مخاوف لبنانية من عودة التحركات إلى الشارع

تعليمات حاسمة للقوى الأمنية بمنع تجاوز «الخطوط الحمر»

من التحركات التي شهدها الشارع اللبناني قبل يومين (أ.ف.ب)
من التحركات التي شهدها الشارع اللبناني قبل يومين (أ.ف.ب)
TT

مخاوف لبنانية من عودة التحركات إلى الشارع

من التحركات التي شهدها الشارع اللبناني قبل يومين (أ.ف.ب)
من التحركات التي شهدها الشارع اللبناني قبل يومين (أ.ف.ب)

أعادت التحركات الشعبية التي شهدها الشارع اللبناني، نهاية الأسبوع الماضي، على خلفية توقيف الناشط وليم نون، شقيق الضحية جو نون الذي قضى بانفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2019، إحياء هواجس الأمنيين من أعمال شغب تبدأ بخلفية قضائية، وما تلبث أن تتطور لتحاكي الأزمة المعيشية - الاجتماعية، ما يُدخل البلد في موجة من الفوضى غير المضبوطة.
وأدت عملية توقيف نون، الجمعة الماضي، وهو من الذين يقودون تحرك أهالي الضحايا المطالبين بإطلاق يد المحقق العدلي طارق البيطار المكفوفة عن الملف منذ 13 شهراً، نتيجة دعاوى رفعها سياسيون ووزراء سابقون، ولم يتمكن القضاء من البت فيها بسبب عدم إقرار التشكيلات القضائية، إلى تجمعات شعبية وقطع طرقات، ما أدى لصدام بين المعتصمين وعناصر أمنيين سواء من جهاز أمن الدولة أو الجيش اللبناني.
وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن «التحذيرات من تدهور الوضع قائمة، ولطالما نبهنا من انعكاس الوضع السياسي والمعيشي غير المستقر على الوضع الأمني»، مؤكدة أن «تعليمات قيادة الجيش للضباط والعناصر تقول إن استغلال الوضع وقطع الطرقات خط أحمر، والجيش حاسم في هذا المجال ولن يكون هناك أي نوع من التراخي في كل ما له علاقة بأمن البلد».
ويربط «التيار الوطني الحر» ومناصروه بين التصعيد الحاصل في الشارع على خلفية ملف المرفأ وبين وصول الوفد القضائي الأوروبي إلى لبنان للتحقيق بملفات فساد مرتبطة بمصرف لبنان. ويتحدثون عن استغلال أهالي الضحايا لمنع الوفد من القيام بمهامه، فيما يتهم بالمقابل معارضو «التيار» جهاز أمن الدولة بالتحرك سياسياً وينتقدون بشدة اللجوء لملاحقة أهالي الضحايا بدل الانكباب على توقيف المشتبه بهم من السياسيين الصادرة بحقهم مذكرات توقيف.
ولا تستبعد مصادر نيابية معارضة أن يكون هناك من يسعى لخلق إشكالات أمنية في الشارع لتسريع عملية انتخاب رئيس للجمهورية. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «إننا قد نشهد في الأسابيع الماضية ضغوطاً شتى قد يتخذ بعضها طابعاً أمنياً بمحاولة لإحداث خرق في جدار الأزمة الرئاسية».
بالمقابل، لا يرجح رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيجما» رياض قهوجي، فرضية عودة الناس إلى الشارع قريباً سواء على خلفية ملف المرفأ أو الملف المعيشي، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الناس في حالة شلل بسبب ضغوط البحث عن لقمة العيش والإحباط من عدم تمكن قوى التغيير من تحقيق أي شيء. فالسلطة الحاكمة عاقبت الشعب بقوة وتعاونت مع قوى المال في إفقار الشعب عبر مصادرة أموالهم وحرمانهم من الماء والكهرباء وأمور أخرى توافرت قبل ثورة ١٧ تشرين». ويضيف: «معظم من شاركوا بالمظاهرات غادروا البلاد بسبب اليأس وبعضهم أسهم بوصول بعض الأشخاص للبرلمان لإحداث تغيير ليكتشف فشل مَن وصل وعجزه عن تحقيق أي شيء».
ويعتبر قهوجي أنه «سيكون هناك وقت قبل وصول جيل جديد أو ظهور مجموعة مستعدة للثورة مجدداً وربما إحداث تغيير حقيقي. الثورة لا تموت بل تمر بموجات ومراحل ولكن لا يمكن معرفة الفترة الزمنية لها لتحقق هدفها».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

لبنانيون يروون لـ«الشرق الأوسط» مأساة نزوحهم المتكرر

توزيع الملابس على النازحين في أحد مراكز الإيواء (أ.ف.ب)
توزيع الملابس على النازحين في أحد مراكز الإيواء (أ.ف.ب)
TT

لبنانيون يروون لـ«الشرق الأوسط» مأساة نزوحهم المتكرر

توزيع الملابس على النازحين في أحد مراكز الإيواء (أ.ف.ب)
توزيع الملابس على النازحين في أحد مراكز الإيواء (أ.ف.ب)

ثلاث محطات من النزوح اختبرتها اللبنانية منى يعقوب، منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حيث غادرت هي وعائلتها بلدتها الحدودية حولا (قضاء مرجعيون) مع بداية الحرب جنوباً، إلى بلدة كفررمان المحاذية لمدينة النبطية، قبل أن تنتقل أخيراً إلى عرمون (قضاء عالية)، حيث تمكثُ وعائلتها في الوقت الراهن.

منى ليست إلا نموذجاً من مئات العائلات اللبنانية التي بدأت رحلتها بالتنقل من مركز آمن إلى آخر، حسب تطوّرات المعركة التي رفعت الأعداد إلى آلاف فعشرات الآلاف؛ إذ لم يبقَ مكان آمن وبعيد عن الغارات الإسرائيلية التي تخلّف دماراً كبيراً، وطبقاً لرئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، فإن الحرب الإسرائيلية على لبنان تسبّبت حتى الآن في نزوح 1.5 مليون شخص.

فقد عاش جنوبيون كُثر، من أبناء القرى الحدودية، رحلتَي نزوح أو أكثر؛ الأولى: قبل نحو عام، حينما أعلن «حزب الله» عن افتتاح جبهة إسناد غزة، وبدأت الاشتباكات الحدودية، فاضطر الناس للخروج إلى أماكن أكثر أماناً في صور وصيدا والنبطية والضاحية الجنوبية لبيروت.

أما الرحلة الثانية فبدأت حين أطلقت إسرائيل في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي حرباً واسعة وعنيفة طالت أنحاءً كثيرة في البلاد، لا سيّما الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، فنزح الناس مجدّداً، لكن الوجهة كانت هذه المرة إلى الشمال والعاصمة بيروت، وفي هاتين الرحلتين خسر اللبنانيون منازل كانت تؤويهم، وممتلكات خاصة، وأحباباً كثراً.

النزوح الأول

تروي منى لـ«الشرق الأوسط» رحلة نزوحها، قائلة: «مرّ عام وأنا نازحة، إنه كابوس لا نعلم متى ينتهي، ولا ماذا ينتظرنا بعد»، هذه السيدة الأربعينية، وهي أمّ لـ3 أطفال: حلا (14 سنة)، وسلام (13 سنة)، ونور (11 سنة)، تعبّر عن اشتياقها لقريتها حولا وناسها وطبيعتها وكلّ ما فيها: «مؤلم جداً أن تغادر منزلك وأشياء اعتدت عليها، والأصعب أننا لن نصل إليها متى أردنا».

أم نازحة من جنوب لبنان مع طفلها في أحد مراكز الإيواء (رويترز)

وحين نزحت منى يعقوب في المرة الأولى لم تحمل معها سوى مفاتيح منزلها في حولا، الذي لا تعلم إن كان صامداً حتى الساعة أم لا: «يومها كان القصف على البلدة كثيفاً جداً، لم نحمل معنا أغراضنا، ولا حتى أوراقنا الثبوتية، لكننا لم نعتقد أن النزوح سيطول هكذا، يقع منزلي بالقرب من تلة العبّاد عند الحدود، وهي منطقة خطيرة للغاية»، حسبما تقول.

«لعنة النزوح الثاني»

وطوال 11 شهراً، عاشت منى نازحة في أحد أحياء كفررمان، جارة النبطية، قبل أن تنزح مجدّداً بسبب القصف الشرس الذي بدأته إسرائيل في 23 سبتمبر الماضي، يومها استفاقت وعائلتها على صوت ضربات إسرائيلية قريبة: «سمعت أناساً يصرخون، ورأيت مباني تُقصف بأكملها، سارعنا بالهروب، وبينما نحن على الطريق استُهدِفت سيارة كانت خلفنا، عشنا لحظات رعب، شاهدنا الدماء في كل مكان، كلّ ما تمنيته في تلك اللحظة أن يكون مصيري أنا وعائلتي واحداً؛ إما نموت أو نحيا سويةً».

وتتابع: «وصلنا إلى عرمون بعد رحلة نزوح دامت 16 ساعة، لم نجد بيتاً يؤوينا، الإيجارات مرتفعة جداً، أحدهم طلب منّا 1200 دولار بدل إيجار شقة صغيرة، وهي كلفة خارج قدرتنا تماماً، بعدها قصدنا منزل شقيق زوجي، ومكثنا لديه برغم أنه يستقبل راهناً عدّة عائلات نازحة، يومها تمنّيت لو أننا لم نُصَب بلعنة النزوح الثاني وبقيت في كفررمان التي احتضنتنا منذ لحظة النزوح الأولى».

«هذا ما فعلته الحرب بنا»

تبكي منى يعقوب بحسرة على والدها، أستاذ الرياضيات، الذي توفي بعد أيام قليلة من نزوحها الأول، ولم تتمكّن من زيارة قبره حتى الساعة، وتبكي مرة أخرى بسبب ما آلت إليه ظروف حياتها: «ترك موت والدي أثراً كبيراً لديّ، لم أكن أتخيّل لوهلة أنني لن أراه مجدّداً، واليوم تشتّتت عائلتي؛ والدتي وإخوتي، كلٌّ منّا في مكان، وبِتنا نحلم باللقاء، وأن يحتضن بعضنا بعضاً مجدّداً، والخوف كبير من أن نموت في أيّ لحظة؛ إذ لم يَعُد من مكان آمِن في لبنان».

تتمنى منى أن تنتهي الحرب، ويتعافى أطفالها من مشاهد الدم والدمار، وأن تعود إلى بلدتها حولا، وأن يكون منزلها بانتظارها، ليحتضنها وعائلتها من جديد، وتعيد ترتيب أشيائها وحياتها، وتقول: «لا أريد لأحد أن يعيش مرارة الفقد كما حصل معي، أكثر ما أخافه اليوم أن تكبر خسارتنا، وأن نعيش بؤساً أكبر، وألا أجد منزلاً يؤويني في بلدتي حولا أو في كفررمان، البلدة التي نزحت إليها، إذا قُدّر لي أن أعود مجدّداً».

منى يعقوب عاشت سنوات طويلة من حياتها برفقة زوجها وأطفالها في الخارج، قبل أن تعود وتستقر في لبنان قبل 6 أعوام، ليشاء القدر أن تبدأ الأزمة الاقتصاديّة والنقديّة الأسوأ في تاريخ البلاد، وتعيش تبعاتها المأساوية، وتخسر وديعتها وشقاء عمرها في البنوك. وتختم: «ضاع شقاء عمرنا، والأسوأ أننا لا نملك أيّ سيولة تكفي احتياجات أبنائنا راهناً، بعد أن كنا نبادر لمساعدة الناس، وكانت منازلنا مفتوحة للجميع، هذا ما فعلته الحرب بنا».

الحال واحدة

يشبه حال منى إلى حد بعيد ما عاشته مي فوّاز (33 سنة) وعائلتها طوال سنة الحرب، فهي من بلدة تبنين الجنوبية (قضاء بنت جبيل)، وعاشت تجربة النزوح المتكرّر مرات كثيرة جداً.

سيدات جنوبيات نازحات إلى أحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)

تقول مي لـ«الشرق الأوسط»: «لا أتذكّر عدد مرات النزوح التي عشناها؛ إذ تكرّرت عشرات المرات، أذكر يوم قرّر أهلي مغادرة منزلنا في أكتوبر 2023، اعتقدنا منذ تلك اللحظة أن العدوان سيشمل كل الجنوب، وأن الحرب لن تقتصر على قواعد الاشتباك التي كان متفقاً عليها بين (حزب الله) وإسرائيل».

وتضيف: «غادرنا بلدتنا، وعُدنا إليها مرات كثيرة، حسبما كانت تشتد أو تنخفض وتيرة القصف هناك، وفي كلّ مرة كنا نلجأ إلى منزل جدتي في منطقة زقاق البلاط بالعاصمة بيروت، أو نقيم في أحد فنادق منطقة الحمرا، وفي كل مرة كنا نأمل أن يكون الخروج الأخير، وطوال تلك الفترة عشنا الخوف والقلق وعدم الاستقرار، والتشرد بين العاصمة والجنوب».

نزحت فوّاز وعائلتها إلى بيروت قبل حادثة تفجير أجهزة الـ«بيجر» التابعة لـ«حزب الله» في لبنان الشهر الماضي، جرّاء تصاعُد التهديدات الإسرائيلية. تقول فواز: «كان واضحاً لنا أن هناك تصعيداً ما سيحدث، بقينا في بيروت لدى منزل جدتي، وغادرناه مجدّداً حين امتد القصف إلى قلب بيروت، يوم استهدف أحد المباني في حي الباشورة، وكان الاستهداف على مقربة من منزل جدتي، ومجدّداً انتقلنا إلى أحد فنادق بيروت، إلى أن تمكّنا من تأمين شقة نأوي إليها في منطقة الصنائع في بيروت، وهي لأحد أقاربنا».

وتخاف مي فوّاز، كما يشعر جميع النازحين وغير النازحين، من أنه لم يَعُد هناك أيّ مكان آمِن في لبنان، وكأن الناس باتت تعيش في حقل ألغام، لا تعلم إن كانت ستنجو أم لا، كما تخاف أن تخسر منزل عائلتها الذي عاشت فيه طوال سنوات حياتها، وشكّلت فيه تفاصيل وصور ذكرياتها وعمرها.

من مركز نزوح إلى آخر

هذه ليست سوى نماذج لقصص كثيرة تُروى عن النزوح المتكرّر الذي عاشه لبنانيون كُثر، وخصوصاً الجنوبيين، طوال عام الحرب بتفاصيلها المأساوية والصعبة، والأسوأ تلك القصص التي يعيشها الناس في مراكز الإيواء، حيث يعيش النازح ظروفاً حياتية صعبة للغاية.

يقول عباس هاني (27 سنة) من بلدة كفرا الجنوبية (قضاء بنت جبيل): «في الأسبوعين الأخيرين انتقلت من قريتي إلى أحد مراكز الإيواء في صور، كان الوضع مُزرياً للغاية، واجهنا مشكلة انقطاع المياه المستمر، والزحمة الخانقة، وقلة النظافة، وخصوصاً على مستوى المراحيض، ولا أعلم كيف تمكّنت من العيش هناك لمدة أسبوع قبل أن أنتقل من صور إلى صيدا، وتبدأ رحلة البحث عن مركز إيواء جديد، لكننا لم ننجح بذلك».

سيدة من جنوب لبنان نزحت إلى أحد مراكز الإيواء (د.ب.أ)

بعد ذلك توجه هاني إلى مناطق جبل لبنان، وتمكّن من حجز مكان له ولشقيقه وشقيقته وزوجها في إحدى مدارس الإيواء بقرية عين عنوب التي يعدّها جيدة مقارنةً بالمركز السابق، باستثناء مسألة عدم توفر المياه بشكل كافٍ.

قبل هذا النزوح بقي هاني صامداً وجميع أفراد عائلته في قريته التي لطالما تعرضت للقصف على أطرافها وفي أهداف محدّدة، وهو يخاف اليوم أن يضطر للنزوح مرات جديدة، وأن تطول الحرب ويعيش هذا التشرد في مراكز الإيواء، حسبما يقول.