إيهاب درويش لـ«الشرق الأوسط» : التكنولوجيا سرّعت احترافي

أثّرت موسيقى الأفلام في الفنان الإماراتي العالمي إيهاب درويش منذ عمر العشر سنوات. أحبّ السينما من أجل موسيقاها، وأكثر ما فتنه النغم المتصاعد من تحفة «العراب». اهتمت الأم بفتى يمضي الوقت في الارتماء بين الإيقاعات والإصغاء إلى أجملها. وأحضر الأب، بين هداياه، أكثرها حميمية: البيانو والأورغ. راح يعزف ما يسمعه، يصنع الألحان ويحتفظ بها على الرفّ. بداياته الوردية فتّحت موهبة وجدت نفسها تنجرّ من تلقائها إلى الاحتراف.
يذكر في حديثه مع «الشرق الأوسط» عام 2016 حين بنى استوديو واشترى أدوات. ينظر الموسيقي الإماراتي العالمي إيهاب درويش إلى نفسه اليوم فيجدها فخورة بما تنجز: يؤلف مقطوعات ضخمة، يترشّح لجائزة أفضل موسيقي ناشئ ضمن جوائز «هوليوود ميوزيك ميديا أوورد» العالمية، ويصبح أول إماراتي ينال عضوية أكاديمية جوائز «غرامي» العريقة، ذلك باجتهاد ذاتي وغَرفِ الظمآن من ينبوع المعرفة.
وضعه التطوّر التكنولوجي على السكة، فعزم على إكمال الطريق. من برامج الديجيتال على الكومبيوتر وما تتيحه من تقنيات موسيقية عالية، دخل عالم التوزيع المحترف: «اكتشفتُ قدرة التكنولوجيا الرقمية على صناعة نتيجة مذهلة. فالآلات الافتراضية تنقل أصواتاً أوركسترالية صافية بنسبة مائة في المائة. التكنولوجيا سرّعت تحوّلي إلى محترف».

المؤلف الموسيقي الإماراتي إيهاب درويش يحمل قيم بلده في فنه

بعد شراء الأجهزة والمعدّات، نفض الغبار عن الألحان المُخبّأة، وزّعها، وأدخلها في البرمجة التكنولوجية. أمام نحو 160 عازفاً، قدّم أول مقطوعاته كمؤلف محترف في بولندا مع «أوركسترا أكاديمية بيتهوفن» الشهيرة. عودته إلى أبوظبي، بعدها، شكّلت بداية مسيرته مع «مهرجان أبوظبي للثقافة والفنون». والمسيرة مستمرة.
في النسخة الـ19 للمهرجان، عزف درويش مقطوعة ترتقي بسموّ رسالتها. يمتلئ بالشغف وهو يتحدث عن «السيمفونية الثلاثية: سلام، حب، تسامح»، بالتعاون مع المؤلف الموسيقي جون ديبني الحائز على «إيمي»، والمؤلف الموسيقي ديفيد شاير الحائز على «أوسكار». يراها امتداداً لجوهر الإمارات القائم على تقارب الشعوب ونبذ الكراهية: «هذا صميم هويتي الموسيقية، فكما تُدمج الآلات الشرقية بالغربية وتولّد فرادة النغم، يستطيع التجانس البشري الخروج بروح إنسانية شاملة».
من رؤية الإمارات، يستمد نسيج موسيقاه. ومن بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي، حيث تلاقي الأديان، يشتعل الإلهام، فتضيء في فضاء النغمات سيمفونية من أربع حركات: «الأرض، السلام، الحب، التسامح». حركتان من تأليفه: «الأرض»، و«التسامح»؛ ليؤلف حركة «الحب» الموسيقي ومؤلف الموسيقى التصويرية جون ديبني؛ و«السلام» الموسيقي ومؤلف الأغاني الأميركي ديفيد شاير، مع فرق غناء عالمية متعددة الثقافة، بينها «أوركسترا أكاديمية بيتهوفن» بقيادة المايسترو دييغو نافارو؛ تلتقي على التجسيد الحي لقيم السلام والتعايش بين البشر.
يشرح درويش الغاية من التقاء عازفين وفرق عالمية من خلفيات إسلامية ومسيحية ويهودية في سيمفونية، بإلهام من بيت العائلة الإبراهيمية، حاضن المسجد الإسلامي والكنيسة المسيحية والكنيس اليهودي: «كما تطأ أقدام البشر باختلاف جنسياتهم وثقافاتهم أرض الإمارات، فلا يشعرون بالوحشة، كذلك الموسيقى، بلغتها المشتركة وصوتها العالمي، تقوى على الجمع رغم المسافات والتباعد. دورها الحي يذيب الفوارق بين الناس من أي مكان أتوا».
«الرسالة هي الأهم. هي الموسيقى»، يؤمن درويش الذي تجمع موسيقاه بين التقاليد والحداثة؛ الأساليب الكلاسيكية والمعاصرة. يمتنّ لمهرجان أبوظبي بإدارة الشيخة هدى إبراهيم الخميس، وهو يستعيد تعاونهما في مشاريع موسيقية ضخمة. يحمل تقديراً لها، ولرفيق دربه، أخيه جهاد درويش ومديرة أعماله زوفيا يجورونا.

شكّلت مقطوعات مثل «أمواج حياتي»، و«حكايات»، منعطفات صنعت هويته الموسيقية. كان عام 2018. حين عرض «أمواج حياتي» على مسرح «فندق قصر الإمارات» بتكليف من المهرجان ودعمه. شعر بهيبة المكان والتمس عظمة الموسيقى. 9 مقطوعات تمزج بين الأنماط العربية والغربية مستوحاة من ذكرياته الخاصة، نشرها أيضاً ضمن ألبوم لشركة «يونيفيرسال ميوزيك». توالى النجاح، ففي عام 2021. قاد 128 موسيقياً في 20 دولة لعزف 13 مقطوعة سيمفونية بعنوان «حكايات سيمفونية». عرض افتراضي ساحر، أنتجه المهرجان، لا ينساه.
نحو 300 موسيقي من مختلف الجنسيات والثقافات شاركوا في عزف «السيمفونية الثلاثية: سلام، حب، تسامح». ضمّت فرقة الطبول الشرقية نحو 250 شخصاً ضمن كورال يحتضن عددَ أصوات كبيراً من دول العالم، ومغنيين عالميين بينهم بي ليبو موراك من جنوب أفريقيا، وليسبث سكوت من الولايات المتحدة، وأوليفيا فويت من أوبرا متروبوليتان نيويورك.
أكثر ما يُشعره باتّساع الحضور الموسيقي الإماراتي في العالم هو نيله حق التصويت في أكاديمية جوائز «غرامي» لتنمية المجتمع الموسيقي وصون النغمات من الاندثار: «أنقل صوت الموسيقيين الإماراتيين إلى العالم وأعرّف الغرب إليه. الدور يحمّلني مسؤولية كبيرة».
تزوره الألحان خلال النوم، فيقاطع مناماته خشية أن ينساها. برأيه، «لا وقت للإلهام ولا عنوان له، يحلّ فجأة، وقد يترافق مع موقف عاطفي أو عام أودّ تحويله إلى فن، فيهوّن مخاض ولادة المقطوعة». منذ اعتياده صقل نفسه بالخبرة ومراكمة معارفه بالأسفار والاطلاع على تجارب الاختصاصيين، وهو يسعى إلى تكريس هوية فنية بمثابة عالمه، يحصّنها بروح الأرض الإماراتية ويغذّيها بقيمها النبيلة.