فيلمان من مهرجان
البحر الأحمر
عَـلَم
اختار المخرج فراس خوري، أو ربما آخرون، عدم ترجمة كلمة «علم» للغة الأجنبية، بل إبقاء الاسم الأجنبي كما أعلاه. اختيار يشي بأن «عَلَـم» يتمحور حول الراية التي يدعو إليها الفيلم وما ترمز إليه. هناك، فوق مبنى مدرسة تقع (على الأرجح) في القدس المحتلّة علم إسرائيلي يرفرف فوق السطح. تامر (محمود بكري) ورفاقه يخططون لوضع العلم الفلسطيني بدلاً من العلم الإسرائيلي، وذلك بالتسلّق إلى السطح ونصب العلم الوطني... المهمّة عليها أن تبقى سريّة خوفاً من العواقب.
العلم بالطبع هو رمز. الحكاية لا تعدو في نهايتها جمعاً ما بين الموضوع السياسي (القضية والهوية) ومتابعة بيئة شبابية مراهقة موزّعة بين عواطف مختلفة مع علاقة عاطفية تنمو (بتمهّل جيد) بين تامر وميساء (سيرين خاص). يلقي المخرج نظرة عارفة على تلك البيئة والعالم المحدود بين المدرسة والبيت. بين الأستاذ هنا والأب هناك. في أحد المشاهد يخرج معظم التلامذة من الصف تضامناً مع أحدهم حين احتج أن الأستاذ يدرّس تاريخ الاحتلال الإسرائيلي من خلال منهج الاحتلال. يقوم عدد من الطلاب بمظاهرة يقمعها الجيش. طعم الهزيمة مر. الاحتلال قوي والمناهضة ضعيفة، وينتهي الفيلم بلا قرار ذاتي لتامر. هل سينخرط في الرفض أو سيعود إلى موقعه الآمن. يمر معظم الفيلم في حوارات بين تامر وأصحابه، كاشفة لشخصيات كل منهم، لكن ليس هناك لا من إدارة ولا من معالجة فنيّتين. مشاهد المظاهرات تهدف لرفع مستوى الحماس، مما يحيل الفيلم إلى عمل عاطفي آخر مع نهاية هامدة.
السد
يرصد المخرج علي شرّي (فيلمه الطويل الأول) مجموعة من العمّال في الصحراء السودانية يصنعون الطوب من الطمي، بالقرب من سد على نهر النيل. منطقة بعيدة ومعزولة من دون توفير سبب لاختيار ذلك المكان، ولا السبب وراء ركوب ماهر دراجته النارية إلى موقع بعيد آخر بنى فيه (كما يبدو) صرحاً من التراب والطين ونراه يؤمه، لكي يرممه بمزيد من الطين. بعد حين، تمطر السماء بغزارة فيتفتت الطين المضاف ثم يهوي الصرح بكامله وتجرفه المياه. هل لم يفكر ماهر في احتمال حدوث ذلك؟
يضعنا الفيلم، بمشاهده الطويلة أمام حالات تريد أن تفصح عن حالات. لكن القليل يصل والغالبية تبقى حالات غير مفسّرة، حتى ولو لم يكن الغرض تفسيرها على نحو تقليدي. لماذا قتل ماهر الكلب الذي كان يطعمه؟ لماذا مشهد الحريق الكبير قبل نهاية الفيلم؟ وما سر الأصوات التي تخرج من الأرض غير مفهومة؟ لا بد أن هناك تفسيراً لكل شيء، لكن اختيار المَشاهد لا يؤدي إليها فتبقى غامضة. تصوير جيد من باسم فيّاض، وإنتاج يبقى في نطاق المحدود من الإمكانيات المادية التي تصنع في النهاية عملاً تجريبياً لافتاً أكثر منه ناجحاً.
على ذلك، هناك ما هو آسر في الفيلم مع مشاهد ومناظر تبقى في البال طويلاً. فيلم جيد في معالجته الوصفية كان يحتاج إلى ترميم بعض اختيارات المخرج الرمزية.