في الوقت الذي كان المتحور «BF7» يواصل انتشاره في الصين، كانت التفسيرات التي يعددها الخبراء لأسباب هذا الانتشار، أن سياسة «صفر كوفيد» التي نفذتها بكين حرمتهم من بناء ما يعرف بـ«المناعة المجتمعية» عن طريق العدوى الطبيعية، فضلاً عن أن معدلات تلقيح كبار السن كانت ضعيفة، وأخيراً نوعية اللقاحات الصينية.
وعلى عكس هذه الأسباب الثلاثة، كان الوضع الأميركي مثالياً من حيث جودة اللقاحات (لقاحات الرنا مرسال)، والسماح بالمناعة المجتمعية، ومعدات التلقيح المرتفعة، ومع ذلك شهدت أميركا انتشاراً للمتحور «XBB.1.5»، الذي وصفته منظمة الصحة العالمية مؤخراً، بأنه الأكثر قابلية للانتقال بين متحورات «أوميكرون»، وهو ما يثير تساؤلات تبدو منطقية حول مدى فاعلية اللقاحات.
وعلى مدار ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ارتفعت النسبة المئوية للإصابات الجديدة بـ«كوفيد - 19» في الولايات المتحدة الناجمة عن المتحور «XBB.1.5» من 4 في المائة إلى 41 في المائة، وهي زيادة وصفها أشيش جها، منسق استجابة البيت الأبيض لـ«كوفيد - 19»، بـ«الزيادة المذهلة»، وذلك في تعليق كتبه على «تويتر».
وقالت ماريا فان كيركوف، عالمة الأوبئة ومسؤولة القيادة الفنية لمنظمة الصحة العالمية بشأن «كوفيد - 19»، في تصريحات نقلتها شبكة «سي إن إن» في 4 يناير (كانون الثاني) الجاري: «نحن قلقون بشأن ميزة نمو هذا المتحور»، مشيرة إلى أن هذا المتحور الذي تم اكتشافه لأول مرة في الولايات المتحدة، انتشر في ما لا يقل عن 29 دولة، وهو «أكثر أشكال أوميكرون القابلة للانتقال حتى الآن».
ورغم ما يبدو أنه مثير للارتباك من حيث اختلاف أميركا والصين في إجراءات المكافحة، واتفاقهما من حيث حدوث ارتفاع في أعداد الإصابات، فإن أمجد الخولي، رئيس اللوائح الصحية الدولية بمكتب إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، يشير إلى أنه «حتى يمكن المقارنة بين بلدين في فاعلية اللقاحات في منع الإصابة، يجب توحيد عناصر المقارنة، وهو أمر صعب للغاية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك عدد من العناصر تؤثر على انتشار الفيروس، ومنها درجة الحرارة، فالمعروف أنه ينتشر في الشتاء بشكل أسرع، وسلوكيات الناس وعاداتهم، ومعدلات استخدام اللقاح، والسلالة الفيروسية المنتشرة في المجتمع»، موضحاً أنه «حتى نستطيع أن نقارن بين فاعلية لقاحين مختلفين في مجتمعين، فيجب التأكد من اتفاق هذين المجتمعين في تلك العناصر، وهذا أمر صعب تحقيقه، لأن لكل مجتمع خصوصيته». وأضاف أنه «يمكن أن تتباين فاعلية اللقاح الواحد بين مجتمعين، لأن العناصر التي أشرنا إليها تختلف بينهما».
وينتقل الخولي من ذلك إلى القول بأن هناك مجتمعات استخدمت لقاحات «الرنا مرسال» التي تستخدم في أميركا، ولم يحدث عندها معدلات الانتقال العالية، لأن سلوكيات الناس في وقت أعياد رأس السنة من حيث التجمعات في الأماكن المغلقة بأميركا، شجعت الانتقال السريع للمتحور، فضلاً عن أن المتحور نفسه يتميز بسرعة الانتقال.
في المقابل، فإن الصين التي التزمت بشدة بالإجراءات الاحترازية، ثم تخلت عنها، أعطت فرصة لانتشار الفيروس، لا سيما أن هذا التخلي جاء في التوقيت الخطأ، وهو مع برودة الطقس.
من جانبه، يرفض أحمد سالمان، مدرس علم المناعة وتطوير اللقاحات في معهد «إدوارد جينز» بجامعة أوكسفورد، المقارنة بين أميركا والصين من حيث عدد الإصابات. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد عدد الإصابات هو الفيصل، ولكن الفيصل هو معدل الوفيات والمرض الشديد الذي يتطلب دخول المستشفى».
وانطلاقاً من هذين العنصرين، يرى سالمان أن «المناعة المجتمعية التي تم بناؤها في أميركا عبر اللقاحات الحديثة، والإصابة بالعدوى الطبيعية، لا تزال فعالة في الوقاية من المرض الشديد والوفاة، على عكس ما يحدث في الصين، فالتخوف الأساسي هناك، ليس في عدد الإصابات، ولكن في أعداد الوفيات المرتفعة».
ولفت سالمان إلى أن البروتين الشوكي الذي يعطي الفيروس شكله التاجي الشهير (بروتين سبايك)، والذي تم إعداد اللقاحات وفق تركيبته، يتكون من (1370) حمضاً أمينياً، وهذا رقم ضخم جداً، من الصعب أن يحدث تغيير في كامل تركيبته، لذلك فإن أي متحور حتى وإن كان فعالاً في إحداث الإصابة، ستظل هناك مناعة متوفرة من اللقاح، تمنع الوفاة أو المرض الشديد.
ويشبّه تامر سالم، أستاذ البيولوجيا الجزيئية والفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر، ما يحدث في أميركا الآن مع «كوفيد - 19»، بالوضع مع فيروس الإنفلونزا. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الشخص يمكن أن يصاب بالإنفلونزا في الموسم مرة أو اثنتين، ولكنها لا تؤدي لوفاته، لأنه حصل على اللقاح أو أصيب بالعدوى الطبيعية». وأضاف: «ما حدث أنه بعد مرور فترة من الزمن حدث انخفاض في الأجسام المضادة المتشكلة عن طريق اللقاحات أو العدوى الطبيعية، لكن بقيت فاعلية سلاح مناعي آخر، وهو خلايا الذاكرة التائية التي تساعد في منع المرض الشديد والوفاة». ولفت إلى أن ما يحدث في أميركا الآن يشير إلى أننا سنكون في حاجة إلى تغيير تركيبة اللقاحات بشكل دوري مثل ما يحدث مع لقاح الإنفلونزا.
لماذا تمكن «المتحور الأميركي» من تجاوز جدار المناعة؟
انتشاره يثير مخاوف حول «فاعلية» اللقاحات
لماذا تمكن «المتحور الأميركي» من تجاوز جدار المناعة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة