمر في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي (بارميجياني فلورييه)
يعرض الميناء الفرعي أيضاً شكل القمر في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي (بارميجياني فلورييه)

«يجب أن تكون صناعة الساعات نافذةً على تاريخ وثقافة وفلسفة الشعوب التي ساهمت في تشكيل تصورنا للوقت».

هذا ما صرح به ميشال بارميجياني، مؤسس شركة «بارميجياني فلورييه» وطبّقه بالحرف في ساعة جديدة خصّ بها منطقة الشرق الأوسط والمسلمين عموماً. وتأتي هذه الساعة ضمن مجموعة «توندا بي إف» المكونة من 3 روائع مخصصة لحضارات مختلفة؛ الأولى بالتقويم الصيني الكامل «شيالي»، والثانية بالتقويم الغريغوري الغربي، والثالثة بالتقويم الهجري الإسلامي. ويؤكد ميشال أن التقويمات بالنسبة إلى الشركة ليست فقط أدوات قياس، بل انعكاس للحضارات التي تصورتها وأبدعتها.

ساعة «توندا بي إف هجري بيربتشوال كالندَر» بالتقويم الهجري الدائم (بارميجياني فلورييه)

قصة ساعة «توندا بي إف هجري بيربتشوال كالندَر» بدأت في عام 2011، حين ابتكر ميشال ساعة منضدة بتقويم هجري استلهمَها من ساعةِ جيب تضم تقويماً عربياً كان يُرمِمها، وكان لها الفضل في فوزه بـ«جائزة الابتكار» في نسخة عام 2020 من «جائزة جنيف الكبرى لصناعة الساعات».

في عام 2023، أصدرت شركته ساعة «توندا بي إف هجري بيربتشوال كالندَر (Tonda PF Hijri Perpetual Calendar)» في هيكلٍ من البلاتين وميناء بسيط. الآن؛ تقدمها بالتقويم الهجري الدائم في هيكلٍ من الفولاذ المقاوم للصدأ وميناء أخضر يستعرض كل تفاصيل التقويم الإسلامي المُجَدوَل الذي طوره علماء مسلمون وعلماء فلك في القرن الثامن الميلادي. نظام يتيح تحويل التواريخ الإسلامية إلى تواريخ ميلادية وفق التقويم الغريغوري، كما يجعل التقويم الهجري الدائم أمراً ممكناً، حيث تتوافق السنة الأولى من التقويم الهجري مع عام 622 الميلادي؛ وهو العام الذي هاجر فيه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، في المملكة العربية السعودية الحديثة.

يشير الميناء الفرعي عند موضع الساعة 3 إلى أرقام الأشهر في العام مع إبراز الشهر التاسع... أي شهر رمضان... باللون الأحمر الساطع (بارميجياني فلورييه)

يُظهر ميناؤها الفرعي الواقع عند موضع الساعة 12 دورة 30 عاماً من سنوات 355 يوماً الكبيسة باللون البيج، وسنوات 354 يوماً القياسية باللون الأبيض. يشير الميناء الفرعي عند موضع الساعة 3 إلى أرقام الأشهر في العام، مع إبراز الشهر التاسع؛ أي شهر رمضان، باللون الأحمر الساطع. ويُظهر الميناء الفرعي الواقع عند الساعة 9 أيام الشهر مع فتحة تشير إلى ما إذا كان شهراً وافراً مدته 30 يوماً أم شهراً عادياً مدته 29 يوماً. تشير الفتحة باللون الأبيض إلى شهر يتكوّن من 29 يوماً، بينما تشير الفتحة عندما يتم تفعيل اللون البيج إلى شهر يتكوّن من 30 يوماً، مع الإشارة إلى أن الرقم 30 باللون البيج ومكتوب بالصيغة العربية التقليدية بهذا الشكل «۳۰».

وأخيراً، يعرض الميناء الفرعي، الواقع عند موضع الساعة 6، أطوار القمر على خلفيةٍ من الأفينتورين الأزرق، والذي يعرض أيضاً شكل القمر في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي. تم تشطيب الميناء بالأخضر الفيريديان يدوياً بتضفير نمط «حبة الشعير (Grain d’Orge)». علامات الساعة المُركّبة على الميناء، والعقربان المثلثان (طراز دلتا) المُخرّمان اللذان يُشيران إلى الساعات والدقائق، مصنوعة من الذهب عيار 18 قيراطاً، ومطلية بالروديوم. أما عقرب الثواني وعقارب التقويم على الموانئ الفرعية فمصنوعة من الفولاذ المطلي بالروديوم.

ظهر الساعة المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ مع تشطيبات متناوبة بين الصقل الساتاني والفولاذ المطلي بالروديوم (بارميجياني)

صُنِعَ الهيكل من الفولاذ المقاوم للصدأ، وتبلغ مقاومتهُ للماء حتى عمق 100 متر، مع تشطيبات متناوبة بين الصقل الساتاني واللامع. طوقها المخدد، الذي يُعدّ أحد رموزها المميّزة، مصنوع من «البلاتين 950» ويقترن بسوار مطابق من الفولاذ المقاوم للصدأ مع مشبك قابل للطي.


فن تنسيق الطاولة... يعتمد على ثمار موسمية وترويض التناقضات

المهندسة المعمارية عنود بزن تعشق دمج مواد من الطبيعة على موائدها (تصوير: آسيا جاغاديش)
المهندسة المعمارية عنود بزن تعشق دمج مواد من الطبيعة على موائدها (تصوير: آسيا جاغاديش)
TT

فن تنسيق الطاولة... يعتمد على ثمار موسمية وترويض التناقضات

المهندسة المعمارية عنود بزن تعشق دمج مواد من الطبيعة على موائدها (تصوير: آسيا جاغاديش)
المهندسة المعمارية عنود بزن تعشق دمج مواد من الطبيعة على موائدها (تصوير: آسيا جاغاديش)

ابنة ريف الأردن والمهندسة المعمارية، عنود بزن، تسير على المقولة السائدة أن العين تأكل قبل الفم، الأمر الذي أثار اهتمام منصة «ماتشز فاشن» إليها، وجعلها تسارع للتعاون معها بمناسبة الشهر الفضيل واستباقاً لعيد الفطر. وبما أن التعاون كان لتنسيق موائد طعام مثالية تجمع الأناقة بحسن الضيافة، وفّرت المنصة كل الأدوات المطلوبة لمائدة تفتح النفس على الأكل والسمر، وسلّمت عنود مسؤولية استعمال هذه الأدوات بشكل يبرز جماليتها وعمليتها في الوقت ذاته.

تؤمن عنود بأهمية الطعام في التقريب بين الأهل والأحبة وحتى بين الثقافات (تصوير: آسيا جاغاديش)

لم تُخيب عنود الآمال. جعلت الطبيعة جزءاً لا يتجزأ من الطاولة الرمضانية، قائلة إن أول ما تأخذه بعين الاعتبار قبل أي عمل، هو استعمال الثمار الموسمية، فواكه كانت أو أزهاراً أو أعشاباً. تدمجها بقطع مصنوعة من مواد أخرى من السيراميك أو الزجاج، حتى تُضفي على الطاولة تناسقاً يلعب على التناقضات المتناغمة. تشرح: «تتبدل الأشهر التي تصادف قدوم الشهر الفضيل سنوياً؛ لذا أعتقد أن دمج العناصر الطبيعية الموسمية عند تزيين الموائد يخلق نوعاً من الانسجام نحتاجه في حياتنا». وبما أن تاريخ شهر رمضان يتغير بنحو أحد عشر يوماً في التقويم الغريغوري كل عام، وبالتالي يحدث في أوقات مختلفة سنوياً؛ «فمهم أن نعيش هذا الشهر الفضيل حسب الموسم الذي يقع فيه، وذلك بدمج عناصر موسمية عند تزيين الطاولة، لخلق إحساس بالانسجام».

ولأنه حلّ علينا هذا العام في شهر الربيع؛ فإنها تقترح استخدام أغصان أزهار الكرز واللوز جنباً إلى جنب مع الزهور المعمرة مثل السوسن والماغنوليا، من دون الاستغناء عن ثمار الموسم. بعدها تأتي خطوة اختيار قطع السيراميك والأواني الزجاجية المناسبة لاستكمال هذه اللمسات الطبيعية.

أسلوب عنود يعكس حبها للطبيعة وفي الوقت ذاته خبرتها في التصميم (تصوير: آسيا)

حب عنود للمواد والتصميم قادها للتدرب كمهندسة معمارية، وهي الآن تستمتع بالجمع بين مختلف تخصصاتها من دون أن تنسى وطنها الأم. تقول: «إن المناظر الطبيعية المتنوعة في الأردن، مثل الغابات الكثيفة لأشجار البلوط في الشمال والألوان الحمراء للصحراء الجنوبية في وادي رم والبتراء، كانت ولا تزال منبع إلهام بالنسبة لي». وينطبق الشيء نفسه على الهندسة المعمارية في بلاد الشام التي أثرت عليها، خصوصاً ذلك التفاعل بين المساحات الخارجية والداخلية... وهذا ما يُفسّر حرصها الدائم على جلب الطبيعة إلى الطاولات التي تصممها. تذهب إلى أبعد من هذا بمحاولتها «استخدام الصخور، كما النباتات البرية بطرق جديدة وغير متوقعة».

تجمع عنود العديد من التخصصات منها تنسيق الديكورات (آسيا جاغاديش)

بالنسبة للمصممة المعمارية عنود، يعد إعداد الطاولة تقليداً متأصلاً تعرفت عليه منذ صباها في ريف الأردن. بدأت تمارسه وتتفنن فيه قبل وقت طويل من انتشار فكرة تنسيق الطاولة على وسائل التواصل الاجتماعي وكمهنة. تقول إنها في كل التجمعات العائلية الأسبوعية والمناسبات الخاصة، كان يتم تكليفها بإعدادها. كانت دائماً تشكّلها على صورة لوحة تنبض بألوان منتجات موسمية طازجة من مزرعة العائلة، أو الفواكه والخضراوات التي كان والدها يُحضرها معه إلى المنزل. مع الوقت بدأت تدمجها بالفخار وعناصر طبيعية أخرى تُجمّعها من الحديقة. هدفها كان دائماً دعوة الضيوف لمعانقة الطبيعة.

أزهار السوسن والماغنوليا أضفت على الأدوات المصنوعة من السيراميك والأواني الزجاجية الفاخرة جمالاً (تصوير: آسيا جاغاديش)

بما أن شهر رمضان لهذا العام يتزامن مع حلول فصل الربيع، تستمد عنود في تنسيق موائد الطعام الرمضانية من جماليات هذا الفصل. نسّقت أغصان شجر الكرز وزهر اللوز مع الأزهار الطبيعية مثل أزهار السوسن والماغنوليا، ما أضفى على المائدة طابعاً مميزاً، عززت من جماله الأدوات المصنوعة من السيراميك والأواني الزجاجية الفاخرة.


كيف شارك مصمم سعودي في العُرس الأسطوري لعائلة أمباني؟

العروس راديكا ميرشنت (استوديو آشي)
العروس راديكا ميرشنت (استوديو آشي)
TT

كيف شارك مصمم سعودي في العُرس الأسطوري لعائلة أمباني؟

العروس راديكا ميرشنت (استوديو آشي)
العروس راديكا ميرشنت (استوديو آشي)

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي بتفاصيل مراسيم زفاف نجل أغنى رجل في آسيا موكيش أمباني. صور أثرياء العالم ونجومه وأهل بيت العريس والعروس وهم يختالون في مجوهرات من الوزن الثقيل وأزياء مطرزة بسخاء يُجسِد كل ما يعنيه البذخ من معانٍ، زغللت العيون. أم العريس، نيتا، مثلاً تألقت في مجموعة من الأزياء بتوقيعات عالمية، منها «سكاباريلي». كما جنّدت أيادي هندية معروفة مثل مانيش مالهوترا وغيره لتصميم مجموعة أخرى وتطريزها بالأحجار الكريمة.

العروس راديكا ميرشنت في فستان من تصميم محمد آشي (استوديو آشي)

لم يختلف الأمر بالنسبة للعروس راديكا ميرشنت. فقد تألقت هي الأخرى في مجموعات متنوعة، ومن بين المصممين الذين استعانت بهم، السعودي محمد آشي، الذي أبدع لها فستاناً مفصلاً على مقاسها ومطرزاً على ذوقها ظهرت به في اليوم الثالث من الاحتفالات. يتميز الفستان بكتف واحدة، وهو من الكريب باللون الوردي الهادئ، وذيل طويل مع تطريزات غنية تناغمت بشكل مثير مع مجوهراتها. يبدو واضحاً أن المصمم استوحاه من الساري الهندي.

اسكيتش كما رسمه محمد آشي (استوديو آشي)

تجدر الإشارة إلى أن والد العريس، موكيش أمباني البالغ 66 عاماً هو رئيس مجلس إدارة مجموعة «ريلاينس إندستريز» العملاقة للنفط والاتصالات، وأغنى شخص في آسيا. احتلّ المرتبة العاشرة في قائمة «فوربس» لأغنياء العالم، مع ثروة تتخطّى 116 مليار دولار. لهذا؛ فإننا ولحد الآن تابعنا جزءاً من هذا الحفل الأسطوري، لأن الآتي خلال الزفاف الرسمي بعد أربعة أشهر تقريباً، سيكون أكبر وأضخم.


مصمم «سكاباريلي» يمزج السريالي ببعض الواقعية في تشكيلته لخريف وشتاء 2024-2025

تكمن قوة التشكيلة في أنها لم تخرج عن السيناريو الفني الذي كتبته المؤسسة إلسا في الثلاثينات (سكاباريلي)
تكمن قوة التشكيلة في أنها لم تخرج عن السيناريو الفني الذي كتبته المؤسسة إلسا في الثلاثينات (سكاباريلي)
TT

مصمم «سكاباريلي» يمزج السريالي ببعض الواقعية في تشكيلته لخريف وشتاء 2024-2025

تكمن قوة التشكيلة في أنها لم تخرج عن السيناريو الفني الذي كتبته المؤسسة إلسا في الثلاثينات (سكاباريلي)
تكمن قوة التشكيلة في أنها لم تخرج عن السيناريو الفني الذي كتبته المؤسسة إلسا في الثلاثينات (سكاباريلي)

خمس سنوات مرت على تسلمه مقاليد «سكاباريلي». حقق خلالها المصمم الأميركي دانييل روزبيري، الكثير من الأهداف التي راوغت الدار منذ أن استحوذ عليها الملياردير الإيطالي دييغو ديلا فالي. روزبيري نجح فيما لم ينجح فيه أي مصمم أميركي في باريس لحد الآن. أعاد لها مجدها الغابر، أو على الأقل يُذكرنا به في كل موسم. أدواته هي نفس الأدوات التي استعملتها المؤسِسة إلسا سكاباريلي وهي في قمة نجاحها: الفنية السريالية. لكنها كانت أكثر حظاً منه، لأنها عاصرت وتعاونت مع كل من سلفادور دالي وجان كوكتو وغيرهما من فناني عصرها، بينما يعتمد هو على الأرشيف والخيال لاستكشاف رموزها. ومع ذلك حقق ما لم يحققه غيره من المصممين الذين سبقوه.

بدلات مستوحاة من خزانة الرجل بتفاصيل مبتكرة (سكاباريلي)

بعد خمس سنوات اطمأنت نفسه وشعر بأنه تجاوز مرحلة الانتشار وحان الوقت ليبدأ مرحلة الاختيار حسب ما صرح به بعد عرض تشكيلته الأخيرة في باريس. يقول: «لم يعد الأمر يتطلب رؤية مبنية على خلق الإثارة أو الصدمة بهدف تسليط الضوء على الدار، نحن الآن في مرحلة بناء رؤية جديدة تحول هذه الإثارة الفنية إلى قيمة لها أسس صلبة مترسخة في الواقع». ما يقصده أنه يريد أن ترى المرأة نفسها في هذه التصاميم بغض النظر عن أسعارها الباهظة. مجرد فكرة أنها يمكن استعمال بنطلون من الجينز بشكل يومي أو في مناسبات متعددة، تُبرِر سعره الذي يقدر بـ2000 يورو.

قطع منفصلة متنوعة زادتها التفاصيل والرموز الفنية جمالاً وأناقة (سكاباريلي)

تشكيلته لخريف وشتاء 2024-2025 من الأزياء الجاهزة كانت مختلفة عما قدمه في موسم الـ«هوت كوتور» في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. ضمَنها 40 قطعة. كل واحدة منها خلَفت الانطباع بأنه روَض جموحها إلى حد ما. ظلت التفاصيل السريالية حاضرة. ظهرت في مبالغات وإكسسوارات غريبة. إلا أنها لم تكن بنية سرقة الأضواء في موسم تزدحم أجندته بأسماء كبيرة... كانت وفاءً للماضي والتزاماً بوعده أن يوصل الدار إلى هذه المرحلة. الأكتاف العالية والأحجام المبالغ فيها ولإكسسواراتها الغريبة، سواء كانت أقراط إذن تغازل الناظر بعيونها الجاحظة، أو أحزمة بإبزيمات ذهبية أو حقائب يد تتماهى فيها الجلود مع المعادن، كانت وستبقى مكمن قوة الدار. ما يُحسب لروزبيري فيها أنه جعلها لا تثير الأنظار أو تصدمها فحسب، بل تفتح أيضاً حوارات فنية تماماً كما كانت في عهد المؤسِسة.

ظهر الجلد في بعض الإطلالات وكأنه من حراشف التماسيح (سكاباريلي)

فهو مهما اجتهد وابتكر، لم يخرج عن السيناريو الذي كتبته إلسا سكياباريلي في الثلاثينات. أمر يعترف به واصفاً ما قدمه على أنه «عبارة عن خزانة غنية بسترات البلايزر والبنطلونات الأنيقة والقطع المنفصلة وملابس السهرة المزينة بكافة اللمسات الأيقونية للمؤسسة، مثل قطع التشريح، شريط القياس، وثقب المفتاح والأقفال». ما قام به أنه أضاف إليها لمساته الأميركية مثل الشراريب، والأبازيم، والدنيم.

عاد المصمم إلى تكساس مسقط رأسه مستمداً بعض أساسياته مثل الجينز الذي ظهر في بدلات أنثوية (سكاباريلي)

فأخيراً تمكن من العودة إلى مسقط رأسه، تكساس، ليستقي منها تفاصيل تُعبِر عن جذوره، وإن صاغها بأسلوب باريسي. تايورات من الدينم بخصور عالية وبنطلونات واسعة تمسح الأرض بطولها، وطبعاً أحذية «كاوبوي» مرصعة بالأحجار، إضافة إلى معاطف وسترات وتنورات تُزينها أزرار تأخذ شكل عيون أو دبابيس أو حتى صحون صغيرة، إلى جانب إطلالات يبدو فيها الجلد وكأنه منقوش بحراشف التماسيح. لكن أكثر ما يثير في هذه الإكسسوارات، أو بالأحرى الجديد فيها، هي ربطات العنق التي جاءت على شكل ضفائر شعر بألوان متنوعة.

كانت أزياء السهرة والمساء أكثر اتزاناً بالمقارنة بباقي الأزياء الموجهة للنهار (أ.ب)

فيما عدا هذه التفاصيل، ظلت التشكيلة ككل راسخة في الواقع حسب قول المصمم ورؤيته الفنية. بمعنى أنها يمكن أن تخاطب شريحة مهمة من النساء، على شرط أن يكون القاسم المشترك بينهن هو الجرأة والشغف لكل ما هو فني. المجموعة الخاصة بالمساء والسهرة كانت أكثر اتزاناً بالمقارنة. اقتصرت على بعض الإثارة الحسية، التي تجلَت في فتحات جانبية وأقمشة شفافة، استغنى فيها عن استعمال أي تبطين في بعض الأحيان. من بين تصريحات روزبيري قوله: «أشعر بأن الثقة تكمن في البساطة». تصريح قد لا يوافقه عليه الجميع. صحيح أنها تشكيلة مفعمة بالثقة كما قال، لكن يبقى مفهوم البساطة فيها قابل للنقاش، لأنه يأخذ هنا بُعداً مختلفاً عما هو متعارف عليه.


«فندي» تبدأ مغامرة فنية جديدة مع الياباني كينغو كوما

ركز كوما على قطع أيقونية مثل حقيبتي «بيكابو» و«باغيت» وحذاء «فلو»
ركز كوما على قطع أيقونية مثل حقيبتي «بيكابو» و«باغيت» وحذاء «فلو»
TT

«فندي» تبدأ مغامرة فنية جديدة مع الياباني كينغو كوما

ركز كوما على قطع أيقونية مثل حقيبتي «بيكابو» و«باغيت» وحذاء «فلو»
ركز كوما على قطع أيقونية مثل حقيبتي «بيكابو» و«باغيت» وحذاء «فلو»

دار «فندي» سعيدة هذه الأيام. فأخيراً كُشف النقاب عن مجموعة من الإكسسوارات من مجموعتها الرجالية لربيع وصيف 2024، خرجت من مصنع الدار الجديد. مصنع يقع وسط تلال منطقة كابانوتشيا الخضراء في توسكانا ويختلف عن سواه. فتصميمه جاء ليكون مركزاً حاضناً لحرفيي المستقبل ومختبراً لتعاونات بين الحرفيين وكبار الفنانين من مجالات مختلفة. أول الغيث كان مجموعةً حصريةً من الإكسسوارات تم التعاون فيها مع المهندس المعماري الياباني كينغو كوما، فيما أسمته الدار الإيطالية تبادلاً ثقافياً محفزاً بين الاختصاصات الإبداعية المختلفة، ودمج الماضي والحاضر من خلال تعبير حقيقي عن الإمكانيات المادية.

المهندس المعماري كينغو كوما في المصنع يعمل على هيكل حذاء «فلو» الرياضي (فندي)

تقول سيلفيا فنتوريني فندي، المديرة الفنية للإكسسوارات وملابس الرجال إن هذه الشراكة مع مهندس بحجم كوما، ليس مجرد حوار بين الدار والهندسة المعمارية «بل هي تأسيس لنوع من المحادثة تجمعنا بمصمّم من ثقافة مختلفة نستكشف معه طريقة اختياره للمواد وتعامله مع الحرفيين». وتتابع: «نحن ندرك أن الإبداع على نطاق واسع ليس عملاً فردياً، بل هو تعاون يعتمد على مجموعة متكاملة من الأيادي والعقول، والمواهب، إضافة إلى موارد متنوعة بخصوصيات عالمية».

بالنسبة إلى سيلفيا، فإن هذه الشراكة طبيعية تتماشى مع ثقافة الدار التي تتبنى شتى الفنون. فقد سبق وحوّلت مقرها الرئيسي في روما متحفاً مفتوحاً للعامة تنظم فيه بين الفينة والأخرى معرضاً. في العام الماضي، مثلاً نظمت معرضاً ضخماً استعرضت فيه أعمال الفنان أرنالدو بومودورو، بعنوان «المسرح العظيم للحضارات». كان هو الآخر يربط الماضي بالمستقبل، ويُسلط الضوء على علاقة فنان اشتهر بجرأته على دمج شتى أنواع الفنون المرئية والمسرحية واستعمال المواد الغريبة بأشكال ثلاثية الأبعاد. كانت المعروضات تتماهى مع الطبيعة المحيطة بمقر الدار.

ورق الواشي شكّل قاعدة هيكلية متينة بواجهة مرقطة لكل من حقيبتَي «بيكابو» و«باغيت» وحذاء «فلو» الرياضي (فندي)

وربما هذا ما شجع على هذه الشراكة بين «فندي» الإيطالية وكينغو كوما الياباني. فحسب سيلفيا، تتماشى هناك قواسم مشتركة كثيرة بينهما. تقول عن كينغو إنه «أستاذ في الهندسة المعمارية الطبيعية. وكان أول من فهم أهمية بناء الطبيعة في الهندسة المعمارية من الداخل، كما من الخارج أيضاً. والأهم من هذا يستعمل مواد طبيعية تقليدية في بناء المستقبل».

لم تنس سيلفيا أن تشير إلى أن مبادئ التصميم الصارمة التي يعتمدها كوما، ونهجه التجريبي حيال هذه المواد الطبيعية، إضافة إلى حرصه على الحرفية العالية، يتوافق تماماً مع مقاربة الدار التي تعتمد هي الأخرى على الابتكار في المواد، وعلى البحث والتنمية. تشرح: «إن عمله يمزج بين المستقبل وجذوره بطريقة جوهرية رائعة؛ ما يجعلني أشعر بنوع من القرابة تجمعنا كإيطاليين بالنهج الياباني الذي يتبعه، لا سيما فيما يخصّ الحرفية».

طبّق في حقيبتَي «بيكابو» Peekaboo والباغيت Baguette Soft Trunk وحذاء «فلو» Flow Sneakers التقاليد الحرفية اليابانية القديمة والمواد الطبيعية الخام (فندي)

المعروف عن كينغو كوما أن الطبيعة والحِرف اليدوية تدخل في صُلب عمله كمهندس معماري ومصمّم على حد سواء؛ لهذا عندما طلبت منه «فندي» التأمّل في الحقائب والأحذية التي تحمل اسمها ليرى كيف يمكنه أن يضيف إليها نفسُه، ويتعامل معها «كمشروع معماري صغير، لكن بمفهوم بشري» كان أول ما قام به أنه اعتمد تقنيات ومواد يابانية تقليدية تحتفي بالطبيعة والابتكار على حد سواء.

عمل على ورق وارانشي وهو نمط هجين من ورق الواشي المصنوع من ألياف القطن ولحاء الأشجار كعنصر أساسي (فندي)

بالنسبة إليه كان من الطبيعي عندما طُلب منه التركيز على قطع أيقونية مثل «بيكابو» Peekaboo، والباغيت Baguette Soft Trunk ، وحذاء «فلو» Flow Sneakers، أن يُطبّق التقاليد الحرفية اليابانية القديمة والمواد الطبيعية الخام. أضاف إلى ذلك الفن القديم لصناعة الورق يدوياً، حيث عمل على ورق وارانشي، كعنصر أساسي في كلّ تصميم، علماً أن هذا الورق هو نمط هجين من ورق الواشي، المصنوع من ألياف القطن ولحاء الأشجار. إلى عهد قريب كان هذا النسيج الجاف والناعم مخصّصاً لفنون الأوريغامي وصناعة الفوانيس وتفاصيل الكيمونو، لكنه في هذه المجموعة يُشكل قاعدةً هيكليةً متينةً بواجهة مرقطة وغير مثالية، لكل من حقيبتيْ «بيكابو» و«باغيت» وحذاء «فلو» الرياضي.


«الكعكة الحلال» تفتح الشهية على مجموعات حصرية بأسماء عالمية

كشفت دار «ماكسمارا» عن تشكيلة رمضانية من 11 قطعة تلخص مفهوم الأناقة والرقي... وتدعو فيها الدار أيضاً ضيوفها لابتكار عطورهم الخاصة (ماكس مارا)
كشفت دار «ماكسمارا» عن تشكيلة رمضانية من 11 قطعة تلخص مفهوم الأناقة والرقي... وتدعو فيها الدار أيضاً ضيوفها لابتكار عطورهم الخاصة (ماكس مارا)
TT

«الكعكة الحلال» تفتح الشهية على مجموعات حصرية بأسماء عالمية

كشفت دار «ماكسمارا» عن تشكيلة رمضانية من 11 قطعة تلخص مفهوم الأناقة والرقي... وتدعو فيها الدار أيضاً ضيوفها لابتكار عطورهم الخاصة (ماكس مارا)
كشفت دار «ماكسمارا» عن تشكيلة رمضانية من 11 قطعة تلخص مفهوم الأناقة والرقي... وتدعو فيها الدار أيضاً ضيوفها لابتكار عطورهم الخاصة (ماكس مارا)

مجالات عمل كثيرة تفصل العاملين فيها عن الواقع والتفاعل المباشر مع الناس، إلا الموضة. حتى السياسة تبدو في الآونة الأخيرة في عالم؛ والرأي العام في عالم آخر. الموضة، في المقابل، رغم كل الانطباعات المكونة لدى البعض بأنها تعيش في بُرج عاجي يعتمد الحلم للوصول إلى القلوب ومنها إلى الجيوب، فإنها على الأقل تجتهد في قراءة نبض الشارع. تتابع تحركاته... تتفاعل معه وتندمج في يومياته. كل سوق لها خبراء علاقات عامة ووكلاء يرفعون تقارير عن هذه التحركات، ويلفتون انتباهها لكل ما من شأنه أن يوطد علاقاتها بهذه السوق أو تلك، ويستقطب لها ولاءات جديدة حتى يكون لها «في كل عرس قُرص». تختلط أحياناً الماديات بالروحانيات في سلة واحدة. المهم أن المصلحة قائمة والكل راضٍ.

تعاونت منصة «ماتشز فاشن» في حملتها الرمضانية مع المصوّرة المصرية ملك قباني (ماتشز)

أكبر مثال على هذا استعدادات صناع الموضة لشهر رمضان الكريم وأيام العيد. فهي لا تقل لهفة عن لهفة زبائن المنطقة.

في السنوات الأخيرة لا يمكن الحديث عن استعدادات هذا الشهر الفضيل في منطقة الشرق الأوسط تحديداً من دون التطرق إلى تغلغل بيوت الأزياء العالمية في أدق تفاصيله الاحتفالية... يقيمون موائد الإفطار أو السحور، و يستبقون حلوله بأسابيع، إن لم نقل بأشهر، بطرح مجموعات حصرية تفوح من ثنياتها وطياتها وألوانها رائحة قد ينتقدها البعض؛ لأنها مكيافيلية تلعب على المشاعر، لكن الأرباح التي تحققها تؤكد أن زبائن المنطقة لهم رأي مخالف.

تتميز تشكيلة «إيترو» بأقمشة خفيفة الوزن مزينة بثنيات وأكمام منسدلة ونقشات تجسد الحدائق الخضراء في واحات الصحراء من تشكيلتها لـ«ربيع وصيف 2024»... (إيترو)

مَن مِن متابعي الموضة لا يتذكر الجدل الذي أثارته دار «دولتشي آند غابانا» في عام 2016، عندما طرحت أول تشكيلة كاملة من العباءات؟ عدد لا يستهان به من الناس استنكروا هذه الخطوة واتهموا المصممان دومينيكو دولتشي وستيفانو غابانا باستنساخ العباءة التقليدية حرفياً. أخذوا عليهما أنهما لم يضيفا أي جديد سوى توقيع اسم دارهما عليها. كانت هناك حُرقة في رد فعل المصممين المحليين تحديداً؛ رأوا في الأمر انتهاكاً لحقهم في قطعة توارثوها أباً عن جد ويحفظون كل أبجدياتها عن ظهر قلب. لكن بنات منطقتهم خذلنهم. حققت المجموعة نجاحاً تجارياً منقطع النظير في السوق. والنتيجة أن الضجة والنجاح على حد سواء أثارا انتباه باقي بيوت الأزياء وشهيتهم.

في عام 2017، زاد وطيس السباق. تحولت المجموعات الرمضانية إلى تقليد يسجل فيه كثير من بيوت الأزياء العالمية حضوره، تحت شعار أن هذه البيوت ترغب في مشاركة زبونها في المنطقة الاحتفال بهذه المناسبة المهمة. طبعاً بعد أن قرأت وتأكدت أن المرأة لم تعد تكتفي بعباءة أو «جلابية» من السوق أو من مصمم محلي كما كان الأمر في السابق، بل تريد أن تتألق بتصميم عالمي. وهكذا توسعت الخيارات والاقتراحات وأصبحت الكعكة الحلال تقليداً مستمراً ومُثمراً.

حقيبة «بيكابو» الأيقونية تتألق بالذهبي في تشكيلة رمضان (فندي)

فمهما اختلفت الطقوس والعادات الرمضانية في العالم الإسلامي، تبقى، في العموم، مزيجاً من الروحانيات ومتعة اللقاءات الاحتفالية التي تجمع الأهل والأصدقاء في المجالس والمطاعم... وغيرها. هذا النشاط الاجتماعي يحتاج إلى أزياء وإكسسوارات متنوعة تناسب الأجواء والبيئة. في البداية اختلط الأمر على بعض المصممين وبيوت الأزياء وسقطوا في مطب الاستسهال. مثل «دولتشي آند غابانا»، استنسخوا عبايات وقفاطين، أو اعتمدوا ألوان الصحراء مثل الذهبي والرملي إلى جانب الأخضر الزمردي، وكأن هذه الرموز تكفي لتُكسب اقتراحاتهم الشرعية في حمل عنوان «مجموعات رمضانية». لم يُكلفوا أنفسهم عناء الابتكار. لكنهم غيروا استراتيجياتهم مؤخراً. فالمنطقة الآن يُحسب لها ألف حساب؛ نظراً إلى إمكاناتها الشرائية الهائلة وعدم تأثرها حتى الآن بالأزمة الاقتصادية العالمية مقارنة بغيرها من الأسواق.

صورت «فندي» حملتها بفستان محتشم من الساتان بلون رمادي ناعم نسقته مع حقائبها الأيقونية «بيكابو» و«باغيت» المغلفة بالذهب والترتر (فندي)

دار «فندي» مثلاً أطلقت مجموعة حصرية قالت إنها «بمثابة شهادة على التزام الدار بالاحتفاء باللحظات الثقافية والاجتماعية المهمّة». تشمل المجموعة بعضاً من التصاميم الكلاسيكية؛ بما في ذلك حقائب «بيكابو» و«باغيت» مغلفة بالذهب وتقطر بالترتر. دار «لورو بيانا» أيضاً صممت تشكيلة أزياء وإكسسوارات راقية خاصة وحصرية تحمل كل بصماتها المترفة، الأمر الذي خلق توازناً معقولاً بين الدار والمستهلك.

بيد أن هذا لا يعني أن البعض لا يراوغ ويتحايل على الأمر رغبة منهم في دخول اللعبة والحصول على قطعة من الكعكة الرمضانية. هؤلاء ينتقون قطعاً جاهزة تم تقديمها إما في عروض باريس أو ميلانو أو نيويورك أو لندن، تكون طويلة وبأكمام أو ياقات عالية. إذا كانت بألوان الذهب والرمال والزمرد فهذا عز الطلب؛ لارتباط هذه الألوان في مخيلتهم بالمنطقة.

انتقت دار «ديور» من تشكيلتها لـ«ربيع وصيف 2024» مجموعة تلعب على الشمس والضوء والذهب (ديور)

دار «ديور» مثلاً انتقت من تشكيلتها لربيع وصيف 2024، مجموعة تلعب على الشمس والضوء ولون الذهب؛ منها سترة الـ«بار» الشهيرة، وتنورات بأشكال مختلفة يُغلفها التول، وأيضاً حقيبة «لايدي ديور» الأيقونية. دار «آغنر» الألمانية طرحت بدورها حملة إعلانية خاصة تتصدّرها حقيبة باللونَين الذهبي والفضي، وشرحت في بيانها الصحفي أنها «تعكس روح التأمّل والصفاء التي تُرافق الشهر الفضيل، ويستحضر ملمسها الفاخر والعاكس للضوء رمال الصحراء المتلألئة تحت أشعة الشمس».

حتى دور المجوهرات والساعات لم تتأخر عن هذا التقليد. فهي تركز هذه الفترة على إبداعاتها المرصعة بالزمرد وأي حجر ثمين بدرجة من درجات الأخضر، كما تتصدر واجهاتها ساعات بموانئ بهذا اللون. «برايتلينغ (Breitling)» مثلاً واحدة منها. في تعليق على الحملة التي أطلقتها بمناسبة شهر رمضان، قال عايد عدوان، المدير الإداري للشركة في الشرق الأوسط، والهند، وأفريقيا، إن حملة شهر رمضان المبارك لهذا العام «تحمل رسالة عميقة حول أهمية الوقت في هذا الشهر الفضيل؛ ما يجعلنا نتطلّع للاحتفال مع زبائننا بكل اللحظات المميّزة التي تقرّبنا أكثر بعضنا من بعض».

اختار موقع «FARFETCH» تصاميم تتميز بالحشمة واللمسات العصرية لأكثر من 30 مصمماً وعلامة أزياء إقليمية وعالمية (فارفيتش)

مواقع التسوق الإلكترونية أيضاً لا تفوت المشاركة في هذا الشهر؛ بدءاً من «ماتشز فاشن» و«نيت أبورتيه» إلى «فارفيتش ومايتريزا» و«أوناس»... وغيرها، علماً بأنها تقدم خيارات أوسع ووفق إمكانات كل الفئات بانتقاء المناسب؛ بمعنى «المحتشم». بالنسبة إلى «فارفيتش» مثلاً، فقد اختارت هَنا خليفة لانتقاء هذه المجموعة الرمضانية وتنسيقها بشكل يتماشى مع متطلبات البيئة والثقافة. من جهتها، تعاونت منصة «ماتشز فاشن» مع المصوّرة المصرية ملك قباني. وهنا أيضاً كان التركيز على الثقافة الغنية التي تزخر بها منطقة الشرق الأوسط، من خلال قفاطين وتصاميم راقية لمصممين من أمثال تولر مارمو المقيم في دبي، ومجوهرات رفيعة.

الملاحظ هنا أن الفئات التي لا تسمح لها اللوجيستيات والميزانيات بطرح تشكيلة خاصة لشهر واحد، تتحايل على الأمر بتصوير حملات تشارك فيها مواهب ووجوه عربية تُروِج لها وتمنحها شرعية تُدخلها سباق رمضان من باب واسع.

شركة «كوتش» الأميركية استعانت بثلاث سعوديات من مجالات مختلفة... هن: لاعبة كرة القدم السعودية في نادي الاتحاد للسيدات السعودي فرح جفري ومصمّمة الأزياء الناشطة في مجال إعادة تدوير الموضة سليمة العلوي والفنانة سليمة المعروفة بـ«كوسميكات»... (كوتش)

شركة «كوتش» الأميركية مثلاً استعانت في حملتها بثلاث سعوديات من مجالات مختلفة؛ هن: فرح جفري لاعبة كرة القدم السعودية في نادي الاتحاد للسيدات السعودي، وسليمة العلوي مصمّمة الأزياء الناشطة في مجال إعادة تدوير الموضة، والفنانة نوف المعروفة بـ«كوسميكات»، لتحقيق هذه الغاية... وكذلك «كارولينا هيريرا» باللبنانية جيسيكا قهواتي، ودار «ريبوسي (Repossi)» للمجوهرات بفنانة الماكياج السعودية العنود التركي احتفاءً، وفق قولها، بـ«قيم التنوع والشمولية».

إضافة إلى أن هذه الوجوه والمواهب تمنح هذه الإطلالات والمنتجات صبغة شرقية خاصة، فإنها أيضاً تُجنب بيوت الأزياء بعض الحساسيات التي يمكن أن تنتج عن عدم فهمها تقاليد وطقوس هذا الشهر الفضيل، كما تُجنبها بعض الانتقادات التي يمكن أن تنتج عن اكتفائها بفساتين عصرية ومحتشمة وإيشاربات تناسب طقس المنطقة... وما شابه من تفاصيل.

اختار موقع «FARFETCH» تصاميم تتميز بالحشمة واللمسات العصرية لأكثر من 30 مصمماً وعلامة أزياء إقليمية وعالمية (فارفيتش)

**وفقاً لتقرير حالة الاقتصاد الإسلامي العالمي لعام 2023 الصادر عن «دينار ستاندرد»، فقد قُدّر «اقتصاد رمضان»، إذا صحت هذه التسمية، في عام 2021 بنحو 2.29 تريليون دولار، وهذا يشمل كل القطاعات من الأغذية والأدوية ومستحضرات التجميل والأزياء والسفر... إلى الإعلام والترفيه. ويتوقع أن ينمو هذا الرقم إلى 3.1 تريليون دولار بحلول عام 2027 وفق الدراسة ذاتها. أما في مجال الأزياء المحتشمة وحدها فيُتوقع أن يصل الإنفاق إلى 428 مليار دولار، وفي مجال مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والشعر إلى 129 مليار دولار. أرقام تفتح الشهية لدخول سباق رمضان.