العراق: المستقلون في البرلمان يتهمون الكتل الكبيرة بـ«الديكتاتورية»

شكاوى وطعون على انتخابات رئاسة وعضوية اللجان النيابية

العراق: المستقلون في البرلمان يتهمون الكتل الكبيرة بـ«الديكتاتورية»
TT

العراق: المستقلون في البرلمان يتهمون الكتل الكبيرة بـ«الديكتاتورية»

العراق: المستقلون في البرلمان يتهمون الكتل الكبيرة بـ«الديكتاتورية»

اتهمت شخصيات وكتل برلمانية مستقلة وصغيرة نسبياً في العراق، الأحزاب والكتلة الكبيرة في البرلمان الاتحادي، بالاستئثار والهيمنة على رئاسة وعضوية اللجان النيابية في البرلمان الاتحادي التي تناهز الـ25 لجنة، وأهمها لجان «النزاهة، والأمن والدفاع، والخارجية، والقانونية، والمالية، والتعليم».
وشنت كتلة «إشراقة كانون»، ولها نحو 5 مقاعد برلمانية هجوماً شديداً، أول من أمس، على الكتل السياسية الكبيرة التي تمسك بزمام السلطة، على حد وصفها، واتهمتها بـ«سلوك النهج نفسه في تحاصص المناصب، وإقصاء كتل المعارضة النيابية عن رئاسات اللجان الرقابية ونياباتها».
وحذرت من أن ذلك من شأنه أن «يضعف عملية المراقبة والمساءلة على عمل السلطة التنفيذية».
وشددت الكتلة على «ضرورة الفصل التام بين الأغلبية التي تتولى مسؤولية الحكم، والمعارضة التي تتولّى مسؤولية الرقابة عليه، وكسر صفقة المحاصصة ونتاجها من فشل طيلة سنوات»، وأكدت ضرورة «إجراء التعديلات على قانون مجلس النواب، وتشكيلاته لعام 2018، والنظام الداخلي للمجلس، وواجبات وحقوق المعارضة النيابية».
ورغم انتقاداتها وعدم قبولها بمحاصصة اللجان البرلمانية بين الكتل الكبيرة، تعهدت الكتلة في «الاستمرار بالعمل داخل اللجان البرلمانية بفاعلية، لأداء الدور النيابي خدمة للصالح العام».
ورداً على اتهام «إشراقة كانون»، أصدر مجلس النواب العراقي، مساء الأحد، توضيحاً بشأن آلية انتخاب رؤساء اللجان النيابية ونائبيهم، نافياً في السياق ذاته، الاتهامات الموجهة ضده بشأن اختيار رئاسة وعضوية اللجان النيابية.
وقالت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب في بيان، إن «هذه المعلومات عارية عن الصحة، وإن اللجان النيابية في مجلس النواب انتخبت رؤساءها ونوابهم في ممارسة ديمقراطية، شاركت فيها جميع الكتل النيابية الممثلة في المجلس».
وأضافت أن «كتلة (إشراقة كانون) الوحيدة التي نأت بنفسها عن المشاركة في هذه الانتخابات التي تسهم بدرجة كبيرة في تفعيل عمل اللجان والمجلس، والكتلة المذكورة لم ترشح لرئاسات اللجان أو نياباتها، وهذا الأمر يعد تقصيراً من الكتلة في القيام بمهامها الدستورية».
ويتوقع أن ينهي مجلس النواب العراقي، الاثنين، انتخاب ما تبقى من أعضاء ورؤساء اللجان البرلمانية، وبعيداً عن اتهامات المستقلين لرئاسة البرلمان والكتل الكبيرة بالاستحواذ على اللجان البرلمانية، ويعرف معظم المطلعين على الشأن البرلماني، أن «الصراع» على اللجان بين الكتل الكبيرة يجري على قدم وساق منذ الدورة الانتخابية الأولى عام 2005، وغالباً ما يرتبط بهذا الصراع مساومات واتفاقات جانبية تستمر لأسابيع، وربما تمتد لأشهر بين رؤساء الأحزاب والكتل، للوصول إلى صيغة تحاصص ترضي جميع الأطراف.
بدوره، أعلن النائب دريد جميل عن كتلة «بابليون» المسيحية (5 مقاعد)، أنه سيطعن في انتخابات رئاسة لجنة النزاهة النيابية، وقال في بيان: «تم استبعادي من لجنة النزاهة النيابية في انتخابات رئيس اللجنة ونائبيه، وهذا مخالف للنظام الداخلي في مجلس النواب، وسنقدم طعناً في المحكمة الاتحادية ببطلان انتخاب رئيس اللجنة ونائبيه».
من جانبه، قال النائب المستقل باسم خشان، إن «انتهاكات دستورية جسيمة ترتكب في مجلس النواب من أعلى سلطة تشريعية ورقابية».
وعدّ خشان أن «استبعاد النائب دريد جميل، أحد نواب المكون المسيحي من لجنة النزاهة النيابية رغم تصويت المجلس على عضويته، انتهاك سافر للدستور، وتجاوز لإرادة مجلس النواب، وترجيح للقرارات الفردية على القرارات التي يتخذها المجلس بالتصويت، وسكوت النواب عن هذه المخالفة انحناء وتنازل عن صلاحياتهم وتكريس للديكتاتورية».
وكان النائب المستقل باسم خشان، اتهم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بدفع أعضاء البرلمان إلى التصويت، في مايو (أيار) الماضي، على حرمانه من التسجيل في عضوية اللجان البرلمانية، ليخسر تصويت البرلمان، ما دفع خشان إلى تقديم شكوى أمام المحكمة الاتحادية، ولم يصدر عنها حكم بذلك حتى الآن.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

جمال مصطفى: الرئيس قال لي «عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلفنا باغتياله»

TT

جمال مصطفى: الرئيس قال لي «عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلفنا باغتياله»

شغل الدكتور جمال مصطفى السلطان منصب السكرتير الثاني للرئيس صدام حسين وهو متزوج من ابنته حلا
شغل الدكتور جمال مصطفى السلطان منصب السكرتير الثاني للرئيس صدام حسين وهو متزوج من ابنته حلا

لعبتْ الصدفة دورها في تدبير بداية مثيرة لقصة رجل اسمه صدام حسين. في 1959 اتخذ حزب البعث العراقي بقيادة فؤاد الركابي قراراً بالغ الخطورة، وهو ترتيب محاولة لاغتيال الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم. قبل وقت قصير من التنفيذ المقرر في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من تلك السنة، اعتذر أحد أعضاء الفريق المكلف بالاغتيال فكان هناك من اقترح الاستعانة بشاب اسمه صدام حسين. وخلال الكمين الذي نُصب في شارع الرشيد في بغداد أصيب قاسم بجرح بسيط وأصيب صدام بشظية في ساقه.

هرباً من الاعتقال فر الركابي إلى سوريا، كما فر عدد من أعضاء القيادة، أبرزهم حازم جواد وعلي صالح السعدي. وفي سوريا كان الركابي يكرر السؤال عن صدام ومصيره إلى أن علم أنه نجح في الفرار بعدما رتب شخصياً رحلته السرية إلى سوريا.

وسأنقل هنا ما سمعته من حازم جواد الذي قاد «البعث» إلى السلطة في 1963، قال: «في شقة تحت الأرض في دمشق، هي عبارة عن قبو، عقد اللقاء برئاسة فؤاد وحضوري إضافة إلى علي صالح السعدي ومدحت إبراهيم جمعة وعبد الله الركابي وربما أسماء أخرى. ألقى فؤاد كلمة أشاد فيها بـ(الرفيق العزيز صدام) وامتدح شجاعته ووفاءه. وقال إنه اقترح قبوله عضواً عاملاً في الحزب وأثنيت على اقتراحه. عندها وقفنا جميعاً ووقف قبالتنا الشاب الخجول المنتصب القامة الحاد النظرات الذي تميل سمرة جلده إلى السواد. قال فؤاد القسم الحزبي وردده صدام وراءه. بعدها قبلنا الشاب وجلسنا نتسامر نحو ساعتين حول أكواب الشاي وقالب كاتوه (حلوى). بعدها استأذن فؤاد في الذهاب إلى القاهرة. وطلب صدام منا السماح له بالذهاب إلى العاصمة المصرية لاستكمال دراسة الحقوق فوافقنا إذ لم نكن نحتاج إليه في سوريا ولسنا في وارد إعادته إلى العراق فهو شارك في محاولة اغتيال الزعيم الأوحد».

نزاهة عبد الكريم قاسم

عبد الكريم قاسم (غيتي)

لم نعتد أن يعترف زعيم بنزاهة سلف له حاول اغتياله. وهو ما سمعه الدكتور جمال مصطفى السلطان، السكرتير الثاني لصدام حسين وزوج ابنته، في إحدى جلسات مجلس الوزراء، إذ قال: «نعم، السيد الرئيس الله يرحمه ويغفر له كان يتطرق إلى كل المراحل السابقة بإنصاف. عندما يذكر عبد الكريم قاسم يذكره بإنصاف عالٍ ويقول إنه رجل شجاع ونزيه إلى أبعد الحدود. كان يحترمه لأنه نزيه وعمل للعراق بنزاهة».

وأضاف: «أتذكر أنه كان هناك اجتماع لمجلس الوزراء فذكّره أحمد حسين (رئيس الديوان)، فرج الله عنه، بأن اليوم هو 7-10 أي ذكرى محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، فقال السيد الرئيس: الله يرحم عبد الكريم قاسم. قمنا بهذه المحاولة وكنا شباناً ومندفعين وفي ذلك الوقت لم نسأل ما هي أسباب هذه المحاولة، ولماذا؟ الحزب كلفنا بهذا الفعل وقمنا به، لكن حقيقة عندما تنظر إلى الموضوع، نحن كشباب، لم نكن نحسب هذا الجانب ولكننا الآن نحسب. لم نعط لعبد الكريم قاسم فرصةً لنعرف إيجابياته من سلبياته حتى نقيم أنّ هذا الرجل يصلح للوطن أو لا يصلح، ونحن لم نفكر أنه إذا حدث شيء وقُتل عبد الكريم قاسم من سيأتي بعده؟ وهل هناك بديل؟ كل هذا لم نكن نفكر به. سأل الرئيس أحمد حسين: من بقي من عائلة عبد الكريم قاسم الآن؟ فقال له: سيدي بقيت على ما أعتقد أخته. فقال له: سلموا لنا على أخته وأرسلوا لها سيارة وخرجية.

تعامل الرئيس صدام مع الرئيس عبد الرحمن عارف معروف لكل العراقيين. كتب الكثير عن الرئيس لكن عدد المنصفين كان قليلاً. تعرضت صورته لعملية تشويه متعمدة قامت بها أقلام مأجورة أو قنوات مأجورة. أتمنى من كل الباحثين عن الحقيقة الذهاب إلى من يعرف الحقائق. حملة الشيطنة كانت تستهدف تبرير غزو العراق وقراره المستقل».

سألته: هل تعتقد أن صدام حسين لم يرتكب أخطاء، فأجاب: «السيد الرئيس كان يعمل لأجل تقدم العراق ورفعته، ويجتهد. ومن يجتهد يمكن أن يصيب ويمكن أن يخطئ، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر. لأن الهدف رفعة العراق وتقدمه. وتسألني عن علاقته بالمال. أنا لم أر إنساناً لا يحب المال مثل السيد الرئيس. نهائياً ولا يقيم له أي اعتبار. كل العالم بصورة عامة وعلى مدى عقدين بحث، ولم يترك شيئاً لم يبحث عنه، فلم يجد أي شيء باسم السيد الرئيس. لم يجد متراً في العراق أو خارج العراق ولا دولاراً ولا أي شيء باسم الرئيس. هناك خصوم لنا سياسياً شهدوا بذلك. منهم مثلاً إياد علاوي (رئيس الوزراء العراقي السابق) وفي حوار معك في (الشرق الأوسط) قال: شكلنا لجنة للبحث عن ممتلكات صدام حسين ولم نجد أي شيء باسمه. هذه شهادة الخصوم وهذه هي الحقيقة المطلقة. لم يكن يتساهل أبداً في أي تطاول على المال العام.

وهذا الأمر يصدق على أبنائه وبناته. نحن كعراقيين وكل إنسان يتمنى أن يمتلك أرضاً أو بيتاً أو مزرعة، نحن لدينا أملاك ولكنها أملاك محدودة. النظام الحالي لا يفهم معنى إدارة دولة وهاجسه الوحيد الانتقام. هجّر كثيراً من العراقيين من أراضيهم واستولى عليها وضمها وأتى بميليشيات إيرانية وأعطاها الجنسية العراقية، وأدخل إلى العراق إيرانيين وباكستانيين وأفغاناً ومنحهم الجنسية، وفي نفس الوقت هجّروا كثيراً من المناطق منها جرف الصخر وبلد والعوجة وبعض المناطق الأخرى، والآن أبناء جرف الصخر لا يحق لهم الدخول إليها لأنها تدار من قبل استخبارات عسكرية غير عراقية، والغرض منها العمل العسكري المؤثر على المنطقة وليس فقط على العراق، وكثير من إخواننا المسيحيين أيضاً صودرت أموالهم. عراقي كان يعيش في أوروبا أو خارج العراق فترك بيته أو عقاره فسيطرت عليه الميليشيات وأخذته. هذه الحكومة لا تعرف حقوق المواطن على الدولة، ولذلك هدفها الانتقام وكل أملاكنا صودرت وهي بسيطة أصلاً. فضلاً عن ذلك، مثلاً أنا عندي بستان يسمونه بستان البوغفور، هذا البستان من جدي الخامس كان باسمي صودر لأنني فلان، وهذه الأرض يتجاوز عمرها 250 سنة. وأرض أخرى أيضاً موروثة من جدي الرابع الذي هو سلطان صودرت للسبب نفسه وعمرها يتجاوز 200 سنة. والآن لو سجل طفل من أطفالنا بيتاً أو أرضاً في العراق يصادر باعتبار أنه جزء من النظام السابق.

أنا وعائلتي وأعمامي صودرت كل أملاكنا، وأكثر الإخوان وقع عليهم ضرر كبير. كل أملاكنا صودرت، ربما بعض إخواننا باع شيئاً أو تصرف بشيء، لكن نحن أملاكنا صودرت كلها».

عتاب على الصدر

مقتدى الصدر يخطب في النجف يوم 19 أكتوبر 2023 (رويترز)

قلت له إنني لاحظت أنه عاتب بشدة على السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، في مرحلة ما بعد سقوط النظام، فأجاب: «نعم بالتأكيد، لأن السيد مقتدى الصدر يعرف الحقيقة كما هي. يعرف من قتل والده، ويعرف التفاصيل لأنه كان يحضر التحقيق عندما كانت تجتمع اللجنة المشكلة لهذا الغرض. أنا لم أكن عضواً في لجنة متابعة التحقيق كنت عضواً في لجنة مهمتها الفعلية ترسيخ وجود مرجعية شيعية عربية في النجف وكانت لوالد مقتدى السيد محمد الصدر قدرة على إعطاء إقامات وحجب أخرى وكان النظام يتقبل منه بعض الانتقادات في خطب الجمعة وهو من رفض الحماية الرسمية حين عرضت عليه بعد ورود معلومات عن جهات يمكن أن تحاول اغتياله...».

ورداً على سؤال عما إذا كان الجو المحيط بصدام سُنّياً، قال: «لا، لا، نحن كعراقيين آنذاك لم يكن لدينا موضوع اسمه سني وشيعي ومسيحي. نحن نعتبر جميعاً عراقيين وليس لدينا غير الهوية العراقية وهي السائدة. ليس لدينا هوية فرعية وإن كنا نعتز بانتماءاتنا العشائرية، ولكن العشائرية لم تكن هي السائدة بل الهوية الوطنية هي التي تسود، فليس لدينا غير أن نقول أنا عراقي ويفتخر المرء بأنه عراقي ومرفوع الرأس في البلد وخارجه. لم يكن لدينا تمييز في أي جانب من الجوانب، سواء الوظيفية أو المعيشية أو أي جانب من جوانب الحياة. هذا يشمل الإدارة والجيش والحزب من أبسط مستوى إلى مستوى قيادة مجلس الثورة والقيادة القطرية. لم يكن الانتماء الطائفي أو المذهبي أو الديني هو المعيار أو عائقاً أمام تولي منصب. هذا يصدق بالنسبة إلى الشيعة والسنة والمسيحيين. كان طارق عزيز المسيحي وزيراً للخارجية ونائباً لرئيس الوزراء وعضواً في القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة.

لو التفتنا إلى السياسة الموجودة حالياً، نرى أنها مستمرة في تدمير العراق. واضح أن هناك خطةً كاملةً لإحداث تغيير ديموغرافي لكسر التوازنات التاريخية في البلاد. حلت عملية تهجير هائلة للعراقيين. هل هي مجرد صدفة أن أكثر من 10 ملايين عراقي يعيشون خارج البلاد بسبب السياسات التدميرية المتعمدة؟ ليس تهجير فئة معينة، كل العراقيين مستهدفون من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. هناك خطة فعلية لضرب العراق ووحدته ودوره وإضعافه والسيطرة على قراره».

قصة «الكيماوي»

سألته بماذا يشعر حين يُوصف خاله علي حسن المجيد بـ«الكيماوي»؟ فأجاب: «هذا وصف فيه الكثير من المغالطة والظلم والافتراء. كثير من التزييف للحقيقة. المشكلة هي في الاستناد إلى أناس مغرضين أو ليست لديهم معلومات.

علي حسن المجيد في عام 1991 وعندما سيطرت بعض الميليشيات المتمردة على دهوك وبعض المحافظات الأخرى، كان واجبه تحرير المدينة من المتمردين. تعمد علي حسن المجيد جمع القادة العسكريين وبعض أمراء أفواج الأكراد في فندق لا أذكر اسمه. جمعهم وتحدث معهم وقال لهم: غداً إن شاء الله الساعة السابعة صباحاً نشرع في الهجوم على مدينة أو محافظة دهوك. ستبدأ الطائرات تقصف بالكيماوي، ثم من بعدها يدخل الجيش لاستعادة المنطقة.

انتشر الخبر ووصل في لحظته إلى دهوك، ففر المدنيون والمتمردون من دهوك. من يرغب في استخدام السلاح الكيماوي لا يعقد اجتماعاً موسعاً ويعلن فيه ذلك. كان الغرض الحقيقي إثارة الخوف لدى المتمردين وحتى الناس للتقليل من خسائر الجيش والمدنيين في حال اختاروا المقاومة. وفعلاً في الساعة المحددة قامت طائرات الهليكوبتر برمي مادة تشبه الطحين وعندما يراها المرء يتوهم أنها مادة كيماوية. كان هدف المناورة عدم التسبب في وقوع ضحايا وهذا ما حصل. بعد ذلك ألصقت بعلي حسن المجيد صفة الكيماوي».

سألته: من أمر بقصف حلبجة؟ فأجاب: «حلبجة موضوعها مختلف ومعروف. تداولته الأخبار لكنها أيضاً مغلوطة. الأخبار الحقيقية والمنطقية هي أن إيران دخلت حلبجة، وقصفتها قبل دخولها بالكيماوي، والشاهد على ذلك قبل فترة غير بعيدة، مسرور بارزاني، رئيس وزراء كردستان الذي أعلن أن طائرتين إيرانيتين قصفتا حلبجة قبل دخول الإيرانيين إليها. السيد الرئيس في حديث في أحد اجتماعات مجلس الوزراء تحدث عن هذا الأمر. قال إن الفريق نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش هو الذي استخدم الكيماوي على حلبجة ومن دون علم القيادة، وهذا رداً على الكيماوي الذي استخدمته إيران في ضرب المنطقة. وقال الرئيس في تلك الجلسة: أنا حاسبته (نزار الخزرجي) وقلت له ليس لك حق أن تستخدم الكيماوي من دون علم القيادة».

العودة إلى العراق

أسأل جمال مصطفى عما إذا كان لا يزال يأمل بالعودة إلى العراق ذات يوم، فيجيبني: «كل الحكومات التي تعاقبت على الحكم في العراق، منذ 2003 إلى يومنا هذا، هي حكومات جاء بها المحتل الأميركي، وارتباطاتها وتبعيتها للنظام الإيراني في تحقيق أهدافه وأجنداته في المنطقة حتى من خلال انتشار الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن. حقيقة عند وصولهم، أول أيام الاحتلال، بدأوا بالقضاء على البنية التحتية العلمية الوطنية، من خلال الاغتيالات التي قامت بها ميليشيا تابعة لإيران. اغتالت علماء العراق واغتالت أطباء العراق واغتالت الطيارين العراقيين والوطنيين، مما أدى إلى هجرة أكثر من 10 ملايين عراقي إلى خارج البلد ويعيشون في المهجر. وحقيقة التكلفة الإنسانية لا يقبلها أي ذي جانب إنساني وخلقي ومبادئ إنسانية. من جانب آخر، هل نتمنى العودة إلى العراق؟ مؤكد أتمنى العودة إلى العراق، وكل عراقي وطني يحب شعب العراق ويتمنى العودة اليوم قبل الغد. وهي مسألة وقت حقيقة ونتأمل، بإذن الله، أن يتحرر العراق ويعود نظيفاً قوياً معافى، وسنعود، وأول العائدين نكون أنا وأسرتي».

قال جمال مصطفى إن أهل المنطقة يتحدثون كثيراً في هذه الأيام عن الدور الإيراني فيها. الإيرانيون أنفسهم يتحدثون عن السيطرة على أربع عواصم عربية هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء. أربع دول مضطربة وتعيش نوعاً من التفكك. القرار في يد الميليشيات وليس الحكومات. السياسات المتبعة مناقضة لمصالح هذه الدول ولطبيعة انتمائها العربي.

جمال مصطفى السلطان

حرص على الإشارة إلى أن صدام حسين «تنبه باكراً لهذا الأمر واعتبر أن هناك مشروعاً يستهدف العراق لتفكيكه والانطلاق بعد ذلك لتفكيك عدد من دول المنطقة. كان العراق هو السد في وجه هذا المشروع الموجه ليس فقط ضد العراق، بل ضد العرب، بوجودهم ودورهم». اعتبر أن إيران هي التي تتحمل مسؤولية الحرب العراقية - الإيرانية «وسياستها صريحة وتقوم على تصدير الثورة وهو منصوص عنه في دستورها».

سألته عن صحة ما سمعته أن جهات في المخابرات العراقية اقترحت على الرئيس صدام اغتيال المرشد الإيراني الإمام الخميني خلال وجوده في بغداد ورفض لأنه يُعتبر ضيفاً على العراق، فأجاب: «نعم، السيد الرئيس صدام حسين عربي أصيل وشهم وكل شمائل الرجال الأصيلة العربية يمتلكها، ولذلك لا يمكن أن يسمح أن يتعرض ضيفٌ من ضيوفه لأي خطر. فكيف يتعرض ضيفه لغدر؟ لا يسمح بهذا الجانب ولا يمكن أن يخطر على باله نهائياً هذا الأمر ولا يمكن أن يسمح بأن يتحدث بهذا الجانب».

الخميني والزائر وتسجيل المحادثة

خلال وجود الخميني في العراق كلفت السلطات بعثياً اسمه علي باوه بأن يسهر على توفير تسهيلات إقامته. بعد مغادرة الخميني إلى باريس كُلِف علي باوه بزيارته في مقر إقامته في نوفل لوشاتو. وتقول الرواية إن شخصاً آخر من المخابرات العراقية رافق علي في الزيارة وكان يرتدي ساعة قادرة على تسجيل الأحاديث. وتضيف الرواية أن الخميني قال لعلي باوه إنه بعد إسقاط نظام الشاه سيكون نظام «البعث» في العراق هدفه الثاني، وإن صدام اطلع على هذا الكلام فاستنتج أن الحرب آتية. سألت جمال مصطفى عن ذلك فأجاب: «فعلاً وصلت رسالة من خلال الزيارة التي تحققت مع الخميني، وكان مفادها أن الهدف الثاني من بعد إسقاط الشاه هو إسقاط النظام في العراق. كان واضحاً أن الخميني يعتبر النظام العراقي عائقاً أمام مشروعه».

سألت جمال مصطفى عن علاقات صدام حسين بالزعماء العرب، فأجاب: «كانت لدى السيد الرئيس علاقة طيبة وممتازة مع عدد من الزعماء العرب. يمكن أن أتحدث هنا عن الملك حسين بن طلال، والرئيس علي عبد الله صالح، والملك فهد بن عبد العزيز. عندما زار العاهل السعودي بغداد احتفى به الرئيس احتفاءً خاصاً واهتم به اهتماماً خاصاً وتعامل معه تعاملاً مميزاً. وأتذكر أنه طرح على الملك فهد مشروع اتفاقية بين العراق والسعودية للحفاظ على الحدود وعدم التدخل في الشأن الداخلي ووافق الملك فهد فوراً على المقترح، وجلس وزير الخارجية العراقي ووزير الخارجية السعودي وأبرمت الاتفاقية بسهولة.

زعماء عرب آخرون كانوا على تواصل مستمر مع السيد الرئيس، منهم الشيخ جابر الأحمد، أمير الكويت. عندما جاء الشيخ جابر إلى بغداد احتفى به السيد الرئيس وتعامل معه تعاملاً مميزاً أيضاً لأن العرب وقفوا مع العراق في حربه ضد إيران، والسيد الرئيس لا ينسى هذا الفضل أبداً، وتعامل معه تعاملاً مميزاً جداً. خلال الزيارة طرح الرئيس على ضيفه مشروع اتفاق مشابه للذي وقع مع السعودية، لكنه لم يوافق وبقيت الأمور على حالها.

ياسر عرفات الله يرحمه ويغفر له كان مميزاً. دائماً يذهب ويأتي إلى العراق وكان من الرؤساء المميزين الذين كان السيد الرئيس يحترمهم ويقدرهم لأنه صاحب قضية وقضيته عظيمة، والسيد الرئيس كان يهتم بفلسطين اهتماماً مميزاً».

تسمية «الكيماوي» ظلم لعلي حسن المجيد وهذه حقيقة ما حصل في دهوك

جمال مصطفى السلطان

الخزرجي: أبلغوا القائد العام بسقوط حلبجة بيد الإيرانيين فأمر بتوجيه «ضربة خاصة»

معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)

للفريق أول ركن نزار الخزرجي رئيس الاركان السابق للجيش العراقي رواية أخرى عما جرى في حلبجة. قال الخزرجي إن طرفي الحرب العراقية-الإيرانية استخدما الأسلحة الكيماوية لكن قدرات العراق في استخدامها كانت أكثر تطوراً.

سألته عن آلية استخدام الأسلحة الكيماوية فأجاب: «استخدام هذا السلاح مدرج تحت تسمية الضربات الخاصة. الأمر بتنفيذ هذه الضربات لا يمكن أن يصدر إلا عن القائد العام. الاستخدام والتوقيت والسيطرة على العملية أمور تعود إلى القائد العام. هذه الأسلحة تصنع في هيئة التصنيع العسكري لكنها تستخدم عبر وسيلتين: القوة الجوية أو الأسلحة القاذفة الموجودة لدى الحرس الجمهوري الخاص. وتحريك هذه الأسلحة الكيماوية وشحنها وموعد إطلاقها واستخدامها من شأن القائد العام وحده».

وعما جرى في حلبجة، يقول: «تعرضت حلبجة لضربة جوية بأمر من القائد العام. الواقع إن ما حصل غريب. كان علي حسن المجيد مسؤولاً عن الشمال وأعطي صلاحيات استثنائية كاملة. وكانت هناك هجمات إيرانية في المنطقة. أبلغت عناصر أمنية وحزبية علي حسن المجيد أن حلبجة سقطت بيد الإيرانيين فأخبر صدام بذلك. عندها أمر صدام بتوجيه ضربة خاصة إلى حلبجة معتقداً أنه سيكبد الإيرانيين خسائر كبيرة. كانت الضربة جوية. والغريب أن حلبجة ساعة الضربة لم تكن قد سقطت بيد الإيرانيين وكان لا يزال فيها عدد من الجنود العراقيين. وقد أكد عدد من القادة الأكراد أنهم عثروا بين ضحايا حلبجة على جثث جنود عراقيين. قائد الفرقة التي تتولى مسؤولية الأمن في المنطقة لم يكن يعرف بالضربة ولا قائد الفيلق ولا أنا (رئيس الأركان) ولا وزير الدفاع نائب القائد العام الفريق أول ركن عدنان خير الله. عرفنا بعد حدوث الضربة».

سألته إن كان الرئيس تحدث معه في موضوع السلاح الكيماوي، فأجاب: «صدام يتحدث مع كل قائد عسكري بما يخص القوات التابعة له. لا يناقش قائد سلاح بما يعني السلاح الآخر. يريد الأدوار محدودة ومعرفة القائد محصورة بالسلاح الذي يتولى إمرته. لا أحد يعرف كل شيء إلا القائد العام. هل يصدق أحد مثلاً أن عزة إبراهيم الدوري نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عرف من الإذاعة أن الفاو حررت في 17/4/1988. للوهلة الأولى يظن الناس أن شخصاً في موقع الدوري يجب أن يكون شريكاً في أضخم معركة في الحرب العراقية-الإيرانية، وإذ به يعرف كأي شخص بعيد. إنه أسلوب صدام حسين. أنا مثلاً كرئيس لأركان الجيش لا أستطيع أن أطلب شيئاً من قائد ولا أستطيع أن أصدر امراً له أو لمدير المخابرات».