هل يشهد العالم قريباً متغير «باي» من {كوفيد ـ 19}؟

 الرحلات القادمة من الصين ستكون هدفاً للبحث عن المتغير «باي» (أ.ف.ب)
الرحلات القادمة من الصين ستكون هدفاً للبحث عن المتغير «باي» (أ.ف.ب)
TT

هل يشهد العالم قريباً متغير «باي» من {كوفيد ـ 19}؟

 الرحلات القادمة من الصين ستكون هدفاً للبحث عن المتغير «باي» (أ.ف.ب)
الرحلات القادمة من الصين ستكون هدفاً للبحث عن المتغير «باي» (أ.ف.ب)

أعلنت «منظمة الصحة العالمية» في مايو (أيار) 2021، أن «المتغيرات الرئيسية لفيروس كورونا المستجد سيتم تعيين أسمائها من الأبجدية اليونانية، بالإضافة إلى تسمياتها العلمية».
وكان الهدف هو إعطاء الجمهور طريقة بسيطة للتحدث عنها، وكذلك تجنب وصمة العار، حيث تمت الإشارة سابقا إلى المتغيرات اعتمادا على مكان اكتشافها لأول مرة. ومنذ أكثر من عام، تم منح المتغير (B.1.1.529)، المكتشف في جنوب أفريقيا، اسم «أوميكرون»، والحرف التالي سيكون هو pi «باي»، فهل سنشهد قريبا متحورا يحمل هذا الاسم؟
الإجابة على هذا السؤال تقتضي أولا معرفة كيف تنشأ المتغيرات الجديدة، والبداية تكون عند تكاثر فيروس داخل عائله البشري، فيصنع نسخا منه قد تحمل أخطاء أو طفرات، وتشبه هذه العملية إلى حد ما نسخ مستند بدون مدقق إملائي، وبالتالي ينتج عنها أخطاء إملائية.
وتقول فيكتوريا ايستون باحثة الفيروسات بكلية البيولوجيا الجزيئية والخلوية بجامعة ليدز في مقال نشرته السبت بموقع «ذا كونفرسيشن»، إن «هذه الأخطاء قد تؤدي إلى تغييرات في الأحماض الأمينية التي يتكون منها بروتين الفيروس، مما يؤدي إلى تغيير هيكله أو وظيفته، وتشكل هذه البروتينات إما البنية الهيكلية للفيروس أو بعض الآليات اللازمة لتكاثره». وتضيف: «قد تؤدي هذه الأخطاء أو الطفرات إلى إضعاف الفيروس، أو قد تجعله في بعض الأحيان أكثر قدرة على التسبب في المرض أو الانتشار أو التهرب من جهاز المناعة لدينا، وعندما يتم العثور على فيروسات مع نفس المجموعة من الأخطاء في عدد كاف من المضيفين، فإن هذه المجموعة تسمى متغيراً، وطالما استمر الفيروس في الانتشار، فسوف يستمر في التطور وستستمر متغيرات جديدة في الظهور».
والغالبية العظمى من المتغيرات تكون غير مؤثرة، لكن بعضها يكون مثيرا للقلق، عندما تشير المراقبة الجينية إلى أن لديها القدرة على أن تكون أكثر قابلية للانتقال، أو تتجنب بشكل أفضل نظام المناعة لدينا، أو تسبب مرضاً أكثر خطورة.
وحددت منظمة الصحة العالمية خمسة متغيرات مثيرة للقلق بأسماء الحروف اليونانية حتى الآن، وهي «ألفا» و«بيتا» و«جاما» و«دلتا» وأخيرا «أوميكرون». وتم تحديد أوميكرون في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وفي ذلك الوقت، أظهر تحولا جذريا في تطور الفيروس، مع مضاعفة عدد الطفرات في بروتين سبايك (بروتين على سطح الفيروس يسمح له بالالتصاق بخلايانا، مقارنةً بألفا ودلتا).
وكان هذا التغيير الجيني الدراماتيكي، إلى جانب قدرته الأكبر على الانتقال بين الناس والتهرب من المناعة السابقة، هو ما دفع «منظمة الصحة العالمية» إلى تسمية «أوميكرون» باعتباره متغيرا مثيرا للقلق.
واعتباراً من نوفمبر 2021، يعد أوميكرون هو البديل الوحيد الذي يصيب الناس، وتم تصنيف كل من المتغيرات السابقة (ألفا) و(بيتا) و(جاما) و(دلتا) على أنها متغيرات «متداولة سابقا» مثيرة للقلق.
وفي حين أن هناك اختلافات جينية بين المتحورات الفرعية من أوميكرون مثل (BA.2) و(BA.5) وأحفادهما (XBB) و(BQ.1) و(BF7) و(XBB.1.5)، فإنهم جميعا متشابهون بشكل معقول مع بعضهم البعض وسلالة أوميكرون الأصلية، وهذا هو السبب في أنهم يعتبرون من نسل أوميكرون بدلاً من وصفهم كمتغيرات قائمة بذاتها.
ورغم أن عملية ظهور متغيرات جديدة هي عملية دائمة ومستمرة، طالما ظل الفيروس موجودا في المجتمع، فإن هيمنة أوميكرون لأكثر من عام وعدم ظهور متغير جديد حتى الآن، ترجع إلى حد كبير لقدرته المتزايدة على الانتشار بين الناس، وقدرته على التهرب من المناعة السابقة من العدوى والتطعيم، وبالتالي من الصعب على متغير مختلف تماما أن ينافس أوميكرون ويثبت نفسه.
وتقول ايستون: «رغم هيمنة أوميكرون، يظل احتمال ظهور المتحور (باي) قائما، حيث يمكن أن يتطور في شخص ضعيف المناعة، حيث أظهر الفيروس القدرة على التحور بسرعة لدى الأشخاص المعرضين للخطر سريريا، والذين تكافح أجهزتهم المناعية للقضاء على الفيروس، مما يتيح له الوقت لتطوير عدد كبير من الطفرات».
ويرجح هلال فؤاد حته، أستاذ مساعد الميكروبيولوجيا الطبية والمناعة بكلية الطب جامعة أسيوط (جنوب مصر)، أن تكون زيادة عدد الإصابات بمتحور (BF7) من أوميكرون في الصين بيئة مثالية لظهور هذا المتحور الجديد، دون أن يتم الكشف عنه، وذلك رغم أن أميركا تشهد هي الأخرى انتشاراً لأحد متحورات أوميكرون، وهو المتحور (XBB.1.5).
ويضيف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «ضعف تطعيم كبار السن في الصين، مقارنة بأميركا، يعد بيئة مناسبة لإصابة يمكن أن تتسبب في إنتاج متحور جديد، وبسبب زيادة عدد الإصابات في الصين، وتقليص جهود الاختبار والمراقبة، فقد يظهر هذا المتحور الجديد دون أن يتم اكتشافه».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟