قضاة لبنان ينهون اعتكافهم بتحقيق الحد الأدنى من مطالبهم

بعد إضراب استمر خمسة أشهر

متظاهرون أمام قصر العدل في بيروت في سبتمبر (أيلول) الماضي للمطالبة بإطلاق محتجزين قاموا باقتحام مصارف للمطالبة بودائعهم (غيتي)
متظاهرون أمام قصر العدل في بيروت في سبتمبر (أيلول) الماضي للمطالبة بإطلاق محتجزين قاموا باقتحام مصارف للمطالبة بودائعهم (غيتي)
TT

قضاة لبنان ينهون اعتكافهم بتحقيق الحد الأدنى من مطالبهم

متظاهرون أمام قصر العدل في بيروت في سبتمبر (أيلول) الماضي للمطالبة بإطلاق محتجزين قاموا باقتحام مصارف للمطالبة بودائعهم (غيتي)
متظاهرون أمام قصر العدل في بيروت في سبتمبر (أيلول) الماضي للمطالبة بإطلاق محتجزين قاموا باقتحام مصارف للمطالبة بودائعهم (غيتي)

ينتهي اليوم الخميس اعتكاف القضاة في لبنان الذي استمر أكثر من خمسة أشهر، ليعود العمل إلى النيابات العامة ودوائر التحقيق والمحاكم الجزائية والمدنية، بناء على بيان أو تعميم يصدره مجلس القضاء الأعلى ويبلغ إلى جميع القضاة، انسجاماً مع ما تم الاتفاق عليه خلال الجمعية العمومية التي عقدت الأسبوع الماضي.
ومع عودة العمل القضائي إلى طبيعته، تنتهي أزمة القضاة بتحقيق الجزء اليسير من مطالبهم، ويفترض أن تضع حداً لمحنة اللبنانيين الذين علقت دعاويهم وحرموا من تقديمها طيلة أشهر التوقف الكلي، وأفاد مصدر في مجلس القضاء الأعلى بأن «عجلة العدالة انطلقت مبدئياً مطلع السنة الجديدة، وستفعل دورانها مع انتهاء عطلة الأعياد». وأشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وأعضاء المجلس كانوا حاسمين خلال الجمعية العمومية بضرورة استئناف العمل القضائي، وعدم ترك الأمور رهن التعطيل». وقال المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إن «موقف مجلس القضاء كان واضحاً بحيث أيد كل مطالب القضاء المادية والمعنوية واللوجيستية، وكل ما يتصل باستقلالية السلطة القضائية وتحريرها من التدخلات، وأبلغهم بأن صرخة القضاة المحقة وصلت إلى من يعنيهم الأمر، وبات لزاماً على كل قاضٍ أن يتصدى لمسؤولياته كمؤتمن على العدالة وحقوق الناس».
ويرخي إضراب القضاة آثاره السلبية على واقع العدالة، بحيث يصعب حل أزمة الاختناق القضائي وتراكم الدعاوى، غير أن المصدر أكد أن «القضاة سيعودون إلى العمل بدينامية تعوض عن غياب الأشهر الطويلة، وتحد من تراكم الملفات التي تنتظر البت بها، سواء بقرارات ظنية أو بأحكام»، مشيراً إلى أنه «ليس مطلوباً من القاضي أن يلازم مكتبه خمسة أيام في الأسبوع، بسبب المسافات الطويلة التي تفصل بين سكنه ومركز عمله، لكن لا بد من الحضور ليومين بالحد الأدنى والعمل لساعات طويلة للحد من التراكمات الموجودة والتعويض عن الغياب الطويل»، مشدداً على أن العمل القضائي «سيشهد انتظاماً وعودة إلى سابق عهده، لا سيما في النيابات العامة التي ستفعل عملها، بما يتيح لأي مواطن أن يتوجه إلى النيابة العامة الواقعة ضمن نطاقه الجغرافي للتقدم بالدعاوى بخلاف التعطيل الذي ساد في الأشهر الماضية».
وكان قضاة لبنان أعلنوا قبل خمسة أشهر بقرار غير مسبوق الاعتكاف والتوقف الكامل عن العمل من دون استثناءات، احتجاجاً على تدني رواتبهم التي فقدت 95 في المائة من قيمتها، وكذلك غياب الخدمات الطبية والاستشفائية والمنح المدرسية والجامعية، وألحق هذا الاعتكاف ضرراً كبيراً بحقوق المتقاضين، بحيث استعصى على مئات الأشخاص التقدم بالشكاوى بسبب الإضراب وعدم قبول أي مراجعة، كما تسبب الإضراب بتراكم آلاف الدعوى التي لم يبت فيها، وانسحبت أضرار هذا الاعتكاف على السجون ومراكز التوقيف التي تغص بالسجناء في ظل التأخر بالبت بإخلاءات سبيلهم، كما ألحق الضرر بالمحامين، لكن المصدر القضائي طمأن إلى أن «الأمور ستنتظم تدريجياً، اعتباراً من الأسبوع المقبل، بحيث تبدأ المحاكم بإصدار الأحكام المتأخرة عن مواعيدها، كما يبدأ قضاة التحقيق بالإفراج عن القرارات، وهذا سيسهم في إطلاق سراح مئات الموقوفين».
وقضت التسوية بقبول القضاة بالتحسن الجزئي الذي طرأ على رواتبهم، مع الحفاظ ولو مرحلياً على المساعدة الاجتماعية، وأفاد مصدر مواكب للتحرك بأن «الحل لم يكن شاملاً، وأن ما حصل عليه القضاة لا يلبي كل مطالبهم لكنه يفي ببعض الأولويات». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما حصل عليه القضاة هو الزيادة التي فرضت بالموازنة العامة أي رفع الرواتب لثلاثة أضعاف كما هو حال كل موظفي القطاع العام». ولفت إلى أن «صندوق تعاضد القضاة مستمر بدفع المساعدة بـ(الفريش دولار) التي تتراوح بين 500 و1200 دولار للقاضي، كل حسب درجته»، لكن المصدر استدرك بأن «هذا المبلغ قد ينخفض، لأن صندوق تعاضد القضاة يعطي الأولوية للمساعدة المرضية، بحيث إذا اضطر قاضٍ إلى دخول مستشفى فإن كلفة العلاج تقتطع من المبلغ الإجمالي العائد لكل القضاة».
ويبدو أن الأجواء التفاؤلية لم تصل بعد إلى مسامع المحامين، الذين يعتبرون أنفسهم أكبر المتضررين، ورحب نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار بأي قرار يصدر عن مجلس القضاء الأعلى بفك الاعتكاف، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «سنقيم تمثالاً لمجلس القضاء والقضاة عند إبلاغنا بفك الإضراب، لكن في حال استمراره سندخل في المحظور». وأوضح أن «نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس ستتخذان موقفاً حاسماً خلال أسبوع أو عشرة أيام في حال استمرار الاعتكاف، وسنعلن (يوم الغضب) الذي سيكون له وقع كبير». وتابع كسبار: «لعبنا كنقابتي المحامين دوراً في تسهيل مطالب القضاة، لكن للأسف هذا الإضراب أدى إلى خلق مشاكل بين المحامين وموكليهم، حتى إن كثيراً من المحامين صرفوا موظفيهم ولازموا منازلهم وهذا أمر غير مقبول».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
TT

سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)

بعد 12 عاماً على صورته بطريقة «السيلفي» مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، يبدو اللاجئ السوري الأكثر شهرة في ألمانيا، أنس معضماني، مُرتاحاً في وطنه بالتبني.

ورغم أنه لم يكن يعرف من هي ميركل حينما التقط معها الصورة وهي تزور مركز اللجوء الذي كان فيه؛ فإنه بات اليوم معلقاً بألمانيا قدر ارتباطه بوطنه الأم سوريا.

مثل باقي السوريين الذين وصلوا لاجئين إلى ألمانيا بعد شرارة الثورة في بلادهم عام 2011، يواجه أنس وغيره من أبناء جيل اللجوء، قراراً صعباً: هل نعود إلى سوريا أم نبقى في ألمانيا؟

وخلال فترة ما بعد سقوط الأسد، يبدو أن خطط أنس بدأت تتضح معالمها: يريد الشاب المتحدر من داريا في ريف دمشق، العودة إلى سوريا لزيارة أهله، ومساعدتهم على إعادة بناء منزلهم كخطوة أولى.

بعدها، يقول أنس لـ«الشرق الأوسط»، إنه يريد أن يُقسّم وقته بين ألمانيا وسوريا، ويفتح مشاريع في البلدين. وكما لو أنه يبرر ذنباً ارتكبه يستدرك: «دمشق أجمل مدينة على الأرض، ولكني أحب ألمانيا وبرلين أصبحت مدينتي الثانية».

في ألمانيا، بات أنس مثالاً للاجئ السوري المندمج؛ فهو تعلم اللغة، وحصل على الجنسية ودخل سوق العمل، حتى إنه تعرف على فتاة أوكرانية تُدعى آنا، ويخططان لمستقبلهما معاً.

ولعل مسألة حصول أنس على جواز سفر ألماني هي ما يسهل قراره بالعودة وإن كانت جزئية إلى سوريا؛ فهو يعلم أنه يمكنه التحرك بحرّية بين الجانبين من دون أن يخشى خسارة أوراقه أو إقامته.

أنس معضماني (الشرق الأوسط)

وأنس واحد من قرابة 260 ألف لاجئ سوري حصلوا على الجنسية الألمانية، فيما يتبقى أكثر من 700 ألف من مواطنيه يعيشون بإقامات لجوء، أو إقامات حماية مؤقتة يمكن أن تُسحب منهم عندما يستقر الوضع في سوريا.

الارتباك للجميع

غير أن الارتباك لم يكن من نصيب اللاجئين السوريين فقط؛ فالتغيير السريع للوضع في دمشق أربك أيضاً سلطات الهجرة في ألمانيا، ودفعها إلى تعليق البت في 47 ألف طلب لسوريين راغبين في الهجرة... الجميع ينتظر أن تتضح الصورة.

ولقد كان الأساس الذي تعتمد عليه سلطات اللجوء لمنح السوريين الحماية، الخوف من الحرب أو الملاحقة في بلادهم. وبعد انتفاء هذه المخاوف بسبب سقوط النظام، ربما سقط السند القانوني.

وامتد هذا الإرباك بشأن وضع اللاجئين السوريين إلى السياسيين الذين سارعوا بالحديث عن «ترحيل السوريين» إلى بلادهم بعد ساعات قليلة على سقوط الأسد.

ولم تصدر تلك الدعوات من الأحزاب اليمينية فقط، بل أيضاً من الحزب الاشتراكي الذي يقود الحكومة، ووزيرة الداخلية نانسي فيزر المنتمية للحزب، والتي تحدثت عن المساعي لتغيير قواعد اللجوء للسوريين، والعمل على إبقاء «المندمج ومن يعمل» وترحيل المتبقين.

سورية ترتدي علم المعارضة السورية ضمن مظاهرات في شوارع برلين 10 ديسمبر احتفالاً بسقوط نظام الأسد (أ.ب)

ولكن الترحيل ليس بهذه البساطة. والكثير مما يتردد عن ترحيل السوريين قد تكون أسبابه انتخابية قبل أسابيع قليلة عن الانتخابات العامة المبكرة التي ستجري في 23 فبراير (شباط) المقبل.

وصحيح أنه من حيث المبدأ، يمكن سحب الإقامات المؤقتة من حامليها؛ لكن ذلك يتطلب أن تصنف وزارة الخارجية سوريا «دولة آمنة ومستقرة»، وهو ما قد يستغرق سنوات.

نيات البقاء والمغادرة

وحتى مع تأخر التصنيف الألماني لسوريا آمنة ومستقرة، لا يبدو أن الكثير من اللاجئين متشجعون للعودة. وبحسب «المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين» الذي يجمع معلومات دورية حول نيات اللاجئين بالبقاء أو المغادرة، فإن 94 في المائة من السوريين قالوا قبل سقوط الأسد إنهم يريدون البقاء في ألمانيا.

ورغم أنه ليست هناك إحصاءات جديدة منذ سقوط الأسد بعد، فإن المكتب يشير إلى أنه في العادة تزداد نيات البقاء مع زيادة فترة وجود اللاجئ في البلاد. وكلما طالت فترة وجوده، ازدادت إرادة البقاء.

وصل معظم السوريين إلى ألمانيا قبل أكثر من 5 سنوات، جزء كبير منهم قبل عقد من الزمن، وهذا يعني، حسب المركز، أن تعلقهم بألمانيا بات قوياً.

وتنعكس هذه الدراسة فعلاً على وضع اللاجئين السوريين في ألمانيا.

سيامند عثمان مثلاً، لاجئ سوري كردي، وصل إلى ألمانيا قبل 11 عاماً، يتحدر من القامشلي، وهو مثل مواطنه أنس، تعلم اللغة، وحصل على جواز ألماني، وما زالت معظم عائلته في القامشلي. ومع ذلك، لا يفكر بالعودة حالياً.

سيامند عثمان سوري كردي يعيش بألمانيا لا يفكر في العودة حالياً (الشرق الأوسط)

يقول عثمان لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع في مناطق الأكراد «صعب في الوقت الحالي، وما زال غير مستقر»، ولكنه يضيف: «أنا أحب العودة وهذه أمنيتي، فأهلي هناك، ولكن أتمنى أولاً أن تتفق كل الأطراف في سوريا، ويصبح هناك أمان في منطقتنا».

أكثر ما يخيف سيامند هو عودة الحرب في سوريا، يقول: «تخيلي أن أترك بيتي هنا وأسلم كل شيء وأبيع ممتلكاتي وأعود إلى سوريا لتعود معي الحرب بعد أشهر وأضطر للنزوح مرة جديدة». ومع ذلك فهو مصرّ على أنه سيعود عندما تستقر الأمور.

ماذا عن الاقتصاد؟

المخاوف من عدم الاستقرار ليست وحدها التي تجعل السوريين مترددين في العودة. فالوضع الاقتصادي يلعب دوراً أساسياً، وفق ما تُقدر آلاء محرز التي وصلت عام 2015 إلى ألمانيا.

تقول لـ«الشرق الأوسط»، إنها «بنت نفسها من الصفر»؛ تعلمت اللغة، وعادت وتدربت على مهنتها (المحاسبة)، وهي الآن تعمل في هذا المجال، وحصلت على الجنسية الألمانية.

آلاء محرز لاجئة سورية تعمل في ألمانيا (الشرق الأوسط)

ورغم تفاؤلها الكبير بمستقبل سوريا، فإن آلاء المتحدرة من حمص ما زالت تحمل تحفظات حول الوضع هناك، والمسار الذي قد تسلكه سوريا في السنوات المقبلة، وتخشى أن تترك وظيفتها ومنزلها في برلين وتعود من دون أن تجد عملاً مناسباً.

مصاعب العائلات

وإذا كان قرار فرد المغادرة أو البقاء صعباً، فإنه قد يكون أكثر صعوبة للعائلات السورية التي وصلت مع أبنائها الذين نسوا اللغة العربية وأضاعوا سنوات لتعلم الألمانية.

يقول أنس فهد، المتحدر من السويداء، الذي وصل إلى ألمانيا قبل 3 أعوام تقريباً مع عائلته وابنه المراهق، إنه «ما زال يحمل إقامة حماية مؤقتة، ويعمل مهندساً كهربائياً».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «الوقت مبكر الآن لاتخاذ قرار بالعودة»، شارحاً أن ابنه أمضى عاماً من الدراسة يتعلم اللغة الألمانية، وهو يحقق نتائج جيدة جداً في المدرسة ببرلين، ومن الصعب إعادته إلى مدارس سوريا حيث سيضطر لإضاعة عام آخر لدراسة اللغة العربية.

«وصلت يوم سقط الأسد»

وحتى الواصلون الجدد لا يخططون للعودة. لعل أحدثهم باسل حسين الذي وصل إلى برلين يوم سقوط الأسد، بعد أن دفع أكثر من 13 ألف يورو ليدخل عن طريق التهريب، والذي يقول إنه لن يعود الآن وقد وصل للتوّ.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع ما زال غير واضح، وهناك قرارات جديدة كل يوم». يفضل باسل أن يستكشف مستقبله في ألمانيا حتى ولو كان ذلك يعني أن عليه البدء من الصفر، على أن يعود إلى مستقبل غير معروف.

باسل حسين لاجئ سوري وصل إلى ألمانيا يوم سقوط الأسد (الشرق الأوسط)

وليس فقط السوريون هم المترددين حيال العودة، بل إن الألمان يخشون خسارة كثير منهم دفعة واحدة، خصوصاً أولئك الذين دخلوا سوق العمل ويملأون فراغاً في مجالات كثيرة.

ويعمل أكثر من 5 آلاف طبيب سوري في مستشفيات ألمانيا، ويشكلون بذلك الشريحة الأكبر من بين الأطباء الأجانب في ألمانيا. ويعمل المتبقون في مهن تعاني من نقص كبير في العمال؛ كالتمريض والبناء وقطاع المطاعم والخدمات.

وبحسب معهد أبحاث التوظيف، فإن معدل دخول السوريين سوق العمل هو 7 سنوات لتعلم اللغة وتعديل الشهادات. ويشير المعهد إلى أن السوريين يملأون شغوراً في وظائف أساسية في ألمانيا، ومع ذلك فإن معدل البطالة مرتفع بينهم، خصوصاً بين النساء اللواتي تعمل نسبة قليلة منهن فقط.

وقد حذرت نقابات الأطباء والعمل من الدعوات لتسريع ترحيل السوريين، لما قد يحمله ذلك من تأثيرات على سوق العمل في ألمانيا.

وحذر كذلك مانفريد لوشا، وزير الصحة في ولاية بادن فورتمبيرغ في غرب ألمانيا التي يعمل بها عدد كبير من الأطباء السوريين، من النقاشات حول تسريع الترحيل، وقال: إذا غادر العاملون السوريون في قطاع الصحة «فستكون هناك ثغرة هائلة».

وقالت نقابة المستشفيات في الولاية نفسها، إن «مغادرة كل طبيب أو عامل صحة سوري ستشكل خسارة لنا».