تباين في المعطيات حول سوليدار... والكرملين يدعو إلى «عدم التسرع»

القوات الروسية تقترب من باخموت وبوتين يؤكد مواصلة تعزيز القدرات العسكرية

وحدة مقاتلة أوكرانية على خط النار في باخموت (أ.ب)
وحدة مقاتلة أوكرانية على خط النار في باخموت (أ.ب)
TT

تباين في المعطيات حول سوليدار... والكرملين يدعو إلى «عدم التسرع»

وحدة مقاتلة أوكرانية على خط النار في باخموت (أ.ب)
وحدة مقاتلة أوكرانية على خط النار في باخموت (أ.ب)

مع دخول المواجهات الضارية في مدينة سوليدار مرحلة حاسمة، برز تباين في المعطيات التي قدمتها قوات «فاغنر» التي أعلنت سيطرتها بشكل كامل على المدينة، بينما برز موقف أكثر حذرا من جانب الكرملين ووزارة الدفاع. وبدا أن المعارك المستمرة في المدينة الاستراتيجية عززت مجالات التقدم للقوات الروسية نحو باخموت المجاورة من جهة الشمال، في تطور يمهد لنقل المعركة إلى المدينة الأهم التي تفتح السيطرة عليها على تطور نوعي واسع، يمكن موسكو من إنجاز هدف بسط النفوذ الكامل في منطقة دونباس.
وتعمد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، عدم التعليق على التطورات الميدانية خلال اجتماع حكومي ركز فيه على مواصلة موسكو زيادة قدراتها الدفاعية وتأمين متطلبات الجيش من الأسلحة والعتاد، خصوصا في قطاع الطيران الحربي. وأضاف بوتين خلال الاجتماع «أؤكد أننا نضمن بشكل موثوق أمن ومصالح البلاد، وسنزيد من قدراتنا الدفاعية، وفي نفس الوقت سنواصل تنفيذ البرامج والخطط الاجتماعية والاقتصادية على نطاق واسع». وشدد على أن «أيا من السيناريوهات السلبية التي توقعها خصوم روسيا لم تتحقق»، مشيدا بعمل الحكومة في مواجهة الضغوط والتحديات التي فرضتها العقوبات الغربية. وكلف بوتين وزير الصناعة والتجارة بالعمل مع وزارة الدفاع على مسألة التزويد بالطائرات ومعرفة الأعداد اللازمة من الطائرات الحربية والمدنية.
في غضون ذلك، شن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف هجوما جديدا على الغرب واتهمه بمواصلة الرهان على إطالة أمد الحرب عبر مواصلة تزويد كييف بالأسلحة. وقال إنه «لا توجد آفاق لمفاوضات سلام مع أوكرانيا، إذ إن القانون في كييف يحظر إجراء حوار مع روسيا، كما أن الغرب لا يسمح لكييف بإبداء المرونة». وزاد الناطق: « كانت روسيا مستعدة دائما لحل المشكلات من خلال المفاوضات، وقد قال الرئيس بوتين مرارا إننا ما زلنا مستعدين لذلك. وبالطبع، فإن تحقيق أهدافنا بالوسائل السلمية والسياسية والدبلوماسية هو الخيار المفضل لدينا. ولكن في بيئة حيث تحظر قوانين أوكرانيا على رئيس أوكرانيا إجراء أي اتصالات معنا، أو إجراء نوع من الحوار معنا، وأيضا نظرا للمعطيات التي توضح أن الغربيين لا يميلون إلى السماح لكييف بأي مرونة في هذا الشأن... لذلك يمكن القول إنه لا توجد حاليا احتمالات لعقد مفاوضات».

بناية في باخموت تعرضت للقصف الروسي (رويترز)

وبدا بيسكوف حذرا وهو يعلق على التقدم الميداني في سوليدار وقال: «دعونا لا نتسرع. لننتظر الإعلانات الرسمية»، مضيفاً أن هناك «ديناميكية إيجابية في التقدم» في سوليدار. وزاد أن «نجاح العمليات العسكرية سيتحقق عندما تتحقق الأهداف التي حددها القائد الأعلى للقوات المسلحة المرجوة من العملية العسكرية الخاصة»، منوها في الوقت ذاته أن «النجاح التكتيكي مهم جدا».
وكان هذا الموقف لافتا على خلفية إعلان مؤسس مجموعة «فاغنر» يفغيني بريغوجين نجاح قواته في فرض «سيطرة كاملة» في المدينة. كما نشر مقاطع فيديو ظهر فيها إلى جانب رجاله في مناجم للملح في المدينة، وتهكم على اتهامات واشنطن لقواته بأنها تقاتل في سوليدار التي يعني اسمها «مدينة الملح» للحصول على ثرواتها من الملح والفحم.
وأشار بريغوجين عن طريق جهازه الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن قتالا يدور في وسط المدينة، ما يلقي بظلال الشك على مدى سيطرة المجموعة الروسية على المدينة التي كان عدد سكانها يبلغ قبل الحرب أكثر من 10 آلاف نسمة. وبعد مرور ساعات معدودة على إعلانه طرد القوات الأوكرانية من المدينة، وتأكيده أن قوات «فاغنر» «خاضت معركة سوليدار لوحدها» أصدرت وزارة الدفاع الروسية بيانا أكدت فيه أن المعارك بين القوات الأوكرانية والروسية «لا تزال متواصلة في سوليدار».
وكانت وكالة «ريا نوفوستي» الروسية العامة للأنباء قد نشرت صورة له برفقة مقاتلين مسلحين، مشيرة إلى أنها التقطت في مناجم الملح في سوليدار. ونفى الجيش الأوكراني على الفور هذه الأنباء، مؤكداً أن مدينة سوليدار «أوكرانية وستبقى كذلك»، مشيراً إلى أنه «غير صحيح» أن رئيس مجموعة فاغنر بريغوجين موجود في سوليدار.
ونفى سيرهي شيريفاتي، المتحدث باسم القوات المسلحة الأوكرانية في الجهة الشرقية، التصريحات التي أدلى بها الجيش الروسي بشأن استيلائه على بلدة سوليدار. وقال شيرفاتي: «يقول الروس إن سوليدار تحت سيطرتهم، وهذا غير صحيح، انتظروا التفاصيل في تقرير هيئة الأركان العامة»، بحسب وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية «يوكرينفورم». وفي إطار متصل، نفت إدارة الاتصالات الاستراتيجية للقوات المسلحة الأوكرانية صحة الصور التي نشرتها الخدمة الصحافية لشركة فاغنر لتأكيد استيلاء الروس على بلدة سوليدار. وقالت مجموعة فاغنر، على تلغرام، إن الجنود الأوكرانيين المحاصرين تلقوا إنذارا نهائيا للاستسلام بحلول منتصف الليل.
وقالت نائبة وزير الدفاع الأوكراني غانا ماليار على تلغرام إن هناك «معارك عنيفة مستمرة في سوليدار»، مضيفة أن الروس «حاولوا اختراق الدفاع الأوكراني» و«السيطرة على المدينة تماما، لكن لم ينجحوا» في ذلك. وأكد الجيش الروسي أيضا وقوع معارك في المدينة الصغيرة في منطقة دونيتسك. وتعد المعارك التي يخوضها الجيشان الروسي والأوكراني للسيطرة على سوليدار وباخموت في شرق أوكرانيا «الأكثر دموية» منذ بداية الغزو الروسي، على ما قال ميخايلو بودولياك مستشار الرئاسة الأوكرانية الأربعاء. وصرّح في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية «كل ما يحدث اليوم في باخموت وسوليدار هو السيناريو الأكثر دموية لهذه الحرب».
وقد لا ترتدي سوليدار أهمية استراتيجية كبيرة، إلا أن الاستيلاء عليها يسمح لموسكو أخيراً بتحقيق نصر عسكري بعد عدة انتكاسات منذ سبتمبر (أيلول) الماضي ولقائد مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، لتعزيز نفوذه المتزايد على المشهد السياسي الروسي.
وأوضحت وزارة الدفاع الروسية في بيان، أن «وحدات مجوقلة عطلت الوصول إلى الأجزاء الشمالية والجنوبية من سوليدار. القوات الجوية الروسية تضرب معاقل العدو. ووحدات هجومية تقاتل في المدينة».
وأفاد بيان الوزارة بأن إغلاق المداخل الشمالية والجنوبية لمدينة سوليدار تم بواسطة وحدات القوات المحمولة جوا التابعة للقوات المسلحة الروسية. في الأثناء، بدا أن القوات الروسية وقوات الانفصاليين الموالين لموسكو في دونيتسك نجحتا في تحقيق تقدم مهم نحو مدينة باخموت الاستراتيجية المجاورة لسوليدار. وفي غمرة انشغال القوات الأوكرانية بتعزيز دفاعاتها في باخموت، ومحاولة إمداد القوات في سوليدار أعلن مركز الدفاع الإقليمي في دونيتسك عن «تحرير بلدة بودغورودنويه في ضواحي مدينة سوليدار» وفرض سيطرة كاملة فيها.
وجاء في بيان نشرته قوات دونيتسك على قناتها في «تلغرام» أنه «اعتبارا من 11 يناير (كانون الثاني) 2023، قامت القوات المسلحة الروسية بتحرير بلدة بودغورودنويه التابعة لجمهورية دونيتسك الشعبية».
وتقع بلدة بودغورودنويه إلى الشمال من مدينة باخموت التي تحمل بالروسية تسمية أرتيوموفسك، التي تقع بدورها في الجنوب الغربي من سوليدار.
ويوفر تقدم موسكو في المعارك الجارية على محوري سوليدار ونحو باخموت اللتين أقام الجيش الأوكراني فيهما تحصينات قوية، مجالا لقطع طرق الإمداد المباشر نحو مناطق واسعة من دونيتسك خصوصا سيفيرسك، ما يمنح القوات الروسية مجالات أوسع لتعزيز التقدم وفرض سيطرة مطلقة على المنطقة. وجاء خلال الإفادة اليومية لوزارة الدفاع حول سير العمليات العسكرية أن القوات الروسية أسقطت خلال الساعات الـ24 الماضية مقاتلة أوكرانية من طراز «سوخوي - 27» في دونيتسك وقتلت أكثر من 30 جنديا أوكرانيا على محور كوبيانسك. وفي لوغانسك تمكنت القوات الروسية وفقا للبيان من «تصفية 4 مجموعات تخريب واستطلاع تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية في مناطق بلدة كوزمينو في جمهورية لوغانسك الشعبية وغابات سيريبريانسكي، حيث بلغت الخسائر التي تكبدتها القوات المسلحة الأوكرانية في هذا الاتجاه 90 جنديا بين قتيل وجريح، وتحطم مدرعتين قتاليتين و3 مركبات». وأضاف الإيجاز العسكري أنه «نتيجة لأضرار النيران التي لحقت بوحدات اللواء الميكانيكي رقم 61، ولواء الدبابات رقم 17 التابع للقوات المسلحة الأوكرانية، تم تصفية ما يصل إلى 80 جنديا أوكرانيا ودبابة واحدة و3 مدرعات قتالية ومركبتين».


مقالات ذات صلة

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

أوروبا رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف (رويترز)

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

نقلت «وكالة الإعلام الروسية» عن رمضان قديروف رئيس الشيشان قوله اليوم الأربعاء إن طائرة مسيّرة أطلقتها أوكرانيا هاجمت العاصمة غروزني وتسببت في سقوط مدنيين.

«الشرق الأوسط» (غروزني)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (رويترز)

«الناتو» يدعو الغرب لتوفير «دعم كافٍ» لأوكرانيا لـ«تغيير مسار» الحرب

حضّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، الأربعاء، أعضاء الناتو على تزويد أوكرانيا بما يكفي من أسلحة لـ«تغيير مسار» الحرب.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

حذر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» ترمب من أن الولايات المتحدة ستواجه «تهديداً خطيراً».

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي أشخاص ورجال إنقاذ سوريون يقفون بالقرب من أنقاض مبنى في موقع غارة جوية على حي في مدينة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في شمال سوريا، 2 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحمّل روسيا وإيران مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا

قالت أوكرانيا، الاثنين، إن روسيا وإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، حيث سيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها على مساحات واسعة من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في أثينا 26 أكتوبر 2020 (رويترز)

لافروف يتهم الغرب بالسعي إلى وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الدول الغربية، الاثنين، بالسعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بهدف إعادة تسليح كييف بأسلحة متطورة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

قائدا الجيشين الأميركي والروسي يجريان اتصالا هاتفيا وسط تصاعد التوتر

فرقاطة رروسية تطلق صاروخا من طراز زيركون الفرط الصوتي خلال المناورة التي جرت شرق المتوسط (رويترز)
فرقاطة رروسية تطلق صاروخا من طراز زيركون الفرط الصوتي خلال المناورة التي جرت شرق المتوسط (رويترز)
TT

قائدا الجيشين الأميركي والروسي يجريان اتصالا هاتفيا وسط تصاعد التوتر

فرقاطة رروسية تطلق صاروخا من طراز زيركون الفرط الصوتي خلال المناورة التي جرت شرق المتوسط (رويترز)
فرقاطة رروسية تطلق صاروخا من طراز زيركون الفرط الصوتي خلال المناورة التي جرت شرق المتوسط (رويترز)

قال الجيش الأميركي، أمس الأربعاء، إن قائد الأركان المشتركة الجنرال تشارلز كيو براون تحدث هاتفيا مع رئيس الأركان العامة الروسي فاليري غيراسيموف الأسبوع الماضي، وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها براون مع نظيره الروسي.

وقال متحدث باسم براون في بيان إن الاثنين «ناقشا عددا من القضايا الأمنية العالمية والإقليمية بما في ذلك الصراع الدائر في أوكرانيا». وجرت المكالمة النادرة في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) لكن «بناء على طلب الجنرال غيراسيموف، وافق الجنرال براون على عدم الإعلان بشكل استباقي عن المكالمة».

وذكر مسؤول أميركي لقناة «إي بي سي» أن موسكو «حذرت واشنطن خلال المكالمة من أنها ستنفذ تجارب لإطلاق صواريخ تفوق سرعة الصوت في شرق المتوسط»، وأن «على السفن الأميركية الابتعاد عن منطقة الهدف لأسباب تتعلق بالسلامة».

وقال المتحدث إن وزارة الدفاع الروسية هي من طلبت المكالمة. وزاد التوتر في الأسابيع الأخيرة بعدما أطلقت أوكرانيا صواريخ أميركية وبريطانية على أهداف داخل روسيا على الرغم من تحذيرات موسكو بأنها ستعتبر مثل هذا الإجراء تصعيدا كبيرا.