يايوي كوساما... فنانة حوّلت هلوساتها إلى فنون

راوغتها الشهرة طويلاً وأعادت لها الموضة اعتبارها

مجسم ضخم للفنانة في محل «لويس فويتون» بباريس (أ.ب)
مجسم ضخم للفنانة في محل «لويس فويتون» بباريس (أ.ب)
TT

يايوي كوساما... فنانة حوّلت هلوساتها إلى فنون

مجسم ضخم للفنانة في محل «لويس فويتون» بباريس (أ.ب)
مجسم ضخم للفنانة في محل «لويس فويتون» بباريس (أ.ب)

يايوي كوساما أكثر من تنطبق عليها مقولة «الجنون فنون». فنانة حوّلت هلوساتها وحبّها للألوان الصارخة والنقاط الدائرية اللامتناهية والمتكررة إلى ماركة مسجلة فتحت لها أبواب أهم المتاحف، كما جذبت لها أنظار بيوت أزياء عالمية مثل «لويس فويتون». فهذه الأخيرة تعاونت معها للمرة الثانية في نهاية عام 2022 من خلال تشكيلة لافتة تم الكشف عنها في عرض «كروز 2023» الذي احتضنه معهد سالك في سان دييغو. وتم طرحها في الأسواق في بداية هذا الشهر. وليس هذا أول تعاون بينهما، فقد سبق لهما أن طرحا مجموعة حقائب طبعتها دوائر في عام 2012، ولم تنتهِ العلاقة بانتهاء العمل حسب تصريح الدار الفرنسية.



حقيبة «كابوتشين» مطبوعة بلمسات الفنانة اليابانية

«هذا الحوار الفني لم ينقطع طوال هذه السنوات»، واستمر من خلال حوارات معها ومع فنانين آخرين على أساس أن «الحوار مع الفن عموماً يشكل جزءاً من شخصية (لويس فويتون). فهو يمتد إلى أكثر من قرن من الزمن حين بدأه حفيد العائلة، غاستون لويس فويتون بتجنيده فنانين معروفين لتصميم واجهات محلات الدار في كل أنحاء العالم لإضفاء التميز عليها». مع الوقت تطور هذا التعاون ليشمل الفن المعاصر وباقي الفنون. في عام 1988 مثلاً طلبت الدار من مجموعة من الفنانين الكبار، من أمثال تاكاشي موراكامي وجيف كونز وسول لو ويت وغيرهم، وضع لمساتهم الفنية على فئات متنوعة من منتجاتها، لتبدأ تلك العلاقة المباشرة مع الفن بعد أن كادت تقتصر على الاستلهام من بعيد.

روبوت يجسد الفنانة في إحدى واجهات «لويس فويتون» في «فيفث أفينيو» بنيويورك (أ.ف.ب)

لكن يبقى التعاون مع كوساما الأكثر إثارة للنظر، لما تثيره الدوائر اللامتناهية من «زغللة»، وقصة صاحبتها من فضول وإعجاب. كل هذا لا يمنع من الاعتراف أن هذه الدوائر أيضاً لافتة بشكل يجعل أي قطعة، سواء أكانت زياً أو إكسسواراً، بمثابة لوحة فنية متحركة وعملية في الوقت ذاته. في عام 2012، كان التعاون معها بوضع لمساتها الدائرية على الحقائب وحقائب السفر. وفي عام 2022، طُلب منها أن تستعمل «مخيلتها وريشتها للارتقاء بكل القطع والإكسسوارات إلى فضاء لامتناهٍ يكتسب فيه المنتج سحراً يثير المشاعر ويتحول إلى استثمار تتوارثه الأجيال ولا تمل من الحديث عنه» حسب قول الدار. كان السؤال الأهم الذي طرحته هذه الأخيرة قبل البدء في هذه العملية الإبداعية هو: «متى وكيف ترتقي الموضة وتنتقل إلى مرحلة تتعدى الحدود المرسومة لها؟» والجواب كان برسم قطع تبقى للأبد، تجمع فنية يايوي كوساما مع خبرات الدار الفرنسية بتقنيات ثلاثية الأبعاد.

وشاح رجالي إحدى  ثمرات التعاون بين الفنانة  والدار الفرنسية

يايوي كوساما... من تكون؟
هي فنانة يابانية ولدت عام 1929 في ماتسوموتو في الريف الياباني، وأقل ما يمكن أن يقال عنها إنها غريبة الأطوار. اختارت طوعاً أن تعيش في مصحة نفسية منذ عقود حيث تعيش في عالم خاص تطغى فيه فكرة اللانهاية، وأسلوب فني أصبح لصيقاً بها، ويدور في فلك «الهلوسة والتسلسل اللامتناهي» من خلال دوائر متكررة، ليست لها بدايات أو نهايات. يايوي كوساما ظلت لأكثر من 6 عقود تقريباً بالنسبة للبعض فنانة غريبة الأطوار، وبالنسبة للبعض الآخر طليعية برؤية سابقة لأوانها، لكن لم تأخذ حقها من الشهرة. قدمت أول معرض فردي لها في موطنها اليابان عام 1952، ورغم موهبتها لم تُحقق أحلامها بالسرعة التي كانت تتوقعها. كانت كأي شابة تحلم بأن تُصبح فنانة كبيرة في أميركا. وبالفعل نجحت في ترسيخ مكانتها كفنانة طليعية، طبعت أعمالها سمتان من أهم الحركات الفنية في النصف الثاني من القرن العشرين؛ فن البوب والمفهوم التبسيطي.

أحذية رياضية تتميز بالدوائر والنقاط

بيد أن إيقاع الحياة في نيويورك لم يلائمها، ما جعلها تعود إلى مسقط رأسها اليابان في السبعينات. كانت مرهقة نفسياً، فاختارت أن تدخل مصحة للأمراض النفسية. كانت تحارب نوبات القلق التي كانت تمر بها بالإبداع وبتكرار الدوائر والنقاط. في أحد اللقاءات، اعترفت قائلة عن هذه الدوائر اللامتناهية: «إنها دوائي الخاص. فمنذ طفولتي وأنا أرى دوائر وأشكالاً منقطة، والآن كل الناس تتحدث عن فني من خلال هذه النقاط». فقط في الثمانينات انتبه لها المجتمع الفني، ونُظمت لها مجموعة من المعارض المهمة، في «البينالي» بالبندقية و«موما» بنيويورك وغيرهما. ومع ذلك، ظل اسمها معروفاً في نطاق ضيق، أغلبه من عشاق الفن عموماً والـ«بوب آرت» تحديداً. في الستينات من القرن الماضي شدت الرحال إلى الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تعيش حالة فنية خاصة يقودها أمثال روي ليتشتاين وأندي وورهول.
في عام 2006، في طوكيو حققت نقلة جديدة في مشوارها المهني، بدخولها عالم الموضة. كان مصمم دار «لويس فويتون» آنذاك مارك جايكوبس موجوداً في طوكيو لتسجيل فيلم خاص عن حياته. وبحكم أنه كان يحب فن الـ«بوب آرت» وسبق له اقتناء بعض أعمالها، اغتنم الفرصة لمقابلتها. اعترف فيما بعد أنه كان أيضاً مدفوعاً بفضول للتعرف عن قُرب على فنانة تتميز ببراءة أقرب إلى السذاجة الفنية. كان لقاؤه بها «مدهشاً وخاصاً جداً، اكتشف فيه مدى اطلاعها على ما يجري في العالم، فضلاً عن متابعتها للموضة عموماً، وأعماله خصوصاً» حسب قوله. ومع ذلك، لم يتبلور هذا اللقاء عن أي تعاون إلا بعد مرور سنوات، وبإيعاز من الرئيس التنفيذي للدار آنذاك، إيف كارسيل، الذي كان سيُمول معرضاً خاصاً لها.


مقالات ذات صلة

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

لمسات الموضة المصمم ديمنا عند تلقيه جائزة أحسن مصمم للأزياء الجاهزة في عام 2016 في لندن (أ.ف.ب)

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

بعد قرابة 10 سنوات، سيغادر المصمم الجورجي ديمنا دار «بالنسياغا» لينضم إلى دار «غوتشي» ابتداءً من شهر يوليو (تموز) المقبل. كان الخبر مفاجئاً إلى حد ما. فرغم أن…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة اجتازت دوناتيلا العديد من الأزمات لكنها لم تصمد أمام قوة العاصفة الاقتصادية الأخيرة (أ.ف.ب)

دوناتيلا تتنحى عن منصبها في دار «فيرساتشي» وتسلم المشعل لداريو فيتالي

ابتداء من الشهر المقبل سيتسلم داريو فيتالي الإدارة الإبداعية لعلامة الأزياء الفاخرة «فيرساتشي» من دوناتيلا فيرساتشي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة ديمي مور وجين فوندا في حفل توزيع جائزة نقابة ممثلي الشاشة (رويترز)

ديمي مور وجين فوندا... قصة إدمان على التجميل كلّلها «الزمن» بالنجاح

اللقطة التي جمعت ديمي مور وجين فوندا، تؤكد أنه برغم فارق 25 سنة بينهما، فإن ما يجمعهما أكبر من مجرد رقم. هوسهما في مرحلة من حياتهما بالتجميل أمر معروف ومسجل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة من إبداعات شيمينا كامالي مصممة دار «كلوي»... (أ.ف.ب)

الفراء الاصطناعي يعود لعروض الأزياء أعلى نعومة وفخامة

لا تستغني عنه الموضة ولا المرأة المقتدرة، مهما تصاعدت نسبة مناهضي استعمالاته وتهديداتهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)

مجموعة «لورو بيانا» الرمضانية تفوح بنكهة استشراق لذيذة

تشكيلة «لورو بيانا» الرمضانية تبذل جهداً في إرساء مفهوم معاصر لهذا الاستشراق مبني على دراسة السوق لا على المخيلة وحدها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
TT

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

تسعة أيام هي المدة التي استغرقها أسبوع باريس لخريف وشتاء 2025-2026. كان مسك ختام لدورة سنوية تبدأ في نيويورك وتمر بلندن وميلانو وتنتهي بباريس. لكنك لو سألت أي شخص حضر فعالياته بالكامل، لجاءك الرد، ومن دون تردد، بأنه طول مدته مبالغ فيها، مقارنة بغيره من أسابيع الموضة العالمية. لندن مثلاً لم يعد يتعدى أسبوعها الأربعة أيام. لكن منذ سنوات وباريس تتعمد وضع برنامج يجعل من الصعب على ضيوفها من عشاق الموضة مغادرتها قبل انتهائه. فـ«ديور» تقدم عرضها في الأيام الأولى و«شانيل» و«لويس فويتون» و«سان لوران» في الأواخر وبينهم إيلي صعب وفالنتينو وهرميس وستيلا ماكارتني وبالمان وآخرون لا يقلون أهمية. الأسباب مكيافيلية. فكلما امتدت إقامتهم، انتعشت الفنادق والمطاعم وتحركت المحلات ووسائل النقل.

اختتمت دار «سان لوران» الأسبوع ودورة الموضة العالمية في باريس (أ.ف.ب)

ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن هناك إجماعاً على أن باريس ليست مثل غيرها وتستحق العناء والجهد. لا تزال عاصمة الموضة بلا منازع، إبداعاً وعروضاً، بفضل بيوت الأزياء ذات الإمكانات الضخمة التي تمدَها بكل ما يعزز سحرها ويرسخ مكانتها.

أسبوعها الأخير اختتم بعروض كل من «ميو ميو» و«سان لوران» و«شانيل». كان حافلاً بالأحداث، كما كان مثيراً ما بين انتظار بدايات مصممين تم تعيينهم مؤخراً ولم يسعفهم الوقت لكي يباشروا العمل ويتحفونا بما جادت به مخيلتهم، وبين متابعة عروض مصممين سجلوا بداياتهم فعلياً هذا الموسم لأول مرة بعد التحاقهم ببيوت عريقة.

اعتمدت «شانيل» مرة أخرى على فريق قسمها الإبداعي في انتظار أول تشكيلة لمصممها الجديد ماثيو بلايزي (شانيل)

«شانيل» مثلاً، ومعها أوساط الموضة، لا تزال تنتظر ما سيقدمه المصمم ماثيو بلايزي في الموسم المقبل. اعتمدت مرة أخرى على فريقها الإبداعي لتقديم تشكيلة تلعب على أيقوناتها، بينما اكتفت «لويفي» بتقديم عرض أصغر مما عوّدتنا عليه بسبب انتقال مصممها جوناثان أندرسون إلى «ديور».

لكن بالنسبة لـ«جيڤنشي» و«توم فورد» و«دريز فان نوتن» فإن الانتظار انتهى. «جيڤنشي» قدمت أول تشكيلة لها من إبداع سارة بيرتون، و«توم فورد» أول تجربة لحيدر أكرمان و«دريز فان نوتن» أول عرض لجوليان كلوسنر. ثلاثة أسماء لم تخيب الآمال بقدر ما أيقظت الأمل بولادة عهد جديد.

سارة بيرتون

من عرض سارة بيرتون لدار جيڤنشي (جيڤنشي)

المصممة التي التحقت بدار «جيڤنشي» مؤخراً، جاءت بعد تجربة عقود مع المصمم الراحل ألكسندر ماكوين. خلفته في الدار التي أسسها ولا تزال تحمل اسمه حتى الآن، والطريف في التعيين الأخير أن بداية رفيق دربها الراحل ماكوين، كانت أيضاً في «جيڤنشي». سارة بيرتون برهنت على مدى عقود أنها تحترم إرث المؤسسين. لا تحاول أن «تتشاطر» عليهم بقدر ما توظف بصمتها للإبقاء على إرثهم حياً. وهذا تحديداً ما قامت به في هذه التشكيلة التي قالت إنها عادت فيها إلى الجذور. برَرت ذلك قائلة: «للمضي قدماً، لا بدّ من العودة إلى الجذور. وبالنسبة لي، تبدأ الحكاية دائماً من المشغل. هو القلب النابض والملهم».

من إبداعات سارة بيرتون (جيڤنشي)

حاولت استكشاف شخصية الدار من خلال قراءة شخصية صاحبها الراحل هيبار دي جيڤنشي. كان يحب الخطوط الواضحة التي تبرز تضاريس الجسم وجمالياتها من دون مبالغات أو تفاصيل لا داعي لها. أثارها هذا الأمر وخلال بحثها في الأرشيف قالت إنها اكتشفت طروداً مغلَّفة بورق بني، تضم قصّات من قماش الكاليكو من مجموعته الأولى لعام 1952.

درستها وسرعان ما اكتشفت أنها، مثل هيبار دي جيڤنشي، تعشق التفصيل وتقدر العلاقة بين عملية الابتكار التي تولد في الاستوديو، والحرفية التي تُنفذ في المشغل.

عادت بيرتون لأرشيف الدار لتستلهم منه خطوطاً أنثوية واضحة وسلسة (جيفنشي)

أما كيف جسَّدت القواسم المشتركة بينها وبين المؤسس، فمن خلال أساليب تقليدية وكلاسيكية قامت بتفكيكها بتنعيمها، وإضافة تفاصيل أنثوية. والنتيجة أن المرأة تبدو في الظاهر ناعمة إلا أن خلفها تكمن قوة لا تظهر إلا عند الحاجة، وهو ما جسّدته أيضاً في مزجها بين الكلاسيكي والانسيابي، من خلال الأكتاف البارزة بشكل مبالغ فيه أحياناً، والخصور المحددة، والفساتين المكونة من أمتار من القماش، ومع ذلك تكشف عن الظهر، بحيث تبدو من الأمام محتشمة ومن الظهر بلمسات أنثوية مثيرة. الفكرة هنا مرة أخرى كانت اللعب على القوة الكامنة بداخل كل أنثى.

عادت سارة بيرتون إلى أرشيف الدار وأخذت منه عدة عناصر لعبت عليها مثل القميص الأبيض (جيڤنشي)

أسلوب هيبار دو جيڤنشي يُطِل في الكثير من الإطلالات، مثل فساتين قصيرة مصنوعة من دانتيل شانتيلي وأخرى مستلهمة من الملابس الداخلية تطبعها حسِية الخمسينيات من دون أن ننسى القميص الأبيض، الذي أخذ عدة أشكال. كل هذا ترجمته سارة بيرتون برؤية معاصرة ذكرتنا إلى حد ما بعهدها في دار «إلكسندر ماكوين».

توم فورد:

جمع حيدر أكرمان في تشكيلته الأولى بين جرأة توم فورد وبين أسلوبه الخاص لدار (توم فورد)

كان كل ما في العرض أشبه بلقاء دافئ بين جرأة المصمم المتقاعد توم فورد ورومانسية خليفته الحالي حيدر أكرمان. يشرح هذا الأخير بعد عرضه هذه العلاقة قائلاً: «عند دخولي عالم السيد توم فورد، شدّني أن شخصيته تنعكس في كل شيء. ثم انتبهت أنه يمثل حياة الليل والسّهر، بينما أنا أمثّل صباح اليوم القادم، وهو ما كان بداية رقصتنا مع بعض». من هذا المنظور لم يُغيِب أسلوب سلفه المثير، بالعكس أعاده إلى الواجهة بعد أن ضخه بجرعة ديناميكية من الرومانسية والأنوثة المفصلة. هذا التفصيل ساهم في التخفيف من جرعة الإثارة الحسية التي برع توم فورد فيها والتصقت به منذ أن كان في دار «غوتشي».

من أول عرض يقدمه حيدر أكرمان لدار «توم فورد» (توم فورد)

هذه العلاقة بين الأمس الذي يمثله توم فورد والحاضر الذي يمثله أكرمان «مبنية على الحب. فأنا أرى أن الحب جوهر كل شيء» وفق ما قاله هذا الأخير. تخيل هذه التشكيلة كقصة حب، تبدأ بنظرة وابتسامة، ثم التعرّف على الاختلافات بهدف استكشاف القواسم المشتركة للبناء عليها.

وهذا ما كان. فرغم شخصيته الجادة، لم يرفض أكرمان أن الحواس تلعب دورها في التقريب بين الأشخاص، كما على اختياراتنا فيما يخص الأزياء. كلاهما يبدأ بحاسة النظر ويتطور إلى رغبة ملحة في الحصول على الشيء والحفاظ عليه.

إيحاءات رجالية ظهرت في عرض «توم فورد» عبارة عن بدلات وتوكسيدو (توم فورد)

صبَ كل هذه الأفكار والأحاسيس في تشكيلة غلبت عليها تصاميم مستوحاة من عالم الليل بإيحاءات رجالية، مثل سترة توكسيدو اكتسبت طولاً يصل إلى الكاحل وبدلات ناعمة بألوان فاتحة، وفساتين مفصلة بأسلوب سهل لكن ممتنع. خلا أغلبها تقريباً من أي تفاصيل لا داعي لها، واعتمد فيها فقط على التفصيل والأقمشة لإبراز قدراته.

جوليان كلوسنر

جوليان كلوسنر احترم جينات «دريز فان نوتن» في تشكيلته الأولية (أ.ب)

مصمم آخر شهدت باريس بدايته هذا الموسم. عمل مع المصمم البلجيكي الأصل دريز فان نوتن لست سنوات. تعلم فيها أسلوبه وحرفته، قبل أن يتسلم منه المشعل إثر تقاعده المُبكِر. تُطل أول عارضة على المنصة، فتشعر بأن جينات الدار في مأمن من أي تغييرات جذرية. أسلوب دريز حضر في النقشات الغنية والتفاصيل الباروكية وتضارب الأقمشة التي تحمل لمسات «فينتاج». تنتابك طوال العرض مشاعر متضاربة ما بين إطلالات تُنسي بأن دريز فان نوتن ترك الدار، وبين أخرى دمج فيها الكلاسيكي بالرياضي تُذكر بأن فصلاً جديداً بدأ يُكتب بهدوء. فالمصمم الجديد اجتهد في وضع لمسات تترجم رؤية خاصة به. كل ما في الأمر أنها لا تزال خجولة بعض الشيء.

من عرض «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

في لقاء جانبي له، شرح كلاوسنر رؤيته قائلاً: «أردت أن أطلق العنان لخيالي قليلاً، بأن أجعل بعض القطع أكثر قوة وتأثيراً، لكن كان لدي دائماً ما يُذكِرني أن الأمر يتعلق بخزانة متكاملة يجب أن تضم قطعاً تناسب حياة المرأة في الواقع، وهذا يعني أنها يجب أن تكون مرنة».

اختيار «أوبرا غارنييه» مسرحاً لعرضه، لم يكن فقط ملائماً لتشكيلة غنية بالتفاصيل. كان يشي بالعهد الجديد، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عروض الدار كانت تقام سابقاً في أماكن أكثر وظيفية ذات أرضيات أسمنتية. طبعاً لا يمكن أن نتجاهل أنه يعكس أيضاً شغف المصمم الجديد بالمسرح، وهو ما ظهر حيناً في أقمشة تستحضر ستائر المسارح وحيناً آخر في شراشيب زينت جاكيتات بوليرو وأكمام فساتين. لكن هل كانت التصاميم مسرحية؟ أبداً. كل ما فيها كان واقعياً حتى في أقصى حالاته الفنية.

أقمشة متنوعة في الإطلالة الواحدة مع نقشات متضاربة في عرض «دريز فان نوتن» (أ.ب)

إذا كان لا بد من المقارنة بين جوليان وبيرتون وأكرمان، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أنه أفضل حظاً منهما، لأنه تسلم الدار من دريز فان نوتن، وهي في وضع جيد. فتقاعُد دريز وهو في عز تألقه، كان باختياره لكي يعيش «حياة ويمارس هوايات أجَّلَها طويلاً بسبب استنزاف العمل لوقتي وجهدي» وفق تصريح سابق له، وبالتالي لم يكن مفروضاً على جوليان أن يعود إلى منتصف القرن الماضي لرسم بداية جديدة كما هو الحال بالنسبة لسارة بيرتون، ولا أن يصحح ما خلَفه مصممون سبقوه على الدار من آثار لم تحقق المطلوب كما هو الحال بالنسبة لأكرمان.

تضارب الألوان والنقشات في تشكيلة «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

من جهة أخرى، يمكن أن نرى أن مهمة جوليان التي تبدو أسهل ولا تتطلب منه سوى ضمان استمرارية ما بناه سلفه، هي في الحقيقة صعبة، لا سيما في حال لم يُتقن توجيه الدفة في الاتجاه الصحيح، ومن ثم الإخلال بالتوازن العجيب الذي خلقه دريز فان نوتن وأغوى به عالم الموضة.