جديد وغريب ترشيحات الأوسكار للدورة 95

أعلنها أحمد ريز وأليستون ويليامز

«أرجنتينا 1985» المرشّح لأوسكار أفضل فيلم عالمي
«أرجنتينا 1985» المرشّح لأوسكار أفضل فيلم عالمي
TT

جديد وغريب ترشيحات الأوسكار للدورة 95

«أرجنتينا 1985» المرشّح لأوسكار أفضل فيلم عالمي
«أرجنتينا 1985» المرشّح لأوسكار أفضل فيلم عالمي

أُعلن، أول من أمس (الثلاثاء)، عن الترشيحات الرسمية لجوائز الأوسكار في دورته الـ95 التي ستُنظّم حفلتها في 12 مارس (آذار) المقبل.
سبق ذلك، حتى الساعات الأخيرة، غزو سنوي متوقع لقراء «الفناجين»، في ماهية الأفلام التي ستفوز بالترشيحات، ومَن مِن أهل المهنة الذين سيشملهم الترشيح. لكن هذا الغزو لم يتطلب الكثير من البذل والجهد لأن الأفلام التي دارت من حولها التوقعات كانت معروفة، كذلك الأسماء التي جاورتها.
لم تخب الترشيحات التي أعلنتها «أكاديمية العلوم والفنون السينمائية في لوس أنجليس» وقدّمها على الهواء أحمد ريز وأليستون ويليامز، «توقعات» المنجمين، بل أعلنت عما جال في المدارك بمجرد متابعة ما حفلت به الحياة السينمائية في الأشهر الثلاثة الأخيرة (على الأخص) من تداولات ومشاهدات.
لكن التحدي الحقيقي الآن هو توقع أي مِن هذه الأفلام والشخصيات التي وردت في ترشيحات 2023 هي التي ستفوز فعلاً. هذا التحدي هو عالم أكثر إثارة من التوقعات السابقة لأن الكرة تبدو متداولة بكثير من المساواة بين كل الفرقاء.

«توب غن: مافريك» حلّق وحده من دون كروز

الأفلام العشرة
المؤكد هو أن الترشيحات أصابت، على نحو عام، أهدافاً تستحق التميّز والارتباط بأهم جائزة سنوية تُمنح حول العالم. هذا يشمل مسابقة الممثلين ومسابقة الممثلات كما مسابقة المخرجين ومسابقة الأفلام الأجنبية.
الأفلام المرشّحة لأوسكار أفضل فيلم وحسب ورودها (بنظام ألفبائي) هي:
«All Quiet on the Western Front»، فيلم ألماني المنشأ اشترته «نتفليكس» وترجمته وعرضته.
«Avater‪:‬ The Way of Water»، إنتاج وإخراج جيمس كاميرون، وهو جزء ثانٍ للحكاية الفانتازية التي كان الجزء الأول منها أحد ترشيحات الأوسكار سنة 2010.‬‬
The Banshees of Inisherin
فيلم آيرلندي للمخرج مارتن ماكدونا فاز بـ«غولدن غلوبز»كأفضل فيلم كوميدي.
«Elvis»، فيلم أسترالي المنشأ للمخرج بز لورمان دخل ترشيحات بافتا مؤخراً.
«Everything Everywhere All at Once»، فيلم أميركي من إخراج وإنتاج دانيال كوان ودانيال شاينرت.
«The Fablemans»، حكاية لجزء من حياة مخرج الفيلم ستيفن سبيلبرغ حظيت بـ«غولدن غلوب» أفضل فيلم درامي.
«Tár»، فيلم لتود فيلد مرشح لخمسة أوسكارات أخرى.
«Top Gun‪:‬ Maverick»، لجوزيف كوزينسكي، وهو جزء ثانٍ كذلك من فيلم سابق.‬‬
«Triangle of Sadness»، إخراج السويدي روبن أوستلوند، وسبق للفيلم أن فاز بسعفة مهرجان «كان» الذهبية في العام الماضي.
«Women Talking»، الفيلم الوحيد في المجموعة من إخراج امرأة.
أكثر من ملاحظة نجدها في ترشيحات الأفلام الأولى التي تتضمن 10 أعمال متباينة الاهتمام ونوعية الإنتاج.
هناك حقيقة أن 9 من أصل 10 أفلام كانت عُرضت في الصالات الأميركية في الأشهر الأخيرة من العام الماضي. هذا بات تحبيذاً لشركات الإنتاج التي لا تثق بذاكرة الناخبين إذا ما وزّعت الأفلام ذات القيمة على أشهر النصف الأول من العام.
الفيلم المستثنى من ذلك هو «توب غن: مافيريك» الذي يرد اسمه في الترشيحات والذي شهد عروضه الناجحة في مايو (أيار) الماضي.
هذا يدلف بنا إلى ملاحظة ثانية، فيلمان من أعمال هوليوود التقليدية والإنتاجات الكبيرة في مضمار هذا التنافس على الفوز بأوسكار أفضل فيلم. إنهما «توب غن: مافيريك» لجوزيف كوزينسكي و«أفاتار: طريق الماء» لجيمس كاميرون. هذا الأخير تجاوزت إيراداته العالمية ملياري دولار. لجانب ما أنجزه «توب غن: مافيريك» (مليار و188 مليون و732 ألف دولار) فإنهما يشكلان عودة الأفلام التجارية الكبيرة إلى سباق الترشيحات.
لكن السؤال، الذي سنخصص له متابعة مقبلة هو، إذا ما كان هناك نصيب كبير من احتمالات الفوز لأي من هذين الفيلمين الجيدين تنفيذياً، أم أن المؤشر سيذهب صوب واحد من تلك الأفلام التي ترتدي ثياباً فنية (بصرف النظر عن استحقاقاتها الفعلية).
فيلمان من هذه الأفلام الـ10 غير أميركيين هما، All Quiet of the Western Front وTriangle of Sadness. الأول إنتاج ألماني ينطق بالألمانية والفرنسية، والثاني إنتاج سويدي (مشترك مع أكثر من دولة أوروبية) ناطق بسبع لغات الإنجليزية بينها.
وسط رؤية «مغبّشة» لم تعد اللغة عائقاً ضد دخول الفيلم الأجنبي سباق الأفلام الأولى. لاحظنا ذلك في السنوات الأخيرة عبر «روما» (المكسيك)، «بارازايت» (كوريا الجنوبية) و«قُد سيارتي» (اليابان).
الغالب أن «الحكمة» هنا هي تأكيد عالمية الأوسكار، لكن إذا ما كان الوضع كذلك، ماذا عن مسابقة «أفضل فيلم عالمي»، حيث يتكرر ورود هذه الأفلام؟ ولماذا - جدلياً - لا تتألف ترشيحات أفضل فيلم (أوّل) من خمسة عالمية وخمسة أميركية مثلاً؟
جبهة عالمية
سباق الأفلام الدولية خلا، كما توقعنا هنا قبل عدة أسابيع، من فيلم عربي. كانت 9 أفلام تقدمت للترشح من 9 دول عربية، لكن تمنيات العديدين لم تكن مصحوبة بحقيقة أن ميزان التمنيات غير ميزان الواقع، وأن علينا النظر إلى باقي المتوفر من أفلام عالمية لمعرفة أين يكمن الجهد العربي الواحد من تلك الأفلام.
الأفلام المرشحة لهذه الجائزة يقودها «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية»، الذي هو إعادة صنع لفيلم أميركي بالعنوان نفسه يحتوي على مآسي جنود ألمان وجدوا أنفسهم على خط النار أمام الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الأولى.
الأفلام الأخرى هي
Argentina 1985 لسانتياغو ميتري (الأرجنتين)
Close للوكاس دونت (بلجيكا)
EO لييري سكولوموفسكي (بولاندا)
The Quiet Girl لكولم باريَد (آيرلندا)
لجانب ترشيحه كأفضل فيلم وأفضل فيلم عالمي (غير ناطق بالإنجليزية)، نجد «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» داخل 9 ترشيحات أخرى هي أفضل سيناريو مقتبس، وأفضل تصوير، وأفضل موسيقى مكتوبة خصيصاً، وأفضل تصميم مناظر، وأفضل تصميم شعر وماكياج، وأفضل صوت، وأفضل مؤثرات بصرية.
لكن «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» غائب عن سباق أفضل مخرج. هذه احتلها كل من مارتن ماكدونا عن «جنيّات إنيشِرين»، ودانيال كوان، ودانيال شاينرت عن «كل شيء كل مكان في وقت واحد»، وستيفن سبيلبرغ عن «ذا فابللمنز»، وتود فيلد عن «تار» وروبن أوستلوند عن «مثلث الحزن». كما هو ملاحظ فإن سبيلبرغ وتود فيلد هما أقلية بين المخرجين الآخرين الذين إما من أصول آسيوية أو أوروبية.
ممثلون وممثلات
سيأتي الوقت المناسب للبحث في هذه المسابقات وسواها لاحقاً، لكن لا بد من التوقف عند الممثلين والممثلات الذين يشكلون بأصواتهم العدد الغالب من المقترعين.
5 ممثلين مستحقين - بنسب متفاوتة - دخول ترشيحات التمثيل الرجالي الأول، وهم أوستن بتلر عن «ألفيس»، وكولين فارل عن «جنيات إنيشِرين»، وبرندان فرايزر عن «الحوت»، وبول مسكال عن «أفتر صن» (Aftersun) وبيل نيغي عن «حياة» (Living).
ورُشّح برندن غليسن عن «جنيّات إنيشِرين» كأفضل ممثل مساند يشاركه الترشيحات كل من برايان تاير هنري عن «كوزواي» (Causeway) وجد هيرش عن «ذا فابلمنز» ثم باري كيوغن عن «جنيات إنيشِرين» وكي هاي كوان عن «كل شيء كل مكان في آن واحد».
نسائياً فإن الممثلات المتنافسات على أوسكار أفضل ممثلة أولى هن كايت بلانشت عن «تار»، وأنا دي أرماس عن «بلوند»، وأندريا رسببوروغ عن «إلى لسلي» (To Leslie)، وميشيل ويليامز عن «ذا فابلمنز»، وميشيل يو عن «كل شيء كل مكان...».
من المثير أن آنا دي أرماس مرشّحة - من دون وجه حق - لجائزة ريتزي كأسوأ ممثلة عن عام 2022 كما أُعلن عن ذلك قبل يوم واحد من إعلان ترشيحات الأوسكار.
في الجوار، فإن الممثلات المرشّحات لأفضل تمثيل مساند هن أنجيلا باست عن «بلاك بانثر: واكاندا للأبد»، وهونغ تشاو عن «الحوت»، وكيري كوندون عن «جنيّات إنيشِرين»، وجامي لي كيرتس وستيفاني سو عن «كل شيء كل مكان...».
لجانب أن «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» فإن الأفلام الأربعة الأخرى التي دخلت ترشيحات أفضل سيناريو مقتبس هي
• Glass Onion‪:‬ A Knives Out Mystery‬‬
• Living
• Top Gun‪:‬ Maverick‬‬
• Women Talking
ما هو غريب هنا اعتبار «غلاس أونيون: لغز سكاكين مسلولة» فيلماً مقتبساً لأنه في الحقيقة مكتوب خصيصاً بقلم مخرجه رايان جونسون. السابقة الوحيدة له هو أن شخصيته الرئيسية (تلك التي يؤديها دانيال كريغ) سبق لها الظهور في فيلم سابق.
الفيلم البريطاني Living (إخراج أوليفر هرمانوس) مقتبس عن فيلم Ikiru للياباني أكيرا كوروساوا. مع «غلاس أونيون» فإن «ليفينغ» هما فيلمان مأخوذان من وسيط سينمائي سابق. يشاركهما في ذلك «توب غن: مافيريك» و- إلى حد - «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» المأخوذ عن رواية إريك ماريا ريمارك التي كانت تحوّلت إلى فيلم سابق (1930) من إخراج لويس مايلستون.
«نساء يتحدثن» (Women Talking) هو أيضاً عن رواية وضعتها ميريام تاوز في كتاب منشور.
السيناريوهات المكتوبة خصيصاً للسينما سبق لها أن وردت جميعاً في سباق أفضل فيلم وهي
• The Banshees of Inisherin
• Everything Everywhere All at Once
• The Fablemans
• Tár
• Triangle of Sadness
و«تار» و«كل شيء هادئ...» مرشحان لأفضل تصوير. بالإضافة إليهما: Elvis (تصوير ماندي ووكر)، و«إمبراطورية الضوء» (روجر ديكنز)، و«باردو، وقائع مزيّفة لحفنة من الحقائق» (داريوش خندجي).

حسابات
ما سبق لا يخلو من عدد من المفاجآت، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى حيث رمى البعض سهام التوقعات ولم يصيبوا أهدافهم. مثلاً، لا ذكر لتوم كروز بين المرشحين لأفضل دور أول، ولا ذكر لفيولا ديفيز، عن دورها الممتاز في «ذا وومان كينغ» ولا أوليفيا كولمن عن دورها في «إمبراطورية الضوء».
هذه خيبة أمل صحيحة بالنسبة للممثلتين ديفيز وكولمن، لكن أداء كروز في «توب غن: مافيريك»، لم يكن من النوع الذي يمكن تتويجه لا بأوسكار ولا بريتزي.
المفاجأة الفعلية كانت في تغييب المخرجات النساء عن ترشيحات أوسكار أفضل مخرج، وكان هناك عدد منهن وفير هذا العام أمثال سارا بولي («نساء يتحدثن») وبرينس - باثوود عن «ذا وومان كينغ» وشارلوت ولز عن «أفتر صن».
لكن المسألة هنا، كما كان الحال مع جوائز «غولدن غلوبز» قبل أسابيع، ليست مزاجية. هناك اقتراع شامل لأكثر من 9 آلاف مقترع في الأكاديمية، مما يجعل اللوم باهتاً وغير ذي تأثير.
تبعاً لما سبق لا بأس من تعداد الأفلام حسب عدد ترشيحاتها وهي تندرج كالتالي:
* «كل شيء كل مكان في وقت واحد»: 11 ترشيحاً.
* «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية»: 9 ترشيحات
* «جنيات إنيشِرين» (9)
* ألفيس» (8)
* «ذا فابلمنز» (7)
* «توب غن: مافيريك» (6)
* «بلاك بانثر: واكاندا للأبد» (5)
* «أفاتار: طريق الماء» (4)
* «بابيلون» (3)
* «ذا باتمان» (3)
* «مثلث الحزن» (3)
* «الحوت» (3)
* «نساء يتحدثن» (2)
 


مقالات ذات صلة

أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

يوميات الشرق المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)

أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

المخرج الإيراني الحائز جائزتَي أوسكار، أصغر فرهادي، يحلّ ضيفاً على مهرجان عمّان السينمائي، ويبوح بتفاصيل كثيرة عن رحلته السينمائية الحافلة.

كريستين حبيب (عمّان)
يوميات الشرق تمثال «الأوسكار» يظهر خارج مسرح في لوس أنجليس (أرشيفية - أ.ب)

«الأوسكار» تهدف لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار

أطلقت أكاديمية فنون السينما وعلومها الجمعة حملة واسعة لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (لوس انجليس)
يوميات الشرق الممثل الشهير ويل سميث وزوجته جادا (رويترز)

«صفعة الأوسكار» تلاحقهما... مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية تُغلق أبوابها

من المقرر إغلاق مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية بعدما شهدت انخفاضاً في التبرعات فيما يظهر أنه أحدث تداعيات «صفعة الأوسكار» الشهيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق أبطال المنصات (مارتن سكورسيزي وبرادلي كوبر) يغادران «أوسكار» 2024 بوفاضٍ خالٍ

هل تخلّت «الأوسكار» عن أفلام «نتفليكس» وأخواتها؟

مع أنها حظيت بـ32 ترشيحاً إلى «أوسكار» 2024 فإن أفلام منصات البث العالمية مثل «نتفليكس» و«أبل» عادت أدراجها من دون جوائز... فما هي الأسباب؟

كريستين حبيب (بيروت)
سينما مخرجة الفيلم مع رئيسة مجلس أمناء مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي جمانا الراشد ومحمد التركي الرئيس التنفيذي للمهرجان

«صندوق البحر الأحمر» وراء المنافس العربي الوحيد في «الأوسكار»

فيلم «بنات ألفة» المدعوم من مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، كان المنافس العربي الوحيد في كل فئات جوائز «الأوسكار».

«الشرق الأوسط» (هوليوود)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
TT

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثمة انزياح الجمهوريين إلى سياسات انعزالية خارجياً وحمائية اقتصادية داخلياً، معطوفة على سياسات اجتماعية يمينية متشددة، قد يكون من الصعب إقناع بعض الشارع بخطورتها. وفي المقابل، ما لم يقدم الديمقراطيون حلولاً للمشاكل التي أبعدت ولا تزال تبعد، شريحة واسعة من أبناء الطبقة العاملة إلى التصويت مرتين لمصلحة دونالد ترمب، فإنهم سيفقدون السيطرة على حملتهم.

الأمر لا يقتصر على أفراد الطبقة العاملة البيضاء الذين غادروا الحزب الديمقراطي بأعداد كبيرة خلال العقود الأخيرة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن ترمب يُعد لاجتذاب الناخبين السود واللاتينيين من الطبقة العاملة بنسب تاريخية محتملة. ومع اعتناق ترمب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، لسنوات، سياسات «شعبوية» فإنهما سعيا أيضاً إلى استخدام حتى بعض الانتقادات «التقدمية» للسوق الحرة، ولو كانا سيخدمان الأثرياء في نهاية المطاف.

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

ولاغتنام هذه الفرصة، قد يفكر الديمقراطيون في قراءة كيف تمكّن حزبهم من التعافي من الأزمات الخطيرة في ماضيهم. ومعلوم أنه في حين كانت الانتخابات الماضية تدور حول السياسات، وليس التدهور الذهني للمرشحين والتشكيك بقدرتهم على الفوز، كما كان الحال مع بايدن في هذه الانتخابات، فإنهم لم ينجحوا إلا عندما قدّموا أجندة اقتصادية، تروّج لرأسمالية أكثر أخلاقية وأقل ضراوة وقسوة.

توحد حول «أجندة تقدمية»يقول مايكل كوزين، أستاذ التاريخ في جامعة جورجتاون، إنه منذ القرن التاسع عشر، لم ينجح الديمقراطيون في قلب هزائمهم، إلّا بعد توحيد صفوفهم خلف أجندة، قدمت مساراً مختلفاً لمعالجة الأزمات، من «الكساد الكبير» إلى التصدي للعنصرية، وكسر الخطاب الشعبوي - الذي هدف إلى كسب تأييد المزارعين وعمال المناجم - ومن ثم طرحوا حلولاً بشأن العمل والضمانات الاجتماعية والصحية والمال.

في العشرينات من القرن الماضي، دارت أزمة الديمقراطيين حول قضايا الثقافة والعِرق بدلاً من تحديد من فاز ومن خسر فيما كان آنذاك اقتصاداً مزدهراً. ولقد تطلب الأمر أسوأ كساد في تاريخ البلاد، لإعطاء الديمقراطيين الفرصة لوضع هذه الاختلافات وراء ظهورهم. وعام 1932، تحت قيادة فرانكلين روزفلت، فازوا بغالبية كبيرة في الكونغرس وأنشأوا أكبر توسع في السلطات المحلية للحكومة الفيدرالية في تاريخ الولايات المتحدة.

وبعدها، في عام 1968، بدا أن انسحاب ليندون جونسون من السباق أشبه بانسحاب جو بايدن هذا العام... إذ كان الرجلان يخطّطان للترشح لإعادة الانتخاب، لكن المعارضة الشرسة داخل حزبهما أثنتهما عن ذلك. واليوم، كما حصل سابقاً، أخذ نائب الرئيس مكانه على رأس القائمة. غير أن معارضة عودة جونسون كانت بسبب أكثر أهمية بكثير من القلق بشأن أداء الرئيس في مناظرة، أو على قدراته الجسدية والمعرفية التي قسا عليها الزمن. كان الخلاف يومذاك حول «حرب فيتنام» يقسم الديمقراطيين، والأميركيين عموماً، وهو ما أدى إلى خسارتهم أمام الجمهوريين وفوز المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.

اصطفاف التيار التقدمياليوم، باستثناء الحرب في غزة، وانتقاد التيار التقدمي لإسرائيل، فإن الديمقراطيين متّحدون بشكل ملحوظ حول القضايا التي ركّز عليها بايدن في حملته الانتخابية. وبدا أن تمسك هذا التيار به والاصطفاف اليوم وراء نائبته كامالا هاريس، دليل على إجماع على أن «خطر» إدارة ترمب أخرى قد طغى على استيائه منهما. وفي غياب أي استثناءات تقريباً، يتفق ممثلوهم مع أعضاء الحزب في مجلسي الشيوخ والنواب، على تشجيع العمال على تشكيل النقابات ويريدون القيام باستثمارات جادة في مجال الطاقة المتجددة، ويؤيدون بالإجماع زيادة الضرائب على الأغنياء وتسليح أوكرانيا.

بيد أن تغير موقف «التيار التقدمي» بشأن هاريس - التي لطالما تعرضت للانتقادات منه - يعكس إلى حد كبير الديناميكيات السياسية المتغيرة داخل الحزب الديمقراطي نفسه. وحقاً، منذ التراجع المطّرد لدور اليساري المخضرم بيرني ساندرز وتحوّله إلى شيء من الماضي، وكون النجوم التقدميين مثل النائبة ألكساندريا أوكازيو كورتيز، ما زالوا أصغر من أن يتمكنوا من الترشح للرئاسة، لا يوجد بديل واضح عند هذا التيار. وأيضاً، مع تهميش أولويات «التقدميين» التشريعية السابقة كالتعليم الجامعي المجاني والرعاية الصحية الشاملة، واستمرار تعثر القضايا الحالية كالحرب في غزة من دون نهاية واضحة، تقلصت فرص «تيارهم» في لعب دور أكبر داخل الحزب.

ولكن إذا أعطى انسحاب بايدن الديمقراطيين فرصة لإحياء حظوظهم فيما بدا لفترة وكأنه سباق خاسر، فإنه قد لا يفعل ذلك الكثير لمعالجة الأزمة الأعمق التي واجهوها منذ أعاد ترمب تشكيل الحزب الجمهوري.

الديمقراطيون تجنّبوا الانقسامفإجماع الديمقراطيين على الدفع بكامالا هاريس خياراً لا بد منه، قد يكون جنبهم على الأقل خطر الانقسام. ورغم كونها خطيبة مفوهة، على خلفيتها بوصفها مدعية عامة وسيناتوراً سابقاً عن كاليفورنيا - كبرى الولايات الأميركية وأهمها - يظل العديد من الأميركيين ينظرون إليها على أنها «ليبرالية» و«تقدمية» تهتم بشدة بالحقوق الإنجابية والتنوع العرقي. وهم أيضاً يأخذون عليها أنها لم تظهر، حتى الآن على الأقل، قدرتها على التواصل بالقوة نفسها مع ناخبي الطبقة العاملة الذين يعتقدون أن لا الحزب الديمقراطي ولا الحكومة أظهرا الاهتمام نفسه بمشاكلهم الاقتصادية... وخوفهم من أن حياة أطفالهم قد تتعرض للخطر.

واستناداً إلى استطلاعات رأي تشير منذ عدة سنوات إلى أن أغلب الناس يعتقدون أن الولايات المتحدة «تسير على المسار الخطأ»، استخدم جي دي فانس، نائب ترمب، هذه المخاوف التي عرضها في كتابه «مرثية هيلبيلي» لتصعيد الخطاب الشعبوي، الذي عدّه البعض دعوة إلى إعادة عقارب الزمن عبر إحياء الصناعات المنقرضة، بدلاً من الاستثمار في المستقبل.

صعود المظالممع هذا، إذا اكتفت هاريس بالترويج والدفاع عن إنجازاتها وبايدن فقط، فقد تفشل في معالجة هذه المخاوف، وربما تسمح لترمب بالفوز مرة أخرى. الاعتراف باللامساواة بين الجنسين وقبول «الهويات» الجنسية، ونقد الاستعمار والعنصرية وكراهية الأجانب، وصعود حركة حماية البيئة، كلها مظالم وتحديات لشرائح واسعة تعتقد أنها تتعرّض للخطر وتدعو الساسة للعودة إلى الأنماط القديمة دفاعاً عنها. كما أن اضطرابات أخرى لعبت أيضاً دوراً في صعود هذه المظالم، من تغير المناخ والتحديات الاقتصادية التي فرضها، واستمرار التفاوت في الدخل، وموجات المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة، والانهيار الاقتصادي عام 2008، وجائحة «كوفيد-19» التي ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

ومع تصاعد الشكوى من الهجرة والمهاجرين والتغير الديموغرافي والعولمة في كل مكان، يهدّد خطاب «الشعبوية» الجديد الديمقراطيات الليبرالية القديمة. وبدا أن احتضان الناخبين الأميركيين لترمب، يشبه تحول الناخبين الفرنسيين نحو حزب «التجمّع الوطني» اليميني المناهض للمهاجرين بزعامة مارين لوبان، الذي يدّعي أنه يمثل «فرنسا الحقيقية»، ومعه صعود العديد من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وفق الكاتب الأميركي إدواردو بوتر.

فشل ديمقراطي

مع ذلك، فشل الديمقراطيون منذ عهد باراك أوباما في تقديم برنامج سياسي متماسك حول الوجهة التي يريدون أخذ أميركا إليها، والتكلم عن أولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، وهذا، بصرف النظر عن دفاعهم عن مصالح الطبقة الوسطى والتسامح مع الاختلافات الثقافية والتحرك نحو اقتصاد أكثر خضرة.

ومع أن ترشيح كامالا هاريس قد يعطيهم الفرصة للبدء في تغيير تلك الصورة، يظل الخطر كامناً في أنهم قد يعتقدون أن الأزمة الأخيرة التي مروا بها، أمكن حلها بتغيير المرشحين من دون معالجة حالة السخط التي تعصف بالبلاد. وهذا ما بدا من خطابهم الذي عاد للتشديد على أن المهمة الرئيسية هي منع عودة ترمب. فقد التحمت الأصوات الديمقراطية في خطاب شبه موحّد لتصوير الانتخابات على «أنها بين مجرم مُدان لا يهتم إلا بنفسه ويحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بما يخص حقوقنا وبلدنا، ومدعية عامة سابقة ذكية ونائبة رئيس ناجحة تجسد إيمانناً بأن أفضل أيام أميركا لا تزال أمامنا»، على ما كتبته الثلاثاء، هيلاري كلينتون في مقالة رأي في «نيويورك تايمز».

ربما لا حاجة إلى التذكير بأن خسارة كلينتون نفسها للسباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016، كان بسبب إحجام ناخبي ولايات ما يعرف بـ«حزام الصدأ» - حيث قاعدة العمال البيض - عن تأييدها، بعدما خسر مرشحهم بيرني ساندرز الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، الذي كان ينظر إليه على أنه مرشح واعد للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، ومنحهم أصواتهم لترمب الذي نجح في مخاطبة هواجسهم.

فرصة هاريس

اليوم، في ضوء انتزاع هاريس - إلى حد بعيد - بطاقة الترشيح قبل انعقاد مؤتمر الحزب في 19 أغسطس (آب) المقبل، ما يوفر عليها خوض انتخابات تمهيدية جديدة والفوز فيها، فإنها تحظى بفرصة لإعادة تقديم نفسها. وخلال الأيام الأخيرة، تعززت حملتها بفضل زيادة الحماسة والدعم وجمع التبرعات الذي حقق أرقاماً قياسية خلال 48 ساعة، وكل ذلك كان مفقوداً في حملة بايدن وسط مخاوف بشأن عمره وصحته.

لكن الحزب ما زال منقسماً حيال الرد على هجمات الجمهوريين، إذ يشعر البعض بالقلق من أن الغرق في مناقشات حول العنصرية والتمييز الجنسي، يمكن أن يستهلك حملة هاريس لدى انشغالها بمخاطبة جمهور الناخبين الأوسع. ولذا تصاعدت الأصوات الديمقراطية الداعية إلى جسر الهوة إزاء الهجرة والجريمة والتضخم، التي يركز الجمهوريون عليها، بينما يتساءل آخرون، عمّا إذا كان الكلام الصارم عن الإجهاض والضرائب والعنصرية، وغير ذلك من بنود جدول الأعمال التي يسعى الديمقراطيون بشدة إلى إعادتها إلى قمة الأولويات العامة، هو الطريقة الأفضل لخوض السباق ضد ترمب. الديمقراطيون متّحدون اليوم حول القضايا التي ركّز عليها بايدن

لطّف الجمهوريون خطابهم المتشدد... بينما يبحث الديمقراطيون عن نائب لهاريس

> لا يخفى، لدى تفحّص المشهد الانتخابي الأميركي، أن الجمهوريين سعوا للاستفادة من مكاسب استطلاعات الرأي مع الأميركيين الذين كانوا مترددين في السابق تجاه دونالد ترمب، وخاصة الناخبين غير البيض. إذ أعادوا تنظيم مؤتمرهم الوطني للتأكيد على «الوحدة»، بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها ترمب، وتقديمه كرجل دولة وليس محارباً للثقافة والعرق. وتضمن المؤتمر كلمات دحضت الاتهامات بالعنصرية ضد ترمب، إلى جانب عدد من المتكلمين الذين أكدوا على خلفياتهم المهاجرة وعلى أن الجمهوريين مهتمون فقط بأمن الحدود. وبينما يقلّب الديمقراطيون الأسماء لاختيار نائب الرئيس على بطاقة الاقتراع مع كمالا هاريس، برز عدد من الأسماء على رأسهم جوش شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا المتأرجحة. وحظي شابيرو، وهو يهودي أبيض،

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

بالاهتمام كونه حقق فوزاً كبيراً في انتخابات عام 2022، متغلباً على سيناتور يميني متشدد أنكر فوز بايدن في انتخابات عام 2020، ويلقى دعماً كبيراً من الرئيس السابق باراك أوباما. أيضاً، برز السيناتور مارك كيلي (من ولاية أريزونا المتأرجحة أيضاً) الذي عُدّ منافساً محتملاً في مواجهة نائب ترمب، السيناتور جي دي فانس (من ولاية أوهايو). ويقف الرجلان على النقيض في العديد من قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة مساعدة أوكرانيا. وبدا كيلي مرشحاً مثالياً ضد فانس؛ للموازنة بين الحفاظ على الولايات المتأرجحة، والحفاظ على سياستهم الخارجية. واتهمه بأنه «سيتخلى» عن أوكرانيا لصالح روسيا. وأردف كيلي قائلاً، إنه «أمام ما قد يفعله ترمب وفانس للتخلي عن حليف، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى عالم أكثر خطورة بكثير». ورغم رفضه تأكيد أن يكون من بين المرشحين، قائلاً إن الأمر يتعلق بهاريس، «المدعية العامة التي تتمتع بكل هذه الخبرة، وترمب الرجل المدان بـ34 جناية ولديه خيار بشأن المستقبل، قد يعيدنا إلى الماضي حين كنا أقل أماناً».