إثيوبيا «لترميم» سياستها الخارجية... فهل يشهد ملف «سد النهضة» جديداً؟

بعد هدنة الـ«تيغراي» والسعي لإحلال السلام

جانب من سد النهضة (أرشيفية)
جانب من سد النهضة (أرشيفية)
TT

إثيوبيا «لترميم» سياستها الخارجية... فهل يشهد ملف «سد النهضة» جديداً؟

جانب من سد النهضة (أرشيفية)
جانب من سد النهضة (أرشيفية)

تسعى إثيوبيا حالياً إلى الاستفادة من هدوء جبهتها الداخلية واتخاذ خطوات لإحلال السلام، بعد شهرين من اتفاق الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير شعب «تيغراي» على إنهاء الحرب بينهما، لترميم سياستها الخارجية وإعادة ترتيبها.
وتحدثت تقارير إعلامية إثيوبية عن مساعي الحكومة الفيدرالية، بقيادة آبي أحمد، للاستفادة من أوضاع دولية مواتية من أجل تعزيز حضور أديس أبابا على الساحتين الإقليمية والدولية، وبالأخص على مستوى العلاقات الغربية التي تضررت جراء المواقف الغربية الناقدة لممارسات الحكومة الإثيوبية خلال الحرب في «تيغراي»، التي استمرت عامين، وأودت بحياة عشرات الآلاف من الجانبين، منذ اندلاع القتال في سبتمبر (أيلول) 2020.
ورصد مراقبون، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، تكثيفاً واضحاً من قبل الحكومة الإثيوبية لتحركاتها في مسار إعادة بناء السياسة الخارجية، التي بدأت بحضور رئيس الوزراء الإثيوبي للقمة الأميركية الأفريقية، التي أقيمت بالعاصمة الأميركية واشنطن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتقى آبي أحمد خلالها بالرئيس الأميركي جو بايدن، الأمر الذي طرح تساؤلاً حول ما إذا كانت تلك التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية الإثيوبية يمكن أن تمتد إلى ملف «سد النهضة» الذي يشهد جموداً في المفاوضات بشأنه بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان منذ إجراء آخر جولة تفاوضية بينهم في 10 يناير (كانون الثاني) 2021.
وأكد ويليام ديفيسون، الباحث المختص في الشؤون الإثيوبية بمجموعة الأزمات الدولية، أن الحكومة الإثيوبية تسعى بالفعل حالياً إلى «ترميم» علاقاتها الخارجية، التي تأثرت سلباً خلال الحرب في إقليم «تيغراي»، وأدت إلى توتر علاقات أديس أبابا بعدد من الدول الكبرى، وبخاصة الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
وأوضح ديفيسون لـ«الشرق الأوسط» أن ذلك التوتر لم يحل دون حضور رئيس الوزراء آبي أحمد للقمة الأميركية الأفريقية الشهر الماضي، وعقد لقاء مع الرئيس بايدن، لافتاً إلى أن إثيوبيا «تستهدف بشكل واضح تحسين علاقاتها السياسية من أجل تحقيق أهداف اقتصادية لا تقل أهمية عن تحسين موقفها الإقليمي والدولي»، ويشير إلى أن «حالة عدم اليقين التي سادت منذ عام 2020 أدت إلى تداعيات سلبية على الاستثمار الأجنبي المباشر، وكذلك التعاون السياسي والاقتصادي مع أديس أبابا، وهو ما تسعى إثيوبيا لتداركه حالياً».
ويتابع ديفيسون القول إن تشكيلة مجلس الأمن المقبلة ستضم مجموعة من الدول التي تملك أديس أبابا علاقات جيدة معها، كما ستخرج من المجلس دول اتخذت مواقف تصويتية صارمة ضد مواقف أديس أبابا، بما في ذلك فنلندا وآيرلندا، وهو ما يمكن أن يفيد من تحسن علاقات إثيوبيا الخارجية.
من جانبه، أكد الدكتور أحمد أمل، أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، أن إثيوبيا تحاول استعادة نهجها الذي اتبعته منذ عهد رئيس الوزراء الأسبق ميليس زيناوي في تسعينات القرن الماضي، وهو الحفاظ على علاقات متوازنة بين القوى الكبرى، مشيراً إلى أن ذلك النهج «لم يتغير إلا خلال الحرب الأخيرة في إقليم تيغراي، ما تسبب في الإضرار بعلاقات إثيوبيا مع دول غربية عدة».
وأضاف أمل لـ«الشرق الأوسط» أن العلاقات الوثيقة بين إثيوبيا والصين، خاصة على المستوى الاقتصادي والتنموي، لن تحول دون مساعي استعادة أديس أبابا لعلاقاتها القوية مع الولايات المتحدة. فلطالما كانت الأخيرة «حليفاً قوياً» للسلطات الإثيوبية، خاصة في ملف مكافحة الإرهاب، وإدارة ترتيبات الأمن الإقليمي بمنطقة شرق أفريقيا، واستضافت في بعض الأحيان وجوداً عسكرياً أميركياً لضبط الأوضاع في الصومال، قبل أن يكون لواشنطن حضور ثابت عبر قاعدتها العسكرية في القرن الأفريقي.
ويتابع أن اتفاق وقف القتال في إقليم «تيغراي» يحظى بدعم واهتمام من جانب الولايات المتحدة، وأن لقاء آبي أحمد - بايدن الأخير يعكس حضوراً ورغبة أميركية واضحة في استعادة الدور لضبط المسار الإثيوبي من جديد و«العودة إلى قواعد اللعبة القديمة».
واستبعد أمل أن تؤدي الضغوط الغربية لإجراء تحقيقات شفافة بشأن الاتهامات بارتكاب جرائم حرب في إقليم «تيغراي» إلى عرقلة ملف تحسين العلاقات بين الجانبين، مشيراً إلى أن أديس أبابا «تبدي تجاوباً بالفعل مع تلك المطالب»، وأجرت محاكمات لصغار الجنود، كما أن رئيس الوزراء الإثيوبي «يجيد استخدام الوجه الحقوقي له عند مخاطبة الغرب».
وحول ما إذا كانت الخطوات الإثيوبية الراهنة لتحسين ملف علاقاتها الخارجية يمكن أن يمتد إلى ملف سد النهضة، اتفق الباحثان ويليام ديفيسون، وأحمد أمل على أن قضية «سد النهضة» تتجاوز وفق الرؤية الإثيوبية كونها «قضية سياسة خارجية».
وبينما أشار ديفيسون إلى أن تلك القضية «تُستخدم في كثير من الأحيان لمخاطبة الشعور الوطني في الداخل الإثيوبي»، وإلى أنها «ترتبط بعوامل السياسة الداخلية أكثر من ارتباطها بأبعاد السياسة الخارجية»، توقع أمل أن تواصل إثيوبيا «تسييس ورقة سد النهضة» على الساحتين الإقليمية والدولية لتعظيم مكانتها إقليمياً في شرق أفريقيا، وأيضاً تقديم نفسها كلاعب مؤثر في منطقة الشرق الأوسط بتصدير أزمة ضاغطة على دولة كبيرة مثل مصر، وهو ما يستدعي اهتمام أطراف إقليمية أخرى بالمنطقة، فضلاً عن التوظيف الداخلي للقضية.
ولم يستبعد أمل أن «يمتد المناخ التصالحي إلى موضوع سد النهضة»، لكنه أضاف: «لا يجب أيضاً في الوقت ذاته أن نبالغ في توقعاتنا، بالنظر إلى تعقد تفاصيل الملف، وإصرار إثيوبيا على اعتماد آلية الاتحاد الأفريقي كوسيط، رغم عدم امتلاك الأخير للأدوات الفنية والقانونية القادرة على حل تلك القضية الإشكالية».
ويثير السد أزمة بين الدول الثلاث؛ مصر والسودان وإثيوبيا؛ حيث تطالب مصر والسودان بجدول زمني متفق عليه قانونياً وفنياً للملء والتشغيل والتشارك حول بيانات السد، فيما تواصل الحكومة الإثيوبية عمليات تشييد السد وملء خزانه المائي عبر 3 مراحل حتى الآن، كان آخرها الصيف الماضي، بحجم 22 مليار متر مكعب، وسط تقارير باستعداد السلطات الإثيوبية لملء رابع، صيف هذا العام.


مقالات ذات صلة

ما مستقبل الخلاف بين متمردي «أوروميا» والحكومة الإثيوبية؟

العالم ما مستقبل الخلاف بين متمردي «أوروميا» والحكومة الإثيوبية؟

ما مستقبل الخلاف بين متمردي «أوروميا» والحكومة الإثيوبية؟

أثار عدم التوصل إلى اتفاق، بعد محادثات سلام أولية بين الحكومة المركزية الإثيوبية، ومتمردي إقليم «أوروميا»، تساؤلات حول مستقبل تلك المحادثات، واحتمالات نجاحها، وأسباب تعثرها من البداية. ورأى خبراء أن «التعثر كان متوقعاً؛ بسبب عمق الخلافات وتعقيدها»، في حين توقّعوا أن «تكون المراحل التالية شاقة وصعبة»، لكنهم لم يستبعدوا التوصل إلى اتفاق. وانتهت الجولة الأولى من المحادثات التمهيدية بين الطرفين، دون اتفاق، وفق ما أعلنه الطرفان، الأربعاء.

العالم رئيس الحكومة الإثيوبية يُعلن مقتل عضو بارز في الحزب الحاكم

رئيس الحكومة الإثيوبية يُعلن مقتل عضو بارز في الحزب الحاكم

أعلن رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد اليوم (الخميس) مقتل مسؤول الحزب الحاكم في منطقة أمهرة الواقعة في شمال البلاد. وقال آبي أحمد عبر «فيسبوك»، إنّ «أولئك الذين لم يتمكّنوا من كسب الأفكار بالأفكار، أخذوا روح شقيقنا جيرما يشيتيلا». واتهم أحمد، وفقا لما نقلته وكالة «الصحافة الفرنسية»، «متطرّفين يتسمون بالعنف» بالوقوف وراء هذا العمل الذي وصفه بـ«المخزي والمروّع».

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
العالم محادثات سلام «غير مسبوقة» بين حكومة إثيوبيا ومتمردي «أورومو»

محادثات سلام «غير مسبوقة» بين حكومة إثيوبيا ومتمردي «أورومو»

تنطلق في تنزانيا، الثلاثاء، محادثات سلام غير مسبوقة بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية ومتمردي إقليم أوروميا، ممثلين في «جبهة تحرير أورومو» التي تخوض معارك مع القوات الحكومية بشكل متقطع منذ عقود. وتسعى أديس أبابا لإبرام اتفاق سلام دائم مع متمردي الإقليم، الذي يشغل معظم مناطق وسط البلاد، ويضم مجموعة من الفصائل المسلحة التابعة لقومية الأورومو، على غرار ما حدث في «تيغراي» شمالاً، قبل 5 أشهر، خشية دخول البلاد في حرب جديدة مع تصاعد التوتر بين الجانبين. وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي زار مدينة نكيمتي بالإقليم مؤخراً، أن «جولة مفاوضات ستبدأ معهم (جيش تحرير أورومو) الثلاثاء في تنزانيا»، في أ

محمد عبده حسنين (القاهرة)
شمال افريقيا هل تستغل إثيوبيا اضطرابات السودان لحسم «الخلاف الحدودي»؟

هل تستغل إثيوبيا اضطرابات السودان لحسم «الخلاف الحدودي»؟

عاد الخلاف الحدودي بين إثيوبيا والسودان، بشأن منطقة «الفشقة»، إلى الواجهة، بعد أنباء سودانية عن نشاط «غير اعتيادي» للقوات الإثيوبية ومعسكراتها، في المنطقة المتنازع عليها، منذ بداية الاضطرابات الأخيرة في السودان.

محمد عبده حسنين (القاهرة)
أفريقيا إثيوبيا: متمردو تيغراي يُظهرون «جدية» في تنفيذ اتفاق السلام

إثيوبيا: متمردو تيغراي يُظهرون «جدية» في تنفيذ اتفاق السلام

أظهر متمردو إقليم «تيغراي» شمال إثيوبيا، «جدية» في تنفيذ اتفاق السلام، الموقَّع قبل نحو 5 أشهر، مع الحكومة الفيدرالية بأديس أبابا، وذلك بتسليمهم مزيداً الأسلحة، ضمن عملية نزع سلاح الإقليم ودمج مقاتليه في الجيش الوطني. وحسب نائب مفوض «إعادة التأهيل الوطني»، العميد ديريبي ميكوريا، اليوم (الخميس)، فإن «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي سلمت الدفعة الأولى من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة المتنوعة التي تم جمعها حول منطقة دينقولات في إقليم تيغراي». وأنهى اتفاق السلام، الموقّع في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حرباً عنيفة استمرت عامين، راح ضحيتها الآلاف، حسب منظمات دولية.

محمد عبده حسنين (القاهرة)

عودة ترمب تضع قادة العالم في مأزق: تهانٍ دبلوماسية بعد انتقادات لاذعة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
TT

عودة ترمب تضع قادة العالم في مأزق: تهانٍ دبلوماسية بعد انتقادات لاذعة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)

عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض بعد فوزه في انتخابات 2024، مما وضع عدداً من قادة العالم في موقف دبلوماسي حرج، حيث وجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة تعليقاتهم السابقة، التي شنَّت هجمات قاسية عليه. وبينما كانوا ينتقدون سياساته خلال ولايته الأولى، فإنهم اليوم يصوغون رسائل تهنئة ويدخلون في محادثات دافئة معه، استعداداً لمرحلة جديدة من العلاقات بين بلدانهم والولايات المتحدة. وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست».

في أوروبا، تزداد المخاوف بشأن تداعيات عودة ترمب على الأمن القاري، خصوصاً في ظل تصريحاته السابقة التي أشار فيها إلى أن حلف «الناتو» لا يفي بالتزاماته المالية.

في المملكة المتحدة، اضطر ديفيد لامي، وزير الخارجية الحالي في حكومة حزب «العمال»، إلى تقديم تهنئة رسمية لترمب، رغم سجله السابق في انتقاده، حيث كان قد وصفه بأنه «عنصري، ومعتل نفسي، وتهديد للنظام الدولي». ويأتي ذلك في سياق تعليقات ساخرة من المعارضة السياسية ووسائل الإعلام، حيث عنونت صحيفة «ديلي ستار» البريطانية على صفحتها الأولى بـ«هذا محرج».

حتى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي بارك فوز ترمب، واجه تلميحات ساخرة من الزعيمة الجديدة لحزب المحافظين، كيمي بادنوش، التي تساءلت عمّا إذا كان ستارمر قد اعتذر لترمب عن تصريحات لامي السابقة. وفي حين لم يرد ستارمر مباشرة، فإنه أشار إلى أن لقاءه الأخير ترمب كان بنّاءً للغاية.

وفي فرنسا، هنَّأ الرئيس إيمانويل ماكرون الرئيس الأميركي المنتخب ترمب، عبر محادثة وصفها مكتبه بـ«الدافئة»، رغم علاقة شابها كثير من التوتر خلال ولاية ترمب السابقة. فبعد فترة من المصافحات الحماسية والخلافات السياسية، يستعد ماكرون الآن للتعامل مع ترمب في قضايا دولية ملحة، مثل الحرب في أوكرانيا، والصراع في الشرق الأوسط.

وعلى غرار الساسة الأوروبيين، قام سفير أستراليا في واشنطن، كيفن رود، بحذف منشورات سابقة وصف فيها ترمب بأنه «مدمر، وخائن للغرب». وأعرب رود عن استعداده للعمل مع الإدارة الأميركية الجديدة؛ لتعزيز العلاقات الثنائية.

يشير المشهد الحالي إلى أن العودة السياسية لترمب قد تضع علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها على محك جديد، خصوصاً في ظل تحديات دولية تتطلب تنسيقاً مشتركاً، في حين يبرز المأزق الذي يواجهه قادة العالم بين تصريحاتهم السابقة والواقع السياسي الجديد.