«الجنرال صقيع» وحرب أوكرانيا يفسدان احتفالات روسيا بعيد الميلاد

الروس يستعدون لمرحلة جديدة... دروس عسكرية في المدارس والجامعات

قس يبارك جنوداً شملتهم التعبئة العسكرية في شبه جزيرة القرم في 27 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
قس يبارك جنوداً شملتهم التعبئة العسكرية في شبه جزيرة القرم في 27 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

«الجنرال صقيع» وحرب أوكرانيا يفسدان احتفالات روسيا بعيد الميلاد

قس يبارك جنوداً شملتهم التعبئة العسكرية في شبه جزيرة القرم في 27 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
قس يبارك جنوداً شملتهم التعبئة العسكرية في شبه جزيرة القرم في 27 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

لم يكن أحد في روسيا يتوقع أن يطول أمد الحرب الأوكرانية، حتى عطلات نهاية العام وعيد الميلاد الذي تحتفل به الكنيسة الأرثوذكسية في السابع من يناير (كانون الثاني) وفقاً للتقويم الشرقي.
بعض التعليقات النادرة في الصحافة كان قد رجّح، في أوقات سابقة، أن يحتفل القادة العسكريون الروس بالمناسبتين في كييف، وأن تكون المدن الروسية قد عادت إلى حياتها الطبيعية بعد تخفيف قيود العقوبات الغربية، وانجلاء الاحتقان المجتمعي الذي سببته الحرب مع البلد الجار.
كانت روسيا تقليدياً تربط العيدين معاً؛ لذا تستمر عطلات رأس السنة والميلاد منذ مطلع العام حتى التاسع من شهر يناير عادة. وهذه أطول عطلة في البلاد، ولها أهمية خاصة تتجاوز حتى البعد الديني الذي لا يقل أهمية. لذلك جرت العادة في سنوات سابقة أن يضع الروس خططهم مسبقاً لقضاء أوقات العطلات الأبرز.
في هذا العام جاء العيد مختلفاً. القيود الكثيرة المفروضة على روسيا هدمت موسم السياحة الخارجية الأبرز، ودفعت كثيرين إلى الاكتفاء بقضاء أيام العطلة في منازلهم.
مع أجواء الحرب، لم يحمل الطقس البارد بشارة للروس، بعدما تدنت درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة منذ عشرات السنين. وفي بعض المناطق في محيط موسكو بلغت درجات الحرارة، أثناء التحضير لليلة الميلاد، 26 درجة تحت الصفر. دفع ذلك إلى إلغاء كثير من مراسم الاحتفالات الشعبية، التي كانت تنتشر عادة في ساحات المدينة وحدائقها العامة. كما أسفر عن تراجع كثيرين عن المشاركة في طقوس الصلاة الليلية في الكنائس.
فقد العيد كثيراً من بريقه، وأنظار الروس إما موجّهة إلى الجبهة من حيث تأتي الأخبار غير السارة، أو إلى الصقيع الذي شل الحياة تقريباً في المدن والأرياف.
في هذه الظروف، جاءت مبادرة الكنيسة الروسية التي تلقفها سريعاً الرئيس فلاديمير بوتين، لإعلان هدنة خلال العيد. وجاء الرفض الأوكراني والغربي لهذا الاقتراح ليزيد من صعوبة الأمر.
المثير أن بعض وسائل الإعلام المحلية يذكّر، بشيء من التهكم على الغرب، بالهدنة التاريخية التي تمت على بعض جبهات القتال خلال الحرب العالمية الأولى خلال موسم أعياد الميلاد ورأس السنة.

تحدثت الصحافة الشعبية الروسية عن وقف واسع النطاق للأعمال العدائية التي وقعت على الجبهة الغربية للحرب العالمية، قبل أسبوع من حلول العام الجديد، في 25 ديسمبر (كانون الأول) عام 1914، عندما بدأ بعض الجنود البريطانيين والألمان في تبادل تحيات عيد الميلاد والأغاني عبر الخنادق.
وفي بعض الحالات، خفت حدة التوترات لدرجة أن الجنود عبروا الخطوط الأمامية للتحدث مع خصومهم وتبادل الهدايا معهم.
عشية عيد الميلاد، ذهب الجنود من الجانبين، وبدرجة أقل جنود الجيش الفرنسي، بمفردهم إلى «المنطقة الحرام» الفاصلة بين جبهات القتال، حيث اختلطوا وتبادلوا الطعام والهدايا التذكارية. كما كانت هناك مراسم دفن مشتركة للقتلى، وانتهى بعض الاجتماعات بترديد أغاني عيد الميلاد بشكل مشترك.
في بعض الأحيان، كان جنود الطرفين المتعارضين ودودين للغاية مع بعضهم بعضاً لدرجة أنهم لعبوا كرة القدم في «المنطقة الحرام».
ربما كان الروس يأملون في تكرار الحدث التاريخي هذا العام، لكن يبدو أنه لن يحدث على جبهات أوكرانيا.
حتى الكرملين غيّر عاداته بعض الشيء بسبب الحرب والطقس البارد. وعندما سئل الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف عما إذا كان الرئيس بوتين سيحضر القداس ليلة عيد الميلاد في الكنيسة القريبة من مقر إقامته في ضواحي موسكو، كما حصل في سنوات سابقة، أو أنه سيشارك في القداس الرئيسي المقام في العاصمة، اكتفى بعبارة: «لا هذا، ولا ذاك»، مضيفاً أن بوتين «قد يعلن خططه لاحقاً».
وفشلت الهدنة التي اقترحها الكرملين، وبدا أن مناسبة العيد الأهم في البلاد، تحولت إلى محطة صغيرة تذكّر الروس بأن المقبل قد يكون أسوأ.
في هذا الإطار، يستعد كثيرون لمرحلة تطغى عليها عادات الحرب، حتى في تفاصيل الحياة اليومية كلها. وعلى الرغم من أن غالبية المدن الروسية لم تعانِ من الحرب الجارية إلا في بعديها الاجتماعي والاقتصادي، فهي لم تشهد سقوط القذائف عليها ولم تسمع صافرات الإنذار في كل يوم وليلة، فإن تداعيات الحرب مع ذلك «وصلت إلى كل بيت»، كما يقول معلّق روسي.
الأبرز في المرحلة المقبلة، تعزيز نزعة العسكرة في المجتمع. الروس كلهم يجب أن يكونوا مستعدين لـ«نداء الوطن». هذا هو العنوان الأبرز حالياً في البلاد.
في هذا الإطار، نشرت صحيفة «كومير سانت» الرصينة، تعليقاً على وثيقة صدرت قبل يومين عن وزارة التعليم. تضع الوثيقة منهاج عمل لفرض دروس التربية العسكرية في المدارس والجامعات. لم يكن الأمر جديداً تماماً على كثيرين من الروس.
وخلال الأشهر الماضية، عمدت المدارس والمؤسسات التعليمية كلها في البلاد، وحتى المراكز الثقافية الروسية، التابعة للسفارات في الخارج، إلى تنظيم ندوات ودروس ومحاضرات عنوانها «رفع الروح الوطنية» وتعزيز الولاء، وتضمنت شرح تفاصيل كثيرة عن «المهمة المقدسة» لروسيا حالياً، في إطار إنقاذ العالم من شرور الغرب، واستعادة المكانة التاريخية لروسيا باعتبارها «منقذة» و«حامية للقيم». الجديد هو الانتقال إلى فرض المنهاج العسكري في المدارس والجامعات.
في هذا الإطار، لاحظت الوثيقة أن أساسيات التدريب العسكري ستصبح موضوعاً مهماً للدراسة في الجامعات .
وفقاً لـ«كومير سانت»، «ستقوم الجامعات بشكل مستقل بتطوير البرامج التعليمية وتشكيل المناهج وتوزيع التخصصات بين الدورات»، بما في ذلك إدراج مسائل التدريب في مراكز عسكرية. أيضاً يمكن تدريس المناهج الجديدة باعتبارها جزاًء من تخصص «سلامة الحياة». والجمهور المستهدف وفقاً للوثيقة لا يقتصر على الذكور.
هكذا تم إقرار برنامج «أساسيات التدريب العسكري» في الجامعات والصفوف العليا في المدارس. وقد أرسلت وزارة التعليم والعلوم البرنامج إلى المدارس والمعاهد العلمية، وسوف يبدأ تطبيقه في بداية العام الدراسي.
ووفق المنهاج الجديد يجب أن يتعلم الطلاب كيفية تفكيك وتجميع البنادق الهجومية من طراز «كلاشينكوف» والمدافع الرشاشة، ومسدس «ماكاروف»، وكذلك تدريبهم على الاستخدام القتالي للقنابل اليدوية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تعليم الطلاب تقييم «الأحداث والحقائق الدولية، العسكرية والسياسية والمحلية، من منطلق وطني».
في هذا السياق الذي يحمل عنوان: «التدريب العسكري السياسي»، سيتبادل المحاضرون «الاتجاهات والسمات الجديدة لتطور العلاقات الدولية الحديثة»، ويتحدثون عن «مكانة ودور روسيا في عالم متعدد الأقطاب»، وكذلك عن «الاتجاهات الرئيسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والتقنية».
وفي جزء من التدريب، سيقوم الطلاب بدراسة الأحكام الرئيسية للوائح العسكرية العامة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي، والتعرّف على تنظيم وطرق إجراء القتال المشترك للأسلحة الحديثة، بالإضافة إلى المهام والهيكل التنظيمي المشترك لوحدات الأسلحة. وسيستمعون إلى محاضرات حول الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، وحول الإجراءات الوقائية في حالات الإصابة، وكذلك طرق تقديم الإسعافات الأولية للإصابات.
تم تطوير المنهاج بالاشتراك مع وزارة الدفاع. وتقول إحدى فقرات الوثيقة «في الظروف الحديثة، يعد إعداد مواطني الاتحاد الروسي للخدمة العسكرية اتجاهاً ذا أولوية لسياسة الدولة. وأهم قضايا التعليم على المستويات جميعها هي تربية الحب للوطن الأم، والشعور بالوطنية، والاستعداد للدفاع عن الوطن».


مقالات ذات صلة

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

أوروبا رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف (رويترز)

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

نقلت «وكالة الإعلام الروسية» عن رمضان قديروف رئيس الشيشان قوله اليوم الأربعاء إن طائرة مسيّرة أطلقتها أوكرانيا هاجمت العاصمة غروزني وتسببت في سقوط مدنيين.

«الشرق الأوسط» (غروزني)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (رويترز)

«الناتو» يدعو الغرب لتوفير «دعم كافٍ» لأوكرانيا لـ«تغيير مسار» الحرب

حضّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، الأربعاء، أعضاء الناتو على تزويد أوكرانيا بما يكفي من أسلحة لـ«تغيير مسار» الحرب.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

حذر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» ترمب من أن الولايات المتحدة ستواجه «تهديداً خطيراً».

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي أشخاص ورجال إنقاذ سوريون يقفون بالقرب من أنقاض مبنى في موقع غارة جوية على حي في مدينة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في شمال سوريا، 2 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحمّل روسيا وإيران مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا

قالت أوكرانيا، الاثنين، إن روسيا وإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، حيث سيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها على مساحات واسعة من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في أثينا 26 أكتوبر 2020 (رويترز)

لافروف يتهم الغرب بالسعي إلى وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الدول الغربية، الاثنين، بالسعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بهدف إعادة تسليح كييف بأسلحة متطورة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

التحقيق مع مدعي «الجنائية الدولية» بعد مزاعم عن «سوء سلوك جنسي»

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
TT

التحقيق مع مدعي «الجنائية الدولية» بعد مزاعم عن «سوء سلوك جنسي»

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)

تم اختيار مراقب من الأمم المتحدة لقيادة تحقيق خارجي في مزاعم سوء سلوك جنسي ضد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، وفقا لما علمته وكالة أسوشيتد برس أمس الثلاثاء.

ومن المرجح أن يثير هذا القرار مخاوف تتعلق بتضارب المصالح نظرا لعمل زوجة المدعي العام السابق في الهيئة الرقابية.

وقدم خان تحديثات حول التحقيقات الحساسة سياسيا التي تجريها المحكمة في جرائم حرب وفظائع في أوكرانيا وغزة وفنزويلا، وغيرها من مناطق النزاع خلال اجتماع المؤسسة السنوي هذا الأسبوع في لاهاي بهولندا. لكن الاتهامات ضد خان خيمت على اجتماع الدول الأعضاء الـ124 في المحكمة الجنائية الدولية.

فقد كشف تحقيق لوكالة أسوشيتد برس في أكتوبر (تشرين الأول) أنه بينما كان خان يعد أمر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو، كان يواجه في الوقت ذاته اتهامات داخلية بمحاولة الضغط على إحدى مساعداته لإقامة علاقة جنسية معها، واتهامات بأنه تحرش بها ضد إرادتها على مدار عدة أشهر.

وفي اجتماع هذا الأسبوع، قالت بايفي كاوكرانتا، الدبلوماسية الفنلندية التي تترأس حاليا الهيئة الرقابية للمحكمة الجنائية الدولية، للمندوبين إنها استقرت على اختيار مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية، حسبما أفاد دبلوماسيان لوكالة أسوشيتد برس طلبا عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة المحادثات المغلقة.

وأعربت منظمتان حقوقيتان مرموقتان الشهر الماضي عن قلقهما بشأن احتمال اختيار الأمم المتحدة لهذا التحقيق بسبب عمل زوجة خان، وهي محامية بارزة في حقوق الإنسان، في الوكالة في كينيا بين عامي 2019 و2020 للتحقيق في

حالات التحرش الجنسي. وقال الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان ومبادرات النساء من أجل العدالة القائمة على النوع، في بيان مشترك إنه يجب أن يتم تعليق عمل خان أثناء إجراء التحقيق، ودعتا إلى «التدقيق الشامل في الجهة أو الهيئة المختارة للتحقيق لضمان عدم تضارب المصالح وامتلاكها الخبرة المثبتة».

وأضافت المنظمتان أن «العلاقة الوثيقة» بين خان والوكالة التابعة للأمم المتحدة تتطلب مزيدا من التدقيق. وقالت المنظمتان: «نوصي بشدة بضمان معالجة هذه المخاوف بشكل علني وشفاف قبل تكليف مكتب الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة بالتحقيق».