من هو المرشد الأعلى للصحوة الإسلامية؟

كتاب «حصن المسلم» وراية «داعش» وجهاز كومبيوتر تعرض كأدلة في محكمة بلجيكية ديسمبر 2022 (د.ب.أ)
كتاب «حصن المسلم» وراية «داعش» وجهاز كومبيوتر تعرض كأدلة في محكمة بلجيكية ديسمبر 2022 (د.ب.أ)
TT

من هو المرشد الأعلى للصحوة الإسلامية؟

كتاب «حصن المسلم» وراية «داعش» وجهاز كومبيوتر تعرض كأدلة في محكمة بلجيكية ديسمبر 2022 (د.ب.أ)
كتاب «حصن المسلم» وراية «داعش» وجهاز كومبيوتر تعرض كأدلة في محكمة بلجيكية ديسمبر 2022 (د.ب.أ)

لطالما طُرح هذا السؤال في التسعينات، بصورة مكثفة لم تكن موجودة من قبل: من هو المرشد الأعلى للصحوة (الإسلامية)؟ كنا نتساءل صادقين عن المرجعية. عندنا في السعودية، كان يقال إن سلمان العودة وسفر الحوالي هما من قام بهذه الوظيفة. إلا أن هذا الجواب يرد عليه أن في كل قطر عربي هناك أسماء تقوم بنفس مهمة الحوالي والعودة. كل هؤلاء في دائرة واحدة، مجرد بيادق ومرجعيات صغرى. كل هؤلاء لا يصلون إلى مرتبة المرشد، بل كلهم يقومون بوظائف أقل، ويستندون إلى اسم أكبر منهم كلهم.
برز لفترة اسم محمد سرور زين العابدين، الشيخ السوري الذي كان شيخاً للعودة والحوالي، إلا أن التحليل البسيط للمشهد يدل على أن سرور كان أقل قيمة من تلميذيه العودة والحوالي، وأن من يعرفونه ويعرّفون به ليسوا سوى تلاميذه ومنهم العودة والحوالي. أما هو فلا يكاد يكون معروفاً إلى اليوم عند أحد، لولا محاولات التلميع الأخيرة التي حدثت في آخر حياته، عندما قبل الظهور على إحدى القنوات الإخوانية مع عزام التميمي.
انتقل السؤال إلى جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، لكن الجواب جاء سريعاً بأن مرشد «الإخوان المسلمين» لا يملك سلطة على أصغر مشايخ الدين السعوديين، ولا على أمثالهم في بقية الدول العربية والإسلامية. كل بلد من البلدان العربية لديها مرجعياتها التي تصرّح بتحفظات ليست بالقليلة على نهج «الإخوان» وميوعتهم المبالغ فيها.
هذا ينطبق أيضاً على القرضاوي الإخواني الخارج بدوره عن سلطة مرشده. فالقرضاوي لا يمثل سلطة عليا على رجال الدين في السعودية وبقية الدول العربية والإسلامية. هناك «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، الذي ترأسه القرضاوي وكان نائبه سلمان العودة، وأصبح يرأسه اليوم أحمد الريسوني بعد وفاة القرضاوي، لكن هذا الاتحاد الصوري، بالإضافة إلى أنه حديث العهد، لا يملك أي مرجعية حقيقية ولا سلطة مؤثرة، ولدى الإسلاميين من التحفظات على هذا الاتحاد وأفكاره، ما يطول مقام حصره.
هل يمكن أن يكون سيد قطب وكتابه في «ظلال القرآن»، هو المرشد؟ واقعاً، لا. ينظر الإسلاميون إلى قطب على أنه رجل أدب وبلاغة وليس بشيخ دين، بمعنى أن الثقة لا يمكن أن تكون كاملة بما يصدر عنه مما يصنّف على أنه فتاوى شرعية، وإن كان بعضهم لا يستطيع كبت الافتتان برؤيته ورؤية أخيه محمد قطب عن جاهلية القرن العشرين وتكفير الحكومات القائمة، فاختلط الشِعري بالشرعي، رغم ما تعاني منه حججهما من ضعف شديد في إثبات دعواهما. فدعواهما عن كفر الحاكم لو طبقناها على خليفة المسلمين عمر بن الخطاب للزم القطبيين أن يكفّروه، لأن عمر قد غيَّر بعض الأحكام فعلاً، أسقط حد قطع يد السارق في زمن المجاعة، وهذه يمكن أن يجاب عنها بأن المجاعة لها أحكام خاصة لا تطبق في الظروف العادية. وأسقط عمر بن الخطاب حكم المؤلفة قلوبهم من الزكاة، وهذه لا يمكن الإجابة عنها لأن الحاجة للمؤلفة قلوبهم ستظل قائمة للأبد، ولا يمكن أن يقال إن الله قد أغنانا عنهم، فقد يعود الإسلام لمثل حاله الأولى في وقت الضعف، فيحتاج إلى المؤلفة قلوبهم ليدافعوا عنه. وغيَّر عمر في حكم الطلاق، فصارت الطلقات الثلاث في مجلسٍ واحد ثلاثاً، فعل هذا من باب التأديب، وهذه لو اجتمع القطبيون كلهم ليجيبوا عنها، ما أجابوا عنها علمياً.
النص القرآني واضح (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، أي أن الرجل إذا طلق امرأته ألف مرة فهي طلقة واحدة، ولا تقع عليها الطلقة الثانية إلا بعد المراجعة والصلح كفرصة ثانية، فإن طلقها بعد ذلك ثم راجعها وصالحها، فإنها ترجع وليس له بعدها إلا طلقة واحدة هي التسريح بإحسان.
استطردت في هذه القضية لأوضح سذاجة وسطحية وسُقم فهم سيد قطب وأخيه محمد للإسلام، فهما يتصوران أن أي تغيير في الحكم، ولو حُكماً واحداً، يلزم منه تكفير الحاكم. وهذا ما مارسوه ومارسه أتباعهم فعلاً خلال العقود الماضية، دون أن يحاول واحد منهم أن يجيب على سؤال أكرر طرحه منذ عشرين سنة: لماذا لم يكفّروا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، إذا كان تغيير الحكم يلزم منه تكفير الحاكم؟
من هو إذن المرشد الأعلى للصحوة الإسلامية؟
لم يعد لدي شك في أن ابن تيمية أحمد بن عبد السلام، هو من كان يقوم بهذه المهمة طوال الوقت. ابن تيمية هو المرشد الحقيقي لطريقة التعامل مع الحاكم ومع المحكومين، وهو رجل ينطبق عليه وصف «الإسلامي السياسي» بكل وضوح، وطريقته شديدة التعقيد، ولا تخلو من المراوغات الطويلة والانطلاق من الإيمان بأن رجل الدين شريك في الحكم. هذا ما اعترف به راشد الغنوشي نفسه في أحد كتبه.
لا يمكن أبداً أن ننسى واقعة الطيار الأردني معاذ الكساسبة، الذي وقع أسيراً في يد جماعة «داعش» فقاموا بإحراقه على مشهد كل القنوات الإخبارية، مستندين في ذلك على فتوى لابن تيمية تبيح مثل هذا الفعل الشنيع، من باب المعاملة بالمثل. وقد منعت الحكومة الأردنية بيع كتب ابن تيمية بعد هذه الحادثة التي لا يمكن أن تمحى من الذاكرة.
هل يمكن أن ندافع عن ابن تيمية في هذا المضمار؟ الواقع أنه ليس من حق الإرهابيين والدواعش أن يحتجوا بابن تيمية في قضية التكفير، لأنه لم يُكفّر الحكام المماليك الذين عاش في كنفهم في الشام ومصر، وأنه كان متعاوناً مع الدولة، بل إنه في بعض نصوصه شبَّه حكم السلطان محمد بن قلاوون حاكم مصر والشام والحجاز وبعض أفريقيا بأنه على منهج الخلافة الراشدة.
هنا يتضح خداع التكفيريين، وما أكثرهم، ممن يحاولون أن ينتزعوا من ابن تيمية عبارة تصلح للقياس، بحيث يكفرون الحكومات العربية اعتماداً عليه واحتجاجاً بقوله. ومع ذلك لن يجدوا في كل ما كتب ما يدعم توجههم، فموقفه واضح، هو مع الدولة وليس ضدها، ولم يحدث أبداً أن كفّر أحد السلاطين، مع أن كلامه في الجاشنكير بيبرس الثاني كان شديداً للغاية.
سيظل الإرهابيون يحتجون به على كل حال، سواء أرَضينا بذلك أم لا. وعند الباحث الصادق مع نفسه، سوف ستبقى قضية إقامة الحدود مشكلة، لأنه هو الفقيه الذي خالف الأئمة الأربعة وكل فقهاء المسلمين، عندما قرر أن إقامة الحدود لا تترك للأمراء (أي لا تترك للدولة)، بل يجوز للأفراد أن يقوموا بها، ليسوا أي أفراد، وإنما من يُظن بهم الفقه والدين. بطبيعة الحال، يمكن أن نلتمس العذر لابن تيمية بأن زمنه كان زمن ثورات وفتن، ولم يكن الاستقرار السياسي على الدرجة المطلوبة، فما كان الناس يفرغون من صد عدوان الصليبيين، حتى يحتاجوا إلى التعبئة العامة لمواجهة التتار، وفي مثل هذه الظروف قد تحدث البلبلة والفوضى وشتات الفكر.
قضية ابن تيمية وإقامة الحدود من قبل الأفراد لها قصة، هي قصة عساف النصراني، الذي ادعى عليه أشخاص أنه في وسط الشام الإسلامي سب الإسلام ونبي الإسلام، فقام ابن تيمية مع هؤلاء الأشخاص وتقدموا بشكوى للدولة، وطالبوا بقتل عساف، إلا أن الأخير أثبت للدولة أن من رفعوا عليه القضية ابتداءً، انطلقوا من عداوة شخصية ولم يقولوا الحقيقة. لا يوجد مصدر تاريخي واحد ممن نقلوا القصة أنكر أن عسافاً أثبت الخصومة هنا، فما كان من نائب السلطان الأمير في الشام إلا أن جلد ابن تيمية ومن معه لأنه رأى أنهم افتروا على الرجل.
إذا ثبت أن تلك الدعوى كانت كيدية، فهذا يعني أن حكم الأمير صحيح. ومع هذا فقد عاد وطيّب خاطر ابن تيمية ومن معه بشيء من المال، إلا أن نفسه لم تطب، وأحزنه أن يجلد أمام الملأ بهذه الصورة، فخرج ليكتب كتابه «الصارم المسلول». نص غاضب للغاية، قرر فيه وفي غيره مبادئ كارثية للغاية، مثل قوله «لا تسلم الحدود إلى السلطان إذا كان مضيّعاً لها أو عاجزاً عنها مع إمكان حفظها من دونه». ويقول: «وقول من قال (لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه)، إذا كانوا قادرين قائمين بالعدل، كما يقول الفقهاء (الأمر إلى الحاكم) إنما هو العادل القادر، فإذا كان مضيّعاً لأموال اليتامى، أو عاجزاً عنها فلا يجب تسليمها إليه مع إمكان إقامتها من دونه».
كلام واضح لا لبس فيه، وصريح أدى إلى تقرير الفوضى وإقرارها، وأنه يجوز لمن يظن في نفسه العلم والدين أن يقتل وأن يجلد دون ارتباط بالدولة. هذه الجرأة لم تقع من أي فقيه من فقهاء السنة الأربعة، ومن هنا بالضبط بدأت قصة عشق الإرهابيين لنصوص ابن تيمية.
* باحث سعودي



إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.