كيري: يمكن لحلفائنا الاعتماد علينا في ضمان أمن المنطقة على المدى البعيد

وزير الخارجية الأميركي أكد لـ «الشرق الأوسط» عزم بلاده على تنسيق استراتيجية مع الخليج لصد إيران

كيري: يمكن لحلفائنا الاعتماد علينا في ضمان أمن المنطقة على المدى البعيد
TT

كيري: يمكن لحلفائنا الاعتماد علينا في ضمان أمن المنطقة على المدى البعيد

كيري: يمكن لحلفائنا الاعتماد علينا في ضمان أمن المنطقة على المدى البعيد

بعد أن وقّعت الولايات المتحدة وباقي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا اتفاقًا مع إيران للحد من برنامجها النووي وضمان طبيعته السلمية، تواجه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تحديا في إقناع الكونغرس من جهة، وحلفاء في منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى، بأنها ما زالت ملتزمة بسياستها التقليدية في مواجهة طموحات إيران الإقليمية. وفي أول مقابلة له مع صحيفة عربية منذ توليه منصب وزير الخارجية الأميركي في فبراير (شباط) 2013، شرح جون كيري لـ«الشرق الأوسط» سياسة الإدارة الأميركية تجاه طهران، مؤكدا أن واشنطن «لم تغير شيئًا» في تلك السياسة رغم فتح قنوات اتصال للمرة الأولى بين البلدين منذ أكثر من 3 قرون. وشدد كيري على أن واشنطن جدية في سعيها لـ«صد» إيران في المنطقة، موضحا أن لقاءه المرتقب يوم 3 أغسطس (آب) الشهر المقبل مع نظرائه من مجلس التعاون الخليجي في الدوحة ليس فقط من أجل إطلاعهم على جميع تفاصيل الاتفاق النووي، بل سيتركز على الخروج باستراتيجية لصد طهران و«تحركاتها غير المشروعة في المنطقة». وكان كيري حازمًا في إجاباته حول إيران، مكررًا خطابه الذي وجهه في جملة من المقابلات مع وسائل الإعلام الأميركية منذ التوقيع على الاتفاق النووي في 14 يوليو (تموز) الحالي بأن الاتفاق ح هو أفضل خيار لمنع مواجهة عسكرية أو سباق تسلح.
وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط»، مساء أول من أمس، عبر الهاتف مع وزير الخارجية الأميركي:

* بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ما مدى ثقتكم في أنه سيكون راسخًا؟
- ما دام يتم تطبيقه، وإيران تتخذ الخطوات الضرورية للالتزام، سيكون راسخًا. لن نذهب إلى أي مكان، وأعتقد أننا سنقنع الكونغرس بأنه (الاتفاق) أمر جيد لأمن الولايات المتحدة وجيد للمنطقة وسيحمي المنطقة من سباق تسلح، كما سيمنع إيران من تأمين سلاح نووي. وأعتقد أن ذلك يجعل إسرائيل ودول الخليج والجميع أكثر أمنًا. إذا لم يتم التوصل إلى هذا الاتفاق، فورا سنكون أمام مواجهة، لأن إيران كانت ستقول: «جئنا إلى طاولة المفاوضات وأنتم رفضتم الاتفاق، والآن لسنا ملتزمين أمام أحد». وبالمناسبة، كانت العقوبات ستنهار، لأن شركاءنا (في نظام) العقوبات وافقوا عليها من أجل الوصول إلى الطاولة للتفاوض، ولو فشلنا في المفاوضات، كانوا سيتخلون عنها. فالواقع أن حينها كانت إيران حرة للسعي وراء أهدافها، ما عدا التدخل (العسكري)، مما كان ربما أدى إلى نزاع، أو أن دولا أخرى (في المنطقة) تقول: «ما داموا سيسارعون للحصول على سلاح (نووي)، فعلينا أن نفعل ذلك أيضا». فكانت فرص حدوث سباق تسلح نووي أكبر بكثير من دون التوصل إلى اتفاق. مع إبرام الاتفاق، هناك قدرة كبيرة على معرفة ما تقوم به إيران، ونجد إيران تحت قيود كبيرة، وهم يعيشون مع ضوابط على مستوى تخصيب «اليورانيوم» وقيود على أعداد أجهزة الطرد المركزي ومخزوهم (العسكري). لا يمكن صناعة قنبلة (نووية) مع مثل هذه القيود، ومع هذا النوع من التفتيش.
* من المؤكد أنك سمعت من نظرائك العرب أن الكثير من العرب قلقون من التوصل إلى اتفاق ترفع بموجبه القيود من على إيران؛ إذ ترفع العقوبات، وتنتهي العزلة الدبلوماسية.. الخوف من أن سياسات إيران تصبح مصدر المزيد من المشكلات..
- لا نتفق مع هذا الرأي.. لا نتفق لأن الواقع أن إيران ستبقى معزولة بسبب دعمها للإرهاب، بسبب دعمها لتجارة السلاح ودعمها للحوثيين ودعمها لحزب الله. حزب الله منظمة إرهابية، وما داموا يدعمونها فسنصدهم. سنصد التحركات التي تدعمها في دول أخرى. السبب وراء قمة «كامب ديفيد» (التي جمعت بين الرئيس أوباما وقادة دول مجلس التعاون الخليخي في منتجع كامب ديفيد في مايو (آيار) الماضي) كانت لجمع الناس حول جهد نظامي لصد إيران. ففي الواقع، ميزانية إيران العسكرية 15 مليار دولار، ودول الخليج تصرف 130 مليار دولار سنوية. ماذا يحدث كي لا يظهر هذا الفرق في الميزانية من حيث الواقع على الأرض؟ لأنه من الضروري أن تكون هناك جهود أكبر لتدريب وتنظيم والعمل على مكافحة الإرهاب والتواصل على الأرض من خلال جهود مختلفة. مقاتلات «إف 16» لا تؤثر على الدعم الخفي للإرهابيين. يجب أن يكون هناك جهد أكثر فعالية في مكافحة «التصرفات الإيرانية»، وهذا ما نقترحه. نعتقد أن لدينا خطة أكثر فعالية وعلى الناس أن ينظروا نظرة ثاقبة للوقائع من دون هذه القيود (على إيران). من المستحيل أن تصنع إيران قنبلة مع قيود لخمسة عشر عاما على التخصيب بنسبة 3.67 في المائة، ومن المستحيل ذلك مع 300 كيلوغرام من المخزون (النووي). والسؤال هو: هل الوضع أفضل مع 15 عامًا من القيود، بدلا من المواجهة غدًا؟ وعلاوة على ذلك، لدينا قيود بـ25 عاما على تصنيعهم لليورانيوم وقيود مدى الحياة بسبب البروتوكول الإضافي والقدرة على الوصول إلى ما يقومون به. هناك شفافية كبيرة ومحاسبة في هذه القضية. وسأتوجه إلى الدوحة خلال الأسبوعين المقبلين للقاء مع كل دول مجلس التعاون الخليجي، وأعتقد أننا سنستطيع إقناعهم بأنهم سيكونون أكثر قوة مستقبلا من خلال صدنا (إيران) بطريقة أكثر كفاءة، بالإضافة إلى فرض القيود المذكورة.
* لقاؤك مع الدول الخليجية يأتي في وقت مهم، يبدو أن هناك عدم وضوح في سياسة الولايات المتحدة من حيث التعامل مع إيران..
- لم يتغير شيء. لقد أوضحنا ذلك كليا، وقلنا ذلك. لم يتغير شيء. نحن نعارض الدعم الإيراني لحزب الله، نعارض دعمهم للحوثيين، نعارض تدخلهم في الميليشيات الشيعية في العراق، ونعارض دعمهم للإرهاب. لم يتغير شيء. لقد فاوضنا للتوصل إلى اتفاق نووي للسبب البسيط بأننا نؤمن بأنه إذا كنت ستصد إيران، فمن الأفضل أن تصد إيران من دون سلاح نووي بدلا من إيران مسلحة بالنووي.
* ولكن التغيير هو أنك التقيت وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف مرات عدة، والقناة باتت مفتوحة الآن للتعامل مع إيران حول سياساتها في المنطقة. بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، هل سيكون هناك انفتاح لمناقشة ذلك؟
- ليس لدينا فكرة عن ذلك، ولن نتخيل القيام بذلك من دون حلفائنا، ومن دون وجودهم، ولقد قلنا لهم ذلك.
* هل بإمكان الولايات المتحدة أن تجلب الطرفين إلى طاولة الحوار، هل تريد القيام ذلك؟
- لا أعلم، سيعتمد ذلك على ما يريده حلفاؤنا، ويعتمد على إذا كانت إيران ستفعل ذلك أم لا. ولكن هذا ليس موضوع هذه المفاوضات. الرئيس (الإيراني حسن) روحاني أشار في تصريحاته حول الاتفاق إلى أنه على استعداد لأن تكون هناك علاقة مختلفة (مع دول الخليج)، ولكن هذا ليس ما تفاوضنا عليه. المفاوضات كانت حول قدرتهم النووية وحرمانهم منها.
* نعم، ولكن بعد انتهاء المفاوضات، ما الخطوة المقبلة؟
- سنجلس مع حلفائنا وأصدقائنا، لن نتقدم بشكل لا يتناسب معهم وأو لا يدعمهم.
* هناك قلق في بعض الدول العربية بأن اعتبار إيران شريكة في هزيمة «داعش» يأتي بتكلفة سياسية. هناك قلق من أن الولايات المتحدة تعطي إيران شيكًا على بياض لنرى مجموعات وميليشيات مثل حزب الله تخرج في العراق. ما موقفكم من ذلك؟
- نحن نؤمن بأن كل الجنود والقوات الأجنبية يجب أن تخرج من سوريا، كل القوات الأجنبية.
* وماذا عن العراق؟
- لا نعتقد أنهم يجب أن يكونوا موجودين على الأراضي العراقية إلا في حال الحكومة العراقية (طلبت ذلك).. إنه أمر يعود للحكومة العراقية. إذن لا يريدونهم هناك، يمكن للحكومة العراقية أن تقول لهم ذلك. أعتقد أن الحكومة العراقية أعطتهم تصريحًا بذلك، الأمر لا يعود لنا، بل يعود للحكومة العراقية. نحن لا ندعوهم لذلك ولا نتعاون معهم.
* ولكن هل ترون دورهم يساعد الوضع في العراق؟
- أعتقد أن أي طرف يقتل «داعش» يساعد، ولكنه ليس أمرا نطلبه أو ننسقه.
* لنعد لأجواء اجتماعاتك مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، هل تعتقد أنه من الممكن أن تكون لديكم علاقة بناءة مع الإيرانيين، خصوصا بعد إبرام الاتفاق؟
- الأمر ليس موضوع علاقات شخصية. إنها مسألة التفاوض في مفاوضات صعبة جدا والتوصل إلى اتفاق. بتفاوضنا بنية حسنة. وكان بإمكاننا أن نبقي الأجواء بناءة جدا حتى عندما احتدم النقاش، كانت هناك نقاشات عدة محتدمة. ولكننا اعتقدنا أنه من الضروري أن نبقي الأجواء بناءة. ولكن الهدف لم يكن بناء العلاقات، الهدف كان بناء الاتفاق.
* على الصعيد الشخصي، ماذا يعني الاتفاق لك؟
- أعتقد في حال تنفيذه، وأركز على هذه النقطة، سيكون هذا الاتفاق تاريخيًا؛ فقد قررت دولة أن تتفاوض طوعًا لعدم صناعة سلاح نووي. هذا أمر في غاية الأهمية. أعتقد أنه في حال تم تطبيقه، هذه هي الأهمية، عدم صناعة سلاح نووي. بالطبع، الزمن سيختبر ذلك، ولكننا سنكون على بينة. إذا حاولوا أن يطوروا سلاحًا نوويًا، هذا الاتفاق يعني أننا سنعلم، وسنكون في الوضع الذي نحن عليه الآن، قبل أن يتم تطبيق الاتفاق. ففي الواقع، هذه فرصة، فرصة للمنطقة، وفرصة لنا وللإيرانيين أن نكون على مسار مختلف، الذي قد يفتح الباب لاحتمالات أخرى، وقد لا يحدث ذلك. ليس لدينا الإجابة عن ذلك بعد.
* صحيح أننا على مسار مختلف. بينما تتصاعد وتيرة التوترات الطائفية وتزداد المصاعب في منطقة الشرق الأوسط، كانت الغالبية تقول إن علينا أن ننتظر في حال توصلنا إلى اتفاق نووي مع طهران. بعد التوصل إلى الاتفاق، ما الأولوية المقبلة؟
- الأولوية المقبلة ضمان أن يفهم أصدقاؤنا وحلفاؤنا كليا هذا (الاتفاق)، وأنه سيساعد على (ضمان) أمنهم، وأننا موجودون لضمان ما قلناه في السابق من حيث إمكانية صد (إيران)، وأنه بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة لتكون جزءًا من الأمن الطويل الأمد والدفاع عن المنطقة.
* هذه كانت رسالتكم في قمة «كامب ديفيد»، والرئيس أوباما قال ذلك تكرارا وأنتم أيضا قلتم ذلك تكرارا. ولكن الشكوك ما زالت قائمة، هل الأمر يعود لانعدام الثقة في الولايات المتحدة؟
- لا، أعتقد أن هناك مصادر قلق يمكن تفهمها. الناس غير متأكدة، وواجبنا أن نجعلهم أكثر ثقة. علينا أن نضاعف الوقت والجهود المبذولة لضمان معرفة الآخرين ما يحدث. الاتفاق بنّاء وحقيقي، وسيكون له تأثير في حياتهم. نحن لا نعبث في هذه المسألة، القضية جدية وتتعلق بأمنهم، وعليهم أن يعلموا بكل تأكيد ما يحدث، وسنتأكد من حدوث ذلك.
* قلت إن إيران دولة راعية للإرهاب، وهذا الموقف الرسمي للولايات المتحدة بناء على القانون. ولكن هل ما زلت تؤمن بذلك أم هذه فقط «صفة تقنية»؟
- لا، الأمر ليس فقط تقنيًا، فهم يدعمون حزب الله ويدعمون أعداء آخرين. إنهم يدعمون الحوثيين، والحوثيون يطلقون صواريخ باتجاه السعودية، وهم يدعمون أناسًا توجهوا إلى السعودية وقاموا بتفجيرات. لقد دعم الحرس الثوري الإيراني أعمالاً إرهابية، بما فيها هجوم عام 1996 على أبراج الخبر. إنه أمر جدي.
* ما خيارات التعامل مع هذا الإرهاب؟
- هناك خيارات كثيرة. بالطبع زيادة جمع المعلومات الاستخباراتية، وزيادة تبادل المعلومات، وزيادة القدرة على اعتراض «العمليات»، منع تدفق هذه الأسلحة. هناك جملة من العمليات التي نقوم بها.
* كانت عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أولوية بالنسبة لك على الرغم من المصاعب. ومع الانتهاء من التفاوض حول الاتفاق النووي؛ هل من الممكن أن نتوقع إعادة تركيز على جهود إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط؟
- ما زالت أولوية كبيرة. مكافحة «داعش» الأولوية الأولى حاليا، ومواجهة المتطرفين في المنطقة وضمان شعور حلفائنا وأصدقائنا بأمان أكبر. هذه هي الأولوية الآن. بالطبع سنبقى مهتمين بالقضية السورية وقضية إسرائيل وفلسطين وقضية مكافحة التطرف الإقليمي. هذه كلها أولويات لنا.
* لنختتم برسالتك لدول الخليج قبل اجتماع الدوحة أن عليهم الشعور بالأمان، وأن بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة؟
* الرسالة أن نطلعهم على كل تفصيلة في الاتفاق، وأن نشرح لهم الاتفاق كليا كي يشعروا بأنهم يفهمونه كليا، وأن يدركوا لماذا يجعلهم أكثر أمنًا ولا يعرضهم لمخاطر. الرسالة ليست فقط لإظهار تفاصيل الاتفاق لهم، بل كل الاستراتيجية حول كيف سنشترك معهم في صد كل العمليات غير الشرعية، إن كانت من إيران أو جهة أخرى، والعمل معهم من أجل الدفاع والأمن المشتركين في المنطقة.

* يوم تاريخي في واشنطن
* على الرغم من أن الحوار مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري لـ«الشرق الأوسط» كان مخصصًا للملف النووي الإيراني وسياسات واشنطن تجاه طهران، فإن بداية الحوار تطرقت إلى اليوم التاريخي الذي شهدته واشنطن، أول من أمس، مع إعادة فتح السفارة الكوبية في واشنطن، بعد 54 عامًا من إغلاقها.
وأجرت «الشرق الأوسط» الحوار مع كيري عبر الهاتف من مكتبه في مقر وزارة الخارجية الأميركية، بعد ساعات قليلة من استقباله نظيره الكوبي برونو دورديغيز، ليصبح أول وزير خارجية كوبي يزور الخارجية الأميركية منذ عام 1958. وقبل بدء الحوار، تحدثت «الشرق الأوسط» مع كيري حول اليوم التاريخي ورفع العلم الكوبي رسميًا في واشنطن بعد 5 عقود من إنزاله، ليقول: «إنه أمر مثير.. إنه أمر جيد». وأضاف كيري والارتياح ظاهر على صوته: «لقد طال الوقت لهذه الخطوة.. إنها خطوة جيدة».



منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
TT

منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)

حذّرت منصّة يمنية متخصصة في تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي، وكشفت عن بيانات تنشر لأوّل مرة عن مشروع توسع الجماعة، الذي يديره بشكل مباشر «الحرس الثوري» الإيراني، بتنسيق مع ميليشيا «حزب الله» اللبناني.

وتضمن تقرير المنصة، الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، معلومات عن خريطة التوسّع الخارجي للجماعة الحوثية بتكليف من إيران، وخريطة تهريب وتسليح الجماعة، ومفاتيح مشروع التوسّع الحوثي في القرن الأفريقي والمشرفين عليه والمنفّذين.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

ويتناول التقرير نشاط جماعة الحوثيين خارجياً في القرن الأفريقي، ابتداءً من تهريب الأسلحة وتجنيد الأفارقة ومعسكرات تدريبهم، واستخدامهم في الأنشطة الاستخبارية والإرهابية التوسّعية.

ووفق التقرير، أكدت محاضر سرية لاجتماعات ما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» التابع للحوثيين أنه جرى إسناد مسؤولية مشروع التوسّع الخارجي في القرن الأفريقي إلى القيادي عبد الواحد أبو راس، ورئيس الجهاز عبد الحكيم الخيواني، ووكيل الجهاز لقطاع العمليات الخارجية حسن الكحلاني (أبو شهيد)، والقيادي الحسن المرّاني، والقيادي أبو حيدر القحوم، بهدف تحقيق مساعي إيران في التوسّع في القارة الأفريقية والسيطرة على ممرّات الملاحة الدولية.

وأشار التقرير إلى الدور الذي يلعبه نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين الانقلابية، حسين العزّي، من خلال المصادر الدبلوماسية والشخصيات التي تعمل معه في كل من إثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتي، والسودان، وكينيا، إذ تُجرى إقامة علاقات استخباراتية وأمنية وسياسية ولوجستية مع الشخصيات والعناصر الموجودة والمقرّبة من جماعة الحوثيين في تلك الدول، والعمل على استقطاب أكبر قدر ممكن من الدبلوماسيين في السفارات اليمنية في تلك الدول.

تجهيز وتدريب

وكشفت المنصة اليمنية في تقريرها عن سعي الحوثيين لإنشاء محطات استخباراتية حسّاسة ودقيقة في كل دول القرن الأفريقي والدول المحيطة باليمن، والعمل على تجهيز وتدريب وتأهيل كوادرها في أسرع وقت ممكن؛ بهدف تفعيلها بشكل مناسب، وفي وقت مناسب، لما يحقّق أهداف ما تُسمّى «المسيرة القرآنية والمصالح المشتركة مع دول المقاومة، خصوصاً إيران، وغزة، ولبنان».

عشرات الآلاف من الأفارقة المهاجرين يصلون سنوياً إلى اليمن (الأمم المتحدة)

وأظهرت الوثائق التي أشار إليها التقرير إلى هدف الحوثيين المتمثّل في التحضير والتجهيز مع العناصر والشخصيات التي جرى إنشاء علاقة معها في أفريقيا لـ«إنجاز أعمال وتحرّكات ونشاط في البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي لمساندة الحوثيين في حال ما تعرّضوا لأي ضغوط سياسية أو دبلوماسية دولية خارجية».

واحتوى التقرير على أسماء القيادات المسؤولة عن هذا الملف، ابتداءً من المشرف في «الحرس الثوري» الإيراني المدعو أبو مهدي، وانتهاءً بمالك أصغر قارب تهريب للأسلحة في البحر الأحمر، إضافة إلى علاقة تنظيم «الشباب المجاهدين» الصومالي بجماعة الحوثيين والأفارقة ومافيا تجنيد الأفارقة وتهريبهم من وإلى اليمن، في واحدة من أخطر جرائم الاتجار بالبشر والجريمة المنظّمة.

ويؤكد تقرير منصّة تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) أن جماعة الحوثيين قامت باستقطاب وتجنيد كثير من العناصر الأفريقية من جنسيات مختلفة، خصوصاً عقب اجتياح صنعاء ومحافظات عدّة في سبتمبر (أيلول) 2014، إذ جرى إخضاعهم لدورات ثقافية وعسكرية، وتوزيعهم على جبهات القتال (تعز - الساحل الغربي - مأرب - الحدود)، وأرجع البعض إلى دولهم لغرض التوسّع في أفريقيا.

تعنت الحوثيين أدى إلى تعطيل مسار السلام في اليمن (أ.ب)

كما استقطبت الجماعة - وفق المنصة - كثيراً من الشخصيات والرموز الأفارقة المؤثّرين (قبيلة العفر - الأورومو - أوجادين) بين أوساط الجاليات الأفريقية في صنعاء (الصومالية - الإثيوبية - الإريترية) والاعتماد عليهم في الحشد والاستقطاب من اللاجئين الأفارقة الموجودين في صنعاء، وكذلك من يجري استقطابهم من مناطقهم بالقرن الأفريقي، والتنسيق لهم للوصول إلى صنعاء.

أبو راس والكحلاني

وذكرت المنصة اليمنية في تقريرها أن مسؤول ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي في الجماعة الحوثية هو عبد الواحد ناجي محمد أبو راس، واسمه الحركي «أبو حسين»، وهو من مواليد محافظة الجوف اليمنية، إذ تولّى هذا الملف بتوصية مباشرة من قبل قيادات إيرانية سياسية عليا وقيادات في «الحرس الثوري» الإيراني.

ومن أبرز الملفات التي يعمل عليها أبو راس، وفق التقرير، التنسيق مع عناصر «الحرس الثوري» الإيراني، وقيادة الحركة الحوثية للعمل الميداني، كما أنه المسؤول المباشر عن تأمين وإدخال وتهريب عناصر «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» من وإلى اليمن.

وتوارى أبو راس - وفق التقرير - عن الأنظار منذ عدة أعوام، ولكنه كان المكلّف السري بأخطر الملفات السياسية والاستخباراتية لدى جماعة الحوثي، إذ كُلّف بمهام وكيل الشؤون الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، حتى تعيين المدعو حسن الكحلاني بالمنصب نفسه، وترقية أبو راس لتولي ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي، بتوصية واتفاق مباشر بين عبد الملك الحوثي وقيادة «الحرس الثوري» الإيراني.

الحوثيون يطمحون إلى التحول إلى لاعب دولي ضمن المحور الذي تقوده إيران في المنطقة (أ.ب)

وإلى جانب أبو راس يأتي القيادي حسن أحمد الكحلاني، المُعين في منصب وكيل قطاع العمليات الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين، والمعروف بكنيته «أبو شهيد»، وهو من مواليد 1984 في محافظة حجة، ويُعد من القيادات الحوثية الأمنية البارزة؛ إذ نشأ في بيئة حوثية بين صعدة وصنعاء، والتحق بالجماعة في سن مبكّرة.

ويشير التقرير إلى أن الكحلاني كان من خلية صنعاء الإرهابية التي نفّذت عدّة تفجيرات واغتيالات عقب مقتل مؤسّس الجماعة حسين الحوثي في 2004، كما كان من القيادات التي تولت دخول صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، وتولّى قيادة المجموعة التي أصدرت توجيهاً بمنع طائرة أمريكية من الإقلاع من مطار صنعاء، بحجة تفتيشها قبل المغادرة. وعقب هذا الحادث، جرى اغتيال والده في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 على أيدي مسلّحين مجهولين يستقلون دراجة نارية في صنعاء.

ويعمل حسن الكحلاني حالياً - وفق المنصة - تحت إشراف عبد الواحد أبو راس، ويعرف ارتباطه الوثيق بـ«الحرس الثوري» الإيراني، ويحاول عبر هذه العلاقة فرض نفسه باعتباره الرجل الأول في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، الأمر الذي يعكس حالة من الصراع بينه وبين عبد الحكيم الخيواني رئيس الجهاز.

قيادات في ملف التوسع

يشير تقرير المنصة اليمنية إلى القيادي الحوثي أدهم حميد عبد الله العفاري (أبو خليل) ويذكر أنه المختص في ملف الجاليات الأفريقية الموجودة في اليمن، خصوصاً في صنعاء، إذ كُلّف بمهام التواصل المستمر والتنسيق برؤساء الجاليات (إثيوبية- صومالية - إريترية - سودانية - جيبوتية).

عناصر حوثيون في صنعاء خلال تجمع حاشد دعا له زعيمهم (أ.ف.ب)

كما يعمل العفاري على حشد العناصر الأفريقية وإلحاقهم بالدورات العسكرية والثقافية، وبعدها يجري توزيعهم على جبهات (الساحل الغربي - مأرب - الحدود - تعز)، وفي مهام استخباراتية داخل بلدانهم.

وإلى ذلك يعد العفاري، المسؤول عن التنسيق مع النقاط الأمنية التابعة للحوثيين لإدخال العناصر الأفريقية إلى مناطق الحوثيين، ويتولى أيضاً مهام أخرى، أبرزها صرف المخصّصات المالية للعناصر الأفريقية.

أما الشخص الرابع المسؤول عن ملف التوسّع الخارجي الحوثي إلى القرن الأفريقي فهو أسامة حسن أحمد المأخذي، واسمه الحركي (أبو شهيد)، وهو - وفق التقرير - أحد العناصر الحوثية العاملة في جهاز الأمن والمخابرات، وملف المسار الأفريقي، وتتلخّص مهمته في التنسيق مع الشخصيات الأفريقية المؤثّرة في كل من (الصومال - إثيوبيا - إريتريا - جيبوتي - السودان) من أجل حشدهم لتدريبهم وتأهيلهم، وإلحاقهم بصفوف ميليشيا الحوثي، بصفتهم مقاتلين وعاملين في الدول القادمين منها، وبصفتهم عناصر استخباراتية، تقوم بمهام مختلفة، منها نشر الفكر الحوثي، والقيام بالعمليات الاستخباراتية، وتهريب الأسلحة، والاتجار بالبشر، ونقل المخدرات عبر البحر من وإلى القرن الأفريقي واليمن.

الجماعة الحوثية متهمة بتجنيد اللاجئين الأفارقة بالترغيب والترهيب (الأمم المتحدة)

إلى ذلك أورد التقرير أسماء 16 شخصية أفريقية، هم أبرز المتعاونين مع الجماعة الحوثية للتوسع في القرن الأفريقي، يتصدرهم، تاجو شريف، وهو مسؤول عن الجالية الإثيوبية في صنعاء، والتحق بدورات ثقافية حوثية، ويعمل على استقطاب وتجنيد عناصر أفريقية لصالح العمل العسكري والاستخباراتي الحوثي.

ويرى التقرير في توصياته أن التوسع الحوثي في القرن الأفريقي يمثل تهديداً كبيراً يستدعي تحركاً دولياً وإقليمياً عاجلاً، من خلال خطة رادعة متكاملة توقف التوسع والنشاط الخارجي بشكل كامل، وبما يعزز الاستقرار والأمن في المنطقة.