ما دلالات إلزام الحكومة الصومالية للمؤسسات الدولية بالعمل من مقديشو؟

دعت الحكومة الفيدرالية الصومالية، المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة وتنفيذ المشروعات التنموية إلى نقل مكاتبها إلى داخل البلاد، حتى نهاية شهر مارس (آذار) المقبل، وقالت إنها «لن تسمح بتنظيم أنشطة خارجية» بعد هذا التاريخ، وهو ما عده مراقبون «محاولة لتأكيد تحسن الوضع الأمني بالبلاد»، رغم المخاطر التي لا تزال قائمة لعناصر «الشباب» التي تصنّفها الحكومة الصومالية وعدة دول «حركة إرهابية».
وعزا بيان نشره محمود عبد الرحمن، وزير التخطيط والاستثمار الصومالي، في وقت متأخر من مساء (الاثنين)، عبر حسابه الرسمي على موقع «تويتر»، هذه الدعوة إلى «تحسن الوضع الأمني في البلاد».
https://twitter.com/HonBeenebeene/status/1620063689993846784
وقال الوزير في تصريح صحافي، بثّته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية (صونا)، إن «نقل مكاتب المنظمات إلى داخل الوطن يسهم في تعزيز مساءلة الحكومة لتلك المنظمات، وخلق فرص عمل، بالإضافة إلى وصول المنظمات إلى المستفيدين من خدماتها». وأضاف عبد الرحمن أن الحكومة الفيدرالية «لن تسمح بعد اليوم بعقد المؤتمرات والتدريبات الخاصة بالمنظمات خارج البلاد، حيث يجب أن تقام داخل البلاد».
وينشط في الصومال الكثير من المنظمات الدولية، بعضها تابع للأمم المتحدة مثل: برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إضافةً إلى منظمات غير حكومية عدة.
ويعمل بعض تلك المنظمات من مقرات إقليمية في دول مجاورة مثل كينيا وإثيوبيا، بسبب الوضع الأمني الهش في البلاد خلال السنوات الماضية، وقد تعرضت قوافل إغاثية تابعة لتلك المنظمات خلال الأشهر الأخيرة لهجمات من جانب عناصر تابعة لحركة «الشباب».
وتشهد الصومال منذ منتصف العام الماضي مواجهات بين قوات الجيش الصومالي بدعم من السكان المحليين، وبين عناصر حركة «الشباب» التي تصفها وسائل الإعلام الرسمية بـ«الخوارج».
وتمكنت القوات الفيدرالية وعناصر من العشائر الصومالية من تحرير مناطق واسعة في جنوب ووسط الصومال خصوصاً في إقليمي هيران وشبيلي الوسطى بولاية هيرشبيلي، من قبضة «الشباب» التي دامت سيطرتها على تلك المناطق نحو 15 عاماً.
واستقطبت حركة «الشباب» آلاف المقاتلين من الصوماليين وغيرهم، حيث سيطرت على مناطق شاسعة في الريف الصومالي، وتشكل تهديداً أمنياً للصومال وجارته كينيا التي نفّذت حركة «الشباب» فيها هجمات كبيرة على مدى السنوات الماضية، كما تمثل خطراً قائماً في مناطق شرق أفريقيا.
وأكدت الدكتورة هبة شوكري، الناشطة الصومالية في مجال المجتمع المدني، أهمية القرار الذي اتخذته وزارة التخطيط الصومالية، لافتةً إلى أن هذا القرار «يعكس حجم التحسن الأمني الذي باتت تشهده البلاد خلال الآونة الأخيرة».
وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة «لن تغامر بسمعتها وقيمة ما حققته» في المعارك مع عناصر حركة «الشباب»، خصوصاً أن أي استهداف لتلك المنظمات الدولية والأممية «سيضر ضرراً فادحاً بسمعة البلاد والوضع الأمني فيها».
وتابعت أن النجاحات التي تحققت بفضل التحالف بين القوات الحكومية وعناصر العشائر «نجحت في توفير أجواء ظلت مفتقَراً إليها لسنوات طويلة» حتى في العاصمة مقديشو.
وأعربت شوكري عن أملها في أن يتجاوب بعض المنظمات الدولية مع الدعوة الصومالية، لافتةً إلى أن تلك الاستجابة «ستبعث برسالة واضحة بشأن دعم المجتمع الدولي للشعب الصومالي في حربه ضد الإرهاب»، وأوضحت أن هذه المواجهة التي يخوضها الصوماليون «غير مسبوقة»، لا سيما بعد تحالف القوى الشعبية مع سلطات الحكومة الفيدرالية.
وكان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، قد دعا في وقت سابق من الشهر الحالي، مقاتلي حركة «الشباب» إلى الاستسلام، تزامناً مع طلب الحركة فتح حوار مع الحكومة الصومالية.
وحث شيخ محمود، في حديثه بمسجد القصر الرئاسي في العاصمة مقديشو، يوم الجمعة 6 يناير (كانون الثاني) الحالي، عناصر الحركة الذين قال إنهم «تعرضوا لغسل دماغ» إلى «نبذ العنف والتطرف وإشاعة السلام قبل فوات الأوان».
وجاءت تصريحات الرئيس الصومالي في أعقاب شن الحركة هجومين كبيرين على القوات الحكومية في منطقة وسط الصومال، مما أسفر عن مقتل أكثر من 43 شخصاً بينهم ضباط كبار.
فيما صرح عبد الفتاح قاسم، نائب وزير الدفاع في الحكومة الصومالية، في وقت سابق بأن «حركة (الشباب) طلبت من حكومته فتح حوار معها». ويرى الدكتور رامي زهدي، الباحث في الشؤون الأفريقية، أن الحكومة الصومالية تسعى بشكل مكثف إلى تقديم صورة إيجابية لما آلت إليه الأمور في البلاد، وربما ترتبط الدعوة التي أطلقها وزير التخطيط والاستثمار الصومالي بهذا المسعى، لإظهار عودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد التي عانت طويلاً من التفكك وغياب مؤسسات الدولة.
وأوضح زهدي لـ«الشرق الأوسط» أن إقدام الحكومة الصومالية على مثل هذه الخطوة يحمل «تحدياً كبيراً»، لافتاً إلى أن استهدافاً لأنشطة ومقرات تلك المنظمات الأممية والدولية من عناصر حركة «الشباب» سيُلحق ضرراً كبيراً بالسمعة التي استطاعت الحكومة الفيدرالية حتى الآن تكريسها بعد العمليات الناجحة لتعقب الحركة في معاقلها، وتحرير الكثير من المدن ذات الأهمية الاستراتيجية في الجنوب والوسط.
وحول رأيه بشأن تجاوب المنظمات الدولية مع القرار الصومالي، أوضح زهدي أن الصومال تحتاج بشدة لدور تلك المنظمات، لا سيما في المرحلة الراهنة، خصوصاً في ظل تردي الوضع الإنساني نتيجة موجات الجفاف والمواجهات العسكرية ضد حركة «الشباب».
واستطرد قائلاً: «هذه المنظمات لا تبني قراراتها على تقديرات الحكومات المحلية»، بل إنها تحتاج إلى إرسال بعثات استكشافية، ويمكنها كذلك الاعتماد على تقارير مؤسسات مختصة في تحديد الحالة الأمنية في العاصمة مقديشو، فضلاً عن مراجعة تعهدات الحكومة الصومالية بشأن تأمين مقرات وتحركات تلك المنظمات، وهي مسألة «ربما تستغرق بعض الوقت، وتحتاج إلى تنسيقات عدة».