هل تتوسط الهند لإنهاء حرب أوكرانيا؟

جانب من مشاركة مودي في قمة العشرين ببالي 16 نوفمبر (تشرين الثاني) (أ.ب)
جانب من مشاركة مودي في قمة العشرين ببالي 16 نوفمبر (تشرين الثاني) (أ.ب)
TT

هل تتوسط الهند لإنهاء حرب أوكرانيا؟

جانب من مشاركة مودي في قمة العشرين ببالي 16 نوفمبر (تشرين الثاني) (أ.ب)
جانب من مشاركة مودي في قمة العشرين ببالي 16 نوفمبر (تشرين الثاني) (أ.ب)

بعد أيام من عودته من رحلة مفاجئة إلى الولايات المتحدة، اتصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هاتفياً، برئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، وطلب دعماً في تنفيذ «خطة سلام» من 10 بنود مع روسيا.
وفي خطاب ألقاه في 27 ديسمبر (كانون الأول)، أشار زيلينسكي إلى اتصاله مع مودي، وقال إنه يشعر أن نيودلهي تستطيع «أن تكون أكثر فاعلية فيما يتعلق بالجهود المبذولة من أجل إنهاء العدوان (الروسي)». وأوضح: «تحدثت مع رئيس الوزراء الهندي، وسترأس الهند مجموعة العشرين العام المقبل، وتمنيت للرئيس مودي فترة رئاسة مثمرة ومزدهرة، ليس لشخص بعينه، لكن للجميع في العالم ممن يقدرون السلام».
وقبل أسبوع من مكالمة زيلينسكي، اتصل مودي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكانت تلك هي أولى مكالمات الزعيم الهندي مع بوتين وزيلينسكي منذ تولت بلاده رئاسة مجموعة العشرين.
- لماذا تضطلع الهند بدور الوسيط؟
تعزى ثقة زيلينسكي في قدرة نيودلهي على التوسط إلى أسباب عديدة. فقد رفضت الهند الانحياز لأي طرف في الصراع، كما أنها تترأس مجموعة العشرين للدورة الحالية.
يقول راجيف بهاتي، دبلوماسي سابق وزميل بارز في مركز «غيتواي هاوس» البحثي المختص بالسياسات الخارجية ومقره مومباي، إن «المكالمة الهاتفية بين زيلينسكي ومودي مهمة، لأن الأخير لم يعد يتحدث بصفته زعيماً للهند فحسب، بل بصفته رئيساً لمجموعة العشرين. رؤية مودي واتصالاته واضحة وبارزة على الساحة العالمية». وتابع: «يدرك زيلينسكي، مثل قادة العالم الآخرين، معادلة مودي مع الرئيس الروسي، والنفوذ الذي يمكن لرئيس الوزراء الهندي ممارسته من أجل المساعدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا».
من جانبه، أشاد ويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارت المركزية الأميركية (سي آي إيه)، مؤخراً، بتعبير مودي عن مخاوفه حيال تهديد بوتين باستخدام السلاح النووي. فيما أقرت الولايات المتحدة الأميركية بالدور الذي اضطلعت به الهند خلال المفاوضات الخاصة بالتوصل إلى بيان ختامي مشترك لقمة العشرين التي انعقدت في بالي قبل أسابيع، والتي كانت صعبة بسبب الانقسامات الحادة بين الدول الأعضاء حيال الحرب في أوكرانيا.
- عدم الانحياز
حافظت الهند على حياد نسبي من الحرب في أوكرانيا، رغم الضغوط التي تعرضت لها من حلفائها في الغرب للانضمام إلى جهود العقوبات المفروضة على موسكو. ومنذ ثلاثة أسابيع انتقد دميترو كوليبا، وزير الخارجية الأوكراني، في مقابلة مع محطة إخبارية هندية، الهند، بسبب وارداتها زهيدة الثمن من النفط الروسي.
وصرح كوليبا لمحطة «إن دي تي في» بأن خطوة الهند «غير لائقة أخلاقياً» بالنسبة إلى نيودلهي، ولا يوجد ما يبرر شراءها النفط من روسيا.
وتحدث مودي وزيلينسكي هاتفياً أربع مرات منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي. كما تحدث مع بوتين عدداً من المرات. وأكد الزعيم الهندي في أكتوبر (تشرين الأول) أنه «لا يوجد حل عسكري» ممكن للأزمة، مشيراً إلى استعداد بلاده دعم جهود السلام.
وفي مقابل مقاومة الهند لضغوط واشنطن، أوضح مودي لروسيا خلال اجتماع ثنائي مع بوتين أثناء قمة منظمة شنغهاي للتعاون بسمرقند في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن «الوقت الحالي ليس حقبة حرب»، داعياً نظيره الروسي إلى «الاتجاه نحو مسار السلام». وبعد ذلك بفترة قصيرة، صوتت الهند لصالح قرار يسمح لزيلينسكي بمخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بشكل افتراضي. وشدد مودي على رسالته المناهضة للحرب في إعلان قادة دول مجموعة العشرين في بالي.


مقالات ذات صلة

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب يبحث القضايا الأمنية العالمية مع أمين عام «الناتو»

ترمب يبحث القضايا الأمنية العالمية مع أمين عام «الناتو»

التقى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الجمعة، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في بالم بيتش في ولاية فلوريدا، فيما يدرس تعيين مبعوث خاص لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة بعد الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (ا.ب)

أوستن: قوات كوريا الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك في الحرب «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم (السبت)، أن بلاده تتوقع أن الآلاف من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».