باريس: التطبيع مع طهران لن يكون على حساب أمن الخليج ومصالحه

مصادر فرنسية تؤكد أن مجموعة الست «ستكون شديدة الحرص» على التطبيق الأمين للاتفاق

باريس: التطبيع مع طهران لن يكون على حساب أمن الخليج ومصالحه
TT

باريس: التطبيع مع طهران لن يكون على حساب أمن الخليج ومصالحه

باريس: التطبيع مع طهران لن يكون على حساب أمن الخليج ومصالحه

في الوقت الذي صدر فيه عن قصر الإليزيه عصر أمس بيان أفاد باتصال هاتفي بين الرئيسين الفرنسي فرنسوا هولاند والإيراني حسن روحاني وعن «تمنٍ» فرنسي بأن «تلعب إيران دورا إيجابيا في تسوية نزاعات الشرق الأوسط» ورغبة الجانبين في «تقوية التعاون الثنائي»، قالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط»، إن «التطبيع مع إيران لن يكون على حساب الدول الخليجية ولا على حساب أمنها».
وجاء الاتصال الهاتفي بين الرئيسين قبل ستة أيام من الزيارة «السياسية» التي سيقوم بها وزير الخارجية لوران فابيوس إلى طهران، حيث سيقابل روحاني ويجتمع مع نظيره محمد جواد ظريف.
وفي لقاء مطول أمس، عرضت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» قراءة باريس وتصورها لما هو منتظر من إيران في مرحلة ما بعد الاتفاق خصوصا في ما يتعلق بحروب الشرق الأوسط من سوريا إلى العراق واليمن والأزمة الدستورية في لبنان وأمن الخليج وكيفية تطبيق إيران للاتفاق النووي.
تقول المصادر الفرنسية إن ما تسعى باريس إليه في الوقت الحاضر هو «إعادة إطلاق العلاقات الثنائية مع طهران بعد مرحلة جليدية استمرت طيلة عهدي الرئيس السابق أحمدي نجاد». ولذا، فإن الصفحة «الجديدة» التي فتحت بين البلدين هي في الواقع مرحلة «إعادة بناء علاقة» تدهورت كثيرا في السنوات الماضية وتوافر لها اليوم بعد الاتفاق النووي «الأساس» الذي يمكن أن تبنى عليه. بيد أن ما يعوزها هو «بناء الثقة» المفقودة بحيث إن المهمة الأولى للوزير فابيوس في طهران ستكون، ليس الحديث عن العقود الاقتصادية والتجارية التي تتوق باريس لبحثها لاحقا، بل «النظر في إمكانيات التعاون والتلاقي» بين عاصمتين «تباعد بينهما الكثير من المواقف المتضاربة» بشأن الأزمات المستفحلة في الشرق الأوسط. وتصف باريس الخطوة الدبلوماسية التي ستقدم عليها بأنها بالطبع «رهان على المستقبل ولكنه رهان غير مضمون النتائج» بالنظر لتعقيدات المشهد السياسي الداخلي وحروب الأجنحة داخل القيادة الإيرانية.
من هذا المنطلق، تعبر باريس أن زيارة فابيوس إلى إيران، الأولى لوزير خارجية فرنسي إلى طهران منذ عام 2003، هي في الواقع «زيارة استكشافية» يمكن أن تمهد الطريق لتعميق التعاون. لكن باريس تلتزم في الوقت عينه موقفا حذرا رغم أن وزير خارجيتها كان أول مسؤول غربي يعلن عن رغبته التوجه إلى طهران. وقالت المصادر الدبلوماسية الفرنسية ما مفاده: «سنحكم على أفعال إيران وتصرفاتها وليس على أقوالها». وهذا ينطبق، كما أكدت، على طريقة التزامها بالتطبيق الأمين لبنود الاتفاق النووي ولكن أيضا على طريقة أدائها وسياستها الإقليمية.
تعي باريس، وفق ما أكدت مصادرها «الهواجس الخليجية» وقلق بلدان مجلس التعاون من أن تكون إيران قد فهمت الاتفاق النووي على أنه «تركها حرة اليدين والتصرف». ولكن رغم أخذها هذا الجانب المهم بعين الاعتبار، فإنها ترى أن الاتفاق «يخدم البلدان الخليجية لأنه ينزع عن طهران إمكانية بناء قوة نووية عسكرية». وتضيف هذه المصادر أن مجموعة الست «ستكون شديدة الحرص» على منع إيران من الالتفاف على أي بند من بنود الاتفاق. ومن هذا المنطلق، فإنها ترى فيه «بابا لتحرير المنطقة من الهاجس النووي».
كما أكدت باريس أنها «تريد اختبار إيران لمعرفة ما إذا كان يمكن تحويلها إلى عامل استقرار في المنطقة وليس عامل اضطراب وقلق فيها». والترجمة العملية لذلك ستكون عبر «البحث مع المسؤولين الإيرانيين عن ما يستطيعون القيام به بشأن الأزمات المستفحلة» من سوريا إلى لبنان واليمن والعراق وأمن الخليج. وتريد باريس كاختبار «أول» أن ترى ما إذا كانت إيران ستتخلى في لبنان عن «مقاربة فئوية انقسامية» لتتبنى نهجا يتيح التوصل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإخراج لبنان من شبح الفراغ الدستوري وإعادة تقوية دور المؤسسات.
أما في سوريا، فإن «المنطق الفرنسي» سيقوم على إفهام إيران أن «لا حل في سوريا مع بقاء النظام وبالتالي يجب البحث عن مخرج سياسي يحافظ على الدولة ويمنع تقسيمها». وإزاء الحجة القائلة إن إيران لن تتخلى عن الأسد اليوم لأن ذلك يعني وصولها إلى طاولة المفاوضات ضعيفة، فإن رد باريس هو أن الرهان على الأسد على المدى البعيد خاطئ لأنه لن يكون قادرا على البقاء، وأن مصلحة إيران تكمن في البحث عن حل اليوم قبل غد. أما في اليمن، فلا تجد باريس حرجا في النظر بكثير من الشك للدور الإيراني وهي ستسعى لمعرفة ما يمكن أن تساهم به إيران مع اعتبار أن «القاعدة الذهبية» التي ستلتزم بها فرنسا هي اعتبار أن «تطبيع العلاقات مع إيران ليس شيكا على بياض ولا يمكن بأي حال أن يكون على حساب مصالح مجلس التعاون الخليجي.. وبالدرجة الأولى أمنه».
وتعقب المصادر نفسها قائلة إن باريس «كانت الأكثر تشددا في المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق النووي لأنها أخذت بعين الاعتبار مصالح وأمن الخليج». وتضيف لذلك أن «إيران معزولة أكثر خطورة من إيران منفتحة على العالم».
وفي سياق متصل، تقول باريس إن قراءتها لمستقبل الوضع في إيران تقوم على مبدأ أن الانفتاح على طهران «سيكون من نتائجه المباشرة تعزيز دور وموقع التيار المعتدل» في إيران الذي يمثله الرئيس روحاني. ولذا، فإن «التطبيع» سيكون، بنظر مصادرها، مفيدا على جبهتين: الأولى، الداخلية حيث ستتمكن الحكومة القائمة من حصد ثمار الانفتاح واستثماره سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وانتخابيا. والثانية، الخارجية حيث «لن تكون طهران قادرة على التصرف بعد الاتفاق والتطبيع والانخراط في الدورة الدولية كما كانت تتصرف عندما كانت معزولة على المسرح الدولي. وإن صحت هذه الفرضية، فإن فرنسا ترى أن فائدتها ستعود على كل المنطقة».
الصعوبة في ما تقوله المصادر الفرنسية تكمن في أنها تطرح «فرضية» يمكن أن تكون صائبة كما يمكن أن تكون خاطئة. وحدها التطورات القادمة قادرة على الفصل بين التوقعين.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.