قلق في مناطق المعارضة السورية من التحركات التركية

يسود جو من القلق والترقب وخيبة أمل كبيرة في الأوساط الشعبية والفعاليات السياسية والثورية والقطاعات العسكرية في مناطق المعارضة بشمال غربي سوريا، حول مصير المنطقة، بعد أن كشف اجتماع وزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا في موسكو الأربعاء 27 ديسمبر (كانون الأول)، مدى التغير المتسارع في الاستراتيجية التركية تجاه النظام السوري والتقارب والتطبيع معه، وانعكاساته المستقبلية على المنطقة، بعد 11 عاماً من القطيعة السياسية الحادة بين الجانبين، واصطفاف تركيا إلى جانب المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري.
* تسلسل التصريحات وخطوات التقارب
أثار لقاء وزير الدفاع التركي ورئيس جهاز الاستخبارات في تركيا ونظرائهم الروس والسوريين في موسكو مؤخراً، حالة من الغضب الشعبي والشعور بخيبة الأمل في تركيا إلى حد انعدام الثقة بتعاملها مع الملف السياسي لصالح المعارضة السورية، بعدما بدا واضحاً مدى التنسيق والتقارب بين تركيا والنظام السوري، الذي بدأت أولى خطواته عندما كشف وزير الخارجية التركية قبل أشهر في تصريح له على وسائل إعلام تركية، أنه تكلم مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على هامش قمة دول عدم الانحياز في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأكد لنظيره السوري خلال اللقاء أن «السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة هو الحل السياسي والقضاء على الإرهابيين دون أي تمييز بينهم وتحقيق اتفاق بين النظام والمعارضة، وتركيا تدعم هذه الخطوات»، ليؤكد بعد ذلك في تصريحات لاحقة وجود اتصالات بين رؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدين، حول عدد من القضايا؛ وأهمها الملف الأمني المتعلق بالبلدين.
وشكل تصريح الرئيس التركي إردوغان مؤخراً، حول إمكانية عقده لقاء مع نظيره السوري بشار الأسد برعاية روسية، الذي قال فيه «إنه لا توجد خصومة دائمة في عالم السياسة»، صدمة كبيرة في أوساط السوريين، وذلك عندما رد على سؤال صحافية في البرلمان التركي، تعقيباً على إعلان زعيم حزب «الحركة القومية» دولت بهتشلي، تأييده للقاء إردوغان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قطر، واقتراحه إجراء لقاء مع بشار الأسد. وقال إردوغان حينها: «هذا ممكن، فلا يوجد خلاف أو خصومة دائمان في السياسة، يتم اتخاذ الخطوات في هذا الصدد عاجلاً أم آجلاً في الظرف الأنسب».
* ردود فعل المعارضة
وعلى وقع تصريحات المسؤولين الأتراك الأخيرة حول خطوات التقارب بين تركيا والنظام السوري، بدأت الفعاليات الثورية في مناطق شمال غربي سوريا بالدعوة للخروج بمظاهرات شعبية حاشدة، في كل المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة في إدلب وريف حلب، للتنديد بالموقف التركي الأخيرة تجاه النظام السوري والتقارب معه.
وخرجت يوم الجمعة، عشرات المظاهرات الشعبية الحاشدة تحت عنوان «نموت ولا نصالح الأسد» في مدن إدلب وجسر الشغور وأريحا وبنش ومعرة مصرين وحارم وسلقين وسرمدا، وعدد من البلدات ومخيمات النازحين في محافظة إدلب، إلى جانب مدن الباب وجرابلس وأعزاز وصوران ومارع وأخترين وعفرين وجنديرس والراعي وأتارب وبلدات أخرى في ريف حلب الشمالي، ندد خلالها المتظاهرون بالتقارب بين تركيا والنظام السوري والاجتماعات الأخيرة بين مسؤولي البلدين، والتأكيد على إسقاط النظام ورفضهم لما سمّوها «المؤامرة» الحالية على الشعب السوري، أو التطبيع مع نظام الأسد.
من جانبهم، دعا خطباء المساجد في مناطق إدلب وريف حلب، يوم الجمعة، إلى عدم الاستكان أو الصمت عما يجري من محاولات دولية وإقليمية تقود إلى فرض مصالحة بين السوريين والنظام السوري، وطالب الخطباء بفتح الجبهات والمعارك ضد النظام السوري وحلفائه في أقرب وقت لقطع الطريق على من يحاول التفريط بحقوق الشعب السوري وثورته التي راح ضحيتها ما يقارب مليون شهيد ونزوح الملايين بالداخل والخارج.
* التنازلات أمام القوى الإقليمية والدولية
ويرى العقيد مصطفى بكور وهو ضابط منشق عن قوات النظام، أن رضوخ من تصدر مشهد قيادة المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري للمطالب الدولية والإقليمية، والقبول بمسارات آستانة وسوتشي وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية خارج مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كان أهم الأسباب التي أدت إلى إضعاف الثورة وثوارها، وتمكين أي جهة دولية أو إقليمية من اتخاذ أي قرار أو الانخراط بأي مسار سياسي بمعزل عن قوى الثورة، سواء قبلت أو رفضت ذلك.
ويقول العقيد مصطفى بكور إن «كثيراً من العوامل أسهمت في إضعاف الموقف العسكري للثورة وجعلها ضعيفة أمام التدخلات الإقليمية والدولية، وكان من أهم التنازلات العسكرية للثورة السورية التي تصد والتي أضعفتها أمام القوى الإقليمية عدة تنازلات، وأفقد الفصائل فاعليتها، ما جعل أنقرة تتفاوض مع نظام الأسد بمعزل عن رأي المعارضة ومن دون أن تحسب حساباً لردة الفعل، ومنها: 1- الرضا بالاعتماد على الدعم الخارجي الذي منح الإمكانية للخارج للتحكم بمسار الثورة. 2- الانخراط بالمسارات السياسية خصوصاً آستانة وسوتشي. 3- الرضا بارتهان التحرك العسكري على الأرض لرغبة السياسيين الذين يمثلون مصالح دول وليس مصلحة الثورة. 4- الانخراط في الاقتتال الداخلي بين الفصائل بناء على أجندات لا علاقة لها بمصلحة الثورة. 5- تحييد أهل الاختصاص من العسكريين وتصدر المدنيين لقيادة الفصائل العسكرية.
وشدد على أن «السبيل الوحيد للخروج من هذه الدوامة وفك الارتهان للقوى الدولية والإقليمية، هو إعادة تشكيل جيش فتح جديد بقيادة جديدة لم تنخرط بمسارات التفاوض والتنازلات، وتلاحم الحاضنة مع الثوار في مصير واحد وكلمة واحدة، وهذا بالطبع يشكل عامل جذب لكل الشباب المؤمن بالثورة ونعيدها سيرتها الأولى».
من جانبه، قال الناشط الحقوقي أكرم جنيد، إنه «يتعين على تركيا أن تعيد النظر بحساباتها وسياساتها الجديدة تجاه قوى وممثلي الثورة السورية الحقيقيين، ومراجعة مواقفها الأخيرة مع النظام السوري، وأن تفرق في مشروع تقاربها مع النظام السوري، بين مفهوم الثورة والثوار والمعارضة (المصطنعة)، فالثورة قضية شعبية بامتياز طالب فيها الشعب السوري منذ اليوم الأول على اندلاعها قبل 11 عاماً بإسقاط نظام استبدادي ووحشي وديكتاتوري مارس أبشع الجرائم بحق الشعب السوري، وقتل فيها أكثر من مليون مدني وغُيب مصير أكثر من مليون سوري آخر في سجون النظام السرية، وبالرغم من ذلك، ما زال الثوار السوريون عند الهدف الذي خرجوا من أجله، أما المعارضة السورية في الخارج فلا تمثل الثورة ولا ثوارها وتضحياتهم في ميادين القتال مع عصابات الأسد ولا الأحرار في الساحات السورية الذين هتفوا للحرية والكرامة وتعرضوا لأبشع وسائل القمع والقتل والاعتقال، إنما تمثل هذه المعارضة الدول التي ارتهنت لها ولقراراتها».
ويضيف: «تركيا لها الحق في التنصل من اتفاقاتها وتضامنها مع فصائل الثورة السورية والشعب السوري، ولكن ليس لها الحق بفرض مصالحة بين الثوار والنظام السوري، أو استخدام الملف السوري بما فيه ملف اللاجئين السوريين في تركيا ورقة تستثمر فيه الأحزاب التركية فيما بينها، بما فيها حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومحاولته تهدئة تصعيد الأحزاب المعارضة ضده لكسب الانتخابات التركية المقبلة».
* تحذيرات من نتائج التقارب
وفي السياق أصدرت «هيئة تحرير الشام»، الفصيل ذو النفوذ العسكري الأكبر على الساحة في شمال غربي سوريا، بياناً، الخميس الماضي، قالت فيه، إن «الثورة أمام تحدٍّ سياسي جديد يتمثل بتنشيط التواصل مع النظام من قبل أبرز حلفاء الشعب السوري (الدولة التركية)؛ حيث تأتي هذه المحادثات لأجل إحراز تقدم في ملف اللاجئين قبيل الانتخابات التركية المقبلة من جهة، وممارسة مزيد من الضغط على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وأبرز مكوناته حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى».
وأشارت إلى أن «النظام السوري الحالي، ومن قبله حكم أبيه حافظ الأسد، هدد الأمن القومي التركي لعقود من خلال دعمه لحزب العمال الكردستاني، وإيواء كوادره وأبرز قادته عبد الله أوجلان، وهو لا يملك النوايا الحسنة للمشاركة بإزالة المخاوف والتهديدات الأمنية لصالح سلامة وأمن تركيا، فضلاً عن عدم قدرته على ذلك، إضافة إلى كونه السبب الرئيسي في دفع ملايين السوريين للجوء، فكيف سيكون هو الحل اليوم، أو يرضى السوريون بالعودة إلى مناطقه التي يسيطر عليها، وإلى هذه اللحظة لم يتغير سلوك النظام السوري أو يبدل نهجه ضد الشعب السوري من قتل وتشريد واعتقال، بل تجاوز ذلك بتحويل المناطق التي يسيطر عليها إلى معامل تصدير الكبتاغون، ورعاية تجارة المخدرات، وبذلك جمع النظام بين ظلمه لشعبه وانتقامه من شعوب المنطقة وحكوماتها، مهدداً الأمن المجتمعي ومستقبل الأجيال».
* استعادة القرار
من جهته، قال الرائد جميل الصالح، قائد فصيل «جيش العزة»، في تغريدة على حسابة في «تويتر»، إنه «حين نكون أقوياء لن نحتاج إلى التنازلات المؤلمة، وحين نكون أقوياء سيكون قرارنا ملكاً لنا غير مستورد أو مفروض علينا وعندئذ لا أحد قادر على مصادرته منا، وأن التحاق الشباب بالفصائل التي تنفذ مطالب أهالي الشهداء وتحمي ثوابت ثورتنا أولى الخطوات الصحيحة».
وأكد العقيد رياض الأسعد، وهو مؤسس «الجيش السوري الحر» الذي تشكل من آلاف الضباط السوريين المنشقين عن النظام السوري، بعد اندلاع الثورة في مارس (آذار) 2011، أن «المصالحة مع عصابة بشار القاتلة المجرمة هي انتحار رغم جميع الظروف التي نمر بها، فلا سلام ولا استقرار بوجود عصابة فاشية إرهابية واحتلال قاتل إرهابي بكل المقاييس الدولية، لما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب السوري من قتل وتعذيب وتهجير واستخدام الكيماوي والأسلحة المحرمة دولياً لقتل الشعب».
ولفت الناشط الإعلامي طاهر العمر في إدلب، إلى أنه «يتوجب على الفصائل العسكرية رص الصفوف وفتح معركة كبيرة تقلب الطاولة على جميع المتآمرين، وهذا مطلب الجميع والحاضنة الشعبية، ومعارك التحرير هي من تعطي القوة للثورة السورية، وهي أقوى من المفاوضات والصفقات السياسية، وإن نظام الأسد فعلياً منهار اقتصادياً، ولا يمتلك القدرة على أي معركة برية أو عسكرية بشكل عام ولا حتى الدفاع عن نفسه».
وقال قيادي في فصائل المعارضة بشمال غربي سوريا، رداً على تسريبات صرحت بها صحيفة «وطن» الموالية للنظام السوري، إن أحد أهم الشروط التي تم الاتفاق عليها بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري خلال الاجتماع الأخير في موسكو، هو انسحاب القوات التركية من سوريا (دون تحديد المدة الزمنية)، وأن «انسحاب القوات التركية من المناطق التي نشرت فيها القواعد العسكرية، سواء في إدلب أو أرياف حلب، لا يؤثر ميدانياً على موقف المعارضة السورية المسلحة ووجودها، حيث إن الأخيرة على مدار السنوات الأخيرة الماضية، دعمت من وجودها على خطوط التماس وعززت مواقعها العسكرية بمختلف صنوف الأسلحة والمقاتلين المدربين على خوض المعارك وعلى استعداد كامل وجاهزية قتالية لأي سيناريو على الصعيد العسكري واستئناف المعارك ضد قوات النظام من جديد التي أوقفتها اتفاقات تركيا وروسيا في مسارات آستانة وسوتشي».