تعليم الفلسفة للأطفال في بعض التجارب الدولية

دول اعتمدتها وأعدت مدرسين وحققت تقدمًا وراكمت خبرات

تعليم الفلسفة للأطفال في بعض التجارب الدولية
TT

تعليم الفلسفة للأطفال في بعض التجارب الدولية

تعليم الفلسفة للأطفال في بعض التجارب الدولية

مع انتعاش النقاش حول تدريس الفلسفة للأطفال، يزداد اليقين لدى البعض أنه لا بد من خوض تجارب لمراكمة ما يمكن مراكمته من خبرات، في أفق توسيع دائرة المهتمين بهذا النوع من التدريس. كما يزداد اليقين لدى البعض الآخر، بكون هذا التدريس لا يمكنه أن يتحقق نظرا لمجموعة من الاعتبارات.
من الأسئلة البديهية والأولية التي تطرح في كل نقاش حول تدريس الفلسفة للأطفال: هل يمكن للطفل أن يتفلسف؟ ما هي المداخل الممكنة لضمان تعليم فلسفي للأطفال؟ هل يتعلق الأمر بتدريس مفاهيم، كما هو الحال في المستويات التعليمية الأخرى، أم أن الأمر يتعلق بتبسيط موضوعات فلسفية للطفل؟ هل للطفل أسئلة فلسفية ووعيه الذاتي لم يتشكل بعد؟ هل يشترط التفلسف وعيا بالذات؟ ألا يمكن أن تكون لهذا التعليم انعكاسات سلبية على الطفل؟ كيف يمكن ضمان عدم أدلجة تعليم الطفل؟ ألا يستهدف تعليم الفلسفة للأطفال ترويضهم لخدمة أهداف سياسية؟
في حقيقة الأمر وبعيدا عن الديماغوجية، لا نرى مانعا في الدفاع عن حق الطفل في التفلسف، إذا اعتبرنا أن التفكير الفلسفي هو تفكير نقدي ينبني على التساؤل، ويعزز القدرات النقدية في التفكير وإعمال العقل، خاصة في عالم اليوم، حيث غذت النزعة الاستهلاكية شرا لا بد منه، وحيث يتم تلقين الإنسان مبادئ السوق الحرة منذ الطفولة. ذلك أن آليات التنشئة الاجتماعية صارت معقدة للغاية، وتغلغلت إليها مبادئ كانت بالأمس القريب، مرفوضة تماما. في الوقت نفسه، نجد أن للفكر الفلسفي حضورا قويا خارج المؤسسات، بفضل تنامي المقاهي الفلسفية، والجامعات الشعبية، وتغلغل الفلاسفة الجدد (فيما يشبه نجوم الفن) إلى وسائل الإعلام، وحيث وجدت الفلسفة أنصارا ومريدين لها في مجالات أخرى شتى.
أمام حضور الفلسفة هذا، صار البحث عن توسيع دائرة المهتمين بتدريس الفلسفة للأطفال أمرا ملحا. فالأصوليات الجديدة اخترقت كل المجالات، وهيمنت على مؤسسات التربية والتعليم، وخاصة مؤسسة تربية الناشئة وتكوينها. ونقصد تحديدا، الأصولية النيوليبرالية (الرأسمالية ونظام السوق الحرة)، والأصولية الدينية. فهل يمكن السكوت أمام هذا الزحف؟
لم يكن تدريس الفلسفة للأطفال عتيقا جدا، بحيث لم تظهر هذه الفكرة إلا في نهاية الستينات من القرن الماضي، في أميركا بفضل جهود ماثيو ليبمان. وخطوة خطوة حذت دول أخرى في مختلف بقاع العالم حذو هذه المبادرة.

الفلسفة للأطفال في أميركا

كان ماثيو ليبمان يبحث عن طريقة لتبسيط الفكر المنطقي لطلابه في المرحلة الجامعية. وفكر في أنه من المستحسن، تدارك ذلك في حداثة سنهم. ولهذا السبب كتب روايته القصيرة المعنونة بـ«اكتشاف هاري سوتلمير»La découverte d’Harry Sottlemeier، الموجهة للأطفال، ما بين سن العاشرة والثانية عشرة، حيث يمكن لمجموعة أطفال البحث عن قواعد التفكير السليم. وبالتعاون مع أنا مارغريت شارب، كتب روايات أخرى، على منوال منهج المناقشة السقراطية (التوليد) بين التلاميذ، حول الاتيقا (التسليم بجملة من المبادئ أو الأوامر المحددة لكيفية التعامل بين الأفراد، وحسن تدبير شؤون الحياة) والجماليات والسياسة، والابستمولوجيا. وهو ما شكل في مجموعه برنامجا للفلسفة خاصا بالأطفال ما بين سن الخامسة والثالثة عشرة. ترتكز منهجية ليبمان، الأكثر شهرة في العالم، على ثلاث وسائل:
- تطوير ثقافة السؤال في المدرسة، من خلال الانطلاق من أسئلة الأطفال نفسها. ­ حث الأطفال على كتابة نصوص سردية تتمحور حول انتماء الطفل إلى شخصيات وحالات (تستحضر البعد الانثربولوجي). ­
تخصيص حيز للكلام والتبادل في القسم للمشاكل العالمية: البيئة، الفقر، اللامساواة. وتكون المناقشة حرة، شريطة استحضار النقد والدليل والحجة.
فلسفة لأطفال الأرجنتين

بدأت تجارب تدريس الفلسفة للأطفال في الأرجنتين سنة 1989، داخل مدرسة خصوصية في بونيس أيرس. وظهر المركز الأرجنتيني لتعليم الفلسفة للأطفال سنة 1993 في جامعة المدينة. حيث ترجم برنامج ليبمان ونشر، ونشرت معه بعض المعدات الموجهة لتدريس الفلسفة للأطفال. وهي التجربة التي دفعت إلى انطلاق تجارب أخرى في مدن أخرى، من قبيل مدينة كاتامارا، ودعم المبادرة في مدارس أخرى، إلى جانب تخصيص برنامج إعداد مدرسين في هذا التخصص في مدارس الأساتذة.

البرازيل

لقي نموذج ماثيو ليبمان نجاحا باهرا في البرازيل، حيث نشأ معهد تدريس الفلسفة للأطفال سنة 1989 بساو باولو. وجرى إعداد آلاف الأساتذة لتدريس الفلسفة للأطفال، في برنامج ليبمان، قبل انطلاق التجربة في كل ربوع البلاد. ويمكن أن نؤكد وجود ما يقارب الـ10 آلاف مدرس و100 ألف طفل يعيشون تجارب مختلفة في تدريس الفلسفة في المدارس العمومية والخاصة.
تأخر بريطاني

لا توجد أي مبادرة لتدريس الأطفال في بريطانيا قبل سنة 1990. ولكن كانت هناك مجموعة صغيرة من المربين، ومن ضمنهم روبير فيشر الذي يشغل منصب مدير برنامج مهارات التفكير في جامعة برونيل، وهو مهتم بتدريس الفلسفة للأطفال. ولقد أثار مشروعه الانتباه وأخذ بالاعتبار، بعد الشريط الوثائقي الذي بتثه قناة بي بي سي BBC البريطانية سنة 1990. تحت عنوان «سقراط لأطفال السنة السادسة من العمرSocrates for 6 - years old»، الذي لقي إقبالا واسعا جدا، حيث جرى سنة 1991. إنشاء مؤسسة النهوض بالفلسفة في التعليم، بهدف تعزيز تجربة الفلسفة للأطفال. بعد ذلك بثلاث سنوات، دشنت المؤسسة تجربة إعداد أساتذة لتدريس الفلسفة للأطفال، بنيت على نموذج ماثيو ليبمان، وقد انطلقت التجربة بالفعل.

أستراليا

لا نملك الكثير من المعطيات حول هذا البلد، غير أنه تم دمج تجربة تدريس الفلسفة للأطفال في المدارس الابتدائية.

اليابان

اشتغل الأستاذ تاكارا والأستاذ إيفا مارسال، بشكل مكثف، منذ سنة 2003. على مشروع بحث دولي، تحت عنوان: «Das Spielals Kulturtechnik»، ويعالج في جانب منه، تدريس الفلسفة للأطفال. وهناك مبادرة بحث ألمانية - يابانية (DJFPK) تخص تدريس الفلسفة للأطفال، انطلقت في أغسطس (آب) من سنة 2006. بدعم من المدرسة العليا للتربية بكارلسروه Karlsruhe، والغرض من هذه المبادرة هو خلق أرضية نظرية صلبة تخص تدريس الفلسفة للأطفال، حول فلاسفة الغرب من أمثال: سقراط، هيوم، غوته، روسو، كانط، نيتشه وغيرهم. كذلك حول فلاسفة الشرق من أمثال: تاكاجي، هياشي، تسو كوكي، والمربي توشياكي أوز. والغرض من هذه المبادرة، هو تقريب المفاهيم الانثربولوجية عند أطفال اليابان والألمان معا. ومما لا شك فيه أن هذه التجربة هي تجربة نوعية جدا بالنظر إلى أهدافها الكبرى، حيث تجدد اللقاء مرة بين الشرق والغرب حول الفلسفة، ومن المؤكد أن كلا البلدين يعي جيدا حجم المبادرة.

طرق أخرى

ليست طريقة ليبمان وحدها المنتشرة والمعروفة في هذا المجال، بل هناك طرق أخرى أهمها:
1 - طريقة أوسكار برينيفييهOscar Brenifier
ترتكز طريقة أوسكار برينيفييه وأسلوبه على التوليد السقراطي، بحيث يقدم للأطفال مفاهيم فلسفية: الرأي، الحقيقة، الوعي... بأسلوب مبسط يتوخى حصول التجريد في ذهن المتعلمين الصغار. وتقدم هذه المفاهيم في سلسلة رسوم مصورة، تمثل وضعيات تسمح للطفل بالتعبير عن رأيه، أو دهشته، أو رفضه، أو قبوله لبعض الأفكار أو الوضعيات المعروضة. ولقد لقيت هذه الطريقة بدورها إقبالا واسعا في العالم الفرنكفوني.
2 - طريقة جاك ليفين Jacques Lévine:
وتعتمد هذه الطريقة على مقاربة التحليل النفسي، وتستهدف تعميق حالات الذات المفكرة، حيث يطرح الأستاذ على التلاميذ في مرحلة أولى، مشاكل عامة ستعنيهم مباشرة في مراحل متقدمة من عمرهم من قبيل: البلوغ والرشد وغيرهما، ويطالبهم بإبداء آرائهم في الموضوع من دون أن يتدخل في نقاشاتهم.
ويتمكن التلاميذ في مرحلة ثانية، من التعبير عن رأيهم الخاص. ويسجل ذالك في شريط لمدة 10 دقائق لكل تلميذ. وفي النهاية (المرحلة الثالثة)، يتم عرض الشريط لمناقشته حرة، مع إمكانية توقيفه في أي لحظة لتعميق النقاش. وهي طريقة ترتكز أساسا على مبدأ التعبير الحر، من دون تدخل المدرس.



أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك
TT

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية ضد مظاهرة للطلبة في تلاتيلوكو عام 1968. وعلى الرغم من مشاعر الاحترام التي تكنها الشاعرة لزميلها المكسيكي الكبير فإنها لم تستطع تلبية طلبه هذا، لأنها وجدت القصيدة سيئة. ربما يكون هذا مقياساً لعصرنا الذي ينطوي من جديد على صحوة سياسية، ليس أقلها بين الشباب، وفي الوقت الذي تتعرض فيه الشرطة للمتظاهرين وتطلق النار عليهم كما حدث عام 1968، فإن شاعرة «غير سياسية» بشكل نموذجي مثل أليخاندرا بيثارنيك تشهد اليوم انبعاثاً جديداً، ففي إسبانيا لقيت أعمالها الشعرية نجاحاً حقيقياً وهي مدرجة بانتظام في قوائم أهم شعراء اللغة الإسبانية للألفية الفائتة، وهي تُقرأ وتُذكر في كل مكان، بالضبط كما حدث ذلك في الأرجنتين خلال السبعينات.

وإذا لم أكن مخطئاً، فإن هذا النوع المميز من شعرها «الخالص» يُفهم على أنه أبعد ما يكون عن السياسة. إن انجذابها للاعتراف، وسيرتها الذاتية الأساسية، إلى جانب التعقيد اللغوي، تمنح شعرها إمكانية قوية لمحو الحدود بين الحياة والقصيدة، تبدو معه كل استعراضات الواقع في العالم، كأنها زائفة وتجارية في الأساس. إنها تعطينا القصيدة كأسلوب حياة، الحياة كمعطى شعري. وفي هذا السياق يأتي شعرها في الوقت المناسب، في إسبانيا كما في السويد، حيث يتحرك العديد من الشعراء الشباب، بشكل خاص، في ما بين هذه الحدود، أي بين الحياة والقصيدة.

تماماَ مثل آخرين عديدين من كبار الشعراء في القرن العشرين كانت جذور أليخاندرا بيثارنيك تنتمي إلى الثقافة اليهودية في أوروبا الشرقية. هاجر والداها إلى الأرجنتين عام 1934 دون أن يعرفا كلمة واحدة من الإسبانية، وبقيا يستخدمان لغة اليديش بينهما في المنزل، وباستثناء عم لها كان يقيم في باريس، أبيدت عائلتها بالكامل في المحرقة. في الوطن الجديد، سرعان ما اندمجت العائلة في الطبقة الوسطى الأرجنتينية، وقد رزقت مباشرة بعد وصولها بفتاة، وفي عام 1936 ولدت أليخاندرا التي حملت في البداية اسم فلورا. لقد كانت علاقة أليخاندرا بوالديها قوية وإشكالية في الوقت نفسه، لاعتمادها لوقت طويل اقتصادياً عليهما، خاصة الأم التي كانت قريبة كثيراً منها سواء في أوقات الشدة أو الرخاء، وقد أهدتها مجموعتها الأكثر شهرة «استخلاص حجر الجنون».

في سن المراهقة كرست أليخاندرا حياتها للشعر، أرادت أن تكون شاعرة «كبيرة» ووفقاً لنزعات واتجاهات الخمسينات الأدبية ساقها طموحها إلى السُريالية، وربما كان ذلك، لحسن حظها، ظرفاً مؤاتياً. كما أعتقد بشكل خاص، أنه كان شيئاً حاسماً بالنسبة لها، مواجهتها الفكرة السريالية القائلة بعدم الفصل بين الحياة والشعر. ومبكراً أيضاً بدأت بخلق «الشخصية الأليخاندرية»، ما يعني من بين أشياء أُخرى أنها قد اتخذت لها اسم أليخاندرا. ووفقاً لواحد من كتاب سيرتها هو سيزار آيرا، فإنها كانت حريصة إلى أبعد حد على تكوين صداقات مع النخب الأدبية سواء في بوينس آيرس أو في باريس، لاحقاً، أيضاً، لأنها كانت ترى أن العظمة الفنية لها جانبها الودي. توصف بيثارنيك بأنها اجتماعية بشكل مبالغ فيه، في الوقت الذي كانت نقطة انطلاق شعرها، دائماً تقريباً، من العزلة الليلية التي عملت على تنميتها أيضاً.

بعد أن عملت على تثبيت اسمها في بلادها ارتحلت إلى باريس عام 1960، وسرعان ما عقدت صداقات مع مختلف الشخصيات المشهورة، مثل خوليو كورتاثار، أوكتافيو باث، مارغريت دوراس، إيتالو كالفينو، وسواهم. عند عودتها عام 1964 إلى الأرجنتين كانت في نظر الجمهور تلك الشاعرة الكبيرة التي تمنت أن تكون، حيث الاحتفاء والإعجاب بها وتقليدها. في السنوات التالية نشرت أعمالها الرئيسية وطورت قصيدة النثر بشكليها المكتمل والشذري، على أساس من الاعتراف الذي أهلها لأن تكون في طليعة شعراء القرن العشرين. لكن قلقها واضطرابها الداخلي سينموان أيضاً ويكتبان نهايتها في الأخير.

أدمنت أليخاندرا منذ مراهقتها العقاقير الطبية والمخدرات وقامت بعدة محاولات للانتحار لينتهي بها المطاف في مصحة نفسية، ما ترك أثره في كتابتها الشعرية، بطبيعة الحال. وهو ما يعني أنها لم تكن بعيدة بأي حال عن الموت أو الأشكال المفزعة، إلى حد ما، في عالم الظل في شعرها بما يحوز من ألم، يعلن عن نفسه غالباً، بذكاء، دافعا القارئ إلى الانحناء على القصيدة بتعاطف، وكأنه يستمع بكل ما أوتي من مقدرة، ليستفيد من كل الفروق، مهما كانت دقيقة في هذا الصوت، في حده الإنساني. على الرغم من هذه الحقيقة فإن ذلك لا ينبغي أن يحمل القارئ على تفسير القصائد على أنها انعكاسات لحياتها.

بنفس القدر عاشت أليخاندرا بيثارنيك قصيدتها مثلما كتبت حياتها، والاعتراف الذي تبنته هو نوع ينشأ من خلال «التعرية». إن الحياة العارية تتخلق في الكتابة ومن خلالها، وهو ما وعته أليخاندرا بعمق. في سن التاسعة عشرة، أفرغت في كتابها الأول حياتها بشكل طقوسي وحولتها إلى قصيدة، تعكس نظرة لانهائية، في انعطافة كبيرة لا رجعة فيها وشجاعة للغاية لا تقل أهمية فيها عن رامبو. وهذا ما سوف يحدد أيضاً، كما هو مفترض، مصيرها.

وهكذا كانت حياة أليخاندرا بيثارنيك عبارة عن قصيدة، في الشدة والرخاء، في الصعود والانحدار، انتهاءً بموتها عام 1972 بعد تناولها جرعة زائدة من الحبوب، وقد تركت على السبورة في مكتبها قصيدة عجيبة، تنتهي بثلاثة نداءات هي مزيج من الحزن والنشوة:«أيتها الحياة/ أيتها اللغة/ يا إيزيدور».

ومما له دلالته في شعرها أنها بهذه المكونات الثلاثة، بالتحديد، تنهي عملها: «الحياة»، و«اللغة»، و«الخطاب» (يمثله المتلقي). هذه هي المعايير الرئيسية الثلاثة للاحتكام إلى أسلوبها الكتابي في شكله المتحرك بين القصائد المختزلة المحكمة، وقصائد النثر، والشظايا النثرية. ولربما هذه الأخيرة هي الأكثر جوهرية وصلاحية لعصرنا، حيث تطور بيثارنيك فن التأمل والتفكير الذي لا ينفصل مطلقاً عن التشابك اللغوي للشعر، لكن مع ذلك فهو يحمل سمات الملاحظة، أثر الذاكرة، واليوميات. في هذه القصائد يمكن تمييز نوع من فلسفة الإسقاط. شعر يسعى إلى الإمساك بالحياة بكل تناقضاتها واستحالاتها، لكن لا يقدم هذه الحياة أبداً، كما لو كانت مثالية، وبالكاد يمكن تعريفها، على العكس من ذلك يخبرنا أن الحياة لا يمكن مضاهاتها أو فهمها، لكن ولهذا السبب بالتحديد هي حقيقية. في قصائد أليخاندرا بيثارنيك نقرأ بالضبط ما لم نكنه وما لن يمكن أن نكونه أبداً، حدنا المطلق الذي يحيط بمصيرنا الحقيقي الذي لا مفر منه، دائماً وفي كل لحظة.

* ماغنوس وليام أولسون Olsson ـ William Magnus: شاعر وناقد ومترجم سويدي. أصدر العديد من الدواوين والدراسات الشعرية والترجمات. المقال المترجَم له، هنا عن الشاعرة الأرجنتينية أليخاندرا بيثارنيك، هو بعض من الاهتمام الذي أولاه للشاعرة، فقد ترجم لها أيضاً مختارات شعرية بعنوان «طُرق المرآة» كما أصدر قبل سنوات قليلة، مجلداً عن الشاعرة بعنوان «عمل الشاعر» يتكون من قصائد ورسائل ويوميات لها، مع نصوص للشاعر وليام أولسون، نفسه. وفقاً لصحيفة «أفتون بلادت». على أمل أن تكون لنا قراءة قادمة لهذا العمل. والمقال أعلاه مأخوذ عن الصحيفة المذكورة وتمت ترجمته بإذن خاص من الشاعر.