هل انتهت قدرة «الغموض الاستراتيجي» على درء الحرب عن مضيق تايوان؟

جنديان تايوانيان وقربهما طائرة مسيّرة خلال تدريب دفاعي (أ.ب)
جنديان تايوانيان وقربهما طائرة مسيّرة خلال تدريب دفاعي (أ.ب)
TT

هل انتهت قدرة «الغموض الاستراتيجي» على درء الحرب عن مضيق تايوان؟

جنديان تايوانيان وقربهما طائرة مسيّرة خلال تدريب دفاعي (أ.ب)
جنديان تايوانيان وقربهما طائرة مسيّرة خلال تدريب دفاعي (أ.ب)

عدّد الجنرال الأميركي في سلاح الجوّ مايكل مينيهان الأخطار العالية لنشوب حرب مع الصين عام 2025 بسبب تايوان، ودعا إلى تكثيف تدريب الجنود على القتال.
وفي الأسباب «الموجبة» للحرب، اعتبر أن الرئيس الصيني شي جينبينغ يملك الدافع والفرصة في العام 2025 لغزو الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءاً من الصين وتؤكد دائماً أنها ستستعيدها بطريقة أو بأخرى.
رأى مينيهان أنّ الانتخابات التايوانية عام 2024 ستعطي شي سببًا للتحرّك، خصوصاً أنّ السباق الرئاسي للوصول إلى البيت الأبيض في العام نفسه، سيوفّر أيضًا للصين فرصة واسعة للتحرك مع تركّز الاهتمامات الأميركية في الداخل.
تمكنت الصين الشيوعية والولايات المتحدة على مدى عقود من تجاوز مسألة تايوان، من دون أن تتخلى الأولى عن «عقيدتها» القائلة بإعادة «التوحيد»، ومن دون أن تتأخر الثانية عن دعم تايوان عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً.
في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الذي عُقد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وثبّت زعامة شي على رأس العملاق الأصفر، كرر الرئيس التمسك باستعادة تايوان، مؤثراً الطرق السلمية لتحقيق ذلك، لكن من دون استبعاد اللجوء إلى خيار القوة العسكرية.
لطالما حاولت الولايات المتحدة ثني تايوان عن إعلان الاستقلال رسميًا وثني الصين عن استخدام القوة ضد الجزيرة. ومع تنامي القدرات العسكرية الصينية في موازاة تعاظم القدرات الاقتصادية، قال الرئيس الأميركي جو بايدن في أكثر من مناسبة إن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان. وفي موازاة ذلك، كان البيت الأبيض يصدر توضيحات تؤكد أن سياسة «الصين الواحدة» الأميركية لم تتغير.
إلا أن التطمينات الأميركية لا تبدد الانزعاج الصيني من الزيارات الأميركية الرفيعة المستوى لتايوان، ومنها على سبيل المثال زيارة رئيسة مجلس النواب (السابقة) نانسي بيلوسي في أغسطس (آب) الماضي.
طبع التغاضي عن مشكلة تايوان العلاقات الصينية – الأميركية منذ نجاح دبلوماسية «البينغ بونغ» (كرة الطاولة) في حمل الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى الصين ولقائه الشهير مع الزعيم ماو تسي تونغ عام 1972. ولعل الدافع الأهم إلى ذلك التقارب الذي «هندسه» هنري كيسنجر، كان الهم المشترك الذي مثّله الاتحاد السوفياتي للجانبين. لكن اليوم، تجد الصين نفسها في تقارب مع روسيا، سببه الأول أن همّهما المشترك الأكبر هو الولايات المتحدة...

سفن حربية صينية (إ.ب.أ)
نجح التوافق الأميركي – الصيني قبل نصف قرن في جعل كل من البلدين ينصرف إلى عمله، الولايات المتحدة إلى مواصلة حربها الباردة مع الاتحاد السوفياتي التي تُوّجت بتفكك الاتحاد وانهيار جدار برلين، والصين إلى بناء «سورها الاقتصادي العظيم» الذي جعل منها قوة كبيرة في المعادلات الجيوسياسية والجيواقتصادية.
لعل ما توقعته واشنطن لم يتحقق، فقد اعتبر مفكرون ومحللون وواضعو سياسات أن النمو الاقتصادي سيؤدي إلى نشوء طبقة وسطى بورجوازية ستأخذ الصين إلى الليبرالية وربما التعددية السياسية. إلا أن الحزب الشيوعي عرف كيف يحرر الاقتصاد ويوزّع الثروة مع إبقاء قبضته على السلطة محكمة.
*اللعبة لم تتغير... ولكن
راهناً لا يبدو ان قواعد اللعبة تغيرت. فالصين تمضي في بناء قدراتها العسكرية، وتواصل إجراء المناورات والتدريبات العسكرية قرب تايوان، ولا تتردد في إرسال طائراتها الحربية مراراً وتكراراً إلى منطقة الدفاع الجوية التايوانية، موجهة رسائل واضحة إلى تايبه ومن ورائها واشنطن.
في المقابل، تتمسك الولايات المتحدة بسياسة الردع المزدوج، أي منع الصين من الغزو ومنع تايوان من إعلان الاستقلال رسمياً. غير أن البعض يعتبر أن هذه السياسة هي بمثابة «غموض استراتيجي» لم يعد يجدي بسبب تعاظم قوة الصين من جهة وتهيّب الولايات المتحدة الانخراط المباشر في مغامرة عسكرية للدفاع عن تايوان. أي بمعنى آخر، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تقوم في ذلك الملعب الآسيوي بما تقوم به في الملعب الأوروبي حيث تقاتل القوات الأوكرانية – مدعومةً بإمدادات غربية ضخمة بالأسلحة – القوات الروسية. ففي حرب تايوان، إذا اندلعت، على الجيش الأميركي أن يخوض المواجهة مباشرة، ذلك أن الجيش التايواني الذي يضم 170 ألف عسكري عامل، إلى جانب نحو مليوني احتياطي من الذين يخضعون لخدمة عسكرية إلزامية مدتها أربعة أشهر، لن يستطيع مهما علا شأن تدريبه وتسليحه الوقوف في وجه غزو صيني.
لخبراء مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن رأي آخر. وقد أجرى هؤلاء 24 عملية محاكاة لحرب في تايوان خلصت كلها إلى نتيجة واحدة: لا يمكن للجيش الصيني الاستيلاء بسهولة على تايوان بالقوة. غير أنهم شددوا على أن حرباً في تايوان ستكون ذات آثار كارثية على جميع أطرافها بمن فيهم الأميركيون.
وقد افترض واضعو التقرير النهائي للمركز قبل إصدار خلاصتهم النهائية، أن الجيش التايواني سيقاتل فعلاً، وأن إمدادات الأسلحة الأميركية لتايوان ستتسارع جواً، علماً أن تزويد جيش الجزيرة أسلحة ليس بالأمر السهل كما هي الحال في أوكرانيا ذات الحدود البرية الكبيرة. وسيكون كذلك على القوات الجوية الأميركية التدخل في القتال مباشرة، على أن تنطلق الطائرات في القواعد الأميركية في اليابان، الأمر الذي قد يجر الأخيرة إلى الصراع. بالإضافة إلى حتمية حصول معركة بحرية لوقف الأسطول الصيني.

المدمّرة الأميركية «آرلي بيرك» في مضيق تايوان (إ.ب.أ)

*نهايات سلبية
لا شك في أن حرباً في جزيرة وحولها لا تشبه حرباً تدور في غالبيتها على اليابسة، كما في أوكرانيا. بمعنى آخر، أي حرب تنشب في تايوان ستضع قوتين عظميين في مواجهة مباشرة. وهذا أمر لم يحصل منذ الحرب العالمية الثانية.وغنيٌّ عن القول هنا أن الصراع إذا تمدد قد يشمل استخدام السلاح النووي...
تُظهر كل سيناريوهات المواجهة الأميركية – الصينية التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن الخسائر في العديد والعتاد ستكون كبيرة لدى الجانبين. وبالتالي هل ستكون بكين مستعدة لخوض معركة كهذه؟ وهل ستغامر واشنطن بالدفاع عن جزيرة تدرك أنها في النهاية جزء من الصين، خصوصاً أن تايوان ستخرج من الحرب مدمّرة حتى لو لم تنجح القوات الصينية في السيطرة عليها؟
في مايو (أيار) 2001، قال الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن في مقابلة صحافية إن الولايات المتحدة ملزمة بخوض الحرب مع الصين إذا هاجمت تايوان. وتعهد أن تقوم بلاده بـ«كل ما يلزم» للدفاع عن الجزيرة.
لم يعجب هذا الكلام السناتور الديمقراطي جو بايدن الذي ردّ على الرئيس الجمهوري في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، قال فيه: «الكلمات مهمة في الدبلوماسية كما في القانون». وذكّر بأن واشنطن خرجت من التزام الدفاع عن تايوان عندما أقرت عام 1979 قانوناً ينظم العلاقات مع الجزيرة، بحيث ينص على مساعدة تايوان في الدفاع نفسها ويعتبر أمن مضيق تايوان مسألة مهمة للولايات المتحدة من غير أن يتحدث عن التزام بالتدخل العسكري.
كتب بايدن يومذاك: «يجب ألا يسلّم الرئيس لتايوان، ولا للصين، بالقدرة على جرنا تلقائيًا إلى حرب في مضيق تايوان».
ها هو بايدن اليوم في مقعد القيادة، وقد لا يبقى كذلك عندما يحين موعد الحرب التي توقعها الجنرال مايكل مينيهان. وأياً يكن الممسك بالمقود، سيكون عليه التعامل في ذلك الجزء من العالم مع مشكلة لم يعد ينفع معها «الغموض الاستراتيجي» الأميركي، علماً أن بايدن نفسه استخدم هذا التعبير منتقداً عام 2001...


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

العالم زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

أدلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمزيد من التصريحات بشأن مكالمة هاتفية جرت أخيراً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، في أول محادثة مباشرة بين الزعيمين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال زيلينسكي في كييف، الجمعة، بعد يومين من الاتصال الهاتفي، إنه خلال المكالمة، تحدث هو وشي عن سلامة الأراضي الأوكرانية ووحدتها «بما في ذلك شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا على البحر الأسود)» وميثاق الأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

تبرأت الصين، اليوم (الجمعة)، من اتهامات وجهها خبراء من الأمم المتحدة بإجبارها مئات الآلاف من التيبتيين على الالتحاق ببرامج «للتدريب المهني» تهدد هويتهم، ويمكن أن تؤدي إلى العمل القسري. وقال خبراء في بيان (الخميس)، إن «مئات الآلاف من التيبتيين تم تحويلهم من حياتهم الريفية التقليدية إلى وظائف تتطلب مهارات منخفضة وذات أجر منخفض منذ عام 2015، في إطار برنامج وُصف بأنه طوعي، لكن مشاركتهم قسرية». واكدت بكين أن «التيبت تتمتع بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والوحدة العرقية وموحّدة دينياً ويعيش الناس (هناك) ويعملون في سلام». وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أن «المخاوف المز

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

أثار كتاب التاريخ لتلاميذ المدارس الصينيين الذي يذكر استجابة البلاد لوباء «كورونا» لأول مرة نقاشاً على الإنترنت، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). يتساءل البعض عما إذا كان الوصف ضمن الكتاب الذي يتناول محاربة البلاد للفيروس صحيحاً وموضوعياً. أعلن قادة الحزب الشيوعي الصيني «انتصاراً حاسماً» على الفيروس في وقت سابق من هذا العام. كما اتُهمت الدولة بعدم الشفافية في مشاركة بيانات فيروس «كورونا». بدأ مقطع فيديو قصير يُظهر فقرة من كتاب التاريخ المدرسي لطلاب الصف الثامن على «دويين»، النسخة المحلية الصينية من «تيك توك»، ينتشر منذ يوم الأربعاء. تم تحميله بواسطة مستخدم يبدو أنه مدرس تاريخ، ويوضح

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.