أكبر اقتصادين في العالم... الصدمات العالمية تمنع الانفصال التجاري

رغم التوترات الثنائية والرسوم الجمركية

حاويات في ميناء بمنطقة التجارة الحرة في شنغهاي (رويترز)
حاويات في ميناء بمنطقة التجارة الحرة في شنغهاي (رويترز)
TT

أكبر اقتصادين في العالم... الصدمات العالمية تمنع الانفصال التجاري

حاويات في ميناء بمنطقة التجارة الحرة في شنغهاي (رويترز)
حاويات في ميناء بمنطقة التجارة الحرة في شنغهاي (رويترز)

تشهد التجارة الأميركية تحوّلات على خلفية الصدمات الناجمة عن وباء «كوفيد» والتوتر مع الصين، لكن جهود تخفيف درجة الارتباط بين القوتين العظميين لم تؤد إلى انفصال سريع.
وفي ظل تصاعد المخاوف الأمنية، وتراجع واردات الولايات المتحدة من الصين بعدما تبادلت واشنطن وبكين فرض الرسوم الجمركية، ارتفع حجم التجارة مجدداً. ويمكن أن ترتفع الأرقام أكثر عندما يتم نشر بيانات 2022 التجارية الشهر المقبل، في إشارة إلى مدى تشابك أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، لكن الخبراء يشيرون إلى أن التوتر ترك آثاره بأشكال أخرى.
وتقول ماري لافلي من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي (Peterson Institute for International Economics PIIE) إن «الواردات الأميركية من الصين أقل بكثير من الاتجاه الذي كانت عليه قبل اندلاع الحرب التجارية». وتضيف، وفق وكالة الصحافة الفرنسية، «هناك بالتأكيد ابتعاد عن الصين في الواردات الأميركية، خصوصاً أو بشكل أساسي السلع التي زادت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية عليها».
وبعد اندلاع الحرب التجارية، تراجعت قيمة السلع الأميركية المستوردة من الصين من 506 مليارات دولار في 2017 إلى نحو 450 مليار دولار في 2019.
ولا تعد العلاقات الثنائية العامل الوحيد المؤثر على التجارة، إذ إن وباء «كوفيد» أثّر بشكل كبير أيضاً، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شهدت الصين أكبر تراجع في الصادرات منذ بدء الوباء؛ إذ إن اعتمادها سياسة «صفر كوفيد» المتشددة تشكّل ضربة للنشاط الصناعي.
ويشير رايان سويت من «أكسفورد إيكونومكس» Oxford Economics إلى أن «التحوّل الجاري في الولايات المتحدة للابتعاد عن الإنفاق على السلع» يؤثر أيضاً على الواردات.
وأنفق الأميركيون بشكل كبير على المنتجات المستوردة خلال فترة الوباء، لكن «الناس عادوا للخروج والإنفاق على الخدمات» مع تراجع حدة المخاوف المرتبطة بالفيروس، على حد قوله.
ويخفف ذلك الطلب على السلع الاستهلاكية، وهو ما يمكنه بالتالي تفسير سبب عدم ارتفاع الأرقام أكثر.
وتظهر بيانات الحكومة الأميركية الصادرة حتى نوفمبر أن إجمالي حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن يقترب أو يسجّل رقماً قياسياً في 2022، ويقول سويت: «مع مرور الوقت سنشهد تنويعاً أكثر»، مقارنة بالتخلي الكامل عن الشحنات القادمة من الصين.
وواجه مصنّعو السيارات مثلاً مشاكل في سلاسل الإمداد خلال فترة الوباء، كما أن ازدياد الاضطرابات المرتبطة بعوامل مناخية «يزيد مخاطر (الاعتماد على) سلاسل إمداد مركّزة بشكل كبير في شركة أو منطقة جغرافية واحدة»، بحسب المحاضر في الجامعة الأميركية روبرت كوبمان، الذي كان كبير خبراء الاقتصاد لدى منظمة التجارة العالمية.
في الأثناء، تحاول الولايات المتحدة الاعتماد على نفسها بشكل أكبر في قطاعات معيّنة مثل أشباه الموصلات.
ويقول كوبمان إن قانوني خفض التضخم والرقائق الإلكترونية الأخيرين «والعقوبات المرتبطة بهما تعد مؤشرات واضحة على جهود إدارة بايدن لفك الارتباط بالصين» في هذه المجالات.
وتوضح إميلي بينسون من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» أنه «بينما تعيد الشركات تقييم الخطر، وتراجع الوضع الحالي لسلاسل الإمداد التي تعتمد عليها، يبرز الابتعاد عن الصين والتحول إلى بلدان أخرى... كالنتيجة الوحيدة الثابتة». وقد تكون هذه البلدان في جنوب شرقي آسيا أو أقرب إلى الولايات المتحدة.
وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «بينما ينمو هذا الاتجاه بشكل متزايد، يشبه في الوقت نفسه تسرّب الرمال من كيس أكثر مما يشبه تسونامي».
وتشير بينسون إلى أنه ما زال «من المبكر جداً» على الأرجح إعطاء رأي نهائي حول الصناعات، لكن ضوابط التصدير الأميركية «ستُجبر على نوع من فك الارتباط» مع مرور الوقت في التكنولوجيا، أو في مجالات تعد أشباه الموصلات رئيسية فيها.
وتلفت لافلي إلى أن بعض الأعمال التجارية انتقلت من الصين إلى بلدان مثل فيتنام أو المكسيك.
وتقول: «تم بالتأكيد استبدال بعض المورّدين»، مضيفة أن ذلك يغذيه جزئياً فتح مستثمرين صينيين معامل خارج بلدهم.
وتوضح «في المكسيك، الوضع مختلف. كانت هناك بعض الاستثمارات الصينية، لكن الجزء الأكبر يعود إلى (شركات) متعددة الجنسيات تقترب أكثر من الولايات المتحدة».
لكن كوبمان يحذّر من أن عدة بلدان مثل المكسيك ستحتاج إلى إصلاحات داخلية لتعزيز التنافسية، وخفض التكاليف التجارية غير الواضحة للاستفادة بشكل أكبر من التحوّل.
كما أن استيراد الولايات المتحدة للسلع من الاتحاد الأوروبي يزداد، إذ تفيد آخر الأرقام السنوية لعام 2022 بأن الرقم وصل إلى 504.4 مليار دولار في نوفمبر، أي أعلى من قيمة المنتجات المستوردة من الصين في الفترة ذاتها، والتي بلغت 499.5 مليار دولار.
لكن خبراء اقتصاد يشيرون في تفسيرهم إلى الاتجاه نحو ازدياد في النشاط التجاري حول العالم ما بعد «كوفيد».
وتقول بينسون: «هذه الأرقام تعدّ لمحة صغيرة، وتمثّل على الأرجح عودة الاقتصاد العالمي إلى مستويات ما قبل الوباء أكثر من كونها مؤشراً على أي تحرّك محدد لفك الارتباط».
وفي وقت تتعافى فيه الصين من تفشي الإصابات بعدما خففت قواعد «كوفيد»، تتوقع أيضا ازدياداً ملحوظاً في الواردات، بحسب ما أفاد هذا الشهر نائب رئيس وزرائها ليو هي من دافوس.


مقالات ذات صلة

بنك إنجلترا يحذر من تأثير زيادة الحواجز التجارية على النمو العالمي

الاقتصاد بنك إنجلترا في الحي المالي لمدينة لندن (رويترز)

بنك إنجلترا يحذر من تأثير زيادة الحواجز التجارية على النمو العالمي

حذر بنك إنجلترا يوم الجمعة من أن زيادة الحواجز التجارية قد تؤثر سلباً على النمو العالمي وتزيد من حالة عدم اليقين بشأن التضخم مما قد يتسبب في تقلبات في الأسواق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ناقلة نفط يتم تحميلها في مصفاة رأس تنورة النفطية التابعة لـ«أرامكو السعودية» (رويترز)

شركات الطاقة السعودية تحقق 27.45 مليار دولار أرباحاً في الربع الثالث

حققت شركات الطاقة المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) أرباحاً بلغت نحو 102.94 مليار ريال سعودي (27.45 مليار دولار) خلال الربع الثالث من عام 2024.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد فتاة تتفاعل مع تجمع الفلسطينيين لتلقي الطعام الذي تعده جمعية خيرية وسط أزمة الجوع (رويترز)

القضاء على الجوع هدف مؤجل إلى 2050 بسبب الحروب والصراعات والتغير المناخي

سيطرت السياسة على نقاشات قمة توفير الغذاء ومحاربة الجوع في أسبوع الغذاء العالمي الذي أقيم في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.

هبة القدسي (أبوظبي)
الاقتصاد لاغارد تتحدث إلى الصحافيين عقب اجتماع مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

لاغارد للقادة الأوروبيين: اشتروا المنتجات الأميركية لتجنب حرب تجارية مع ترمب

حثَّت رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد القادة في أوروبا على التعاون مع ترمب بشأن التعريفات الجمركية وشراء المزيد من المنتجات المصنوعة في أميركا.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)

تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مع اقتراب اليورو من أسوأ شهر له منذ أوائل 2022، يحذر المحللون من أن التقلبات الحادة في العملة قد تصبح المصدر القادم لعدم الاستقرار بالأسواق العالمية.

«الشرق الأوسط» (لندن )

مصر: التوقيع على اتفاقيتي السوق العربية المشتركة للكهرباء وربط كهربائي شامل

غروب الشمس بين أبراج الضغط العالي للكهرباء (رويترز)
غروب الشمس بين أبراج الضغط العالي للكهرباء (رويترز)
TT

مصر: التوقيع على اتفاقيتي السوق العربية المشتركة للكهرباء وربط كهربائي شامل

غروب الشمس بين أبراج الضغط العالي للكهرباء (رويترز)
غروب الشمس بين أبراج الضغط العالي للكهرباء (رويترز)

قالت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة في مصر، إن اجتماع المجلس الوزاري العربي للكهرباء، والمتوقع أن تبدأ أعماله الأحد في القاهرة، سيشهد توقيع اتفاقيتي إقامة سوق مشتركة وربط كهربائي عربي شامل.

وأوضح بيان صحافي صادر عن وزارة الكهرباء المصرية، السبت، أن «اجتماع المجلس الوزاري العربي للكهرباء سيشهد في دورته الحالية، والتي تنعقد في العاصمة الإدارية الجديدة، التوقيع على اتفاقيتي السوق العربية المشتركة للكهرباء، والتي تشمل الاتفاقية العامة وتتضمن: أهداف السوق والمبادئ الاسترشادية لتطويرها وتشكيل مؤسساتها وتحديد أدوارها ومسؤولياتها؛ واتفاقية السوق العربية المشتركة وتشمل: آلية تنفيذ الالتزامات المحددة في الاتفاقية العامة والجوانب التجارية والوضع القانوني ودور مؤسسات ولجان السوق المشتركة للكهرباء، والتي تقوم على إيجاد إطار مؤسسي وبنية تحتية مكتملة ومطورة وإطار تشريعي لحوكمة سوق الكهرباء في الدول العربية».

وشهدت نحو 7 دول عربية على الأقل انقطاعات للكهرباء بشكل مستمر خلال موسم الصيف الماضي، بسبب ارتفاع درجات الحرارة لمستويات قياسية، حتى إنها طالت الكويت التي تصنف على أنها «دولة نفطية».

ومن المقرر أن تستضيف وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية أعمال الدورة الخامسة عشرة للمجلس الوزاري العربي للكهرباء، والتي تبدأ الأحد بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحضور عدد من الوزراء المعنيين بشؤون الكهرباء في الدول العربية والوفود وممثلين عن 22 دولة عربية والخبراء وأعضاء إدارة الطاقة بجامعة الدول العربية.

وأشار البيان إلى الدور المصري الداعم لكافة أوجه العمل العربي المشترك وإقامة سوق عربية مشتركة تحت مظلة جامعة الدول العربية، لا سيما في مجال الكهرباء والطاقات الجديدة والمتجددة.

وأكد وزير الكهرباء المصري محمود عصمت، في هذا الصدد، أهمية استكمال مشروعات الربط الكهربائي العربي المشترك لتفعيل السوق العربية المتكاملة للكهرباء وإدارتها وفقاً لمعايير اقتصادية، مشيراً إلى «مشروع الربط الكهربائي المصري السعودي والذي سيتم تشغيله مطلع الصيف المقبل والذي يعد نواة لربط كهربائي عربي شامل».

كانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار. ويقوم بالمساهمة في التمويل إلى جانب الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، كل من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، والبنك الإسلامي للتنمية، بالإضافة إلى الموارد الذاتية لـ«الشركة المصرية لنقل الكهرباء».

ومن المتوقع أن يحسّن الربط الكهربائي بين مصر والسعودية إمدادات الكهرباء في المنطقة، ويقلل من الانقطاعات التي تعاني منها الكثير من الدول العربية، بالإضافة إلى أنه سيزيد من اعتمادية محطات الطاقة في البلدين.

وأضاف الوزير أن بلاده تتطلع خلال المرحلة المقبلة إلى تعزيز وتضافر الجهود لتنفيذ ما جاء في الاتفاقيتين والإسراع في استكمال الإجراءات اللازمة لتفعيل السوق العربية المشتركة واستكمال البناء المؤسسي لإداراتها. موضحاً أهمية تبادل الخبرات وبناء القدرات وتدريب الكوادر للتعامل مع التحديات، واستثمار الفرص المتاحة واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتشغيل وإدارة السوق العربية المشتركة بما يحقق استقرار وجودة التغذية.