رحيل عراب اتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية

رئيس الوزراء الراحل عبد السلام المجالي اشتهر بمواقفه العنيدة في مواجهة مجالس النواب

رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي (أرشيفية- الشرق الأوسط)
رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي (أرشيفية- الشرق الأوسط)
TT

رحيل عراب اتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية

رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي (أرشيفية- الشرق الأوسط)
رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي (أرشيفية- الشرق الأوسط)

توفي رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي، مساء الثلاثاء، في المدينة الطبية عن عمر ناهز 98 عاماً، تاركاً خلفه تاريخاً طويلاً من العمل المهني طبيباً وأكاديمياً، ولحظات حرجة من العمل السياسي في فترات صعبة مرت بها البلاد.
والرئيس المجالي من مواليد محافظة الكرك الجنوبية عام 1925، وتلقى دراسته الثانوية في مدرسة السلط، ثم انتقل لدراسة الطب في دمشق، ليكمل اختصاصه في لندن، ويلتحق بعدها طبيباً في القوات المسلحة الأردنية.
دخل المجالي إلى عالم السياسة بعد تسلمه حقيبة الصحة نهاية الستينات من القرن الماضي، واستطاع تحسين واقع خدمات الرعاية الصحية في البلاد، بإنشائه عدداً من المستشفيات والمراكز الصحية، وحسَّن واقع الخدمات الصيدلية من خلال أنظمة صارمة.
عُرف عن المجالي قدرته الإدارية، والتزامه بمدرسة البيرقراط الأردني، بعد أن نجح في إدارته للخدمات الطبية الملكية (المدينة الطبية) ومستوى التطوير الذي أدخله، سواء لجهة جاهزية البنية التحتية، أو لجهة ابتعاث أطباء أردنيين إلى الخارج. كما ترأس المجالي الجامعة الأردنية، وهي أم الجامعات، محتفظاً بلقبه كأطول رئيس لها مدةً، في عقد الثمانينات من القرن الماضي.
المرحلة الأهم في سيرة المجالي السياسية كانت ترؤسه للوفد الأردني لمؤتمر السلام الدولي الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأميركية، وعقد في مدريد عام 1992، وقرار المشاركة في المؤتمر كان سببا في رحيل حكومة طاهر المصري، ليجلس المجالي وقتها في مواجهة الوفد الإسرائيلي، تاركاً خلفه انتقادات شعبية واسعة على أول لقاء أردني إسرائيلي رسمي.
أخذ المجالي المهمة على عاتقه، وشكل فريقاً مفاوضاً يضم خبراء في المجالات كافة. تلك الأيام الثقيلة جاءت به رئيساً للحكومة عام 1993، وهي الحكومة التي أجرت انتخابات مجلس النواب الثاني عشر، بعد تطبيق قانون الصوت الواحد أول مرة في المملكة، ليواجه المجالي بعدها المجلس الجديد ويحصل على ثقة النصف زائد واحد، بعد تدخل مباشر من الراحل الحسين، ورئيس ديوانه وقتها المرحوم الأمير زيد بن شاكر، فقبل جلسة الثقة بساعة واحدة اجتمع الحسين مع أقطاب نيابية في منزل بن شاكر، طالباً منهم دعم حكومته.
واستكمل المجالي بعدها رحلة المفاوضات الأردنية الإسرائيلية، منجزاً قانون اتفاقية السلام، مواجهاً مجلس النواب وقتها في مهمة وصفت حينها بـ«الانتحارية»، ليترك موقعه بعدها مدافعاً عما أنجزه لمصلحة الدولة الأردنية، بعد تثبيت الحقوق الأردنية على الحدود وفي المياه، وغيرها من فصول وملاحق الاتفاقية.
عاد المجالي مجدداً لرئاسة الحكومة بعد رحيل حكومة عبد الكريم الكباريتي، بأحداث ما عُرفت بـ«ثورة الخبز» عام 1996، بعد قرار الأخير رفع سعر مادة الطحين التي ضاعفت مرة واحدة ثمن سلعة الخبز، في ظل ظروف اقتصادية معيشية صعبة، ليجري المجالي بعدها انتخابات مجلس النواب الثالث عشر عام 1997، وسط انتقادات واسعة للعملية الانتخابية التي شهدت انتهاكات وقتها، ليجلس المجالي مرة أخرى في مواجهة مجلس نواب جديد، وسط علاقة مضطربة لم يهتم بها المجالي كثيراً.
غادر المجالي بعد عام من حكومته الأخيرة جميع المواقع الرسمية المتقدمة، محافظاً على مقعده في الغرفة الثانية من السلطة التشريعية، مجلس الأعيان، (مجلس الملك)، حتى عام 2005، ملتزماً بتقاليد نادي رؤساء الحكومات، مقلاً في الحديث، ناصحاً من بعيد، معترضاً على بعض القرارات الرسمية؛ خصوصاً خلال الحرب على العراق واحتلالها عام 2003؛ لكن في نطاق ضيق بعيد عن الإعلام.
استقر المجالي خلال السنوات الماضية على تأسيس بيت خبرة من شخصيات وطنية، سبق لها العمل العام في مجالات عدة. سُمي هذا المشروع «جمعية الشؤون الدولية»، وقدم من خلاله سلسلة أعمال تستشرف مستقبل المنطقة والأحداث، وموقع الأردن منها، وطبيعة تأثره بها؛ خصوصاً في مجالات القضية الفلسطينية وأزمات دول الجوار، والثابت والمتغير في العلاقات الاستراتيجية سياسياً ودبلوماسياً وأمنياً، مع دول النفوذ والتأثير في المنطقة والإقليم.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تعتقل نائباً أردنياً بتهمة تهريب سلاح وذهب

شؤون إقليمية إسرائيل تعتقل نائباً أردنياً بتهمة تهريب سلاح وذهب

إسرائيل تعتقل نائباً أردنياً بتهمة تهريب سلاح وذهب

أكدت مصادر أردنية، اليوم (الأحد)، اعتقال نائب حالي في إسرائيل بتهمة تهريب كميات كبيرة من السلاح والذهب بسيارته التي تحمل رقم مجلس النواب ورخصته، إلى الداخل الفلسطيني عبر الحدود، وسط تقديرات رسمية بأن تأخذ القصة أبعاداً سياسية. وفيما تحفظت المصادر عن نشر اسم النائب الأردني، إلا أنها أكدت صحة المعلومات المتداولة عن ضبط كميات من السلاح والذهب في سيارته التي كانت تتوجه إلى فلسطين عبر جسر اللنبي، وسط مخاوف من استغلال الجانب الإسرائيلي للقصة قضائياً، في وقت تشهد فيه العلاقات الأردنية الإسرائيلية توتراً أمام التصعيد الإسرائيلي، والانتهاكات المستمرة من قبل متطرفين للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس

«الشرق الأوسط» (عمّان)
المشرق العربي ولي العهد السعودي يلتقي العاهل الأردني

ولي العهد السعودي يلتقي العاهل الأردني

التقى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، اليوم في جدة، العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، على مائدة السحور. وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، كما تم بحث عدد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
المشرق العربي الصفدي رداً على مداخلات نيابية: الأردن وحده لن يقلب المعادلات الدولية

الصفدي رداً على مداخلات نيابية: الأردن وحده لن يقلب المعادلات الدولية

قال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، إن الدبلوماسية الأردنية تُدرك حجم الخطر المُتمثل فيما تقوم به إسرائيل من إجراءات واعتداءات وانتهاكات، ليس فقط فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك، لكن أيضاً فيما يتعلق بكل الأراضي الفلسطينية، وإنه لولا الأوقاف الأردنية، لقوضت إسرائيل هوية المقدسات الإسلامية والمسيحية، مشددا على أن تحقيق السلام العادل والشامل، لن يتحقق، إلا إذا تحررت القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المُستقلة على التراب الوطني الفلسطيني بخطوط عام 1967. وأضاف الصفدي خلال جلسة برلمانية رقابية، الأربعاء، أن الدبلوماسية الأردنية تعمل ليس فقط ردة فعل على الإجراءات الإسرائي

المشرق العربي اجتماع طارئ لـ«الجامعة العربية» اليوم لبحث الاقتحام الإسرائيلي للأقصى

اجتماع طارئ لـ«الجامعة العربية» اليوم لبحث «اقتحام الأقصى»

قالت الجامعة العربية إنها ستعقد اجتماعا طارئا بعد ظهر اليوم (الأربعاء)، لبحث مداهمة الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء. ودعا الأردن لعقد الاجتماع بالتنسيق مع مسؤولين مصريين وفلسطينيين. ونددت الجامعة العربية في وقت سابق بالمداهمة التي تمت قبل الفجر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي ولي عهد الأردن يصل إلى جدة

ولي عهد الأردن يصل إلى جدة

وصل الأمير الحسين بن عبد الله الثاني ولي عهد الأردن، إلى جدة اليوم (الأحد). وكان في استقباله في مطار الملك عبد العزيز الدولي، الأمير بدر بن سلطان بن عبد العزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة، وأمين محافظة جدة صالح التركي، ومدير شرطة منطقة مكة المكرمة اللواء صالح الجابري، وقنصل عام مملكة الأردن بجدة جعفر محمد جعفر، ومدير المراسم الملكية بمنطقة مكة المكرمة أحمد بن ظافر.

«الشرق الأوسط» (جدة)

وقف النار لم ينهِ متاعب الصيادين في جنوب لبنان

صيادون لبنانيون يلتقون في مرفأ صور بعد وقف إطلاق النار (رويترز)
صيادون لبنانيون يلتقون في مرفأ صور بعد وقف إطلاق النار (رويترز)
TT

وقف النار لم ينهِ متاعب الصيادين في جنوب لبنان

صيادون لبنانيون يلتقون في مرفأ صور بعد وقف إطلاق النار (رويترز)
صيادون لبنانيون يلتقون في مرفأ صور بعد وقف إطلاق النار (رويترز)

أرخت الحرب الإسرائيليّة بظلالها على صيادي الأسماك الذين يعملون في جنوب لبنان، فباتوا من دون مصدر رزق، يعانون ظروفاً معيشية صعبة للغاية، وهم في الأصل متضررين من تبعات أسوأ أزمة اقتصاديّة واجتماعية عصفت بالبلاد منذ نحو 5 سنوات، ما زاد فقرهم ومعاناتهم أكثر.

ويشكو يوسف، الصياد البحري، سوء أحواله بعد أن قضى نحو 50 سنة في مهنة الصيد، ويقول: «لم يعد القطاع منتجاً كالسابق. الظروف جميعها اختلفت. وضع الصيادين مأساوي جداً ويشبه حال المدينة راهناً، بعد أن أنهكتها الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة. لم أبحر بمركبي الصغير منذ أكثر من شهرين، فالقصف كان فوق رؤوسنا».

400 صياد يعانون

يتحدَّث أمين سرّ نقابة صيادي الأسماك في مدينة صور، سامي رزق، عن معاناة الصيادين نتيجة الحرب الإسرائيلية؛ حيث توقف نشاطهم البحري طوال الشهرين الماضيين، «حتّى باتت أحوالهم صعبةً للغاية».

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «تضررنا تدريجياً، حتّى بتنا نعيش واقعاً سيئاً للغاية؛ إذ تعطّلت سبل الصيد لدى أكثر من 400 صياد، في صور وحدها، وتوقف عمل الـ(جي بي إس) الذي يُمكِّننا من تحديد مكان الصيد، كما انخفضت أسعار السمك، وأقفلت المسامك أبوابها كلياً بعد مرور أيام قليلة على بدء الحرب».

أزمة قديمة جديدة

ويتحدَّث رزق عن أزمة الصيادين المستمرة منذ سنوات قائلاً: «معاناتنا سابقة للحرب الأخيرة، تعود تحديداً إلى العام الماضي، حين بدأت أحداث غزة ومعها الاشتباكات على الحدود الجنوبيّة بين (حزب الله) وإسرائيل، لتضع إسرائيل وقتها قيوداً على حرية حركة الصيادين، وتسمح لهم بالصيد ضمن مساحة ضيقة للغاية لا تتيح لهم الصيد بشكل مناسب في البحر».

الأوضاع العامة انعكست بدورها على أسعار السمك، وفق ما يقول رزق: «انتهت الحرب لكن لا شيء يبعث للحماسة لدى الصيادين، إذ إن سعر كيلوغرام السمك لا يزال دون المستوى المطلوب، فعلى سبيل المثال، انخفض سعر الكيلو من نوع اللقز إلى 700 ألف ليرة لبنانية (نحو 8 دولارات) بعدما كان يتخطى مليوني ليرة سابقاً (نحو 22 دولاراً)، وهو رقم متدنٍ جداً لا يكفي لتغطية تكلفة الصيد نفسه».

خوف من الإبحار

قبل 23 سبتمبر (أيلول)، أي قبل توسع الحرب الإسرائيلية على لبنان، كان بحر صور يعجّ بالصيادين الذين يبحرون يومياً، لكسب رزقهم وتأمين لقمة عيشهم من بيع السمك، ويعتمدون على الموسم السياحي، إذ لا مهنة أخرى لدى غالبيتهم.

اليوم ينشغل كثير من الصيادين في صور بإصلاح مراكبهم وتجهيزها من أجل العمل مجدداً عليها، لكن يجمع غالبيتهم على أن الإبحار راهناً فيه كثير من المخاطر ما دامت الخروقات الإسرائيلية مستمرة، والمسيَّرات تحلق في الأجواء فوق رؤوسهم، بحيث إن عدداً قليلاً منهم عاد للخروج إلى البحر.

وخلال الحرب، حاصرت الإنذارات الإسرائيلية الصيادين، محذِّرة إياهم من الاقتراب من المنطقة البحرية، فامتنعوا عن الإبحار؛ حفاظاً على أرواحهم.

قيود مستمرة رغم انتهاء الحرب

من على متن قاربه الذي كان يبحر به يومياً قبل الحرب، يُخبرنا محمود أحمد، البحار منذ أكثر من 35 سنة، كيف بقي صامداً في صور ولم يغادرها طوال فترة الحرب، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بقيت هنا، أنا وعدد صغير من الصيادين، عاونا بعضنا وتخطينا هذه المرحلة».

ويضيف: «قدّموا لنا بعض المعونات الغذائية منها المعلبات، لكنها لم تكن كافية، وهو ما اضطرنا إلى أن نصطاد السمك خلسة وبحذر كي نقتات به. كانت مهمة صعبة للغاية ومخاطرها كبيرة».

لكن اليوم وبعد وقف إطلاق النار لا تزال مجموعة من المناطق ممنوعةً على الصيادين، إذ عادت وفرضت إسرائيل قيوداً على حركتهم في البحر، لا سيّما لجهة الناقورة، التي كان بحرها يشكِّل مقصداً لصيادي صور والجنوب، يبحرون بمراكبهم وزوارقهم إلى هناك. وهو ما يتحدَّث عنه محمد، قائلاً: «لقد تفاقمت معاناة الصيادين بفعل الحرب المدمّرة. والآن يمنعوننا من الوصول إلى الناقورة والبياضة، نحن محاصرون ومقيدون».

صيادون لبنانيون يفككون شبكة الصيد في مرفأ صور بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

صامدون في صور

وحال الصياد محمد أبو العينين ليس أفضل، يُخبرنا عن فترة الحرب: «بقيت هنا في صور، وعند كل تهديد بالإخلاء، أهرب إلى الميناء، حيث نلجأ نحن الصيادين ونختبئ إلى أن تنتهي جولة القصف المكثفة، وهكذا، بقيت إلى أن انتهت الحرب. أشكر الله أن منزلي لم يتضرر». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «خلال الحرب منعونا من الصيد والإبحار. تبلَّغنا رسمياً من قبل الجيش اللبناني بعدم الإبحار، التزمنا بالأمر ولم نخرج».

وتؤمّن مئات العائلات قوتها اليومي من البحر، لكنها أخيراً وجدت نفسها فجأة دون عمل، بعد أن تعطّل الصيد البحري خلال الفترة الماضية.

ولا تختلف حال الصيادين اليوم عن أحوال كل أبناء المدينة الذين يفتقرون لمقومات الحياة، «حالنا مثل حال أبناء المدينة؛ نعاني من أزمة انقطاع المياه والكهرباء»، يقول أحمد، مضيفاً: «نطلب من الدولة أن تنظر إلى حال الصيادين. معيشتنا متواضعة، ولا نملك سوى عملنا في البحر كي نربي أولادنا، لكن حالنا كانت أفضل بكثير في مرحلة ما قبل الحرب. نتمنى أن تنتهي الأزمة قريباً».