الإبحار في عالم السينما منذ زمن الأسود والأبيض، مروراً بأعمال منتجين سينمائيين تركوا بصمتهم على السينما العربية، هو هدف مهرجان «اللقاء الثاني».
فالحفاظ على هذا الإرث من خلال تاريخ طويل وغنيّ شهدته هذه الصناعة عربياً يضعه «اللقاء الثاني» تحت المجهر. فيزيل الغبار عنها كي تستعيد بريقها الذي فقدته مع مرور الزمن.
انبثقت فكرة «اللقاء الثاني» من فعالية سينمائية نظمتها جمعية «متروبوليس سينما» في عام 2015، يومها سلّطت الضوء على منتجين سينمائيين لبنانيين ورؤيتهم الإبداعية وتأثيرهم الفني، كآسيا داغر وجان بيار رسّام وغبريال بستاني.
واليوم تعود هذه الفعالية بعد أن تم تطوير فكرتها وإعدادها والأعمال المعروضة فيها، فتوسعت لتشمل منتجين سينمائيين لبنانيين وعرباً دفع بـ«متروبوليس» لإطلاقها تحت عنوان «مهرجان اللقاء الثاني». وهو يشكّل دعوة لهواة السينما لاكتشاف الأرشيف السينمائي والتفاعل معه وطرح المساءلات حوله. وبذلك يصبح هذا المهرجان السينمائي بمثابة جسر تواصل بين سينما الماضي وحاضرنا بطريقة مبتكرة.
تنطلق أيام «اللقاء الثاني» في 20 يناير (كانون الثاني) الجاري لغاية 26 منه، ويطل هذه السنة على أفلام قديمة مصرية ومغربية ولبنانية. كما يتضمن ندوات وحوارات يتم التطرق فيها إلى موضوعَي البحث والترميم المتعلقَين بأرشيف الأفلام.
وتشير نور عويضة، نائبة مديرة جمعية «متروبوليس» ومديرة مشروع «سينماتيك بيروت»، إلى أنه يتضمن هذه السنة تحية تكريمية للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب التي رحلت في عام 2019، ويتضمن المهرجان عرضاً لـ12 عملاً سينمائياً لها، إضافةً إلى ثلاثة أخرى لمخرجين مغربيين وللمصري الراحل يوسف شاهين.
وتتابع في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الفكرة التي استوحتها (سينماتيك) من فعالية (اللقاء الثاني) لجمعية (متروبوليس)، مخصصة لأفلام قديمة مؤرشفة ومرممة. فهي أعمال سينمائية تحكي تاريخنا السينمائي العربي واللبناني وتطل على حيثيات عملية تطوره مع الوقت».
يُفتتح المهرجان بفيلم «الاختيار» ليوسف شاهين ومن إنتاج عام 1970، وقد أُعيد ترميمه حديثاً من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي. ويحكي قصة حول مرض انفصام الشخصية حيث تكتشف الشرطة في بداية الفيلم جثة مجهولة الهوية، وسرعان ما تحدد هويتها لشخص اسمه «محمود» وتحوم شكوك رجال المباحث المكلفين بالقضية حول شقيق المغدور بأنه القاتل. وهو من بطولة عزّت العلايلي وسعاد حسني وهدى سلطان. وتبلغ مدته 110 دقائق ويُعرض في سينما «موانتاين» في المعهد الثقافي الفرنسي. ويتم في اليوم التالي 21 الجاري عرض فيلم «رسالة من بيروت» لجوسلين صعب وذلك في سينما «غالاكسي».
ويخصص المهرجان للمخرجة الراحلة صعب استعادة لـ12 فيلماً من توقيعها بالشراكة مع جمعية جوسلين صعب. فهذه الجمعية التي وُلدت إثر رحيلها، عملت على ترميم وأرشفة أفلام تُعرض لأول مرة في لبنان. وتوضح عويضة: «خلال عمل جمعية صعب اكتشفت عمليات إنتاج بصيغة جديدة لم يسبق أن عُرضت من قبل. وهو ما يثمّن هذه العروض ويضفي عليها قيمة سينمائية وإنسانية، ترتبط ارتباطاً مباشراً بجوسلين صعب. وهذه الأفلام المرممة حديثاً هي من نوع الوثائقي، كانت صعب قد أنتجتها خلال فترة الحرب اللبنانية (1974 - 1982). وتشير عويضة إلى أن عملية ترميم مجموعة أفلام صعب استغرقت نحو أربع سنوات متتالية».
لكل فيلم قصته في العودة إلى الحياة
تؤكد عويضة لـ«الشرق الأوسط» أن وراء كل فيلم مرمَّم قصة ولادة لا تشبه غيرها. «بعضها تم اكتشافها بالصدفة وأخرى تطلبت بحثاً دقيقاً في أرشيف سينمائي واسع. وهو ما جعل كل شريط يعيش رحلة خاصة به».
ويأتي فيلم «أحداث بلا دلالة» للمخرج المغربي مصطفى الدرقاوي نموذجاً لهذه الولادات القيصرية الصعبة. وعرضه في «اللقاء الثاني» هو لأول مرة بعد عرض واحد ويتيم جرى في عام 1974، يومها خضع للرقابة من الحكومة المغربية وفُقد منذ ذلك الوقت. ولكن اكتشاف شريطه «النيغاتيف» بالصدفة في إسبانيا دفع بشركة «فيلموتيكا دي كاتالوني» إلى ترميمه بالشراكة مع «المرصد، فن وبحث» في المغرب.
وسيُعرض هذا الفيلم إضافةً إلى آخر من البلد نفسه للمخرج المغربي علي الصافي بعنوان «قبل زحف الظلام»، وهو من إنتاج عام 2020.
وبموازاة عروض الأفلام، يتضمّن المهرجان ندوات وحوارات من تقديم ليزابونا رحمن، وماتيلد روكسيل وأناييس فارينز، ويتم التطرق فيها إلى الجوانب المختلفة للبحث والترميم المتعلق بأرشيف الأفلام.
وتستضيف عروض أفلام المهرجان وفعالياته صالة سينما «مونتاين» في المعهد الفرنسي في لبنان، وصالات سينما «غالاكسي» والمعهد الألماني للأبحاث الشرقية.
جوسلين صعب في المركز الفرنسي
بموازاة مهرجان «اللقاء الثاني» ينظم المعهد الفرنسي معرض «نظرتي» ويستمر لغاية 2 فبراير (شباط) المقبل. ويدعو لاكتشاف ثلاث تجارب رقمية وتذكارية بالتعاون مع مؤسسة «أمم للتوثيق والأبحاث». وتأتي هذه التجهيزات نتيجة ورشة عمل جماعية حول الأرشيف السمعي البصري اللبناني. وتقدم رؤية إبداعية من الماضي نحو المستقبل. وتوضح عويضة: «في هذا المعرض سنقف على نتاج ورشة عمل نظمها المعهد ودعا إليها 9 فنانين من سينمائيين ومخرجين وباحثين وجرت بالتعاون مع (استوديو بعلبك)».
كما يقام من ناحية ثانية معرض «جوسلين صعب أثناء العمل»، الذي أنتجته جمعية جوسلين صعب. ويهدف إلى عرض مواد أرشيفية حول أفلام جوسلين صعب. فيجتمع فيه أرشيف ورقي وصوري ومقتطفات مصورة تكشف عن المسيرة الإبداعية لجوسلين.
«اللقاء الثاني» اسم على مسمّى، حيث يلتقي الجمهور في هذا المهرجان أفلاماً سينمائية مرة جديدة بعد مرور سنوات على إنتاجها. ويُنظَّم هذا المهرجان ضمن مشروع «سينماتيك بيروت» بدعم من السفارة النرويجية في بيروت وشبكة «الشاشات العربية البديلة».