«داعش» يستخدم «فتاوى النفط» لتأسيس دولة في وسط ليبيا

انتقل إلى سرت واستغل «غياب» بلمختار لتوسيع نفوذه

«داعش» يستخدم «فتاوى النفط» لتأسيس دولة في وسط ليبيا
TT

«داعش» يستخدم «فتاوى النفط» لتأسيس دولة في وسط ليبيا

«داعش» يستخدم «فتاوى النفط» لتأسيس دولة في وسط ليبيا

في محيط مدينة سرت الليبية، يمكنك الاستماع من فقهاء تنظيم داعش ومقاتليه إلى خطب من نوع جديد ليست عن تطبيق الشريعة، كما كان يجري في السابق، ولكن عن اقتراب التنظيم من تصدير النفط عبر وسطاء في البحر المتوسط، رغم أن هذا أمر يبدو بعيدا عن الواقع.
هذا «الخطاب»، كما يقول لـ«الشرق الأوسط» كامل عبد الله، المحلل المتخصّص في شؤون شمال أفريقيا في {مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية}، موجَّه في الأغلب إلى المقاتلين الأجانب لإغرائهم بالقدوم إلى ليبيا والانضمام للتنظيم الذي يحارب الجيش والسلطات الشرعية، وله علاقات بتنظيمات متطرفة أخرى داخل البلاد وخارجها.

إلا أن لعب «داعش» على الوتر الاقتصادي والآمال التي أصبح يرسمها عن قدرته في الهيمنة على النفط الليبي، أخذت تؤتي أكلها - على ما يبدو - في أوساط الشباب المحلي العاطل عن العمل في وسط البلاد، والمحبط من انسداد العملية السياسية، خاصة أن هذا الأمر ظهر بعد محاولة كسر شوكة تنظيم «القاعدة» بواسطة الغارة الأميركية على قيادي «القاعدة» الجزائري مختار بلمختار في جنوب بلدة إجدابيا الليبية قبل شهر.
الاقتصاد الليبي، الذي يبلغ حجمه وفقا لإحصاءات 2010 نحو 80 مليار دولار، يعتمد على صادرات النفط بشكل شبه كامل. وتوجد لعدة شركات دولية من بلدان مثل أميركا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا، حقوق في حقول ومصافي النفط منذ عهد القذافي، إلا أن الفوضى الأمنية التي ضربت البلاد تؤخر استثمارها أو الاستفادة منها، ما كبد تلك الشركات خسائر ضخمة. واعتاد «داعش» في العراق وسوريا بيع ما يسيطر عليه من نفط بأسعار بخسة عبر وسطاء في السوق السوداء، واليوم يبدو أنه يلوح بتكرار التجربة في ليبيا أغنى البلاد الأفريقية في مخزون النفط والغاز.
خليط من الليبيين والمهاجرين العرب والأجانب، يصلون هذه الأيام إلى ميناء سرت عبر البحر ومن الحدود الأفريقية، ويرفعون الرايات السوداء للاشتراك في تأسيس دويلة «داعشية» في وسط ليبيا. ووفق كلام إبراهيم عميش، النائب في البرلمان الليبي، لـ«الشرق الأوسط» فإن «داعش» يتمدد، و«نخشى من تسببه في تقسيم البلاد». وتأتي هذه التطورات بعد تعرّض «داعش» لهزيمة كبيرة في معقله الذي عرف به منذ البداية في مدينة درنة الواقعة على البحر المتوسط. لكنه انتقل سريعًا إلى سرت، وهي مدينة ساحلية مثل درنة، تقع على بُعد نحو 600 كيلومتر إلى الغرب من درنة و400 كيلومتر شرق طرابلس، مستغلا على ما يبدو غياب جماعة بلمختار.
ويتساءل المستشار في الجيش الليبي صلاح الدين عبد الكريم قائلا: لماذا استهدف الأميركيون بلمختار وتركوا قيادات «داعش» التي تتحرك تحت سمع وبصر القوات الدولية المراقبة في البحر المتوسط. وهو ينظر إلى مسألة تمدد داعش في سرت بريبة كبيرة.. ويقول: «هذا مخطط دولي مستمر لتدمير ليبيا».
تغيير «داعش» خطابه وتوسعه في وسط البلاد، يرتبط أيضا بتغييرات حصلت على الأرض في الشهور الأخيرة. ومن المعروف أن أكبر قوة تمكَّن المتطرفون في ليبيا من تكوينها، بعد قوة «فجر ليبيا» التي تتمركز في العاصمة طرابلس، هي تلك التي تعرف باسم «القوة الثالثة» الموجودة في وسط وجنوب البلاد. وكانت حتى أسابيع قليلة مضت تتسع لخليط من المتشددين من مذاهب وجنسيات مختلفة، بينهم فرع تنظيم القاعدة وقائده بلمختار، وموالون لتنظيم داعش بقيادة رجل غامض، مالي الجنسية، يدعى انتهمدين الأنصاري.
ولعبت الظروف دورها لتعديل الوقائع على الأرض، بما فيها نقص الأموال لدى السلطات الشرعية وتعثر عمليات تصدير النفط. على أي حال وقعت، بعد ذلك، خلافات شديدة بين الرجلين، بلمختار والأنصاري أعقبها توجيه الولايات المتحدة لضربة جوية على اجتماع لبلمختار. ويقول النائب عميش، الذي يشغل موقع رئيس لجنة العدل والمصالحة الوطنية في البرلمان الليبي، إنه من المستغرب أن يجري استهداف بلمختار فقط من جانب الولايات المتحدة، رغم وجود قادة أكثر خطورة منه، من «داعش» وغير «داعش».
وهذه المتغيرات الجارية على قدم وساق، جاءت بالتزامن مع تغيير تنظيم داعش في سرت لغته، وبدلا من التركيز على الشعارات التي تتحدث عن تطبيق الشريعة، يجري حاليًا الترويج لمقولات أخرى مثل «بترول ليبيا للمسلمين» وشعارات عن الثراء الذي ينتظر رعايا «دويلته» في المستقبل، نظرا للمخزون النفطي الضخم الذي يقع في المناطق المحيطة بمدينة سرت، التي تعرف باسم «الهلال النفطي»، وتحوي أكثر من 60 في المائة من النفط الليبي، إلا أن الباحث عبد الله يشكك بهذا الأمر، ويرى أن قدرة «داعش» على تصدير النفط «وهمٌ كبير.. الأمر هنا له أبعاد دولية».
في الوقت الراهن تحاول السلطات الشرعية تأمين تصدير النفط لسد حاجات الليبيين من الغذاء والمتطلبات الأساسية، لكن توجد مخاوف أيضا من دخول ناقلات نفط بشكل غير قانوني لشراء نفط من تنظيمات متطرفة تضع يدها على بعض الموانئ. ودفع هذا قوات الأمن الليبية لتحذير الناقلات التي تقترب من موانئها دون تصريح. ويعلق الباحث عبد الله قائلا: كان من السهل لـ«داعش» تصدير النفط من المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا، لأن الأمر يجري هناك بطرق معقدة والتفافية، لكن في حالة ليبيا «يمكن مراقبة السواحل.. كل شيء واضح ومن السهل اكتشافه».
ومن جهة ثانية، يقول أحد المنشقين عن هذا التنظيم المتطرف إن اللغة الجديدة عن النفط لاستقطاب المقاتلين، سواء من الداخل أو الخارج، جاءت بعد أن فشلت محاولات مندوبين للخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي، إلى سرت، في جمع كل التيارات الإسلامية وجماعات المتطرفين في ليبيا تحت راية «الخلافة». ففي أحد أيام شهر مايو (أيار) الماضي، تحرك مستشار للبغدادي هو تركي البنعلي، البحريني الجنسية، لزيارة المدينة الواقعة في الشمال الأوسط من ليبيا. ودعا البنعلي جميع المتطرفين لمبايعة «الخليفة»، وبثت عدة خطب له بهذا المعنى في إذاعة سرت القديمة التي سيطر عليها المتشددون وباتت تعرف اليوم باسم «إذاعة التوحيد».
«فقه النفط» لاستقطاب المؤيدين - كما يحلو للبعض في ليبيا أن يسميه - ظهر لأول مرة لدى كل من «الفيدراليين» في برقة وقوات «فجر ليبيا» التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين في طرابلس ومصراتة، حين أجرت هذه القوات محاولات فاشلة على مدار قرابة عشرة أشهر للسيطرة على منابع النفط ومصافيه في الحقول الرئيسية في البلاد، أي في حقلي الفيل والشرارة في الجنوب، وفي حقول الهلال النفطي الموجودة قرب سرت. وكان الهدف استقطاب المزيد من المقاتلين لتعضيد قوات المتطرفين في حربهم ضد الجيش والسلطة الشرعية. اليوم هناك سؤال معلق فوق هذه الصحراء الشاسعة: هل يوجد تنسيق في المسألة النفطية بين «فجر ليبيا» و«داعش»؟
تضم قوة «فجر ليبيا» التي يشارك ممثلون عنها في الحوار الأممي، برعاية برناردينو ليون للتسوية السياسية، ما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف عنصر يتركّزون في طرابلس وفي مصراتة وفي بلدات أخرى محيطة بالعاصمة. أما عدد عناصر «القوة الثالثة» في الجنوب فغير ثابت لعدة أسباب من بينها أن تركيبة هذه القوة تعتمد على قطاعين: القطاع الأول هم الليبيون الوافدون من الشمال، أي من مصراتة وطرابلس وبعض المتطرفين المحليين من سبها. والقطاع الثاني هم الأجانب الذين جاءوا من مالي وتشاد والنيجر والسودان ومصر وتونس والجزائر، وكان يقودهم، حتى أسابيع قليلة مضت، كل من بلمختار والأنصاري، قبل أن يفترقا.
هذان الرجلان كانا منذ أغسطس (آب) الماضي، من الأذرع الأساسية في محاولات «فجر ليبيا» للسيطرة على حقلي الفيل والشرارة. لكنهما لم يتمكنا من إتمام المهمة رغم ما قدماه من إغراءات لضم مهاجرين أفارقة لصفوف الميليشيات التي يديرونها. وتقدر مصادر عسكرية ليبية عدد مجموعة بلمختار بنحو 500 عنصر وكان يديرها معه نائبه المدعو عبد الكريم الجزائري، بينما تضم مجموعة الأنصاري نحو 700.
أما الفارق بين المجموعتين فهو أن الأولى (مجموعة بلمختار) كانت شبه مستقرة داخل ليبيا لأنها تنشط في اتجاه الشمال، أي ناحية بلدات الجفرة وسرت، بينما تتحرك المجموعة الثانية في التخوم الجنوبية القريبة من حدود ليبيا مع الجزائر والنيجر وتشاد، أي في مدن مُرزُق وأوباري وأم الأرانب وغيرها.
أما باقي عناصر «القوة الثالثة» القادمين من مصراتة وطرابلس، والمحليين الجنوبيين، فلا يزيد عددهم عن بضع مئات ويشرفون على عملية تثبيت أقدام المتطرفين في تلك المناطق النفطية الشاسعة، وإصدار الأوامر بجلب المساعدات من أوكار المتشددين في الشمال، والتنسيق بين المجموعات الجنوبية فيما يتعلق بالسيطرة على المطارات العسكرية التي كانت تابعة للدولة الليبية مثل مطار سبها وتمنهند، واحتلال المعسكرات الأخرى، ونصب البوابات وإدارة عمليات دخول وخروج المقاتلين الأجانب الذين يأتون من دول الجوار.
لا أحد يعرف إن كان بلمختار ما زال على قيد الحياة أم أنه قتل بالفعل. فحتى الولايات المتحدة التي نفذت عملية قصف الاجتماع، لم تؤكد رسميًا مقتله، في وقت قالت مصادر حكومية ليبية إنه قتل، لكن، وبسؤال قيادات في البرلمان الليبي بمقره في طبرق، ردت بأنه لا توجد لديها معلومات، إلا أنها أعربت عن اعتقادها في أن الضربة التي تعرّض لها هذا القيادي الجزائري، أدت إلى إضعاف مجموعته لصالح المجموعة التي أصبحت موالية لـ«داعش» وتقوم بنشاط غير مسبوق للالتفاف والهيمنة على حقول النفط.
إذا تمكن «داعش» من السيطرة على «الهلال النفطي»، كما يقول النائب عميش، فستتحول ليبيا إلى نسخة أخرى من العراق أو السودان أو الصومال.. «وهنا سيتدخل المجتمع الدولي بذريعة حماية المنشآت النفطية ويطبق علينا برنامج النفط مقابل الغذاء، بينما يظل التطاحن مستمرا داخل ليبيا التي يريدون لها أن تتحوّل إلى دويلات؛ درنة دولة، وبنغازي دولة، وطبرق دولة، وطرابلس دولة، وهلم جرًّا».
وحقًا، في جولة داخل ليبيا يمكن أن تلاحظ وجود ارتباك في المناطق النفطية.
توجد أسماء مثيرة للريبة.. أسماء كانت في البداية تحارب مع بلمختار و«القاعدة»، ثم غيّرت مواقفها عقب الغارة الأميركية، وظهرت أخيرًا على رأس مجموعات «داعشية» تقاتل في بلدات تعد مفاتيح لـ«الهلال النفطي». وبعض هؤلاء القادة «الدواعش» في الحقيقة أقارب لخليط من قيادات محلية متباينة الاتجاهات، لكن يجمعها رابط متشابه هو محاولات بسط السلطة على النفط ومحاولات تصديره في السوق السوداء.
مثلا برز قائد «داعشي» فجأة في سرت، بينما هو في الحقيقة محسوب على دعاة الفيدرالية المتركزين في بلدة إجدابيا حيث استهدف بلمختار. وهؤلاء كانت لهم محاولات لتصدير النفط عبر سماسرة في البحر المتوسط. وأحدهم هو شقيق مدبر العملية الشهيرة التي جرى فيها تحميل ناقلة بأكثر من 30 ألف طن من النفط الخام في ربيع العام الماضي، قبل أن توقفها البحرية الأميركية في عرض البحر. وبعضهم محسوب على الفرع المتشدد في مصراتة المتعطش للمال، وهذا الفرع ينشط في شمال غربي سرت ولديه مراكب (يطلقون عليها جرافات) تتحرك على الساحل بين موانئ المتطرفين. وآخرون محسوبون على الفرع المتطرف في الزنتان، كانت عناصره تتولى حتى وقت قريب حراسة خطوط أنابيب النفط المتجهة إلى أوروبا والآتية من إقليم فزّان، ويعملون حاليًا في جنوب طرابلس.
ويقول حسين المصراتي، القيادي المنشق عن الميليشيات، الذي فرَّ أخيرا للإقامة في مدينة طبرق في شرق البلاد، بأن حالة التربص بين «داعش» و«القاعدة» تفاقمت سريعًا، بعد أن كانت توجد لديهما طموحات مشتركة للسيطرة على منابع النفط والحصول على نصيبهم من الأموال من قيادات «فجر ليبيا» في الجنوب و«الهلال النفطي» في الشمال.
ويضيف أن الضائقة المالية التي ضربت المتطرفين في طرابلس أثرت سلبًا على العناصر المقاتلة في الجنوب. وهنا ظهرت دعوات البنعلي بضرورة مبايعة كل التنظيمات للبغدادي، والاصطفاف في صف واحد ضد الجيش والسلطة الشرعية. ثم يوضح أن الأنصاري وافق لكن بلمختار رفض. ويتابع المصراتي أن هذا الخلاف بين بلمختار والأنصاري وضع «فجر ليبيا» في مأزق، لأنها من جانب لا تستطيع أن تتحدث علانية عن الانحياز لأي من الطرفين، كون بعض قادتها شركاء في المفاوضات السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة. ومن جانب آخر، لا يمكنها أن تترك الاقتتال مستمرًا بين عناصر «داعش» و«القاعدة»، لأن هذا يضعف وجودها في المناطق النفطية ويضعف عملياتها ضد الجيش، الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر.
هنا بدا أن المتطرفين في «القوة الثالثة» وقعوا في مأزق، وراحت محاولات السيطرة على نفط الجنوب أدراج الرياح بعدما خسروا مقاتلين ومعدات. وأصبحت كتلة المتطرفين في الجنوب على وشك الانقسام والاقتتال عبر الدروب والمواقع الصحراوية، لأن مجموعة بلمختار تصرّ على رفض التخلي عن تنظيم «القاعدة»، قائلة إنها لن تبايع البغدادي، وانعكس هذا بالتبعية على القادة في «فجر ليبيا» الذين يديرون «القوة الثالثة» من طرابلس.
ويضيف المصراتي أن «فجر ليبيا» كانت قد تمكنت، عن طريق بلمختار والأنصاري من وقف تصدير النفط من حقلي الفيل والشرارة العام الماضي. أي أنه كان في يدها ورقة ضغط على الحكومة الشرعية والدول المستفيدة من واردات نفط الجنوب. لكن خلافات الرجلين، بعد زيارة البنعلي، أضعفت ورقة «فجر ليبيا» النفطية، وهذا ظهر في ترددها في الموافقة على الحل السياسي الذي توصلت إليه الأمم المتحدة. كما أن «تضعضع جماعة بلمختار، بعد الغارة الأميركية، غير المعادلة تماما».
أيا ما كان الأمر فإن بوادر الخلاف بين بلمختار والأنصاري بسبب مندوب البغدادي كانت قد ضربت، منذ بداية هذا الصيف، صفوف المتطرفين في مدن أخرى منها درنة وصبراتة ومصراتة.. وظهر سباق على احتلال مواقع النفط. ثم اشتعلت المعارك وتفخيخ السيارات وضرب البوابات بين المتطرفين وبعضهم البعض. يضيف المصراتي أن اشتباكات درنة وحدها سقط فيها ما لا يقل عن خمسين من الطرفين، بينما أدت الغارة الأميركية على اجتماع بلمختار إلى إضعاف «القاعدة» في الجنوب. وحقًا أثرت معارك درنة سلبًا على وجود «داعش» في المدينة، لكن تأثرها كان إيجابيًا على التنظيم المتطرف في سرت، لأن المئات من «دواعش» درنة فروا إلى سرت، فعززوا قوة التنظيم وانتشاره بشكل ملحوظ في أغنى منطقة نفطية في البلاد، وساعد على ذلك أيضا، كما يقول المصراتي، تشتت أنصار «القاعدة»، وظهور خطب لـ«داعش» تتحدث عن اقترابه من تأسيس دولة في سرت تستحوذ منفردة على كل هذه الكمية من النفط.
مصادر أمنية ليبية تتحدث عن أن اجتماع المتشددين مع بلمختار جنوب إجدابيا الذي تعرض للقصف الأميركي، كان قد خصصه قادة من «فجر ليبيا»، لرأب الصدع بين قوات القيادي الجزائري المتشدد في ولائه لـ«القاعدة»، وقوات الأنصاري المنحاز لـ«داعش» وذلك «لأن الخلافات بين الرجلين طوال الشهرين الماضيين، أربكت مقاتلي القوة الثالثة، ما عزز من قدرة الجيش على الاقتراب من حل مشكلة توقف تصدير النفط في الجنوب»، مشيرا إلى أن الأنصاري لم يحضر الاجتماع الذي تعرض للقصف، بل حضر بدلا منه رجل تونسي قتل في الغارة الأميركية.
من الصعب الإمساك بخيوط اللعبة التي تدور في ليبيا. مَنْ ضد مَنْ ومَنْ مع مَنْ؟
ضع الجيش الوطني الذي أعاد حفتر تجميعه مطلع العام الماضي، جانبا، وانظر إلى خريطة المتطرفين. إنها تتغير وتتبدل بمرور الأيام. وكلما زاد الضغط من جانب الجيش والقبائل على المتشددين.. غيرت المجموعات المتطرفة من ولاءاتها وتكتيكاتها. إلا أن المؤشر الخطير كما يراه النائب عميش، يتمثل في اتجاه «داعش» لتحقيق هدف محدد هو السيطرة على «الهلال النفطي» حيث توجد عدة موانئ لتصدير النفط للخارج مثل البريقة والسدرة ورأس لانوف.
أخيرًا، يقول أحد ضباط الجيش الليبي في بنغازي، وهو ينظر إلى حطام المدينة وشوارعها المهجورة، وما سببته الحرب مع المتطرفين، إنه إذا استمر الوضع على هذا النحو، فمن الممكن خلال بضعة أشهر مقبلة أن تجد مجموعات أكثر نفوذًا على الأرض.. «بكل بساطة إذا تمكن داعش من السيطرة على (الهلال النفطي) سيكون في يده المزيد من الأموال والقوة في مواجهة الجميع».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».