كان أساتذة أحمد المواس في بلد والدته الأفريقي غانا يغضّون النظر عن موهبته التمثيلية، فيستعينون به فقط في خلفية الأعمال المسرحية التي يشارك بها. وعندما انتقل إلى لبنان وهو في سن الـ11 سنة لفت انتباه أحد أساتذته في مدرسة الشويفات، وبدأ يسند إليه أدواراً مهمة في مسرحيات تنظّمها المدرسة. لعب دور روميو ضمن مسرحية «روميو وجولييت»، ومن ثم جسد شخصية مارك أنطوني في مسرحية «كليوباترا». ومن هناك راح يبحث عن حلمه الهوليوودي الذي بقي يطارده لنحو عشر سنوات إلى أن بلغه.
هذه باختصار قصة اللبناني أحمد المواس، ابن مدينة طرابلس الفيحاء الذي تحول اليوم إلى ممثل عالمي، وحصد مؤخراً جائزة «أفضل ممثل» عن دوره في الفيلم القصير «بيوتي أوف وورمس» في مهرجان أوروبا للأفلام. تخصص المواس في الهندسة الكهربائية وهو ما سمح له بصرف ما يجنيه منها في أعمال سينمائية. أنتج 13 فيلماً قصيراً مثّل في بعضها، ما شرعّ أمامه أبواب هوليوود. شارك في فيلم «ذا ميسفيتس» ومن ثم في المسلسل الأميركي الشهير «إن سيس» (NCIS.LA).
وعن المصاعب التي واجهته في بداية مشواره يقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل مشوار مهني له صعوباته ولا سيما في عالم الفن. بداية وجدت صعوبة في توفّر فرص تخولني إبراز موهبتي. كما أن اسمي (أحمد) قيّدني في أدوار العربي الإرهابي إلى حين اتخذت قراري بالانسحاب من هذه الدائرة التمثيلية. بعدها مررت بفترة جفاف بحيث لم يطلبني أحد. وصرت أسأل نفسي: ماذا ينقصني؟ وكيف يمكن أن أحصل على الفرص المطلوبة؟ وفجأة طلبوني للمشاركة في فيلم (ميسفيتس) الذي صوَّرته في دبي. فكانت أولى تجاربي الفنية خارج أميركا التي دفعتني للافتخار بجنسيتي العربية».
هذه التجربة أعادت لأحمد ثقته بنفسه، وكذلك أعادته إلى أصوله العربية من جديد. درس أحمد إلى جانب الهندسة الكهربائية فن التمثيل في أميركا، لأنه رغب في امتلاك أصول المهنة. «في صناعة السينما اكتشفت أن الوسائط موجودة صحيح، ولكن الجهد والتمسك بالحلم إلى حين تحقيقه هو الأجدى. اليوم صرت قادراً على اختيار الدور الذي يناسبني. كما أني وبفضل انكبابي على عملي الفني بإصرار وصلت لمرحلة الإنتاج السينمائي على المستوى المطلوب. وهو ما خوّلني أن أختار فريق عملي بنفسي وأنطلق في بطولات أرغب في القيام بها كممثل».
لا يندم أحمد على كل لحظة أضاعها في التفتيش عن حلمه الهوليوودي، واللحاق به رغم صعوبات كثيرة تجاوزها. «أعتقد أن لوالديَّ الدور الأكبر في حثي على المثابرة والمضي وراء حلمي. وهما اشترطا عليَّ إنهاء دراستي الجامعية بحيث تكون شهادتي سلاحي في الحياة. وبالفعل فلولا الهندسة لما استطعت تأمين الأموال اللازمة لإنتاجات سينمائية لفتت نظر الآخرين. فلقد عملت مع بيرس بروسنان والمنتج قيس قنديل ومع إليغا لونغ منتج أفلام رامبو. واليوم اسمي صار معروفاً وأشق طريقي بثبات، تماماً كما أرغب».
يجيد أحمد المواس التحدث بالعربية بطلاقة، كأنه لم يترك لبنان يوماً. غربته الطويلة بين بريطانيا التي وُلد فيها وأميركا التي درس فيها لم تمنعه من التمسك بلغته الأم. يعلق: «عندما شعرت بأني قد أفقد براعتي في التحدث بلغتي الأم، رحت أحضر مسلسلات عربية كثيرة. كما أني أخصص أوقاتاً معينة كل يوم للتحدث مع أهلي عبر تقنية «فيس تايم». نتناقش في أمور عدة وأسألهم عن أحوال طرابلس ولبنان ككل. فتطول الأحاديث بحيث صرت أتقن لغتي بشكل أفضل بكثير من قبل. هذا الأمر كان معكوساً في الماضي، فعندما قررت الذهاب إلى أميركا رحت أتابع قناة (سي إن إن) كي أجيد الإنجليزية».
أحدث المسلسلات التي تابعها أحمد «للموت» بجزأيه الأول والثاني، ويقول: «إنه مسلسل رائع أُغرمت بقصته وبأبطاله، فالمنصات الإلكترونية سرقت وهج السينما. كما أنها سهّلت الإنتاجات السينمائية التي تُعرض عبرها وتحقق انتشارات واسعة. فأنا شخصياً تعرفت إلى نادين لبكي وإلى مخرجين عرب آخرين من خلال (نتفليكس)».
موهبته في التمثيل لم تأتِ من عدم، فهو كان يرافق والده في صغره لحضور أفلام سينمائية كثيرة. «كان والدي يحب السينما وبدل أن يأخذني إلى مباراة في كرة القدم أو إلى رحلات صيد الطيور مثلاً، كما يفعل الآباء عادةً، حوّل انتباهي إلى السينما. فكبر حلمي التمثيلي منذ ذلك الوقت وأدركت أن السينما هي حلمي الأساسي».
تأثر أحمد كثيراً بالنجم الهوليوودي جان كلود فاندام وكذلك بأرنولد شوارزنجر وسيلفستر ستالون. «كانت أفلام فاندام بالتحديد تحفّزني على التمثيل، وكنت أقوم بتقليده في رياضة الكاراتيه، فهو شكّل عنوان حلمي الهوليوودي بامتياز».
وعن جائزة «أفضل ممثل» التي حصدها في المهرجان الأوروبي للسينما يقول: «كانت بمثابة مكافأة لجهدي. وفي الحقيقة قمت بعملية الـ(كاستينغ) لهذا الدور على قارعة الطريق عندما طلب مني منتج الفيلم أن أقدم له مشهداً تمثيلياً عن شاب مدمن مخدرات. فأُعجب بأدائي وطلب مني لعب دور البطولة لفيلم (بيوتي أوف وورمس)».
اليوم يستعد أحمد لتصوير فيلم عالمي من كتابته ومن إنتاج قيس قنديل الإماراتي الأصل. «عندما حدّثته عن الفكرة التي تراودني أُعجب بها وطلب منّي أن أُنجز النص كي يقرأه. هكذا حصل والقصة رومانسية تدور بين أميركا ولبنان. ونحضّر اليوم لتصوير هذا العمل في نهاية الصيف المقبل. أنوي أن تشارك فيه مواهب من لبنان كي أتيح لها تحقيق حلمها السينمائي. كما سأستعين بفريق تقني من بلادي أيضاً إلى جانب آخر أميركي كي أسهم في فتح أبواب العمل أمام أبناء وطني».
ويشير إلى أن مواقع التصوير لن تقتصر فقط على أميركا أو هوليوود بالتحديد لأن المنصات الإلكترونية حررت المنتجين من هذا الشرط كي يحقق العمل الانتشار.
«لم تعد هوليوود شرطاً أساسياً كموقع تصوير كي ينطبع الفيلم بالعالمية. وغالبية الأفلام الأميركية اليوم تُصوَّر خارج كاليفورنيا بفضل خدمة البث عبر المنصات. حتى إن الشهرة والتحول إلى ممثل عالمي تغيب عن لوس أنجليس وكاليفورنيا وغيرها للسبب نفسه».
ترنّ في ذاكرة أحمد صاحب الإطلالة الجذابة عبارات ثناء سمعها من منتجين وممثلين معروفين فيما يخص أداءه وشخصيته.
«بعضهم قال لي إن أدائي عفوي وفيه يكمن سر نجاحي، فيما قال لي آخرون إن شكلي الخارجي المنبثق من خلطة لبنانية وأفريقية تزوّدني بجاذبية غير مألوفة في عالم السينما. ولكن أكثر ما حُفر في ذاكرتي هي تلك العبارة التي قالها لي أحد المنتجين العالميين بأني أملك طاقة خام أستطيع أن أحلق معها عالياً. ولكنني في قرارة نفسي شاكر دعم والديَّ اللذين لم يتوانيا عن مساندتي طيلة مشواري الصعب هذا».
وماذا عن الحلم الذي يراوده عندما يغمض عينيه اليوم؟ يختم لـ«الشرق الأوسط»: «أحلم بأني في موقع تصوير سينمائي ضخم وإلى جانبي زوجتي وأولادي. فأكون نموذجاً لأبنائي عن الأب العصامي الذي جاهد كي ينجح. بذلك سيكونون معي على الأرض يراقبون طبيعة عملي الذي أحب».
أحمد الموّاس لـ«الشرق الأوسط»: أستعدّ لتصوير فيلم بين بيروت وأميركا
تأثر بفاندام وعمل مع منتج أفلام «رامبو»
أحمد الموّاس لـ«الشرق الأوسط»: أستعدّ لتصوير فيلم بين بيروت وأميركا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة