السودانيون يقتربون من توقيع اتفاق نهائي لاسترداد السلطة المدنية

توصيات بإعفاء قضاة... وإلغاء قرارات بإعادة رموز نظام البشير وأموالهم

المتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف خلال مؤتمر صحافي أعقب نهاية المؤتمر مساء أول من أمس (سونا)
المتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف خلال مؤتمر صحافي أعقب نهاية المؤتمر مساء أول من أمس (سونا)
TT

السودانيون يقتربون من توقيع اتفاق نهائي لاسترداد السلطة المدنية

المتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف خلال مؤتمر صحافي أعقب نهاية المؤتمر مساء أول من أمس (سونا)
المتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف خلال مؤتمر صحافي أعقب نهاية المؤتمر مساء أول من أمس (سونا)

أنهت القوى السياسية والمدنية السودانية الموقِّعة على «الاتفاق الإطاري» أعمال أول مؤتمرات مناقشة القضايا المؤجَّلة من الاتفاق الإطاري، وتعهدت بإكمال مناقشة بقية القضايا في غضون الأسابيع القليلة الماضية، تمهيداً لتوقيع اتفاق نهائي يُنهي سيطرة الجيش على الحكم واستعادة الحكم المدني، وتصفية ركائز نظام الإسلامويين، وتكوين لجنة جديدة بصلاحيات واسعة لتفكيكه.
وعُقد، في الخرطوم، مؤتمر «خريطة طريق تجديد عملية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو (حزيران) 1989»، مساء الأحد، الثامن من يناير (كانون الثاني) الحالي، في مفتتح مناقشات موسَّعة لـ4 قضايا مؤجَّلة من «الاتفاق الإطاري»، شهدها حضور سياسي محلي وإقليمي كبير.
وأوصى المؤتمر، الذي استمر عدة أيام، وفقاً لما اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، بإعفاء قضاة المحكمة العليا، وإخضاع الدرجات الأدنى لعملية فحص وتدقيق، وإلغاء قرارات الدائرة الاستئنافية والقضائية التي ألغت قرارات سابقة للجنة التفكيك المجمدة، وتفكيك بنية التمكين في المؤسسات الإعلامية والصحفية المرتبطة بالنظام البائد، ووضع هيكل للجنة الأصول المستردَّة ومعالجة الإخفاقات في عمل اللجنة السابقة.
ودعت التوصيات إلى تأسيس شرطة خاصة بلجنة التفكيك التي يُنتظر إعادة تكوينها وفق رؤية جديدة، مع استبعاد كل من وزارة العدل والأجهزة النظامية من تكوين اللجنة العليا للتفكيك، مع منح اللجنة صلاحيات استرداد الأموال والممتلكات التي جرى الاستحواذ عليها بواسطة أنصار نظام الإنقاذ، ومنح أعضاء اللجنة حصانة إجرائية وقانونية، وتشكيل محكمة خاصة بالتفكيك بدرجة مراجعة واحدة، تكون قراراتها نهائية.
وأعطت التوصيات لجنة التفكيك سلطة تصفية الواجهات الدينية للنظام البائد، وتفكيك دولة الحزب الأمنية لصالح الدولة المدنية، وتعديل القانون بما يمنح اللجنة سلطة التدقيق والتحقيق والتجميد، وتفعيل قانون «من أين لك هذا»، ومحاسبة المتورطين في حيازة الأموال بصورة غير مشروعة. ودعت لمراجعة الفساد في الدولة، بما في ذلك القطاع الخاص، وسدّ ثغرات مكافحة الفساد في القوانين، وأن يستمر عمل اللجنة إلى ما بعد نهاية الفترة الانتقالية؛ لمتابعة أوجه الفساد في الدولة، واعتبار الفساد والتمكين من جرائم الأمن القومي.
وقال المتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، في مؤتمر صحافي أعقب نهاية المؤتمر، مساء أول من أمس، إن الآلية الدولية الثلاثية والأطراف الموقِّعة على «الاتفاق الإطاري»، سيشرعون على الفور في وضع ترتيبات المؤتمر العام لقضايا العدالة والعدالة الانتقالية كخطوة ثانية، وإكمال نقاش بقية القضايا المتبقية خلال أسابيع قليلة، وتحويل توصيات المؤتمر إلى نصوص قانونية تُضمّن في الاتفاق النهائي، موضحاً أن الجيش والقوات النظامية قصرت دورها على المشاركة في القضايا المتعلقة بالمؤسسة العسكرية والإصلاح الأمني والعسكري التزاماً بمدنية الحكم.
ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بدأت تلوح في الأفق السوداني بوادر انفراجة سياسية عقب إعلان القيادة العسكرية الحاكمة اعتماد مشروع دستور انتقالي أعدّته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، أساساً لعودة الحكم المدني في البلاد والذي مهَّد لتوقيع «الاتفاق الإطاري»، وذلك بعد التعثر الطويل، والأزمة السياسية التي أعقبت استيلاء قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021.
وفي 5 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقَّع تحالف المعارضة الرئيس «الحرية والتغيير» وعدد من القوى السياسية والمدنية من جهة، وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، اتفاقاً إطارياً نصَّ صراحة على خروج العسكريين من الحكم، وتشكيل حكومة مدنية كاملة، بَيْد أن الاتفاق أرجأ 5 قضايا رئيسية للمزيد من التشاور مع القوى المدنية قبل توقيع الاتفاق النهائي، وهي: «قضية العدالة والعدالة الانتقالية، وتفكيك نظام البشير، ومراجعة وتعديل اتفاق السلام الموقَّع بين الحكومة والحركات المسلَّحة في جوبا، وقضية إصلاح القطاع الأمني والعسكري، وقضية شرق السودان».
والخميس الماضي، أوصى أول المؤتمرات المقرَّرة لنقاش هذه القضايا وهو مختص بـ«تفكيك نظام الإنقاذ واستعادة لجنة التفكيك»، بإلغاء الأحكام التي أصدرتها الدائرة القضائية في المحكمة العليا، وألغت بموجبها قرارات «لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين ومحاربة الفساد»، وأعادت أموال وأصول استردّتها لأنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وبموجب الوثيقة الدستورية التي حكمت الفترة الانتقالية، تكونت وفق قانون لجنة مختصة بتفكيك نظام البشير وتصفية مراكز نفوذه المالي والسياسي والإداري، بيد أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان جمَّد تلك اللجنة بالقرارات التي أعقبت استيلاءه على السلطة في 25 أكتوبر 2021، مما مكّن عناصر نظام البشير من استئناف القرارات الصادرة ضدهم أمام المحكمة العليا، فأصدرت أحكاماً لصالحهم.
وجاءت العملية السياسية التي أجبرت الأطراف العسكرية والمدنية على توقيع «الاتفاق الإطاري» نتيجة ضغوط دولية وإقليمية وشعبية، أبرزها وساطة الرباعية الدولية المكونة من «الولايات المتحدة الأميركية، المملكة العربية السعودية، المملكة المتحدة، الإمارات العربية المتحدة»، وتولّت الآلية الدولية الثلاثية، المكونة من «بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس)، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا (إيغاد)، تسهيل التفاوض بين المكونات المدنية والعسكرية».
وتحظى العملية السياسية بتأييد شعبي ودولي واسع، تُعارضها مجموعات سياسية كانت جزءاً من تحالف قوى إعلان «الحرية والتغيير» الذي قاد الثورة، وأبرزها «الحزب الشيوعي السوداني، حزب البعث العربي الاشتراكي، ولجان مقاومة»، لكن يوسف قال إن المناقشات مع «قوى الثورة» مستمرة لإقناعها بالعملية السياسية، وإن مقاعدها شاغرة.
ولم تشارك بعض القوى من العملية السياسية، مثل حركة «العدل والمساواة» بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة «تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، المنضويتين تحت «تحالف القوى الديمقراطية»، لكن هناك دعوات لهما بتوقيع الاتفاق، فيما مكونات أخرى تؤيد التوقيع؛ من بينها جناح من الحزب الاتحادي الديمقراطي، وشخصيات مرتبطة بهياكل الحكم العسكري، وهي مجموعة تجد دعماً معلناً من مصر، التي أعلنت مبادرة جديدة فجّرها رئيس المخابرات المصري عباس كامل لدى زيارته السودان، الأسبوع الماضي، وقابلتها القوى السياسية بالرفض.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.