حزمة مساعدات أميركية قريبة لكييف بينها مركبات «برادلي» القتالية

آلاف الجنود الأوكرانيين سيُسحبون إلى أوروبا لإجراء تدريبات مشتركة مكثفة

مركبات «برادلي» الأميركية في لاتفيا في 8 فبراير 2017 (رويترز)
مركبات «برادلي» الأميركية في لاتفيا في 8 فبراير 2017 (رويترز)
TT

حزمة مساعدات أميركية قريبة لكييف بينها مركبات «برادلي» القتالية

مركبات «برادلي» الأميركية في لاتفيا في 8 فبراير 2017 (رويترز)
مركبات «برادلي» الأميركية في لاتفيا في 8 فبراير 2017 (رويترز)

في تأكيد للتوقعات التي أشارت إلى أن وتيرة الدعم العسكري الغربي ونوعيته، وخصوصاً من جانب الولايات المتحدة لأوكرانيا، تفرضها الأوضاع في «ميدان المعركة»، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إن إدارته تنظر في تسليم أوكرانيا مركبات قتالية مدرعة من طراز «برادلي».
وأكد مسؤول أميركي رفيع، أن الإعلان عن تسليم هذه المدرعات، سيأتي ضمن حزمة مساعدات أمنية جديدة لكييف، سيتم الإعلان عنها قبل نهاية هذا الأسبوع. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن هذا المسؤول قوله، إن قرار تسليم تلك المدرعات تفرضه «تطورات» الوضع في ساحة المعركة، كما جرى سابقاً عندما اتُّخِذ قرار بإرسال منظومة الصواريخ «هيمارس».
ويأتي ذلك بعد مقاومة استمرت أشهراً لتلبية طلبات كييف التي تتوقع هجوماً روسياً جديداً في الأشهر المقبلة، ستكون الدبابات فيه سلاحاً رئيسياً في المعارك الالتحامية المباشرة، التي تتطلب توفير معدات حماية كافية لقوات المشاة على الأرض، بحسب خبراء عسكريين.
وحتّى الآن، اقتصرت الدبّابات التي حصلت عليها أوكرانيا من حلفائها الغربيين، على دبّابات سوفياتية التصميم. وعلى الرّغم من طلباتها المتكرّرة تزويدها دبّابات غربية، فإنّ كييف لم تحصل بعد على مرادها. وألمانيا على وجه الخصوص متردّدة في تزويد أوكرانيا دبّابات «ليوبارد - 2»، أما فرنسا فلا تعتزم في الوقت الراهن تزويد الجيش الأوكراني بدبّابات ثقيلة.
وذكرت مصادر حكومية في برلين، أن هناك مشاورات مع فرنسا والولايات المتحدة حول تقديم المزيد من شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا. ووعدت ألمانيا الحكومة الأوكرانية بتقديم المزيد من شحنات الأسلحة، وذلك بعد أن وعدت فرنسا بتزويد أوكرانيا بدبابات استطلاع مدججة بالسلاح. وخلال مؤتمر اقتصادي في العاصمة النرويجية أوسلو، قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك اليوم (الخميس): «لن نتوقف عن إمداد أوكرانيا بالأسلحة». وفي إشارة إلى قرار فرنسا توريد مدرعات استطلاع لأوكرانيا وتفكير الحكومة الأميركية في تزويدها بناقلات جند مدرعة، قال الوزير الذي يشغل أيضاً منصب نائب المستشار الألماني أولاف شولتس: «سنكيف توريداتنا دائماً مع متطلبات ساحة القتال».
وتطالب أوكرانيا الحكومة الألمانية منذ شهور بتزويدها بدبابات طراز «ليوبارد 2» ومدرعات «ماردر». وكان السفير الأوكراني في برلين أوليكسي ماركييف قال الشهر الماضي إن الحكومة الأوكرانية تُجري محادثات مع الحكومة الألمانية حول هذا الموضوع.
في المقابل، يرفض المستشار الألماني أولاف شولتس توريد هذه الأسلحة إلى أوكرانيا ما دام أنه لا يتم توريدها من شركاء آخرين في حلف شمال الأطلسي (ناتو). وأكد شولتس مراراً أنه لن يكون هناك مسار ألماني منفرد في هذه القضية. ويأتي القرار الأميركي المتوقع بإرسال المركبات، بعد أسابيع فقط من طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال زيارته الخاطفة لواشنطن أواخر الشهر الماضي، الحصول على دبابات بشكل عاجل.
ورد بايدن بالإيجاب، عندما سُئل الأربعاء، عما إذا كانت مركبات «برادلي» الأميركية، قيد النظر لنقلها إلى أوكرانيا. ويُعَدُّ توفير تلك المركبات الغربية، الأول من نوعه منذ بدء الحرب، وعلامة بارزة أخرى في تصعيد توفير الأسلحة المتطورة للقوات الأوكرانية، بما في ذلك المدفعية الثقيلة وقاذفات الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى.
ويأتي توفير هذه المركبات أيضاً، بعد أسابيع فقط من إعلان إدارة بايدن أنها ستزود كييف بمنظومة الصواريخ الدفاعية الجوية «باتريوت»، التي كانت واشنطن تمانع في تسليمها، خشية «تعقيد» الصراع مع روسيا، التي لطالما وجه رئيسها فلاديمير بوتين الاتهامات لحلف الناتو بأنه «يخوض حرباً نشطة ضدها».
وكما تم الدفاع عن تسليم «باتريوت»، بأنه لصد الهجمات الوحشية على البنية التحتية ومصادر الطاقة، بعيداً عن خطوط القتال، قال مسؤولون أميركيون إن الأوكرانيين يحتاجون إلى القدرة على إجراء مناورات أسلحة مشتركة، حيث تسمح لهم المركبات المدرعة بالاشتباك مع العدو، والمضي قُدماً أثناء تعرضهم لإطلاق النار.
وقال مسؤول أميركي إن الولايات المتحدة تقدر أنه «سيكون هناك قتال مستمر على خطوط القتال الرئيسية، في المستقبل المنظور، مع توقع ضئيل بأن القتال سيتباطأ خلال أشهر الشتاء». وكشف أنه وخلافاً للتدريبات السابقة التي كانت تخضع لها مجموعات صغيرة من الجنود الأوكرانيين، سيتم سحب آلاف الجنود الأوكرانيين من الخطوط الأمامية للتدريب المشترك على المناورة في أوروبا.
وفيما يرفض حلفاء أوكرانيا الغربيون حتى الساعة، تسليم أوكرانيا دبابات ثقيلة بحجة أنها أسلحة معقدة، بحسب المسؤول الأميركي الذي أكد أنه لن يتم تسليم دبابات «أبرامز»، التي «تحتاج تدريبات وترتيبات لوجيستية معقدة»، فقد أدى التصعيد الروسي، إلى إسقاط الغرب لتحفظاته، وأصبح أكثر ميلاً لتقديم المزيد من المساعدات العسكرية الدفاعية المتطورة، بحسب المسؤولين الأميركيين.
وفي رد على تهديدات الرئيس الروسي، قال المسؤول الأميركي، إن بوتين «يمكنه أن يدعي قدر ما يشاء، أن الحرب هي من جانب الغرب ضد روسيا، وأنه يقاتل أساساً من أجل أمن روسيا. لكننا جميعنا نعلم أن هذه أكاذيب. هذه حرب عدوانية روسية ضد أوكرانيا... ونحن سنواصل تزويد أوكرانيا بأنواع الأنظمة للدفاع عن نفسها».
ورغم أن مركبة «برادلي» لا تُعَدُّ دبابة من الناحية التقنية، فإنها ستُعّدُّ ترقية كبيرة للقوات البرية الأوكرانية. وتزن حوالي 28 طناً، ويمكنها السير على مسارات تشبه الدبابات، وتحمل طاقماً مكوّناً من ثلاثة أشخاص مع 6 جنود إضافيين.
وتمتلك الولايات المتحدة الآلاف من مركبة «برادلي»، ما يعني أن إرسالها إلى أوكرانيا بأعداد غير محددة بعد، لن يؤثر على مخزونات الجيش الأميركي. وسُميت المركبة على اسم الجنرال عمر برادلي، أحد كبار القادة العسكريين الأميركيين خلال الحرب العالمية الثانية. وهي ليست مجهزة بمدفع قوي من عيار 120 ملم المنصوب على دبابة «أبرامز»، لكنها مجهزة بدروع ثقيلة ومجموعة من الأسلحة الأخرى، بما فيها مدفع عيار 25 ملم ومدفع رشاش ثقيل، وتسير بسرعة تصل إلى 60 كلم في الساعة.
ووقعت بولندا يوم الأربعاء صفقة بقيمة 1.4 مليار دولار لشراء مجموعة ثانية من دبابات «أبرامز» الأميركية، لتحل محل أكثر من 300 دبابة وناقلة جند مدرعة من الحقبة السوفياتية، أرسلتها وارسو إلى أوكرانيا الصيف الماضي.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يخطّط لإنتاج مليون قذيفة سنوياً وأوكرانيا تستنزف الذخيرة

العالم الاتحاد الأوروبي يخطّط لإنتاج مليون قذيفة سنوياً وأوكرانيا تستنزف الذخيرة

الاتحاد الأوروبي يخطّط لإنتاج مليون قذيفة سنوياً وأوكرانيا تستنزف الذخيرة

سيطرح الاتحاد الأوروبي خطة لتعزيز قدرته الإنتاجية للذخائر المدفعية إلى مليون قذيفة سنوياً، في الوقت الذي يندفع فيه إلى تسليح أوكرانيا وإعادة ملء مخزوناته. وبعد عقد من انخفاض الاستثمار، تُكافح الصناعة الدفاعية في أوروبا للتكيّف مع زيادة الطلب، التي نتجت من الحرب الروسية على أوكرانيا الموالية للغرب. وتقترح خطّة المفوضية الأوروبية، التي سيتم الكشف عنها (الأربعاء)، استخدام 500 مليون يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي لتعزيز إنتاج الذخيرة في التكتّل. وقال مفوّض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بريتون: «عندما يتعلّق الأمر بالدفاع، يجب أن تتحوّل صناعتنا الآن إلى وضع اقتصاد الحرب». وأضاف: «أنا واث

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم بعد مقتل 25 بقصف روسي... زيلينسكي يطالب بدفاعات جوية أفضل

بعد مقتل 25 بقصف روسي... زيلينسكي يطالب بدفاعات جوية أفضل

طالب الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بالحصول على مزيد من الأسلحة للدفاع عن بلاده بعد موجة من الهجمات الصاروخية الروسية التي استهدفت مواقع سكنية، مما أسفر عن مقتل 25 شخصا، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وقال زيلينسكي في رسالة فيديو مساء أمس (الجمعة) «الدفاع الجوي، قوة جوية حديثة - من دونها يستحيل الدفاع الجوي الفعال - مدفعية ومركبات مدرعة... كل ما هو ضروري لتوفير الأمن لمدننا وقرانا في الداخل وفي الخطوط الأمامية». وأشار زيلينسكي إلى أن الهجوم الذي وقع بمدينة أومان، في الساعات الأولى من صباح أمس، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 23 شخصا، من بينهم أربعة أطفال.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم روسيا: ما تقوم به أوكرانيا يظهر الحاجة لمواصلة «العملية العسكرية الخاصة»

روسيا: ما تقوم به أوكرانيا يظهر الحاجة لمواصلة «العملية العسكرية الخاصة»

قالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان اليوم (الجمعة)، إن إجراءات أوكرانيا وتصريحاتها الأخيرة تظهر أن روسيا بحاجة إلى مواصلة، ما تسميه، «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا. ووفق وكالة «رويترز» للأنباء، تابعت الوزارة أن العملية ستستمر حتى تكتمل أهدافها المعلنة، وهي «استئصال النازية، ونزع السلاح، والقضاء على التهديدات التي يتعرض لها الأمن الروسي». وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي طلب أمس، في مؤتمر صحافي مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ في كييف، مساعدة الحلف لأوكرانيا على تجاوز التحفظات بشأن إرسال أسلحة بعيدة المدى، وطيران حديث، ومدفعية ومدرعات إلى أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم وزير الدفاع الروسي يتفقد أنظمة صواريخ استراتيجية جديدة

وزير الدفاع الروسي يتفقد أنظمة صواريخ استراتيجية جديدة

نقلت وكالة «تاس» الروسية للأنباء عن وزارة الدفاع الروسية قولها إن الوزير سيرغي شويغو تفقَّد أنظمة صواريخ استراتيجية، من طراز «يارس» وُضعت حديثاً في منشأة بمنطقة كالوجا، إلى الجنوب من موسكو. ووفق وكالة «رويترز» للأنباء، قالت الوزارة، في وقت سابق، اليوم الأربعاء، إن 8 قاذفات قنابل بعيدة المدى حلّقت فوق المياه المحايدة لبحر أوخوتسك وبحر اليابان، بينما تُجري البحرية الروسية تدريبات في المحيط الهادي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم «إنتربول»: توقيف 14 ألف شخص في أميركا اللاتينية بعد عملية أمنية واسعة

«إنتربول»: توقيف 14 ألف شخص في أميركا اللاتينية بعد عملية أمنية واسعة

أعلنت الشرطة الجنائية الدولية «إنتربول»، اليوم (الثلاثاء)، توقيف أكثر من 14 ألف شخص وضبط ثمانية آلاف سلاح ناري خلال عملية أمنية واسعة جرت في أميركا الوسطى واللاتينية، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وإضافة إلى الأسلحة النارية، تمّ خلال عمليات الدهم ضبط أكثر من 200 طن من الكوكايين وغيرها من المواد المخدّرة بقيمة 5.7 مليار دولار و370 طنا من المواد الكيميائية التي تستخدم في تصنيع المخدرات، وفق ما أفادت الهيئة ومقرّها فرنسا. وقالت «إنتربول» في بيان، إنّ العملية التي أطلق عليها «تريغر تسعة» هي «الكبرى التي نسّقتها على صعيد ضبط الأسلحة النارية». وقال الأمين العام للمنظمة يورغن شتوك في بيان «حقيق

«الشرق الأوسط» (ليون)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟