معركة باخموت

معركة باخموت
TT

معركة باخموت

معركة باخموت

إذا اعتبرنا أن للحرب 3 مستويات: الاستراتيجيّ، والعملاني، والتكتيكي، فإن معركة باخموت تصب في المستوى العملاني وبامتياز. إنها أقل من مركز ثقل، وأكثر من هدف عاديّ. منها يمكن الانطلاق إلى أهداف ذات قيمة استراتيجيّة أكبر.
عمر المعركة في باخموت أكثر من 6 أشهر. وهي مرّت بمرحلتين. في المرحلة الأولى التي دامت 100 يوم، كان القتال فيها من قبل الجيش الروسي المحترف. بعدها، تولّت شركة «فاغنر» القتال، ولا تزال. حتى الآن، خسرت هذه الشركة خلال شهرين أكثر من ألف قتيل، حتى قيل عن المعركة إنها مطحنة بشر.
في هذه المعركة تدور عدّة معارك خاصة. من جهة يريد مموّل شركة «فاغنر» يفغيني بريغوجين، أن يثبت أن شركته هي الوحيدة القادرة على تحقيق إنجازات عسكريّة، بعد اتهامه لوزارة الدفاع الروسيّة بالتقصير؛ خصوصاً بعد سقوط خاركيف بيد القوات الأوكرانيّة، والانسحاب الطوعي- القسري المُذلّ للقوات الروسيّة من مدينة خيرسون. كما يريد أن يُشرعن شركته؛ لأن القانون الروسي لا يسمح بالشركات الأمنيّة الخاصة. يريد بريغوجين أن يحجز مقعداً ودوراً سياسياً له للمرحلة القادمة. وأخيراً وليس آخراً، يريد ثروات هذه المدينة من مناجم ملح وجبس.
لكن السعي من قبل مموّل «فاغنر» بريغوجين للحصول على ثروات باخموت، هو ليس أمراً جديداً. ففي عام 2018 زجّ بريغوجين بمقاتلي «فاغنر» في الشرق السوري للاستيلاء على آبار النفط شرق الفرات، وذلك لقاء حصّة من إنتاج الآبار تقدّر بـ20 في المائة. كشف الأميركيّون هذه الخطة، فقُتل من مقاتلي «فاغنر» ما يقارب مائتي مقاتل، لم تعترف بهم السلطات الروسيّة بشكل علني ورسميّ.
- موقع باخموت
كانت باخموت أيام القياصرة الروس محطّة تجاريّة مهمّة، هذا إذا ما أضيفت ثرواتها الطبيعيّة إلى المعادلة. شكّلت باخموت الخلفيّة الآمنة، والممر اللوجستي لمدينتَيّ سيفيريدونتسك وليسيشانسك، خلال المعارك الطاحنة التي دارت فيهما وقبل سقوطهما. وهي تشكّل حاليّاً السدّ الأهم أمام التقدّم الروسي إلى مدينتَيّ سلوفيانسك وكراماتورسك. يمر في باخموت الخطّ الدولي E-40، وهو الخطّ الذي يمرّ بسلوفيانسك وكراماتورسك، ومدينة إزيوم، وحتى خاركيف. أيضاً، تعتبر المدينة محوراً أساسياً لخطوط السكك الحديدية. لذلك يُعتبر سقوط باخموت، كما سقوط المدينتين، كأنه استكمال تحقيق أهداف الرئيس بوتين، بالسيطرة الكاملة على إقليم دونباس.
يقول مموّل شركة «فاغنر» بريغوجين، إن كلّ بيت في باخموت هو كالقلعة المحصّنة. وعند كلّ 10 أمتار هناك خطّ دفاع. فهل يُصعّب بريغوجين المهمّة على طريقة عنترة بن شدّاد، ليؤخذ الإنجاز على أنه عظيم؟ أم أن باخموت فعلاً هي قلعة؟ على ما يبدو أن باخموت كانت قد تحضّرت مسبّقاً لهذا السيناريو.
- بوتين في باخموت
في خطابه بمناسبة الأعياد، ركّز الرئيس بوتين على وحدة الأراضي الروسيّة، وعلى السيادة الكاملة. وإذا كان بوتين قد ضمّ سابقاً الأقاليم الأربعة: لوغانسك، ودونيتسك، وزابوريجيا، وخيرسون، وإذا كان لا يزال بعض هذه الأقاليم تحت السيطرة الأوكرانيّة، فمن الطبيعي أن يسعى الرئيس بوتين إلى تحرير الأرض المحتلّة (هذا حسب منطقه)، وهنا تشكّل باخموت جزءاً من هذه الأراضي المحتلة. لذلك يعتبر السعي للاستيلاء عليها كأنه عملية تموضع عملانيّة تكتيكيّة للقوات الروسيّة، وذلك استعداداً للحرب التي يعدّ لها الرئيس بوتين لمرحلة ما بعد الشتاء.
في طريقة القتال– العقيدة العسكريّة... الكلّ خاسر
في قتال المدن، تُستهلك عادة قوات النخبة. هذا ما حصل مع القوات الروسية في مدينتَيّ سيفيريدونتسك وليسيشانسك. والدليل على ذلك هو أن الرئيس بوتين كان قد أعطى وقفة عملانيّة للقوات الروسيّة فور سقوط المدينتين (Operational Pause).
وبعد سقوط مدينة سيفيريدونتسك، زار الرئيس الأوكراني مدينة ليسيشانسك، وأعطى الأمر بالانسحاب منها بهدف توفير الجهد، والحفاظ على القوات الأوكرانيّة للمعركة القادمة. وبالفعل، استنزفت حرب المدينتين القوات الروسيّة، فكانت الخسارة الكبيرة في خاركيف، وخيرسون. فبعد حرب المدينتين استردّت القوات الأوكرانيّة نحو 40 في المائة من الأراضي التي استولت عليها القوات الروسيّة منذ فبراير (شباط) 2022.
قبل زيارته لواشنطن، زار الرئيس الأوكراني مدينة باخموت؛ لكنه لم يعطِ أمر الانسحاب منها كما فعل سابقاً مع مدينة ليسيشانسك. فهل قرّر فعلاً الاستماتة للحفاظ على باخموت، في ظلّ الأخبار التي تقول إن هناك تعزيزات عسكريّة أوكرانيّة متجهة إلى باخموت؟ وهل فعلاً يناسب الدفاع القوات الأوكرانيّة؟ وماذا عن المساعدات الجديدة من عربات مدرّعة وغيرها، والتي تعطي الجيش الأوكراني حركيّة وقدرة مناورة للهجوم؟


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.