الدبابة وما أدراك ما الدبابة!

رجل يقف أمام دبابة روسية مدمرة في ضواحي كييف الأحد (رويترز)
رجل يقف أمام دبابة روسية مدمرة في ضواحي كييف الأحد (رويترز)
TT

الدبابة وما أدراك ما الدبابة!

رجل يقف أمام دبابة روسية مدمرة في ضواحي كييف الأحد (رويترز)
رجل يقف أمام دبابة روسية مدمرة في ضواحي كييف الأحد (رويترز)

في المرحلة الأولى من الحرب سقطت الدبابة على أبواب كييف. نظّر البعض بانتهاء عصر الدبابة، وتفوّق السلاح المُضاد للدروع. في المرحلة الثانية، بدأت التحليلات تسترجع الاستراتيجيّات القديمة التي اتّبعها قادة عسكريون عظام مثل هنيبعل ضد روما. فهو اتّبع ما يُسمّى بعمليّة التثبيت في مكان، خاصة في معركة «كان»، والالتفاف من مكان آخر، عادة يكون نقطة الضعف عند العدو. وبعد التطويق الكامل، تبدأ عمليّة الإبادة. اتّبعت القوات الروسيّة هذه المقاربة في كلّ من مدينتي سيفيريدونتسك ليسيشانسك. وهي اليوم تتّبعها في مدينة باخموت وغيرها. يُطلق على هذه الاستراتيجيّة كلمة Cauldron بالإنجليزية و«مِرجل» بالعربيّة.

بعض معضلات ونقاط القوّة للفريقين

أوكرانيا: تقاتل أوكرانيا على أرضها. كما تقاتل في الخطوط الداخلية للحرب، أي من داخل قوس التماس مع القوات الروسيّة. تقاتل أوكرانيا حرب حياة وموت. وهي تعرف أن حربها هي حرب الغرب ككلّ، خاصة أميركا ضد روسيا، وبالواسطة ضدّ الصين التي تحاول تغيير تركيبة النظام العالميّ. تعرف أوكرانيا أنها مهمّة جدّاً للغرب؛ لأنها تحارب عنه بالواسطة، من هنا كثرت طلبات الأسلحة من الغرب.

لكن أوكرانيا تعرف أيضاً، أن أي حرب دفاع تخوضها ضد القوات الروسيّة هي في النهاية حرب خاسرة لها، خاصة في البُعد البشريّ. ففي كلّ معركة حول المدن في أوكرانيا، تخسر أوكرانيا الكثير من مقاتلي النخبة لديها. تعرف أوكرانيا أن أي تردّد لدى الغرب في متابعة الدعم لها، يعني سقوطها. من هنا قلقها من التغيير الذي حصل في الكونغرس الأميركي لصالح الجمهوريين. تعرف أوكرانيا أنه لا يمكن لها القتال على كلّ الجبهات، من هنا التركيز على الجبهات المهمّة، كما تعرف أنه من المستحيل تحرير كل الأرض التي احتلّها الجيش الروسيّ، إن كان في هذه الحرب، أو في العام 2014، وخاصة شبه جزيرة القرم. فما هي إذاً معادلة تحديد النصر الأوكرانيّة؟ أي متى، وبعد أي إنجاز عسكريّ، يمكن لأوكرانيا الجلوس إلى طاولة التفاوض؟

روسيا: تقاتل روسيا على جبهة ملاصقة لحدودها البريّة. كما تتمتّع بعمق جغرافي لا يريد الغرب حتى الآن انتهاكه أو تهديده. تعرف روسيا أن العمق الديمغرافي هو لصالحها، 140 مليون نسمة مقابل 40 مليوناً. يعرف الرئيس بوتين أنه لا يمكن له الخسارة مرّتين متتاليتين في أوكرانيا ضدّ الغرب. فهذا الأمر يعني نهايته السياسيّة، أو حتى تفكّك روسيا جغرافيّاً وإثنيّاً. من هنا شراسته في القتال.

يعرف الرئيس بوتين نقاط قوّة أوكرانيا كما نقاط ضعفها. فهي كانت تحت المظلّة السوفياتيّة، كما الروسيّة لعقود من الزمن. حتى أن الفكر البوتيني لا يعترف أصلاً بشيء اسمه أوكرانيا.

يعرف الرئيس بوتين أن الوقت يعمل لصالحه، حتى ولو لم يحقّق إنجازات عسكريّة سريعة ذات قيمة استراتيجيّة كبيرة. فعملية قضم الإنجازات الأوكرانيّة هي على قدم وساق، خاصة في شرق أوكرانيا. وإذا استمرّ النجاح التكتيكي العملاني الروسي على هذا المنوال، فقد يؤدّي إلى تظهّر نجاحات استراتيجيّة كبيرة. على كلٍّ، قد يمكن القول، إن معادلة تحديد النصر للرئيس بوتين هي على الشكل التاليّ، «السيطرة الكاملة على الأقاليم الأربعة التي ضمّها بمرسوم سابق، وهي، الدونباس (دونيتسك ولوغانسك)، وخيرسون، وزابوريجيا». فهل يمكن تسويق الضم الكامل للأقاليم الأربعة في الداخل الروسي، لتبرير الكلفة، تحضيراً للذهاب إلى التفاوض؟ ممكن في الداخل الروسيّ، فماذا عن أوكرانيا والغرب؟

الدبابة الغربيّة إلى المسرح الحربي الأوكرانيّ

مقاربتان في سباق مع الزمن. تسعى المقاربة الروسيّة إلى وقف الاندفاعة الأوكرانيّة، واسترداد زمام المبادرة. وذلك عبر الدفاع في الشمال الشرقيّ، حول خاركيف وعلى محور مدينتي سفاتوف وكريمينا. كما تحصين الدفاع في الضفة الشرقيّة لنهر دنيبرو في إقليم خيرسون، وتحسن المواقع التكتيكيّة في إقليم زابوريجيا، للدفاع أولاً، ومن ثمّ كمحور هجوم روسي للسيطرة على كلّ الإقليم.

في المقابل، تنتظر الخطّة الأوكرانيّة الدبابات الغربيّة على أحرّ من الجمر، كما تنتظر استكمال المنظومة الحربيّة ككلّ، من دفاعات جويّة، إلى مدفعيّة الميدان، إلى الذخيرة اللازمة، إلى الاستعلام التكتيكي المستمرّ من الأميركيين. كما تنظر استشراف الخطّة الروسيّة، ومتى تصبح جاهزة.

هناك 3 أمور تحدّد نتيجة المعركة القادمة فيما خصّ الدبابات، وهي:

الكمّ؟ أي عدد الدبابات الغربيّة التي ستسلّم لأوكرانيا. تطلب أوكرانيا 300 دبابة، و600 عربة مدرّعة وناقلة جند. يُضاف إلى الكم، التنوّع وتعدّد الأصناف والمصادر.

متى؟ أي سرعة تسليم هذه الدبابات. ومن المنطقي أن يبدأ التسليم من الأقرب جغرافياً، أي بولندا، ألمانيا وبعض الدول من «الناتو» في أوروبا. لكن الأكيد أن بولندا ستتحمّل العبء الأكبر في كلّ الإبعاد.

الجهوزيّة؟ من المعروف أن الدبابة لا تقاتل بمفردها. فهي في حاجة إلى طواقم مُدرّبة. إلى العمل بجانب كلّ من: المدفعيّة، الطيران، القوات البحريّة، حاملات الجند، والمشاة بالطبع، كما التدريب على القتال المشترك وتكتيكات القتال.

هذا في الجانب الأوكرانيّ، لكن يبدو أن الرئيس بوتين يعتمد على قول الزعيم السوفياتي الراحل جوزف ستالين حين قال: «للكميّة نوعية بحدّ ذاتها». فهل سيُلقي بالعدد مقابل النوعيّة في الحرب التي يُعدّ لها؟ ممكن؛ فهو قد بدأها فعلاً بعد عملية الاستدعاء لـ300 ألف من الاحتياط.
 


مقالات ذات صلة

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

أوروبا رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف (رويترز)

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

نقلت «وكالة الإعلام الروسية» عن رمضان قديروف رئيس الشيشان قوله اليوم الأربعاء إن طائرة مسيّرة أطلقتها أوكرانيا هاجمت العاصمة غروزني وتسببت في سقوط مدنيين.

«الشرق الأوسط» (غروزني)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (رويترز)

«الناتو» يدعو الغرب لتوفير «دعم كافٍ» لأوكرانيا لـ«تغيير مسار» الحرب

حضّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، الأربعاء، أعضاء الناتو على تزويد أوكرانيا بما يكفي من أسلحة لـ«تغيير مسار» الحرب.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

حذر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» ترمب من أن الولايات المتحدة ستواجه «تهديداً خطيراً».

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي أشخاص ورجال إنقاذ سوريون يقفون بالقرب من أنقاض مبنى في موقع غارة جوية على حي في مدينة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في شمال سوريا، 2 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحمّل روسيا وإيران مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا

قالت أوكرانيا، الاثنين، إن روسيا وإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، حيث سيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها على مساحات واسعة من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في أثينا 26 أكتوبر 2020 (رويترز)

لافروف يتهم الغرب بالسعي إلى وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الدول الغربية، الاثنين، بالسعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بهدف إعادة تسليح كييف بأسلحة متطورة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

«الجمعية العامة»: حل الدولتين هو السبيل الوحيد إلى السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين

الجمعية العامة للأمم المتحدة (صورة من الحساب الرسمي على إكس)
الجمعية العامة للأمم المتحدة (صورة من الحساب الرسمي على إكس)
TT

«الجمعية العامة»: حل الدولتين هو السبيل الوحيد إلى السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين

الجمعية العامة للأمم المتحدة (صورة من الحساب الرسمي على إكس)
الجمعية العامة للأمم المتحدة (صورة من الحساب الرسمي على إكس)

قال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيلمون يانغ، الثلاثاء، إن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للتوصل إلى سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وأضاف على منصة «إكس»، بعدما ألقى كلمة أمام الجمعية العامة حول الشرق الأوسط: «لا يزال حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم، الذي يوفر للإسرائيليين والفلسطينيين فرصة العيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن وكرامة».

وأكد يانغ أن «السلام والأمن لن يتحققا أبداً بالقوة أو الاحتلال»، وأن الحوار والاعتراف المتبادل والقانون الدولي هي الوسائل الوحيدة للتوصل إلى سلام عادل ودائم.