دراسة: التأمل العميق قد يغيّر ميكروبيوم الأمعاء

دراسة: التأمل العميق قد يغيّر ميكروبيوم الأمعاء
TT
20

دراسة: التأمل العميق قد يغيّر ميكروبيوم الأمعاء

دراسة: التأمل العميق قد يغيّر ميكروبيوم الأمعاء

قد يساعد التأمل العميق المنتظم، الذي يمارس لعدة سنوات، على تنظيم ميكروبيوم الأمعاء وربما يقلل من مخاطر اعتلال الصحة الجسدية والعقلية، وفقًا لدراسة مقارنة صغيرة نُشرت بمجلة الطب النفسي العام.
فقد اختلفت الميكروبات المعوية الموجودة في مجموعة من الرهبان البوذيين التبتيين اختلافًا كبيرًا عن تلك الموجودة في جيرانهم العلمانيين، وتم ربط ذلك بانخفاض مخاطر القلق والاكتئاب وأمراض القلب والأوعية الدموية.
وتظهر الأبحاث أن ميكروبيوم الأمعاء يمكن أن يؤثر على الحالة المزاجية والسلوك من خلال محور الأمعاء والدماغ؛ وهذا يشمل الاستجابة المناعية للجسم والإشارات الهرمونية والاستجابة للضغط والعصب المبهم (المكون الرئيسي للجهاز العصبي السمبتاوي)؛ الذي يشرف على مجموعة من وظائف الجسم الحاسمة.
وتكمن أهمية تصميم المجموعة والعينة في أن هؤلاء الرهبان التبتيين ذوي التفكير العميق يمكن أن يكونوا ممثلين لبعض التأملات الأعمق. وعلى الرغم من أن عدد العينات صغير، إلا أنها نادرة بسبب موقعها الجغرافي، وذلك وفق ما نشر موقع «ميديكال إكسبريس» الطبي المتخصص.
ويتزايد استخدام التأمل للمساعدة في علاج اضطرابات الصحة العقلية، مثل الاكتئاب والقلق وتعاطي المخدرات والإجهاد الناتج عن الصدمات واضطرابات الأكل وكذلك الألم المزمن. لكن ليس من الواضح ما إذا قد يكون قادرًا على تغيير تكوين ميكروبيوم الأمعاء، كما يقول الباحثون.
وفي محاولة لمعرفة ذلك، قام الباحثون بتحليل عينات من البراز والدم لـ 37 راهبًا بوذيًا تبتيًا من ثلاثة معابد و19 من السكان العلمانيين في المناطق المجاورة.
وفي ذلك يقول الباحثون إن التأمل البوذي التبتي ينشأ من النظام الطبي الهندي القديم المعروف باسم «الأيورفيدا» (شكل من أشكال التدريب النفسي كان الرهبان في هذه الدراسة يمارسونه لمدة ساعتين على الأقل يوميًا لمدة تتراوح بين 3 و 30 عامًا).
ولم يستخدم أي من المشاركين العوامل التي يمكن أن تغير حجم وتنوع ميكروبات الأمعاء كالمضادات الحيوية والبروبيوتيك والبريبايوتكس أو الأدوية المضادة للفطريات في الأشهر الثلاثة السابقة.
وتمت مطابقة كلا المجموعتين من حيث العمر وضغط الدم ومعدل ضربات القلب والنظام الغذائي؛ إذ كشف تحليل عينة البراز عن اختلافات معنوية في تنوع وحجم الميكروبات بين الرهبان وجيرانهم. فيما كانت أنواع Bacteroidetes و Firmicutes سائدة في كلا المجموعتين، كما هو متوقع. لكن كانت البكتيريا الجرثومية بشكل كبير في عينات براز الرهبان (29 % مقابل 4 %) وقد احتوت أيضًا على وفرة من بريفوتيلا (42 % مقابل 6 %) وكمية كبيرة من Megamonas و Faecalibacterium.
ويوضح الباحثون هذا الأمر بالقول «ارتبطت العديد من البكتيريا المخصبة في مجموعة التأمل بالتخفيف من الأمراض العقلية، ما يشير إلى أن التأمل يمكن أن يؤثر على بكتيريا معينة قد يكون لها دور في الصحة العقلية».
جدير بالذكر، أن الأبحاث المنشورة سابقًا تشير إلى أن هذه الأنواع تشمل: Prevotella و Bacteroidetes و Megamonas و Faecalibacterium.
وفي هذا الاطار، طبق الباحثون تقنية تحليلية متقدمة للتنبؤ بالعمليات الكيميائية التي قد تؤثر عليها الميكروبات. وهذا يشير إلى أن العديد من المسارات الوقائية المضادة للالتهابات، بالإضافة إلى التمثيل الغذائي (تحويل الطعام إلى طاقة) تم تعزيزها في الأشخاص الذين يتأملون.
وفي الأخير، أظهر تحليل عينة الدم أن مستويات العوامل المرتبطة بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك الكوليسترول الكلي والبروتين الشحمي B، كانت أقل بشكل ملحوظ لدى الرهبان عنها في جيرانهم العلمانيين من خلال تحليلهم الوظيفي مع ميكروبات الأمعاء.
وعلى الرغم من أنها دراسة مقارنة، إلا أنها قائمة على الملاحظة وكان عدد المشاركين فيها صغيرًا وجميعهم من الذكور ويعيشون على ارتفاعات عالية، ما يجعل من الصعب استخلاص أي استنتاجات مؤكدة أو قابلة للتعميم. كما لا يمكن الاستدلال على الآثار الصحية المحتملة إلا من خلال الأبحاث المنشورة مسبقًا. لكن بناءً على النتائج التي توصل إليها الباحثون فان دور التأمل في المساعدة على الوقاية من الأمراض النفسية الجسدية أو علاجها يستحق بالتأكيد المزيد من البحث.
وفي النهاية خلص الباحثون الى ان «هذه النتائج تشير إلى أن التأمل العميق طويل الأمد قد يكون له تأثير مفيد على ميكروبات الأمعاء، ما يمكّن الجسم من الحفاظ على حالة صحية مثالية».


مقالات ذات صلة

صحتك يُنصح بتناول المثلجات أو الآيس كريم عند الشعور بالتهاب الحلق (أ.ب)

لكل داء غذاء... ماذا تأكل عندما يصيبك المرض؟

أجسامنا تحتاج بالفعل إلى التغذية عندما نكون مرضى. فماذا نتناول عند كل مرض؟

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك يبدأ الجسم بامتصاص المغنسيوم بعد نحو ساعة من تناوله ويصل الامتصاص إلى نحو 80 في المائة من الجرعة بعد ست ساعات في الظروف الطبيعية (متداولة)

كم يبقى المغنسيوم في جسمك؟... اكتشف السر

المغنسيوم معدن أساسي يلعب دوراً محورياً في وظائف متعددة بالجسم، أبرزها تعزيز صحة العظام وتنظيم ضغط الدم ودعم عمل العضلات.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك يقوم الكبد بكثير من الوظائف الحيوية بالجسم (رويترز)

7 علامات تدل على تلف الكبد

الكبد هو أحد أهم أعضاء الجسم، فهو المسؤول عن الحفاظ على خلوِّ سائر الأعضاء من السموم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مركبات «الفثالات» تدخل في صناعة عبوات الطعام (جامعة كاليفورنيا)

مادة بلاستيكية مسؤولة عن وفاة 365 ألف شخص في العالم

كشفت دراسة أميركية عن أن التعرّض اليومي لمادة كيميائية تُستخدم على نطاق واسع في صناعة البلاستيك قد يكون مرتبطاً بأكثر من 365 ألف حالة وفاة ناجمة عن أمراض القلب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أنجي عبيد تُصالح المسافات.... من «يلّا بابا» إلى الذات

سمحت الرحلة لهما بالتعرّف إلى بعضهما البعض عن قرب (أنجي عبيد)
سمحت الرحلة لهما بالتعرّف إلى بعضهما البعض عن قرب (أنجي عبيد)
TT
20

أنجي عبيد تُصالح المسافات.... من «يلّا بابا» إلى الذات

سمحت الرحلة لهما بالتعرّف إلى بعضهما البعض عن قرب (أنجي عبيد)
سمحت الرحلة لهما بالتعرّف إلى بعضهما البعض عن قرب (أنجي عبيد)

يترك فيلم «يلّا بابا» للمخرجة اللبنانية أنجي عبيد أثراً إنسانياً عميقاً منذ لحظاته الأولى، ويُشارك حالياً في مهرجان «بيروت الدولي لسينما المرأة». يمتد الفيلم لنحو 100 دقيقة، وتدور أحداثه حول علاقة بين أبٍ وابنته التي هاجرت إلى بروكسل قبل سنوات، إذ تعود إلى جذورها، مدفوعة بالحنين، لتقدِّم لوالدها هديةً غير تقليدية: رحلة برّية من بروكسل إلى بيروت، تسترجع من خلالها ذكريات مضى عليها نحو 40 عاماً.

فالأب، منصور، كان قد خاض هذه الرحلة في شبابه، حين كان في الثلاثين من عمره، برفقة أصدقائه. واليوم، يعيد التجربة وهو في عقده السابع، ولكن هذه المرة مع ابنته أنجي.

«يلّا بابا» يحمل رسائل إنسانية ولمحة جيو سياسية (أنجي عبيد)
«يلّا بابا» يحمل رسائل إنسانية ولمحة جيو سياسية (أنجي عبيد)

يحمل الفيلم رسائل إنسانية متعددة، تسلّط الضوء على أهمية العلاقات العائلية. وتوضح أنجي، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن رسالتها من الفيلم تتمثل في ضرورة اغتنام الفرص للتعبير عن مشاعرنا تجاه من نحب، سواء كانوا آباء أو أمهات أو أصدقاء أو إخوة. وتضيف: «يحمل الفيلم رسائل أخرى، من بينها البعد الجيوسياسي للبلدان التي مررنا بها. وعلى المستوى الشخصي، أردت منحه فرصة، فهو شخص رائع، على الرغم من اختلاف أفكارنا سابقاً. اكتشفت أنه لطيف كنسمة، لكن وتيرة الحياة في لبنان حالت دون تقرُّبنا أحدنا من الآخر».

صوّرت أنجي الفيلم عام 2022، واستغرق نحو 3 أشهر، قطعت خلالها نحو 4 آلاف كيلومتر بالسيارة. ويتحدث العمل عن تغيّرات تسببت بها الحروب منذ 40 عاماً، وينقل واقعاً يترك علامات استفهام كثيرة حول المستقبل القريب.

وعن كيفية ولادة فكرة الفيلم، تقول: «لم تكن علاقتي مع والدي وطيدة، حتى إنّ فكرة هجرتي من بلدي كانت بهدف الابتعاد عن عائلتي. كنت لا أزال شابة، وأبحث عن الحرية والاستقلالية. في بلجيكا أكملت دراستي وحصلت على جنسية البالد. ولكن هذا البعد أثار عندي الفضول للتعرُّف إلى والدي عن قرب. اتصلت به وعرضت عليه الفكرة. وافق، وانطلقت في رحلة حوَّلتها إلى وثائقي طويل. وعندما أنجزت الفيلم، كان ردُّ فعل أبي مفاجئاً لي، فقد بكى تأثّراً، وقال لي: (لست قادراً على التكلّم، لأني متأثر جداً)».

يتنافس فيلم «يلّا بابا» مع 9 أفلام أخرى في مهرجان «بيروت لسينما المرأة». وقد عُرض للمرة الأولى في لبنان، على أن يُعرض لاحقاً في طرابلس يوم 1 مايو (أيار) في مركز «مرسح» للفنون والثقافة، بعد أن شارك في مهرجانات في بروكسل وأمستردام.

وعمّا إذا كانت تتوقع فوزه بجائزة المهرجان اللبناني، تقول المخرجة لـ«الشرق الأوسط»: «كل الأفلام المشاركة ذات جودة عالية، ولا أريد التسرّع في التوقعات، لكن إن فاز، فالجائزة ستكون لوالدي».

تحدثت أنجي عن التحديات التي واجهتها أثناء التصوير، وكان أبرزها القيادة لساعات طويلة، إلى جانب كونها مخرجة الفيلم وبطلته وابنة البطل والمسؤولة عن الفريق الفني، ما تطلّب منها جهداً كبيراً.

يبُرز الفيلم تفاصيل حميمة في العلاقة بين الأب وابنته، من مساعدته لها في تتبّع خريطة الطريق، إلى غنائه لها كما لو كانت طفلته الصغيرة، وحديثه معها عن تاريخ الأماكن التي يمرّان بها.

الأب وابنته خلال رحلة سفر برية من بروكسل إلى بيروت (أنجي عبيد)
الأب وابنته خلال رحلة سفر برية من بروكسل إلى بيروت (أنجي عبيد)

يحضر لبنان في الفيلم عبر نشرات الأخبار الإلكترونية، في حين بدت شاشات التلفاز في بعض الفنادق مجرد ديكور. أما والد أنجي، فكان يعلّق على المشاهد في البلدان المختلفة، مستعيداً ذكرياته. وفي لحظة مؤثرة، يقول لها: «لم أتخيّل أن أقوم بهذه الرحلة معك»، ويسألها عن طموحاتها، فترد: «أول قرار اتخذته في حياتي هو الزواج».

تعلق أنجي على الفجوة بين الأجيال بقولها: «بعد هذه الرحلة، فهمت تصرّفات والدي التي كنت أرفضها سابقاً. فهي نابعة من تربية وعادات لم يكن من السَّهل تغييرها».

أصعب مهمة واجهتها كانت المونتاج، إذ كان عليها الموازنة بين مدة الفيلم واختيار الحوارات والمواقف المناسبة، وهو ما تطلّب دقّة وجهداً كبيرين.

كان حلم أنجي أن تعيش لحظة من ماضي والدها، فتقول: «كنت أرغب في أن أرى بعيني ما رآه والدي في شبابه، وأختبر تجربته نفسها في السفر البرّي. لكن التغيّرات الجيوسياسية غيّرت معالم البلدان، فأفقدتنا جزءاً من تلك الذكريات». وتختم: «أعتقد أن والدي رأى في الفيلم مرآة تعكس شخصيته، وربما وافق على المشاركة فيه ليترك أثراً حياً منه يبقى مدى الحياة».