«أوهانس»... يأخذ المطبخين الأرمني والشامي إلى مستوى آخر

المنتجات من مزرعته في لبنان... ولا يشوي اللحم إلا على خشب السنديان

«أوهانس»... يأخذ المطبخين الأرمني والشامي إلى مستوى آخر
TT

«أوهانس»... يأخذ المطبخين الأرمني والشامي إلى مستوى آخر

«أوهانس»... يأخذ المطبخين الأرمني والشامي إلى مستوى آخر

آفو Avo لبناني من أصول أرمنية، وُلد وترعرع في لبنان، يعشق هذا البلد بشكل لا يوصف، شخصيته تضج بالحياة والحيوية، يقود حافلة عتيقة باللون الأصفر ويركنها على باب مطعمه «أوهانس» Ohannes الذي يقدم فيه قطعة من قلبه وعشقه للطهي والطعام والنكهات المستقاة من المطبخ الشامي والحلبي تحديداً والأرمني (بتصرف)، يملك ثلاثة أفرع، الأول وهو الموقع الأصلي للمطعم في شارع «حنكش» وهذا العنوان كان في الماضي محلاً لوالده أوهانس الذي كان يبيع فيه الأنتيكات والقطع الأثرية، والفرع الثاني في منطقة جونيه (السوق القديم)، أما الفرع الثالث وكما يسميه آفو بـ«الفرع الصيفي»؛ فهو في منطقة البترون الساحلية السياحية.
الميزة المشتركة في الأفرع الثلاثة كثيرة، على رأسها الديكور الذي يركز على المفردات التي تجعلك تشعر وكأنك تتناول الطعام في منزل وليس في مطعم، بدءاً من الستائر الخشبية أو ما يسمى في لبنان بـ«الأباجور» باللون الأزرق الذي قصد آفو بأن يختارها لكي يخلق مجسماً للبيوت التي تجدها في منطقة «برج حمود» المعروفة باحتضانها غالبية اللبنانيين من أصول أرمنية، ومروراً بالجدران والقناطر الحجرية في الداخل التي تذكرك ببيوت القرى اللبنانية وانتهاءً بالكراسي الخشبية والانتيكات والأثاث القديم الذي استوحاه آفو من محل والده الراحل الذي أطلق على مطاعمه اسمه تخليداً لذكراه.

طريقة تقديم جميلة ونكهات رائعة

عندما تزور «أوهانس» لن يلفتك الديكور والطعام فقط إنما شخصية آفو المحببة لدرجة أن الزبائن يسألون عند الحجز عن الفرع الذي سيتواجد فيه؛ لأن وجوده يلعب دوراً مهماً، وحيوته تنعكس على الجو العام في المطعم؛ فهو يهتم بأدق التفاصيل بنفسه، بدءاً من هندامه العصري والعصبة على رأسه والديكور وانتهاءً بالأطباق وطريقة تحضيرها ومروراً بتربية الاغنام في مزرعته الخاصة في منطقة عنجر.
في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، استهل آفو كلامه بأن قصة المطعم ليست طويلة، وبهذا يعني بأنه حقق حلمه في امتلاك مطعم منذ عشرة أعوام فقط، بعدما ورث عن والده المحل الواقع في شارع حنكش شرق بيروت، ولطالما كانت لديه الرؤية والنفس الجيد في الأكل وتحضير وصفات لا يمكن وصفها إلا بالمميزة. عن وصفاته يقول، إنها مستمدة من المطبخ الأرمني والشامي، ولكنه يضع عليها بصمته الخاصة و«اختراعاته»، ووصف المطعم بأنه مخصص للكباب أو Kebab House، وشدد على أن الخلطات والوصفات موجودة في مطابخها الأصلية، ولكنها - وبحسب تعبيره - «ملغومة»، أي يضيف عليها ذوقه الخاص الذي يترجم في أطباق تسحر العين قبل المعدة.
بالحديث عن آلية العمل في ثلاثة أفرع وسر الحفاظ على نفس النكهة في كل مرة، فسّر الأمر آفو بالبوح بسر ألا وهو أنه يملك مطبخاً مركزياً تعمل فيه نحو 30 سيدة وأم أرمنية، بعضهن في عمر يناهز السبعين عاماً يعملن بغية حبهن للطهي على أنغام الموسيقى وليس بهدف العمل مقابل المال؛ وهذا ما يجعل أطباقه مجبولة بالحب وبعيدة عن التجارة. ووصف آفو تلك السيدات بطريقة لا يمكن وصفها إلا بالاحترام والحب لأناملهن، وعبّر عن امتنانه لهن؛ لأنهن السبب الأول والأخير في نجاح مشروعه، أما عن سر النكهات في جميع أطباقه فهي تكمن في المنتج الذي يعرف مصدره؛ لأن كل شيء يدخل في أي طبق يأتي من مزرعته، فلحم الغنم واللبن والخضراوات... كلها من مزرعته الخاصة التي يشرف عليها رعاة للغنم وفريق عمل متفرغ لرعاية الماشية والزراعة، أهمية المنتج ومصدره لا ينتهي هنا إنما يمتد إلى تشغيل معصرة خاصة في الجنوب اللبناني تقوم بعصر الزيتون وتحضير زيته خصيصاً لمطاعم «أوهانس».
وأخبرنا آفو أيضاً بأن الفحم الذي يستخدم في شي أسياخ الكباب هي من خشب السنديان يقطعها بنفسه من مزرعته، إلى هذه الدرجة يهتم بالتفاصيل التي يعدّها ضرورية وتعكس بدورها على نوعية الأطباق ومذاقها.
عندما تنوي زيارة «أوهانس» كن جائعاً لأن الكمية وفيرة والأطباق متنوعة ولن تكتفي بقدر قليل منها؛ لأن آفو يقدم الكثير من أنواع الكباب من الارفلي إلى أضنة إلى اللبناني، ولكل نوع كباب بهاراته وخلطته التي لا تشبه سواها، وهذا الشيء تلتمسه من خلال لون اللحمة. من ألذ أنواع الكباب التي يقدمها «أوهانس» الارفلي، وهي عبارة عن قطع من الباذنجان تتخلل قطعاً من اللحم، بعد شيها تأكل عصارة الباذنجان من دون القشرة وتتناولها مع اللحم، المذاق بالفعل خرافي.
ومن الأطباق اللذيذة التي تقدم في «أوهانس» المانتي الأرمنية، ولكن آفو يشرح عن سبب تميزها في مطعمه عن تلك التي تقدم في المطاعم الأرمنية الأخرى، والسبب هو أن عجينة المانتي محمصة ومحشوة بلحم غنم من المزرعة، كما أن اللبن الزبادي الذي يغطيها من المزرعة أيضاً وهذا ما يجعلها لذيذة جداً.
ويقدم أيضاً طبقاً من قطع اللحم الملفوفة بخبز محمص في الفرن ومغطاة بالكرز الذي يأتي به من منطقة في حلب في سوريا؛ مما يعطيها المذاق الحلو والمر في الوقت نفسه، ولمحبي اللسانات والنخاع المنقوعة بالليمون والملح، فهذا المكان هو الأفضل بالنسبة لهم، أما لمحبي الطبق الأرمني الأشهر البسطرمة فـ«أوهانس» يقدم هذا اللحم المقدد بطريقة رائعة جداً، وبحسب آفو، البسطرمة تعكس تاريخ الأرمن على مر السنين وهجرتهم على مر العصور، بحيث كانوا يحملون هذا اللحم المقدد المنقوع بالملح مما يحافظ عليه ويطيل من صلاحية أكله لمدة طويلة عبر الجبال أثناء في ترحالهم.
عن طريقة تقديم هذه الأطباق، يقول آفو، إنها مهمة جداً وتعتمد على الألوان، ويضيف «أهتم بتفاصيل قد لا يلاحظها كل الزبائن، كوضع قطع من القماش مطرزة بأيادي سيدات أرمنية تحت كل طبق، لتعكس ألوان الأطباق الزاهية التي يدخل في الكثير منها دبس الرمان الذي يصنع لـ(أوهانس) خصيصاً».
من ألذ الأطباق التي جربناها إلى جانب الكباب، كبة العدس وكبة البطاطس المحشوة بالجبن، وشرائح البطاطس المقلية المكسوة بالزبادي والسماق، والبسطرمة والمانتي، وفي النهاية جربنا نوعين من الحلويات، المعمول وهو أشبه بالكنافة، وآيس كريم مع صلصة المشمش.
عن مشاريعه المستقبلية وعن نيته افتتاح أفرع جديدة في لبنان أو خارجه، قال آفو، إنه بصدد التكلم في مشروع توسعي لمطاعمه خارج لبنان.
وفي نهاية الحديث، قال آفو ضاحكاً تعليقاً على رأينا بطعامه الذي يستحق تقدير دليل ميشلان نسبة لنوعية المنتج والديكور وطريقة التقديم والنكهة «أتمنى أن تذكروا هذه النقطة لأنها تجعلني سعيداً جداً لأني أتعامل مع عملي بحب وابتكار، وطهي الوصفات بالنسبة لي هو بمثابة قصة حب حقيقية بيني وبين المطبخ. والنجاح هدفي».


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.