«على ضفاف النيل»... عندما يتحول المهمشون إلى أبطال

معرض في القاهرة للفنان محمد دسوقي

إحدى لوحات دسوقي   -  دسوقي حوَّل المهمشين إلى أبطال    -   جسد دسوقي حياة البسطاء   -    حكايات مصرية من وحي النيل (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات دسوقي - دسوقي حوَّل المهمشين إلى أبطال - جسد دسوقي حياة البسطاء - حكايات مصرية من وحي النيل (الشرق الأوسط)
TT

«على ضفاف النيل»... عندما يتحول المهمشون إلى أبطال

إحدى لوحات دسوقي   -  دسوقي حوَّل المهمشين إلى أبطال    -   جسد دسوقي حياة البسطاء   -    حكايات مصرية من وحي النيل (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات دسوقي - دسوقي حوَّل المهمشين إلى أبطال - جسد دسوقي حياة البسطاء - حكايات مصرية من وحي النيل (الشرق الأوسط)

على مدار التاريخ المصري كان النيل حاضراً دوماً في المشهد الفني؛ ومنه يستمد الكثير من التشكيليين مداد إبداعهم، وفي معرضه الجديد يُقدم الفنان محمد دسوقي نحو 36 لوحة تتناول نهر النيل، وتتخذ منه سبباً للحياة والنماء، مُعبراً عن شغفه الشديد بهذا النهر الخالد.
يستضيف غاليري «غرانت» المعرض حتى 2 فبراير (شباط) المقبل، امتداداً لاحتفاء دسوقي بالبيئة المصرية، والبحث في الجذور التاريخية والموروثات الشعبية، وهو وإن كان يحمل عنوان «على ضفاف النيل»، إلا أنه لا يقتصر على النهر وحده، فهو بمثابة مدخل إلى حياة المصريين ووجدانهم.
ينتقل المتلقي عبر اللوحات بين مشاهد من مراكب الشراع النيلي، التي تظهر في أبهى صورها، وهي تسير وسط النهر وعلى خلفيتها المناظر الخلابة لضفاف النيل إلى المراكب الصغيرة، مجسداً بعض الحرف والمهن الشعبية المرتبطة بالنيل كالصيد، فضلاً عن لحظات التنزه وجلسات السمر على ضفافه، ومنها إلى يوميات الإنسان العادي، محاولاً توثيق الحياة حول النهر وعشق المصريين وارتباطهم الشديد به.
ومن اللافت أن الفنان لم يتجه إلى تناول النيل من حيث ارتباطه بالعديد من الأساطير، مثل إيزيس وأوزوريس، وهي التيمة التي استعارها العديد من المبدعين، وفي مقدمتهم الأديب توفيق الحكيم في مسرحيته «إيزيس»، إنما قدم معالجة أقرب إلى الواقعية المُحملة بالمشاعر والحميمية.
من هنا تمتعت اللوحات بلمسة مصرية خالصة تعكس حياة الفلاحين والعاملين في العديد من الأمكنة، يقول دسوقي لـ«الشرق الأوسط»: «النيل أحد مكونات الشخصية المصرية، ونسجت العصور علاقة خاصة بين النهر وبين المصريين؛ فهو المنظم الأساسي لعالمهم، والقائد لدورة الحياة عندهم، التي تبدأ بالفيضان، ومن ثم انحسار المياه عن الأرض، ليبدأ المصري في زراعتها، وينتظر فيما بعد في شغف مواسم الحصاد»، ويتابع: «يحمل المعرض اسم النيل، ولكن بشكل رمزي؛ فاللوحات لا تعبر عن النهر في حد ذاته، ولكن تتناول كيف يمثل النهر منبعاً للحياة بالنسبة للمصريين، ولذلك انشغلت فيها بالبسطاء وبحياتهم وأحلامهم ومعيشتهم اليومية الكادحة والسعي وراء لقمة العيش»، مؤكداً: «لقد أردت تكريم هؤلاء المهمشين، فتحولوا إلى أبطال للوحاتي».
تميز تكوين الأعمال بالتفاصيل التي تشعرك بأنك جزء من هذا المشهد الثري والمليء بالحركة ونبض الحياة؛ فتقف مشدوداً من أجواء اللوحات، وتحاول الوصول إلى سر تمتعها بالروح المصرية ودفء الموروث الشعبي إلا أنه في الوقت نفسه لم يحشد الموتيفات والرموز، ولم يكسبها ألواناً صاخبة صادحة، كما أنه لم يقدم محاكاة جامدة أو تقليدية للطبيعة، إنما جاءت أعماله هادئة عبر بالتة لونية رصينة وأنيقة نابعة من عمق البيئة المصرية، يقول: «أهتم بالطبقات البسيطة وأبناء الريف الذين أنتمي إليهم؛ فأنا ابن بلدة (قليوب) بمحافظة القليوبية (شمال القاهرة)، ولدت في بيت يطل على مساحات شاسعة للحقول، حيث الخضرة ولون الأرض وجمال الطبيعة، فوجدت نفسي مولعاً بذلك كله، وراغباً في التعبير عنه بالريشة واللون».
ويضيف: «كنت أرقب حركة الفلاحين وعمال التراحيل وهم يعملون في الحقول، وخاصة وقت الحصاد، وكنت أستلهم أعمالي منذ الصغر منهم، وحين كبرت أخذت أطوف أغلب محافظات مصر، أستلهم موضوعات لوحاتي منهم؛ فذهبت إلى الجيزة وبني سويف وأسيوط وقنا والأقصر، كما توجهت إلى النجوع الجنوبية، وطفت بمحافظات الدلتا وسيوة وتأثرت بها كثيراً»..
وقدَّم دسوقي في أعماله معالجة بصرية للعلاقة بين النيل والعمارة البيئية في شتى ربوع مصر، داعياً إلى المحافظة على ما تبقى منها، يقول: «من دون الاستقرار حول النيل والبناء بجواره، ووجود الحجر الثابت ما قامت الحضارة، إن الأمر بدأ بمجموعات من الحجارة المتراكمة إلى أن وصل إلى الصروح الفرعونية العظيمة».
يمزج الفنان في أعماله بين الفرشاة وسكين الألوان، مستخدماً الفرشاة في التفاصيل الدقيقة، بينما يوظف السكين والعجائن اللونية لتحقيق ملامس ومؤثرات مطلوبة مثل عامل الزمن والأصالة والحنين، كما يجيد اللعب باللون والظل، ويوجههما لأخذ عين المتلقي حيثما يريد داخل اللوحة.
يذكر أنه في عام 1989 أقيم للفنان متحف دائم ببوتسدام بألمانيا؛ حيث أهدت الحكومة المصرية لألمانيا معرضاً له يضم 35 عملاً من أعماله، تبرز جميعها ملامح الهوية الوطنية والفلكلور الشعبي؛ ولذلك أقامت له مصر العديد من المعارض في سفاراتها ومراكزها الثقافية في الخارج.


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
TT

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

سادت حالة من الحزن في الوسطين الفني والرسمي المصري، إثر الإعلان عن وفاة الفنان نبيل الحلفاوي، ظهر الأحد، عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

وكان الحلفاوي قد نُقل إلى غرفة العناية المركزة في أحد المستشفيات، الثلاثاء الماضي، إثر تعرضه لوعكة صحية مفاجئة، وهو ما أشعل حالة من الدّعم والتضامن معه، عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي.

ونعى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الفنان الراحل، وقال في بيان: «كان الفقيد قامة فنية شامخة؛ إذ قدّم عبر سنوات إبداعه الطويلة أعمالاً فنية جادة، وساهم في تجسيد بطولات وطنية عظيمة، وتخليد شخوص مصرية حقيقية خالصة، وتظلّ أعماله ماثلة في وجدان المُشاهد المصري والعربي».

الفنان الراحل نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

وعبّر عددٌ من الفنانين والمشاهير عن صدمتهم من رحيل الحلفاوي. منهم الفنانة بشرى: «سنفتقدك جداً أيها المحترم المثقف الأستاذ»، مضيفة في منشور عبر «إنستغرام»: «هتوحشنا مواقفك اللي هتفضل محفورة في الذاكرة والتاريخ، الوداع لرجل نادرٍ في هذا الزمان».

وكتبت الفنانة حنان مطاوع: «رحل واحدٌ من أحب وأغلى الناس على قلبي، ربنا يرحمه ويصبّر قلب خالد ووليد وكل محبيه»، مرفقة التعليق بصورة تجمعها به عبر صفحتها على «إنستغرام».

الراحل مع أحفاده (حسابه على «إكس»)

وعدّ الناقد الفني طارق الشناوي الفنان الراحل بأنه «استعاد حضوره المكثف لدى الأجيال الجديدة من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد أن يتصدّر الترند في الكرة والسياسة والفن»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحلفاوي رغم موهبته اللافتة المدهشة وتربيته الفنية الرّاسخة من خلال المعهد العالي للفنون المسرحية، لم يُحقّق نجوميةَ الصف الأول أو البطل المطلق».

وعبر منصة «إكس»، علّق الإعلامي اللبناني نيشان قائلاً: «وداعاً للقدير نبيل الحلفاوي. أثرى الشاشة برقِي ودمَغ في قلوبنا. فقدنا قامة فنية مصرية عربية عظيمة».

ووصف الناقد الفني محمد عبد الرحمن الفنان الراحل بأنه «صاحب بصمة خاصة، عنوانها (السهل الممتنع) عبر أدوار أيقونية عدّة، خصوصاً على مستوى المسلسلات التلفزيونية التي برع في كثير منها»، لافتاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «السينما خسرت الحلفاوي ولم تستفِد من موهبته الفذّة إلا في أعمال قليلة، أبرزها فيلم (الطريق إلى إيلات)».

حنان مطاوع مع الحلفاوي (حسابها على «إنستغرام»)

وُلد نبيل الحلفاوي في حي السيدة زينب الشعبي عام 1947، وفور تخرجه في كلية التجارة التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي تخرج فيه عام 1970، ومن ثَمّ اتجه لاحقاً إلى التلفزيون، وقدّم أول أعماله من خلال المسلسل الديني الشهير «لا إله إلا الله» عام 1980.

ومن أبرز أعمال الحلفاوي «رأفت الهجان» عام 1990 الذي اشتهر فيه بشخصية ضابط المخابرات المصري «نديم قلب الأسد» التي جسدها بأداءٍ يجمع بين النبرة الهادئة والصّرامة والجدية المخيفة، بجانب مسلسل «غوايش» و«الزيني بركات» 1995، و«زيزينيا» 1997، و«دهشة» 2014، و«ونوس» 2016.

مع الراحل سعد أردش (حسابه على «إكس»)

وتُعدّ تجربته في فيلم «الطريق إلى إيلات» إنتاج 1994 الأشهر في مسيرته السينمائية، التي جسّد فيها دور قبطانٍ بحريّ في الجيش المصري «العقيد محمود» إبان «حرب الاستنزاف» بين مصر وإسرائيل.

وبسبب شهرة هذا الدور، أطلق عليه كثيرون لقب «قبطان تويتر» نظراً لنشاطه المكثف عبر موقع «إكس»، الذي عوّض غيابه عن الأضواء في السنوات الأخيرة، وتميّز فيه بدفاعه المستميت عن النادي الأهلي المصري، حتى إن البعض أطلق عليه «كبير مشجعي الأهلاوية».

نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

ووفق الناقد محمود عبد الشكور، فإن «مسيرة الحلفاوي اتّسمت بالجمع بين الموهبة والثقافة، مع دقة الاختيارات، وعدم اللهاث وراءَ أي دور لمجرد وجوده، وهو ما جعله يتميّز في الأدوار الوطنية وأدوار الشّر على حد سواء»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لم يَنل ما يستحق على مستوى التكريم الرسمي، لكن رصيده من المحبة في قلوب الملايين من جميع الأجيال ومن المحيط إلى الخليج هو التعويض الأجمل عن التكريم الرسمي»، وفق تعبيره.