«العلم والنشيد»... أزمة بين أنصار القذافي والمجلس الرئاسي الليبي

المشري يكشف عن «شرط دستوري» يمنع سيف الإسلام من الترشح للرئاسة

جانب من الملتقى التحضيري للمؤتمر الجامع للمصالحة في طرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)
جانب من الملتقى التحضيري للمؤتمر الجامع للمصالحة في طرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

«العلم والنشيد»... أزمة بين أنصار القذافي والمجلس الرئاسي الليبي

جانب من الملتقى التحضيري للمؤتمر الجامع للمصالحة في طرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)
جانب من الملتقى التحضيري للمؤتمر الجامع للمصالحة في طرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)

تسبب العلم والنشيد الوطني، المعتمدان في ليبيا راهناً منذ عام 2011، في إحجام أنصار النظام السابق عن المشاركة في «الملتقى التحضيري للمؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية»، الذي عقد مساء الأحد بالعاصمة طرابلس، برعاية المجلس الرئاسي، بينما أعاد خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، الحديث عن سيف الإسلام، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، وحظوظه في الترشح للانتخابات الرئاسية إلى واجهة الأحداث في البلاد مجدداً.
وفوجئ الحاضرون للملتقى التحضيري للمصالحة، بعدم وجود تمثيل لأنصار النظام السابق، في اللقاء الذي شاركت فيه شخصيات محلية وأفريقية وعربية. ووسط استغراب عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، قال إنه فوجئ «بعدم إلقاء ممثلي (تيار سبتمبر) كلمتهم في الملتقى، رغم وجودهم من بداية مشروع المصالحة في اللجنة الاستشارية خطوة بخطوة».
وأضاف اللافي، رداً على ما إذا كانت وجهت دعوة لأنصار النظام السابق أم لا، قائلاً: «ممثلو (تيار سبتمبر) كانوا معنا في الإعداد بهذا الملتقى، ولديهم إصرار على عقده بأسرع وقت، ورحبوا بانعقاده في موعده، على الرغم من وجود عراقيل لوجيستية كانت تحول دون ذلك».
ونوه اللافي، أمام الملتقى، مساء الأحد، بأنه «تلقى من أنصار النظام السابق عدداً من الأسئلة، واتفقنا عليها، فهم طلبوا إعطاء كلمة للأطراف كافة ووافقنا على ذلك، لكن فوجئت بتأخرهم عندما طلبت منهم إدارة الملتقى إلقاء كلمتهم». واعترف اللافي بأن سبب إحجامهم يرجع إلى نقطتي «العلم والنشيد»، دون مزيد من التوضيحات، لكنه استدرك: «هذه الأمور لن تقف أمام مشروع المصالحة؛ وأنا لمست فيهم إصرارهم على المصالحة، وسأتواصل مجدداً معهم لأتفهم مطالبهم لأنهم يريدون أن تمر ليبيا لبر الأمان». وكان النشيد الذي اعتمدته ليبيا في الأول من سبتمبر (أيلول) عام 1969 وحتى 2011 مطلعه: «الله أكبر فوق كيد المعتدي»، وهو نشيد مصري اشتهر منذ العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، من كلمات الشاعر عبد الله شمس الدين، وتلحين محمود الشريف، وغناء المجموعة، بجانب العلم ذي اللون الأخضر.
وعقب سقوط النظام السابق، عاد المجلس الوطني الانتقالي إلى علم المملكة الليبية عام 1955 المعروف بالهلال والنجمة في منتصفه، بجانب اعتماد نشيدها الذي مطلعه «ليبيا ليبيا ليبيا». وتقول كلماته: «يا بلادي بجهادي وجلادي... ادفعي كيد الأعادي والعوادي واسلمي (...)»، الأمر الذي ظل يثير حفيظة أنصار النظام السابق، حتى الآن، وأعلنوا في فعاليات كثيرة عدم اعترافهم بالعلم والنشيد الحاليين. وفي سياق حديثه عن «الوثيقة الدستورية»، قال المشري إنه «يشترط ألا يكون قد صدر بحق المترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، حكم قضائي، سواء كان باتاً أو ابتدائياً».
ويرى أنصار النظام السابق أن هذا الشرط «يستهدف بشكل مباشر إقصاء سيف الإسلام، من خوض الاستحقاق المنتظر»، بالنظر إلى أنه صدر بحقه حكم غير بات. وسبق أن قضت محكمة استئناف طرابلس (دائرة الجنايات)، على سيف القذافي، بالإعدام رمياً بالرصاص في نهاية يوليو (تموز) عام 2015، لكن في نهاية مايو (أيار) 2021، أسقطت المحكمة العليا في البلاد الحكم، وأمرت بإعادة المحاكمة مرة ثانية. وأوضح المشري، في حديث إلى قناة «ليبيا الأحرار» الليبية، مساء الأحد، أن «رئيس الدولة يجب أن تكون صحيفته الجنائية خالية من أي شبهة، بغض النظر إن كان الحكم الذي صدر بحقه نهائياً أو ابتدائياً»، مشيراً إلى أن «هذه النقطة اعترض عليها أنصار النظام السابق، ورأوا فيها إقصاء لسيف».
واعتبر خالد الغويل، مستشار اتحاد القبائل الليبية للشؤون الخارجية، أن حديث المشري «يحمل تناقضاً كبيراً فيما يتعلق بقصة الأحكام»، وقال إن «الدكتور سيف الإسلام قد استهدف بقضايا كيدية الغرض منها هو التشويش، بجانب أنه لم يتقلد يوماً منصباً تنفيذياً أو تشريعياً، بل كان يعمل مع المجتمع المدني». وأضاف الغويل في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أنه «يجب أن يكون الحكم على من يترشح باتاً، لذا يظل المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته»، متابعاً: «ولو سلمنا بذلك، إذن كل الشروط توافرت في المترشح الرئاسي سيف الإسلام».
ونوه الغويل بأن «الحكم الذي صدر على سيف، ونقضته المحكمة العليا كأن لم يكن باعتبار أن المحكمة العليا تنظر في تطبيق القانون من عدمه»، وزاد: «نقول للمشري إن القاعدة الدستورية التي تم تفصيلها حسب الأهواء، لن تنطلي على الشعب الليبي، ولا يحق لك مصادرة إرادة نحو ثلاثة ملايين ناخب». وذهب الغويل إلى أن «الموضوع متعلق بتعقيد الأزمة وإطالة أمدها، وتنفيذ أجندات خارجية، وسيقول الشعب الليبي كلمته، ويحافظ على استحقاقه، ويرفض أي تلاعب بالاستحقاق، المواطنون يريدون اختيار قيادة لهم وفق القانون الانتخابي». وانتهى الغويل متوعداً بالطعن في القاعدة الدستورية، التي قال إنها صادرة عن 5 أشخاص، وتريد سلب إرادة الشعب الليبي، وسيتم العمل بالقانون الانتخابي السابق الصادر عن مجلس النواب، كما سيتم الطعن في شرعية المجلس الأعلى للدولة الذي لا يمثل إلا نفسه.
وكان قانون الانتخابات الذي أصدره مجلس النواب في 8 سبتمبر عام 2021، أحدث نوعاً من الجدل حينها لما رأوا أنه صدر بشكل منفرد، وسط اعتراضات سادت المشهد السياسي، ومن بين شروطه، ألا يكون المترشح للرئاسة «يحمل جنسية دولة أخرى عند ترشحه»، «وألا يكون محكوماً عليه (نهائياً) في جناية أو جريمة مخلة بالشرف». غير أن المشري أكد عدم قبول ترشح من صدر بحقه أي أحكام، وقال: «قد يكون هذا مقبولاً في حال لو كان الشخص متقدماً إلى شغل وظيفة عادية، لكن أمر الشبهة القضائية هنا يتعلق برئيس الدولة، فهذا ما لا يجب أن يكون».
ومضى المشري مدافعاً عن هذا الشرط، وقال إن «القاعدة القانونية يجب أن توضع مجردة، لا تستهدف إبعاد أو إدخال سيف، وهذا يتطلب ألا يكون رئيس الدولة قد صدرت ضده أحكام، حتى إن كانت غير باتة». ولتوسيع دائرة الخلاف، اشترطت «الوثيقة الدستورية» أيضاً «على العسكريين الذي يريدون الترشح للرئاسة الاستقالة النهائية من مناصبهم إذا كانوا يتولون مناصب»، ليبقى بذلك «ترشح مزدوجي الجنسية»، وهو ما قطع به المشري، بأنه لا يحق لهم خوض الاستحقاق الرئاسي.
وتناول المشري، في حديثه، أن «الوثيقة الدستورية حددت السلطة التنفيذية المقبلة في رئيس الدولة الذي يعين بدوره رئيس الحكومة»، على أن تتكون السلطة التشريعية من غرفتين؛ مجلس النواب ومقره بنغازي (شرق)، ومجلس الشيوخ ومقره طرابلس (غرب)، وتكون الانتخابات في الأول وفقاً للنظام الفردي والقائمة، وفي الثاني بالنظام الفردي فقط، شريطة أن يحوز المترشح على أكثر من 50 في المائة زائد واحد من الأصوات. ويتصاعد الجدل حول سيف القذافي منذ ظهوره للعلن بعد اختفائه 10 سنوات، وترشح للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة نهاية عام 2021، لكنها تعثرت لأسباب وصفت بأنها تتعلق بترشح «الشخصيات المثيرة للجدل»، من بينهم سيف، والدبيبة، بالإضافة إلى المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني».


مقالات ذات صلة

القاهرة لإطلاع حفتر وصالح على نتائج زيارة شكري لتركيا

العالم العربي القاهرة لإطلاع حفتر وصالح على نتائج زيارة شكري لتركيا

القاهرة لإطلاع حفتر وصالح على نتائج زيارة شكري لتركيا

كشفت مصادر ليبية ومصرية متطابقة لـ«الشرق الأوسط» عن سلسلة اتصالات، ستجريها القاهرة مع السلطات في شرق ليبيا، بما في ذلك مجلس النواب و«الجيش الوطني»، لإطلاع المعنيين فيهما على نتائج زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تركيا أخيراً. وأدرجت المصادر هذه الاتصالات «في إطار التنسيق والتشاور بين السلطات المصرية والسلطات في المنطقة الشرقية». ولم تحدد المصادر توقيت هذه الاتصالات، لكنها أوضحت أنها تشمل زيارة متوقعة إلى القاهرة، سيقوم بها عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، والمشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني». وكان خالد المشري رئيس المجلس الأعلى الدولة الليبي، ناقش مساء السبت مع وزير الخارجية ا

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي خطة حكومية عاجلة لوقف هجرة الأطباء الجزائريين إلى أوروبا

خطة حكومية عاجلة لوقف هجرة الأطباء الجزائريين إلى أوروبا

أعلنت الحكومة الجزائرية عن «خطة عاجلة» لوقف نزيف الأطباء الذين يهاجرون بكثرة، كل عام، إلى أوروبا وبخاصة فرنسا، بحثاً عن أجور عالية وعن ظروف جيدة لممارسة المهنة. وتفيد إحصاءات «مجلس أخلاقيات الطب»، بأن 15 ألف طبيب يشتغلون في المصحات الفرنسية حالياً، وقد درسوا الطب في مختلف التخصصات في الجزائر. ونزل موضوع «نزيف الأطباء» إلى البرلمان، من خلال مساءلة لوزير الصحة وإصلاح المستشفيات عبد الحق سايحي، حول ما إذا كانت الحكومة تبحث عن حل لهذه المشكلة التي تتعاظم من سنة لأخرى.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
العالم العربي تونس تتهيأ لاستقبال وزير الخارجية السوري تتويجاً لإعادة العلاقات

تونس تتهيأ لاستقبال وزير الخارجية السوري تتويجاً لإعادة العلاقات

يبدأ وزير الخارجية السوري فيصل المقداد اليوم زيارة إلى تونس تستمر حتى الأربعاء بدعوة من نظيره التونسي نبيل عمار، لإعلان استكمال المراحل المؤدية إلى إعادة العلاقات الثنائية بين البلدين، والبحث في كثير من الملفات الشائكة والعالقة على رأسها ملف الإرهاب، واستقبال الساحة السورية لآلاف من الشباب التونسيين المنضوين في صفوف التنظيمات الإرهابية. وأوردت مختلف وسائل الإعلام التونسي أخباراً حول الزيارة، وبقراءات عدة، من بينها التأكيد على أنها «ترجمة للتوازنات الجيوسياسية الإقليمية التي تعرفها المنطقة العربية، ومن بينها السعي نحو عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية». وكانت مؤسسة الرئاسة التونسية صورت عودة ا

المنجي السعيداني (تونس)
العالم العربي المغرب: دعوة لإسقاط مشروع قانون «اللجنة المؤقتة» لتسيير مجلس الصحافة

المغرب: دعوة لإسقاط مشروع قانون «اللجنة المؤقتة» لتسيير مجلس الصحافة

دعت «الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالمغرب» -أحد ممثلي ناشري الصحف في البلاد- أعضاء البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين)، إلى إسقاط مشروع قانون صادقت عليه الحكومة، يقضي بإنشاء لجنة مؤقتة لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» المنتهية ولايته، بدل إجراء انتخابات. وجاءت هذه الدعوة في وقت ينتظر فيه أن يشرع مجلس النواب في مناقشة المشروع قريباً. وذكر بيان لـ«الفيدرالية» مساء السبت، أنه تلقى «بارتياح، التصدي القوي والتلقائي لهذا المشروع من طرف الرأي العام المهني، والمجتمع المدني، وفاعلين جمعويين وسياسيين، وشخصيات مشهود لها بالنزاهة والكفاءة»، معتبراً: «إن هذا الموضوع لا يهم باستهداف منظمات مهن

«الشرق الأوسط» (الرباط)
العالم العربي باشاغا: ترشحي للرئاسة الليبية سيتحدد بعد صدور القوانين المنظمة للانتخابات

باشاغا: ترشحي للرئاسة الليبية سيتحدد بعد صدور القوانين المنظمة للانتخابات

قال فتحي باشاغا، رئيس حكومة «الاستقرار» الليبية، إنه باقٍ في منصبه «إلى أن تتفق الأطراف الليبية كافة على قوانين انتخابية يُرحب بها دولياً، والبدء في الإعلان عن مواعيد محددة للاستحقاق الانتخابي...

جاكلين زاهر (القاهرة)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».