مجلس الأمن الدولي يقر الاتفاق النووي.. ومندوبة واشنطن تؤكد: لا يبدد كل قلقنا

طهران ترفض تأكيد برلين أن أمن إسرائيل يشكل شرطًا لعلاقات جيدة بينهما

تصويت برفع الأيدي على قرار المصادقة على الاتفاق النووي مع إيران في مجلس الأمن الدولي أمس (أ.ب)
تصويت برفع الأيدي على قرار المصادقة على الاتفاق النووي مع إيران في مجلس الأمن الدولي أمس (أ.ب)
TT

مجلس الأمن الدولي يقر الاتفاق النووي.. ومندوبة واشنطن تؤكد: لا يبدد كل قلقنا

تصويت برفع الأيدي على قرار المصادقة على الاتفاق النووي مع إيران في مجلس الأمن الدولي أمس (أ.ب)
تصويت برفع الأيدي على قرار المصادقة على الاتفاق النووي مع إيران في مجلس الأمن الدولي أمس (أ.ب)

تبنى مجلس الأمن الدولي أمس، قرارا بالإجماع يصادق على الاتفاق النووي المبرم بين إيران والقوى الكبرى ويمهد الطريق أمام رفع العقوبات الدولية عن طهران. وصوت مندوبو الدول الـ15 الأعضاء في المجلس برفع الأيدي.
وقال سفير نيوزيلندا جيرارد فان بوهيمن الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي بعد التصويت: «لقد تم اعتماد مشروع القرار بالإجماع».
واعتماد القرار يشكل مصادقة للأمم المتحدة على الاتفاق النووي التاريخي الذي أبرم بين إيران والقوى الكبرى في 14 يوليو (تموز) بعد 18 يوما من المفاوضات الماراثونية في فيينا. وبحسب نص القرار، سيتم وقف العمل تدريجيا بسبعة قرارات صادرة عن المجلس منذ 2006 تتضمن عقوبات على إيران، بشرط احترام إيران الاتفاق حرفيا. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، يطلق تبني القرار عملية تدريجية ومشروطة لرفع العقوبات عن إيران مقابل ضمانات بأنها لن تطور قنبلة ذرية. ويدعو القرار إلى «تطبيق كامل للجدول الزمني الوارد» في الاتفاق المبرم في فيينا ويحث الدول الأعضاء على تسهيل العملية.
وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامنتا باور أن «هذا الاتفاق لا يبدد كل قلقنا لكنه في حال طبق سيجعل العالم أكثر أمانا». ودعت طهران إلى «اقتناص هذه الفرصة» واعدة بأن الولايات المتحدة ستساعد طهران، في حال قامت بذلك، على «الخروج من عزلتها».
وفي وقت سابق أمس، وافق الاتحاد الأوروبي على الاتفاق النووي على أمل أن يرسل مؤشرا يتبعه الكونغرس الأميركي. وفي رسالة تستهدف بشكل رئيسي الأصوات المتشككة في الكونغرس الأميركي والمقاومة القوية من إسرائيل شدد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل على أنه لا يوجد حل أفضل آخر متاح. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس: «إنه اتفاق متوازن يعني أن إيران لن تحصل على قنبلة نووية.. إنه اتفاق سياسي كبير».
وحسب وكالة «رويترز»، ترك الوزراء تفاصيل موافقتهم لما بعد تصويت مجلس الأمن الدولي الذي كان مقررا في وقت لاحق 13:00 بتوقيت غرينتش لكنهم التزموا رسميا برفع العقوبات تدريجيا مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
وفي أعقاب الاتفاق في فيينا وافقت إيران على قيود طويلة الأجل على برنامجها النووي الذي يشتبه الغرب في أنه يهدف لإنتاج قنبلة نووية لكن طهران تقول إنه سلمي. وقال دبلوماسيون أوروبيون إن الاتحاد الأوروبي سيواصل حظر إمداد إيران بتقنية الصواريخ الباليستية إلى جانب العقوبات المفروضة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. وقال دبلوماسي غربي كبير مشارك في الاتفاق إن مزيجا من القيود وآلية التحقق يكفي لضمان أن إيران لن تحصل على قنبلة نووية. وأضاف المسؤول: «طموحنا هو دمج البرنامج النووي الإيراني في إطار التعاون الدولي».
وحصل الكونغرس الأميركي على نسخة من الاتفاق النووي أول من أمس وأمامه 60 يوما بدءا من أمس لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيوافق على الاتفاق أم سيرفضه.
ويحرص الاتحاد الأوروبي على اعتبار إيران مصدرا بديلا للطاقة في وقت يسود فيه التوتر مع روسيا وقد يلجأ إلى إعادة فتح مكتبه في طهران ويسعى وراء فرص استثمار في البلاد. وقال وزير خارجية النمسا سباستيان كورتس الذي يعتزم زيارة إيران في سبتمبر (أيلول): «اتفاق إيران النووي له آثار جيو سياسية وكذلك اقتصادية على الاتحاد الأوروبي».
وتوجه سيغمار غابريال، نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الاقتصاد، إلى إيران أول من أمس الأسبوع ليصبح أول مسؤول كبير من حكومة غربية كبيرة يزور إيران منذ إبرام الاتفاق. لكن مهمته اصطدمت برفض طهران لتأكيد الوزير الألماني في خطاب بطهران أمس أن أمن إسرائيل يشكل شرطا لعلاقات جيدة بين إيران وألمانيا. وقال غابريال الذي كان يتحدث بحضور وزير النفط الإيراني بيجان نمدار زنجنة: «يجب أن تدركوا أنه بالنسبة لنا نحن الألمان، أمن إسرائيل يكتسي أهمية كبرى. أدرك مدى صعوبة النقاش ونحن في ألمانيا نعتقد أيضا ان الفلسطينيين لهم الحق في إقامة دولتهم». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن غابريال قوله إن «علاقات جيدة مع ألمانيا تعني أنه يجب عدم تهديد أمن إسرائيل».
لكن الناطقة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم أكدت مجددا على المواقف المختلفة للبلدين بخصوص إسرائيل. وقالت كما نقلت عنها وكالة الأنباء الطلابية «مواقفنا مختلفة تماما مع ألمانيا حول المسائل الإقليمية، وخلال السنوات الـ35 الماضية عبرنا عدة مرات عن مواقفنا بشكل واضح جدا». وأضافت: «بالطبع سنعبر عن قلقنا بخصوص التهديدات القائمة بما يشكل تهديدات النظام الصهيوني» خلال المحادثات مع غابريال.
واتفق الوزراء الأوروبيون في تصريحات قبيل اجتماعهم في بروكسل أمس على أن الاتفاق سيسهم في بناء الثقة بين طهران والعواصم العالمية الكبرى، وأيضا مع دول الجوار. وأشار البعض منهم إلى أن الاتفاق نقطة بداية لبناء الثقة ويرد على المخاوف الأمنية حيث يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، حسب ما جاء على لسان فيدريكا موغيريني منسقة السياسة الخارجية الأوروبية، التي أضافت أن الاتفاق مع إيران ليس مبنيا على الثقة وإنما سيؤدي إلى الثقة. وأعربت المسؤولة الأوروبية عن أملها في أن يؤدي الاتفاق إلى تحسين مناخ التعاون لحل أزمات المنطقة، بعد أن أثبتت المفاوضات الأخيرة أن الدبلوماسية والتصميم يؤديان إلى نتائج.
بدوره، قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، إن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي جاءوا لمناقشة مدى تأثير الاتفاق النووي الإيراني على منطقة الشرق الأوسط. وقال شتاينماير للصحافيين: «إن المسؤوليات الأوروبية لا تنتهي بالتوقيع على وثيقة الاتفاق.. ما يهم هو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وهذا يبدأ من اليوم (أمس) بقرار مجلس الأمن الدولي». وأكد ضرورة أن تكفل الخطوة الأولى سريان مفعول ما تم الاتفاق عليه في المستقبل وهو الحيلولة دون حصول إيران على سلاح نووي والاقتصار على الاستخدام السلمي والتجاري للبرنامج النووي. وأضاف أن وزراء الاتحاد الأوروبي يركزون على مدى تأثير الاتفاق على المنطقة ككل، مشيرًا إلى أنه يمكن أن يؤدي إلى «فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الدول في الشرق الأوسط». كما أعرب وزير الخارجية الألماني عن أمله في أن يستخدم الاتفاق النووي الإيراني مثالا لإمكانية نزع فتيل الأزمة السورية «حتى ولو كنا بعيدين عن إمكانية التوصل إلى حل قريب».
أما وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند فقال إن وزراء الكتلة الأوروبية يركزون على كيفية تنفيذ الاتفاق النووي «بشكل صحيح وفعال» لضمان عدم إنتاج إيران سلاحا نوويا وبحث إمكانية تغيير العلاقات مع طهران إلى جانب علاقات إيران مع دول المنطقة. وأعرب هاموند عن أمله في أن تكون طهران في تعاملها مع قضايا المنطقة أكثر إيجابية وتتصرف بصفتها «قوة بناءة»، مشيرًا إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن وخصوصا أن العلاقات الإيرانية - الأوروبية «أقل صعوبة» على عكس علاقات طهران بالولايات المتحدة.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»