روسيا تستعد لمواجهة السلاح الغربي الثقيل... وتستحضر الحرب العالمية

دفاعات جوية على أسطح مباني موسكو وتلويح بتصعيد نووي

منظر عام للعاصمة الروسية موسكو (رويترز)
منظر عام للعاصمة الروسية موسكو (رويترز)
TT

روسيا تستعد لمواجهة السلاح الغربي الثقيل... وتستحضر الحرب العالمية

منظر عام للعاصمة الروسية موسكو (رويترز)
منظر عام للعاصمة الروسية موسكو (رويترز)

لا يجد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مفاوضاً من الطرف الآخر، ولا موضوعاً للنقاش مع روسيا «الحالية»، وفق تصريحاته الأخيرة في منتدى «دافوس»، وهو ينطلق من قانون أقرّه بنفسه، يحظر التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويحدد شروطاً للحديث مع أي محاور روسي آخر. لا تقبل أوكرانيا، وفق تصريحاتها، أدنى من اعتراف روسي بهزيمة كاملة واستعداد لتلقي العقاب.
في المقابل، لا تجد روسيا من تتفاوض معه في أوكرانيا، وتضع شروطها أيضاً للسلام. القيادة الحالية في كييف، وفق رأي موسكو، «صنيعة الغرب»، و«هو يقرر على ماذا وكيف يمكن أن تتفاوض»، على ما جاء في تصريحات الوزير سيرغي لافروف. والأهم من ذلك، أن موسكو لن تقبل بمفاوضات «آنية» تتناول وقف الصراع على أوكرانيا وفيها فقط. فهي تريد حواراً «شاملاً وندياً» مع الغرب، يحسم ملف الأمن الاستراتيجي في أوروبا، بما في ذلك على صعيد إزالة كل البنى التحتية لحلف «الناتو» من حول روسيا، ويمنح ضمانات مكتوبة تراعي مصالحها الاستراتيجية.
على خلفية الموقفين التعجيزيين لكل من كييف وموسكو، يجتمع اليوم «الغرب الجماعي»، وفقاً للمصطلح الذي بات الأكثر رواجاً في أروقة السياسة الروسية حالياً، ليبحث نقل الصراع إلى «مستوى جديد» وفق تعبير الكرملين، عبر تزويد كييف بأسلحة ثقيلة ستكون قادرة هذه المرة على استهداف العمق الروسي.
قبل أسابيع معدودة من وصول الحرب التي كان يجب أن تكون خاطفة، لإغلاق عامها الأول، يحبس العالم الذي تغيّرت معالمه كثيراً الأنفاس، وهو يراقب مسار الانزلاق نحو توسيع المواجهة.
تعقد الدول الداعمة لكييف عسكرياً اجتماعاً مفصلياً في ألمانيا، اليوم (الجمعة)، قال زيلينسكي، إنه يتوقع أن تصدر عنه «قرارات قوية»، مثل إرسال مركبات مدرَّعة ثقيلة لمساعدة بلاده في المعارك الحاسمة المقبلة مع روسيا.
وقبل ساعات قليلة من هذا الاجتماع الذي يُعقد في قاعدة «رامشتاين» الأميركية، أعلنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد والدنمارك عن شحنات جديدة كبيرة من الأسلحة إلى أوكرانيا.
بهذه الشريحة الجديدة، يرتفع إجمالي المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا إلى 26.7 مليار دولار منذ بدء الحرب.
في الوقت ذاته، يزيد الجدال حول تقديم دبابات ثقيلة وأنظمة صاروخية جديدة إلى كييف.
رد الكرملين الاستباقي، جاء على لسان الناطق الرئاسي ديميتري بيسكوف الذي حذر من «تطور خطر ينقل الصراع إلى مستوى جديد»، بينما قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف، إن «القوى النووية لا تُهزم في النزاعات الكبرى التي يتوقف عليها مصيرها».
استحضر مدفيديف الذي غدا أحد أبرز «صقور» الحرب الأوكرانية، شبح المواجهة النووية مجدداً، رافعاً من لهجة التحذير، وهو أمر سرعان ما انبرى الكرملين لتثبيته من خلال إشارة بيسكوف إلى أن «تصريحات مدفيديف تنطلق من جوهر العقيدة النووية الروسية».
يقف العالم إذن أمام منعطف خطير. خلال الأسابيع القليلة الماضية كان خبراء في موسكو قد أعربوا عن تفاؤل حذر، على وقع التقدم الميداني في دونباس، والسيطرة على سوليدار والانتقال إلى باخموت ومحيطها؛ تمهيداً لحسم معركة دونباس كاملة. قام التفاؤل على فكرة أن الكرملين يحتاج بعد مرور عام على «العملية العسكرية الخاصة» إلى تسجيل «انتصار» ملموس، يقوم على تكريس الأمر الواقع العسكري في دونباس سياسياً، من خلال هدنة تثبت خطوط التماس الجديدة.
لكن هذا الخيار، ما زال يبدو صعباً، مع التشدد الذي يظهر في المواقف الأوكرانية والغربية.
لذلك؛ جاء استحضار فكرة المواجهة الشاملة، وذكريات الحرب العالمية الثانية.
وبدا أن موسكو بدأت تحشد الوضع داخلياً وفي المحيط القريب؛ تحضيراً للسيناريو الأسوأ في حال واصل الغرب تسليح أوكرانيا ومدها بسلاح ثقيل قد يؤثر على مجريات القتال في دونباس ومحيطها.
ولم يكن غريباً أن يستحضر الرئيس الروسي مقارنات مع الحرب «الوطنية العظمى» عندما تحدث عن المواجهة الحالية أمام حشد من القادة العسكريين قبل يومين. قال بوتين في اجتماع مع قدامى المحاربين في الذكرى الـ80 لرفع الحصار عن لينينغراد، إن «الحرب الوطنية العظمى شهدت مشاركة العديد من الجنسيات لقوات الاحتلال ضد روسيا». وأضاف عاقداً مقارنة مع الوضع الحالي «كان الأمر دائماً كذلك، يكفي فقط إعادة قراءة (الحرب والسلام) لليف تولستوي لنرى كيف تجمعت الجنسيات المختلفة من أوروبا لتواجه روسيا في الحرب الوطنية عام 1812، حيث وضع نابليون بونابرت تحت سيطرته كل قوات أوروبا».
ووفقاً لبوتين، فقد تكرر ذلك في الحرب العالمية الثانية 1941 - 1945، بعد أن أخضع هتلر كل أوروبا لسيطرته.
العبارات نفسها، تقريباً، كان وزير الخارجية لافروف يرددها في وقت متزامن، فهو اتهم الولايات المتحدة بالاقتداء بالزعيم النازي، والقائد الفرنسي نابليون بونابرت، في محاولتها حشد الدول الأوروبية ضد بلاده، لخوض حرب بالوكالة عن واشنطن.
اللافت في حديث لافروف، إشارته إلى مواجهة بلاده «حرباً كونية جديدة»، وقوله، إن ما حدث في أوكرانيا هو «نتيجة التحضيرات التي قامت بها واشنطن وحلفاؤها على مدى سنوات طويلة، لشن حرب كونية هجينة على روسيا».
موسكو تبدو مقتنعة، وفقاً للافروف، بأن حرب أوكرانيا هي مجرد مقدمة رتّب لها «الغرب الجماعي» في إطار استراتيجية كاملة تهدف إلى إيجاد «حل نهائي للمسألة الروسية» من خلال «إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا».
هذا المدخل لتفسير الحرب الجارية يؤكد، كما يقول خبراء، أن أي هدنة محدودة في أوكرانيا حتى لو نجحت أطراف وسيطة في التوصل إليها (وهو أمر مستبعد حالياً) لن تكون قادرة على إنهاء المواجهة المتصاعدة، وأن للحرب الحالية ما يليها من حسم مطلوب لكل الأطراف.
على هذه الخلفية جاء تكرار الحديث عن تهديد الانزلاق نحو استخدام السلاح النووي، وأيضاً عن ترتيبات قوية تقوم بها موسكو لتعزيز جبهتها في مواجهة السيناريوهات المقبلة.
في هذا الإطار، أعلنت موسكو، أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، بحث، الخميس، مع نظيره البيلاروسي مجموعة من إجراءات «الردع الاستراتيجي»، ورزمة من التحركات لإعداد وتجهيز مجموعة القوات المشتركة. ويجب التذكير هنا بأن بيلاروسيا كانت قد أعلنت في وقت سابق أنها ستمنح موسكو مجالاً لنشر أسلحة نووية على أراضيها في حال تزايدت المخاطر على البلدين. هكذا يمكن فهم المقصود بعبارة «إجراءات الردع الاستراتيجي».
بعد محادثات وزيري الدفاع، وجولة محادثات لوزيري الخارجية أيضاً، أعلنت موسكو ومينسك أنهما مستعدتان «لأي سيناريوهات» من «الجيران الغربيين».

ماذا تبقى من مؤشرات توقع الأسوأ؟

على أعتاب اكتمال العام الأول للحرب في أوكرانيا، «تبدو العاصمة موسكو وكأنها تنتظر مفاجآت من السماء». هكذا نقلت وسائل إعلام خبر نشر أنظمة دفاع جوية فوق اسطح المباني في وسط العاصمة الروسية موسكو، وهو أمر لم تؤكده السلطات الروسية رسمياً.
تناقلت وسائل إعلام صور أقمار صناعية أظهرت نشر منظومات صاروخية من طراز «بانتسير» فوق أبنية تحيط بالكرملين.
و«بانتسير» سلاح دفاعي فعال قصير المدى، وتم تجريبه بقوة وتحديثه بناء على «التجربة السورية» وهو يشكل مع الأنظمة متوسطة المدى التي تحمي العاصمة الروسية تقليدياً درعاً متكاملة. ونشره في حال صحت تلك المعطيات يعني الاستعداد لتهديد مباشر، مثل أن يتعرض وسط العاصمة لهجمات باستخدام طائرات مسيّرة أو صواريخ موجهة.
على ذمة ما تداولته التقارير الإعلامية، فإن من بين المباني ظهر مقر وزارة الدفاع الروسية، ومبنى آخر من ثمانية طوابق تستخدمه الوزارة على طول نهر موسكو. وأظهر مقطع فيديو آخر أنظمة «بانتسير» على سطح مبنى تعليمي في منطقة تاغانكا، على بعد كيلومترين جنوب شرقي الكرملين.


مقالات ذات صلة

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

أوروبا رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف (رويترز)

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

نقلت «وكالة الإعلام الروسية» عن رمضان قديروف رئيس الشيشان قوله اليوم الأربعاء إن طائرة مسيّرة أطلقتها أوكرانيا هاجمت العاصمة غروزني وتسببت في سقوط مدنيين.

«الشرق الأوسط» (غروزني)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (رويترز)

«الناتو» يدعو الغرب لتوفير «دعم كافٍ» لأوكرانيا لـ«تغيير مسار» الحرب

حضّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، الأربعاء، أعضاء الناتو على تزويد أوكرانيا بما يكفي من أسلحة لـ«تغيير مسار» الحرب.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

حذر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» ترمب من أن الولايات المتحدة ستواجه «تهديداً خطيراً».

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي أشخاص ورجال إنقاذ سوريون يقفون بالقرب من أنقاض مبنى في موقع غارة جوية على حي في مدينة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في شمال سوريا، 2 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحمّل روسيا وإيران مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا

قالت أوكرانيا، الاثنين، إن روسيا وإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، حيث سيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها على مساحات واسعة من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في أثينا 26 أكتوبر 2020 (رويترز)

لافروف يتهم الغرب بالسعي إلى وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الدول الغربية، الاثنين، بالسعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بهدف إعادة تسليح كييف بأسلحة متطورة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

التحقيق مع مدعي «الجنائية الدولية» بعد مزاعم عن «سوء سلوك جنسي»

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
TT

التحقيق مع مدعي «الجنائية الدولية» بعد مزاعم عن «سوء سلوك جنسي»

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)

تم اختيار مراقب من الأمم المتحدة لقيادة تحقيق خارجي في مزاعم سوء سلوك جنسي ضد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، وفقا لما علمته وكالة أسوشيتد برس أمس الثلاثاء.

ومن المرجح أن يثير هذا القرار مخاوف تتعلق بتضارب المصالح نظرا لعمل زوجة المدعي العام السابق في الهيئة الرقابية.

وقدم خان تحديثات حول التحقيقات الحساسة سياسيا التي تجريها المحكمة في جرائم حرب وفظائع في أوكرانيا وغزة وفنزويلا، وغيرها من مناطق النزاع خلال اجتماع المؤسسة السنوي هذا الأسبوع في لاهاي بهولندا. لكن الاتهامات ضد خان خيمت على اجتماع الدول الأعضاء الـ124 في المحكمة الجنائية الدولية.

فقد كشف تحقيق لوكالة أسوشيتد برس في أكتوبر (تشرين الأول) أنه بينما كان خان يعد أمر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو، كان يواجه في الوقت ذاته اتهامات داخلية بمحاولة الضغط على إحدى مساعداته لإقامة علاقة جنسية معها، واتهامات بأنه تحرش بها ضد إرادتها على مدار عدة أشهر.

وفي اجتماع هذا الأسبوع، قالت بايفي كاوكرانتا، الدبلوماسية الفنلندية التي تترأس حاليا الهيئة الرقابية للمحكمة الجنائية الدولية، للمندوبين إنها استقرت على اختيار مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية، حسبما أفاد دبلوماسيان لوكالة أسوشيتد برس طلبا عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة المحادثات المغلقة.

وأعربت منظمتان حقوقيتان مرموقتان الشهر الماضي عن قلقهما بشأن احتمال اختيار الأمم المتحدة لهذا التحقيق بسبب عمل زوجة خان، وهي محامية بارزة في حقوق الإنسان، في الوكالة في كينيا بين عامي 2019 و2020 للتحقيق في

حالات التحرش الجنسي. وقال الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان ومبادرات النساء من أجل العدالة القائمة على النوع، في بيان مشترك إنه يجب أن يتم تعليق عمل خان أثناء إجراء التحقيق، ودعتا إلى «التدقيق الشامل في الجهة أو الهيئة المختارة للتحقيق لضمان عدم تضارب المصالح وامتلاكها الخبرة المثبتة».

وأضافت المنظمتان أن «العلاقة الوثيقة» بين خان والوكالة التابعة للأمم المتحدة تتطلب مزيدا من التدقيق. وقالت المنظمتان: «نوصي بشدة بضمان معالجة هذه المخاوف بشكل علني وشفاف قبل تكليف مكتب الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة بالتحقيق».