تسارع وتيرة هيمنة أثرياء الهند على قطاع الإعلام

معظمهم مقرّبون سياسياً من رئيس الحكومة اليميني

غواتام أداني مع مودي
غواتام أداني مع مودي
TT

تسارع وتيرة هيمنة أثرياء الهند على قطاع الإعلام

غواتام أداني مع مودي
غواتام أداني مع مودي

أبرزت عناوين الأخبار في وسائل الإعلام الهندية أخيراً أنباء استحواذ مجموعة «أداني غروب» على شبكة «نيودلهي تليفيجن» الإعلامية البارزة التي يمتلكها الملياردير غواتام أداني، الذي يعد ثالث أغنى شخص في العالم. وكان قد لوحظ في الآونة الأخيرة أن العديد من كيانات الأعمال التجارية الكبيرة في الهند باتت تشق طريقها إلى الفضاء الإعلامي. واليوم سيساعد استحواذ أداني على شبكة «نيودلهي تليفيجن»، التي أسست قبل 34 سنة على دخول «نادي» كبار رجال الأعمال العالميين في مجال الإعلام.

سوباش تشاندرا

الواقع أن خلف الاستحواذ هذا قصة مثيرة. إذ كان مؤسسو «نيودلهي تليفيجن» قد حصلوا على قرض من شركة «في سي بي إل» الهندية العاملة بصناعة أكياس وأقمشة التغليف، التي انتقلت ملكيتها إلى مجموعة شركات أداني، «أداني غروب» لأول مرة. ولقد استحوذت المجموعة على «في سي بي إل» وحوّلت الديون غير المسددة إلى حصة 29.18 في المائة في «نيودلهي تليفيجن». ومن ثم، قدّمت المجموعة عرضاً مفتوحاً لشراء حصة إضافية بنسبة 26 في المائة من حصة الجمهور بما يتماشى مع قواعد الاستحواذ في الهند.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مجموعة أداني كانت قد اقتحمت أصلاً عالم الإعلام من خلال الاستثمار في شركة «كوينتيليون بيرنس ميديا برايفت ليمتد»، التي تمتلك وسائل إعلامية مثل «بي كيو برايم». أما «نيودلهي تليفيجن غراميديا»، فهي أول وأكبر شبكة خاصة في الهند، وهي تنتج الأخبار وتغطي الأحداث الجارية وتقدم محتوى ترفيهياً للجمهور الهندي باللغة بالإنجليزية منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وفي هذا السياق صرح أبوفرا تشاندرا، سكرتير وزارة الإعلام والإذاعة الهندية، أن «صناعة الإعلام والترفيه الهندية تعد واحدة من أسرع الصناعات الإعلامية نمواً في العالم، حيث تقدر قيمتها بنحو 28 مليار دولار أميركي وتنمو بمعدل نمو تراكمي يبلغ 12 في المائة ومن المتوقع أن تصل إلى 100 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030».

أداني: إنها مسؤولية لا فرصة
أداني، المقرّب من رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي، قال أخيراً في تصريح إن «الاستحواذ على نيودلهي تليفيجن ليس فرصة بقدر ما هو مسؤولية». وأردف: «استقلالية وسائل الإعلام تعني أنه إذا ارتكبت الحكومة خطأ ما، فعليك أن تقول إنه خطأ. ولكن في الوقت ذاته، عليك أيضاً أن تتحلى بالشجاعة عندما تفعل الحكومة الصحيح... فتبرز ذلك أيضاً».
وبالمناسبة، في عام 2014. أقدم موكيش أمباني، وهو ملياردير آخر من أصدقاء مودي، على خطوة مماثلة عندما استحوذ على شركة «نيتوورك 18»، التي تعد إحدى كبريات شركات الإعلام في الهند، إذ تضم قنوات «سي إن إن - إي بي إن» الإخبارية، و«سي إن بي سي - تي في 18»، و«إي بي إن - لوكمات»، و«إي بي إن 7» الإخبارية الهندية، و«فوربز إنديا»، مع مؤسسات ومواقع أخرى. ومع مرور السنين، حازت شركة «ريالاينس»، التابعة لأمباني، على حصص في شركات «بالاجي تيليفيلمز» و«إيروز إنترناشيونال»، وكذلك في تطبيق «سافن» للبث الموسيقي، وهي تضم أيضاً العديد من القنوات غير الإخبارية، مثل «هوم شوب 18»، وموقع «بوك ماي شو. دوت كوم».
في تعليق على اتجاه الأمور، قال كبير محرري شبكة «إنديا أهيد»، مانيش شيبر، إن «شبكات التلفزيون توسّعت بسرعة خلال سنوات الازدهار التي شهدتها الهند في بداية الألفية الحالية، إلا أن الإيرادات تضررت بشدة جراء الأزمة الاقتصادية العالمية وبدأت الشركات الضعيفة مالياً في البحث عن مستثمرين جدد. وهكذا، قامت شركة «ريالاينس» باستثمار كبير في مجموعة «نيتوورك 18» عندما واجهت المجموعة الإعلامية مشكلات مالية خطيرة، وهو ما وفّر أموالاً ضخمة كانت «نيتوورك 18» في أمس الحاجة إليها.
وبالمثل، يمتلك رجل الأعمال الثري سوباش تشاندرا مجموعة «إيسيل غروب»، التي تدير واحدة من أقدم وأكبر شبكات التلفزيون في الهند، ولديها 14 قناة إخبارية ناطقة بثماني لغات، و35 قناة ترفيهية تنطق 19 لغة مختلفة. وراهناً، تسيطر المجموعة على 17 في المائة من سوق الإعلام والترفيه الهندي، وتصل إلى أكثر من 600 مليون شخص. كذلك تمتلك المجموعة شركة «زي»، التي لديها بدورها مكتبة واسعة من المحتوى باللغة المحلية يعود تاريخها إلى تسعينيات القرن الماضي، وتعد أصولاً مربحة وسط سوق البث العالمي متعدد الثقافات. وتعد منصة البث الخاصة بشركة «زي» منصة رائدة محلياً، حيث تتعامل مع ما يقرب من 73 مليون مستخدم نشط شهرياً.
الجدير بالذكر أن شركات تشاندرا محسوبة على خط حكومة مودي فيما يخص المحتوى الإخباري.
ومن ناحية ثانية، استحوذت «إيسيل غروب» أيضاً على «سيرينا ميدل إيست»، وهي شركة إعلامية مرموقة مقرها دبيّ، واشتهرت «سيرينا» بإبداعاتها ومهاراتها التكنولوجية، وعملت مع بعض من أكبر الأسماء في هذه الصناعة.

نهاية الإعلام المستقل
يرى خبراء أن هيمنة المال على قطاع الإعلام في الهند تمثل نهاية اللعبة لوسائل الإعلام المستقلة في الهند. والمهم في الموضوع هو وضع القنوات الإخبارية التلفزيونية الكبرى في البلاد في أيدي المليارديرات المرتبطين بعلاقات وثيقة بالحكومة القومية الهندية اليمينية بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي، بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
لقد كانت «نيودلهي تليفيجن»، قد اعتبرت خلال السنوات الأخيرة إحدى آخر معاقل الصحافة المستقلة بين وسائل الإعلام النافذة في الهند، والتي تعرضت بشكل متزايد لضغوط من أجل مواكبة الخط الحكومي في ظل حكم مودي، الذي وصل إلى السلطة في عام 2014. وصراحة يقول سوهاس تشاكما، مدير «مجموعة تحليل الحقوق والمخاطر» في العاصمة نيودلهي: «برزت قناة نيودلهي تليفيجن كآخر القنوات التي سعت إلى الحفاظ على استقلاليتها في ظل هذه الحكومة». وبالتالي، يتساءل كثيرون الآن عن الشكل الذي قد تبدو عليه رؤية أداني - مالكها الجديد - لاستقلال وسائل الإعلام، مع الأخذ في الاعتبار دعمه الصريح لمودي. بل إن أداني مقرّب جداً من الحكومة الحالية وكان من كبار المؤيدين لمودي منذ بداية العقد الأول من القرن الحالي. وعليه، قد لا يكون استحواذ أداني على «نيودلهي تليفيجن» خطوة منطقية من الناحية الاقتصادية، إلا أنه قد يقرّبه أكثر من الحكومة، وهو الرأي الذي يتفق معه العديد من المحررين الصحافيين، إذ يرى سيفانتي نينان، مؤسس ورئيس تحرير موقع «ذا هووت»، المهتم بحماية استقلالية وسائل الإعلام في الهند: «لا يمكن لأحد أن يمارس الاحتكار في بلد فيه الكثير من وسائل الإعلام... إن ما يحدث يشكّل تهديداً حقيقياً لصدقية وسائل الإعلام».

رجال الأعمال والإعلام
ولكن، لماذا يهتم جميع كبار رجال الأعمال بشركات الإعلام؟
قد يكون أحد الأسباب هو تلميع صورة العلامة التجارية. فالتكتلات الكبيرة التي تمتلك دوراً إعلامية تمارس السيطرة على تلك الدور، وتملي عليها ما يخرج عنها من أخبار. هذه الشركات بشكل عام تستغل الأخبار لرسم صورة جيدة لعلاماتها التجارية.
وبهذا المعنى، رأى براديب تشوبرا، الذي يعد أحد علامات الصناعة الرقمية منذ عام 2000. إنه «اليوم، بعد سنوات طوال، وجدت الشركات طريقة جديدة للرد على قنوات التسويق المزدحمة من خلال شراء شركات الوسائط الإعلامية ومواقع المدونين لعمل علامة تجارية للمحتوى». وأردف: «هذا الاتجاه منطقي لأن بناء نظام للمحتوى من الصفر يتطلب وقتاً وتركيزاً وصبراً. وهذه أمور ليست ضمن قدرات ولا نهج غالبية العلامات التجارية. فالعلامات التجارية تنمو فقط عندما يعلم المستهلكون بوجودها، واكتساب شركات الوسائط يعني الوصول المباشر إلى منصات المحتوى الخاصة بها وإلى قاعدة العملاء الموجودة بالفعل، وبالتالي يعلم بها المستهلكون». ويضيف: «من أبرز مزايا الاستحواذ على شركة إعلامية هو تغيير سيناريو تحقيق الدخل. وبدلاً من اشتراط زيادة مبيعات وإعلانات المحتوى المدفوع، يمكن للشركة المستحوذة النظر في طرق أخرى مختلفة لاستثمار المنصة».
وفي اتجاه موازٍ، أدى ظهور الأخبار الرقمية إلى إقدام العديد من الشركات الهندية على شركات إنشاء محتوى. ففي العام الماضي، استحوذت مجموعة «ذي غود غلام» المعنية بالمحتوى التجاري، على شركة «ميس ماليني إنترتينمنت» الإعلامية الترفيهية مقابل مبلغ لم يكشف عنه. كذلك دفعت شركة «هب سبوت» 27 مليون دولار لشراء شركة «ذي هسل»، التي أسسها سام بار في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 للعمل كدار الإعلامية لبث المحتوى الإخباري.


مقالات ذات صلة

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
إعلام الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي الهواتف الجوالة مصدر معلومات بعيداً عن الرقابة الرسمية (تعبيرية - أ.ف.ب)

شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

شكلت مواقع «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، مصدراً سريعاً لسكان مناطق نفوذ الحكومة السورية لمعرفة تطورات الأحداث.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.