الوثائق السرية تعصف بترمب وبايدن وبنس

يواجه كل من الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب ونائب الرئيس السابق مايك بنس، تحقيقات بسبب احتفاظهم بوثائق سرية في مكاتبهم أو منازلهم الخاصة، وكل منهم يستعد لخوض سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024، ما أثار الجدل والنقاشات حول نتائج التحقيقات التي تجرى معهم، وتأثيرها على الناخب الأميركي، وكيف يمكن أن تعرقل الحظوظ للوصول إلى البيت الأبيض.
لم تهدأ الزوابع حول اقتحام عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي منزل ترمب في منتجع مالارغو في فلوريدا في يوليو (تموز) الماضي، حتى تم الكشف عن احتفاظ الرئيس الحالي جو بايدن لوثائق سرية في مكتبه الخاص وفي منزله بولاية ديلاوير. وترجع هذه الوثائق إلى الفترة التي كان يشغل فيها منصب نائب الرئيس أوباما.

جو بايدن (رويترز)

وجاء الكشف الجديد يوم الثلاثاء عن وثائق سرية احتفظ بها نائب الرئيس السابق مايك بنس في منزله بولاية إنديانا، لتضيف أبعادا قانونية وسياسية غير مسبوقة للجدل الدائر في الأروقة السياسية الأميركية. وتزايدت الأسئلة حول تعامل الرؤساء وكبار المسؤولين مع الوثائق السرية الحساسة، وما يتعلق بإجراءات حماية الوثائق السرية وقوانين السجلات الرئاسية وما ستسفر عنه التحقيقات. أما الأسئلة الأكثر سخونة فتتعلق بمدى تأثير تلك التحقيقات ونتائجها على السباق الرئاسي وحظوظ المرشحين في هذا السباق.
وفقاً للقوانين الأميركية حينما يخرج الرئيس الأميركي وكبار المسؤولين من مناصبهم، عليهم تسليم السجلات والوثائق التي كانت بحوزتهم إلى الوصاية القانونية للأرشيف الوطني الأميركي. ويعد الاحتفاظ بوثائق عن قصد أو عن عمد أمراً غير قانوني، كما يعد عدم تخزين الوثائق السرية وعدم تأمينها بشكل صحيح، مخاطرة على الأمن القومي الأميركي إذا وقعت في الأيدي الخطأ.
وقد استغل ترمب واقعة اقتحام عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي لمنزله والعثور على بعض الوثائق السرية، في إثارة حماس أنصاره باعتبار الأمر مدفوعاً سياسياً للإساءة إليه وعرقلة سعيه للترشح للرئاسية مرة أخرى. وقد أعلن ترمب رسمياً ترشحه للسباق الانتخابي لعام 2024 في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وحينما اندلعت فضيحة العثور على وثائق سرية في مكتب بايدن الخاص في العاصمة واشنطن وفي منزله الخاص، بدا المشهد ساخراً ومتناقضاً بشكل تراجيدي، لأن بايدن خرج في تصريحات تلفزيونية يدين قيام سلفه ترمب بأخذ وثائق سرية والاحتفاظ بها في منزله. وقال في ذلك الوقت «كيف يمكن لأي شخص أن يكون غير مسؤول إلى هذا الحد». وها هو بايدن يقوم بنفس الأمر ويواجه تحقيقات مع محقق خاص. ورغم إعلانه أنه لم يكن يعلم بوجود وثائق سرية في مكتبه ومنزله، وأن محاميه أبلغوا بوجود هذه الوثائق وسلموها إلى وزارة العدل والأرشيف الوطني، إلا أن ذلك لم يخفف من الأسئلة الملحة حول توقيت العثور على الوثائق في نوفمبر الماضي قبل أيام من الانتخابات التشريعية، وبين الإعلان عن اكتشافها، وهو ما دفع البعض إلى تشبيه الوضع بفضيحة «ووترغيت» قبل خمسين عاماً التي واجهها الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون.
وتلاحقت الأسئلة هل يجب أن يستقيل بايدن؟ وكيف يمكن أن يتخطى التحقيقات؟ وماذا عن مصداقيته وحظوظه حينما يعلن رسميا ترشحه لفترة ولاية ثانية؟ مع الإشارة إلى أنه من المتوقع أن يعلن بايدن عن ترشحه عقب إلقاء خطاب الاتحاد في 7 فبراير (شباط) المقبل. وهاجم رئيس مجلس النواب كيفن ماكارثي بايدن مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي كان يأمل ألا تثار هذه القضية، ولا تحصل على كشف إعلامي أو تحقيق جنائي، لذلك جاء الإعلان عن وجود تلك الوثائق بعد أكثر من خمسة أسابيع على اكتشافها.
المثير أن كلا من بايدن وابنه هانتر سيكونان في الأول من أغسطس (آب) في منصب رئيس حالي وابنه يواجهان تحقيقات منفصلة. لكن بعد الكشف عن وثائق مايك بنس، تنفس مسؤولو البيت الأبيض الصعداء، حيث سيخفض العثور على وثائق لدى بنس من سخونة الأسئلة التي تلاحق إدارة بايدن وربما يقلل من الأضرار القانونية والسياسية التي يمكن أن تلاحق بايدن.

مايك بنس (أ.ف.ب)

وثائق مايك بنس
يوم الثلاثاء، خرجت الأنباء حول العثور على وثائق تحمل علامة سرية في منزل نائب الرئيس السابق مايك بنس في منزله في منطقة كارمل بولاية إنديانا. وترجع تلك الوثائق إلى الفترة التي قضاها في منصب نائب رئيس خلال فترة إدارة ترمب.
ووفقاً لفريق بنس، قام محاموه بإبلاغ الأرشيف الوطني في 18 يناير (كانون الثاني) عن العثور على 12 وثيقة سرية، وقام مكتب التحقيقات الفدرالي بجمع هذه الوثائق من منزل بنس. وأعرب بنس عن رغبته في الترشح لسباق الانتخابات الرئاسية لعام 2024. وإلى الآن، ليس من الواضح مستوى تصنيف الوثائق التي عثر عليها في منزل بنس، وما إذا كان سيتم تعيين مستشار خاص للتحقيق في هذه الوثائق كما حدث مع كل من ترمب وبايدن.
ويواجه مايك بنس الاتهامات بالنفاق والازدواجية، لأنه روج لنفسه بأنه يتمتع بمكانة أخلاقية عالية، وخرج في تصريحات ينفي فيها الاحتفاظ بوثائق سرية. وانتقد بنس بايدن على وجود وثائق سرية في حوزته. وانتهز مساعدو بايدن الفرصة للهجوم على بنس والتركيز على المقارنة بين سلوك بايدن وبنس أكثر من المقارنة بين بايدن وترمب.
من المستفيد؟
ويقول المحللون إنه يمكن لعاصفة العثور على وثائق بنس السرية أن تكون أخباراً جيدة لكل من بايدن وترمب لأنه سيؤدي إلى تخفيف حدة الصراع، الذي يواجهه بايدن لشرح أسباب حيازته لوثائق في مكتبه ومنزله.
ومن الواضح أن موقف بنس سيفيد بايدن وترمب حيث يوفر انفتاحاً سياسياً غير مقصود لترمب، وسيكون من الصعب على العديد من الناخبين التمييز بين الفروق الدقيقة في القضايا الثلاث، والتفاصيل القانونية لموقف كل منهم. وكلما تم الكشف عن المزيد من الوثائق السرية، قل الإحساس بأنها مشكلة كبيرة، أو زاد الاعتقاد بأن كل المتورطين في الاحتفاظ بوثائق سرية مخطئون بالقدر نفسه. وتعطي سوء إدارة البيت الأبيض لقضية العثور على وثائق سرية لدى بايدن، الكثير من الزخم لحملة ترمب التي ستستغل الأمر لتوجيه اتهامات بعدم النزاهة والفشل لإدارة بايدن.
ولا تزال هناك أسباب قانونية تدين احتفاظ ترمب بالكثير من الوثائق السرية عند مغادرته منصبه ورفضه تسليم تلك الوثائق، إضافةً إلى محاولات عرقلة التحقيق، وهو ما قد يصل إلى مستوى الجريمة الجنائية. لكن الجدل المتزايد حول اكتشاف وثائق لدى بايدن وينس يمكن أن يقوض احتمالات أن توجه وزارة العدل اتهامات جنائية إلى ترمب.
وسيستغل ترمب هذا الأمر لصالحه بشكل كبير لأن توجيه أي اتهام له سيدفعه بالادعاء بأنه يتعرض للتمييز والمعاملة غير العادلة، وسيعزز مزاعمه بأنه ضحية للاضطهاد السياسي.
ويشير بعض الخبراء إلى أن الخلافات حول وثائق بايدن ستجعل من الصعب على وزارة العدل توجيه اتهامات إلى أي من ترمب أو بنس.
ولن يترك الجمهوريون في كل من مجلس الشيوخ والنواب أن يمر الأمر دون معركة سياسية للهجوم على بايدن والوثائق السرية لديه، لكن العثور على وثائق لدى بنس قد يعقد المعادلة وقد يعيق جهود الجمهوريين في مجلس النواب عن فتح تحقيق مع بايدن، إلا إذا قاموا بالخطوات نفسها لفتح تحقيق مع بنس.