غوتيريش: الوضع العالمي هو الأسوأ منذ عقود

لم يمنع مصرع وزير الداخلية الأوكراني، صباح أمس، الرئيس فولوديمير زيلينسكي من مخاطبة نخب العالم المجتمعة في دافوس، بل زاد الحادث الذي حرم البلاد من أحد أبرز وجوه حكومة الحرب، من وقع كلمات الرئيس على مسامع الزعماء.
خرج زيلينسكي عن أسلوبه المعتاد، وسمح للحزن بالتسلل إلى خطابه. بدأ كلمته التي ألقاها عبر الفيديو أمام عشرات القادة وزوجته أولينا زيلينسكا، التي قادت وفد بلادها إلى دافوس، بدقيقة صمت تكريماً لضحايا الحرب التي تشنها روسيا ضد بلاده منذ قرابة العام. لكنه سرعان ما استعاد حماسه، ووجه دعوات ملحّة لتزويد جيشه بعتاد عسكري حديث.
تفاؤل حذر
وفيما بدت برلين تقترب من تليين موقفها حيال السماح بتصدير دبابات «ليوبارد» إلى أوكرانيا، عبّر وفد كييف المشارك في المنتدى عن تفاؤله بحصول بلاده على شحنة أسلحة حديثة. وطالب زيلينسكي قادة العالم بالسرعة والحزم في اتخاذ القرارات. وقال إن «روسيا احتاجت أقل من ثانية لإطلاق حربها. فيما استغرق العالم أياما لفرض أولى العقوبات على موسكو». وتابع: «تردد العالم في عام 2014 عندما احتلت روسيا القرم (...)، لا يجب أن يتردد العالم اليوم». وأضاف «يحتاج العالم إلى الحزم والسرعة»، داعيا حلفاءه في الغرب إلى «إرسال أنظمة الدفاع الجوي حتى تتمكن أوكرانيا من استباق هجمات روسيا الصاروخية»، وإلى إنشاء محكمة لجرائم الحرب الروسية، وإدانة «تصدير موسكو للإرهاب».
وفيما أقرّ زيلينسكي بصعوبة الوضع الميداني في الصفوف الأمامية، أكّد ثقته في قدرة العالم على «التغلب على حرب روسيا». وقال إن «العالم نجح في التغلب على العنصرية والأبارتايد، والجائحة، وإنه سيتغلب على التهديد الذي تطرحه روسيا»، لافتا إلى ما تم تحقيقه بعدما وحد الحلفاء صفوفهم من فتح الحدود أمام اللاجئين الأوكرانيين، وجهود تأمين الطاقة.
وفي رده على سؤال حول ما إذا كان يخشى على سلامته الشخصية، عقب مصرع وزير الداخلية في حادث تحطم هليكوبتر، قال زيلينسكي: «لا، (لست قلقا). لم يتغير أي شيء. ما نحتاجه هو الذخيرة والعتاد العسكري».
دعوة إلى الحوار
لم يقتصر نشاط الوفد الأوكراني على التواصل مع الحلفاء، بل اغتنمت كييف فرصة المنتدى الاقتصادي في دافوس لمد يد الحوار إلى بكين، التي التزمت موقفا محايدا تجاه الحرب ورفضت انتقاد موسكو. وأكّدت سيدة أوكرانيا الأولى أنها سلمت رسالة من زوجها إلى وفد بكين إلى دافوس، يدعو فيها زيلينسكي نظيره الصيني شي جينبينغ إلى «الحوار». وقالت زيلينسكا في مؤتمر صحافي بدافوس: «إنها لفتة ودعوة للحوار»، مضيفة أنها «تأمل بصدق أن يكون هناك رد على هذه الدعوة». ويرأس الوفد الصيني في دافوس نائب رئيس مجلس الدولة ليو هي.
وحدة الصف الغربي
وانضمت أفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، لدعوات زيلينسكي. وقالت في جلسة جمعتها بنائبة رئيس الوزراء الكندي كرستيا فريلاند ونائبة الرئيس الأوكراني يوليا سفيريدانكو، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ والرئيس البولندي أندريه دودا: «توقعنا أن تتراجع وتيرة الحرب في الشتاء، رغم استمرار قتال شرس في الصفوف الأمامية. لذلك، فإنه من الضروري مواصلة دعم أوكرانيا عسكريا واقتصاديا».
من جانبه، حذّر دودا من أن «روسيا لا تزال قوية عسكريا»، وقال إنه يخشى أن «جيشها يستعد لشن حملة عسكرية جديدة خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة». وتابع: «أقلق من أن الدعم الذي قدمناه إلى أوكرانيا لن يكون كافيا لصد الهجوم المقبل».
وفيما عبّرت فريلاند عن ثقتها في أن الغرب سيستمر في دعم أوكرانيا، دعا دودا زعيم الناتو إلى تقديم ضمانات لأوكرانيا. وردا على ذلك، قال ستولتنبرغ إن داعمي أوكرانيا الغربيين سيتعهدون تسليمها أسلحة أثقل وأحدث، خلال اجتماع مهم في قاعدة رامشتاين الأميركية في ألمانيا. وأوضح «ستكون الرسالة الرئيسية أننا سنقدّم المزيد من الدعم والمزيد من الأسلحة الثقيلة والحديثة، لأن (قتال أوكرانيا) هو قتال من أجل قيمنا».
جاء ذلك بعد ساعات من تعبير وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، عن دعمه لانضمام أوكرانيا إلى الناتو. ورأى كيسنجر خلال مشاركة له عبر الفيديو في المنتدى الاقتصادي العالمي، أن انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي ستكون «نتيجة ملائمة». وقال: «قبل هذه الحرب، كنت معارضا لعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، لأنني كنت أخشى أن تتسبب بالضبط بالعملية التي نشهدها الآن». وأضاف «الآن وقد وصلت هذه العملية إلى هذا المستوى، فإن فكرة أوكرانيا المحايدة في ظل هذه الظروف لم تعد ذات جدوى». في المقابل، قال كيسنجر إنه من المهم «منع الحرب من أن تصبح حربا ضد روسيا نفسها»، لافتا إلى ضرورة «إعطاء روسيا فرصة للانضمام مجددا إلى النظام الدولي».
تردد ألماني
وبدوره، تعهد المستشار الألماني أولاف شولتس، في كلمته أمام نخبة دافوس، مواصلة دعم أوكرانيا، متجنبا الإشارة إلى إمكانية الموافقة على منحها دبابات ألمانية متطورة. وفي نهاية خطاب كرسه للابتكار وسياسة المناخ في ألمانيا، قال ردا على سؤال مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب: «نحن لا ندعم أوكرانيا بالوسائل المالية والمساعدات الإنسانية فحسب، بل أيضا بالكثير من الأسلحة». وذكّر شولتس بالمساعدات العسكرية التي قدمتها بلاده إلى كييف، بما يشمل قاذفات صواريخ ومركبات مدرعة من نوع «ماردر» ونظام الدفاع الجوي «آيريس - تي». وأكد «سنواصل القيام بذلك» بالتشاور مع حلفاء برلين، مشددا في الوقت نفسه على رغبته في تجنب أي مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو.
صورة قاتمة
وفيما هيمنت حرب أوكرانيا على أعمال اليوم الثالث في منتدى دافوس، رسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش صورة قاتمة للوضع الدولي، وقال إنه الأسوأ منذ عقود، معتبرا أن انقسامات الحرب الباردة كانت أسهل من الاستقطاب الذي يشهده العالم اليوم. وقال غوتيريش إن أحد أخطر التهديدات التي تواجهنا هو «الاستقطاب الكبير» الذي يفصل بين أكبر اقتصادين في العالم، هما الولايات المتحدة والصين. ووصف هذا الانقسام بـ«صدع تكتوني من شأنه أن يخلق مجموعتين مختلفتين من قواعد التجارة، وعملتين مهيمنتين، واستراتيجيتين متعارضتين بشأن الذكاء الصناعي».
كما كرّس الأمين العام جزءا كبيرا من كلمته للتحذير من تداعيات أزمة المناخ، التي «تقترب من نقطة اللاعودة». وحذّر من أن الهدف الطموح المتمثل في حصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية «بدأ يتبخّر».