ليبيا.. ما بعد الصخيرات

التوقيع خطوة أولى في مسار شاق

ليبيا.. ما بعد الصخيرات
TT

ليبيا.. ما بعد الصخيرات

ليبيا.. ما بعد الصخيرات

رغم ظهور شكوك في الأجواء، فإن غالبية الأطراف المعنية بالوضع الليبي ما زالت تعرب صراحة عن سعادتها بما جرى السبت الماضي في بلدة الصخيرات المغربية من توقيع مبدئي على أول اتفاق من نوعه بين المتخاصمين في طرابلس وبنغازي وطبرق وغيرها من المدن الليبية. مدن تكتسي جدرانها بالدخان وآثار الحرب. يقول عيسى عبد المجيد، مستشار رئيس البرلمان الليبي، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مع الحوار». إلا أنه يضع في نهاية الجملة كلمة «لكن» مثل العديد من القادة هنا.

* اليوم، وبعد نحو أربع سنوات من سقوط حكم العقيد الليبي السابق معمر القذافي، يمكن أن تتحسس رياح التفاؤل الحذر وهي تهب من ساحل البحر المتوسط، وتحمل البشرى لهذه الصحراء الغنية بالنفط، ومعها الثناء على ما بذله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، برناردينو ليون، من جهود. ليون دبلوماسي إسباني، أشرف بطول صبر على جمع الفرقاء الليبيين طيلة الشهور التسعة الماضية، إلى أن تنفس الصعداء وهو يشهد الأيدي توقع بالأحرف الأولى على الاتفاق. لكن، كما يقول هو نفسه، ما زال هناك الكثير مما يجب القيام به حتى ينعم الليبيون بالأمن والاستقرار.
على الجانب الآخر، أي على أرض الواقع حيث رائحة البارود وتكتكة الأسلحة، أصبح في الإمكان رؤية أرتال السيارات المموهة للمتطرفين وهي تتحرك بالأعلام السوداء لبسط النفوذ على منابع النفط. حين تنجو من بوابة للجماعات المتطرفة وتصل لمسؤول حكومي أو برلماني، وتسأله عن اتفاق الصخيرات، يشير بإصبعه إلى الدروب التي يتحرك فيها المتشددون الرافضون لأي حوار أو حل سياسي. يقول النائب إبراهيم عميش، رئيس لجنة العدل والمصالحة الوطنية في البرلمان، لـ«الشرق الأوسط»: «بينما نحن مشغولون بالحوارات يتوسع (داعش) على الأرض، ويلتف الآن للسيطرة على الهلال النفطي». ويضم هذا الهلال الجغرافي أكثر من 60 في المائة من نفط ليبيا.
وهذه من بين مجموعة عقبات وتحديات تواجه ليبيا. تدور تساؤلات حول من سينتصر ويؤمِّن بيع النفط ويوفر حاجات الناس التي بدأت تنفد، من غذاء وكهرباء ومياه. نجاح السياسيين والمتطرفين في هذه المعادلة سيحدد وضع ليبيا في مرحلة ما بعد الصخيرات. أو كما تسمع من عدة قادة يرابطون على جبهات المعارك: «التوقيع وحده ربما لن يكون كافيا للوصول إلى بر الأمان». في الحقيقة لا يبدو القلق من «داعش» وغيره من تنظيمات متشددة، لكن المشكلة أكبر من ذلك.
وهناك معضلة الموقف من قائد الجيش الفريق أول خليفة حفتر.. هل سيبقى أم سيخرج من المشهد كما يريد ممثلو الميليشيات المتطرفة الذين يرتدي بعضهم عباءة «مدينة مصراتة» وقوات «فجر ليبيا» و«المؤتمر الوطني المنتهية ولايته (البرلمان السابق)، كما يقول لـ«الشرق الأوسط» الدكتور صلاح الدين عبد الكريم، المستشار القانوني للجيش. فهؤلاء المتطرفون بميليشياتهم يتمركزون في طرابلس ولهم أنصار يحملون الأسلحة المتوسطة والثقيلة في مدن بنغازي ودرنة وسبها. ليس من الواضح كيف سيكون الحال عند تنفيذ الاتفاق على الأرض.
هناك أيضا مشكلة اقتراب الموعد القانوني لانتهاء أعمال البرلمان الحالي، في 21 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وهناك خياران بين التمديد له وإجراء انتخابات جديدة في ظروف صعبة وسط حالة الانفلات الأمني. السؤال الأهم: هل سيشارك ممثلو المؤتمر في اللقاء المقبل والحاسم في الصخيرات.. وهل ستشارك القبائل المحسوبة على نظام القذافي في آخر لحظة.. وما هي طريقة حل الخلافات بين المتحاورين بشأن بنود معلقة مثل صلاحيات المجلس الأعلى للدولة، وكيفية تسليم الأسلحة ودمج عناصر الميليشيات في المؤسسات الرسمية وفي الجيش والشرطة؟
يمكن أن تقول، مثل العديد من وجهاء القبائل، إن الحوار الذي بدأ أولا في مدينة غدامس في غرب البلاد في الخريف الماضي، برعاية ليون، كان يدور بالأساس بين شركاء ثورة فبراير (شباط) التي قضت على القذافي. هؤلاء الشركاء، وهم جماعة الإخوان ومعهم الجماعات المتطرفة من جانب، والتيار المدني من جانب آخر، تخاصموا وأحرقوا بالصواريخ مدنا ومطارات ومصافي للنفط، طوال العامين الماضيين.
أما القبائل الكبرى التي جرى اتهامها من «الثوار» بأنها كانت موالية للنظام السابق، فظلت بعيدة عن مجريات التفاوض، ومنها قيادات من «ورفلة» و«ورشفانة» و«ترهونة» و«المقارحة» و«القذاذفة»، وغيرها. يقول أحد قيادات قبيلة القذاذفة والذي يقيم في القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «ليون طلب في بداية الحوار أن نتصل به، لكن نحن قلنا له إن عليه هو أن يبادر بالاتصال أولا. المفترض أنه هو الذي يريدنا لإنجاح مهمته، لكنه لم يفعل».
على أي حال استمرت محاولات جمع فرقاء فبراير حول طاولة واحدة. مرة في ليبيا وأخرى في جنيف، وكذلك في الجزائر وأخيرا في الصخيرات. هذا كان أمرا صعبا. كانت معظم هذه الأطراف تخوِّن بعضها بعضا وتتهم بعضها بعضا. بكل بساطة، تتقاتل وتغزو المدن. كل جبهة تعذب من لديها من سجناء الجبهة الأخرى.
يقول أحد القادة العسكريين من الجيش الليبي الذي يقوده الجنرال خليفة حفتر، لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش لم يؤخذ رأيه في هذه الحوارات». ويضيف أن الجيش، مع ذلك «مستمر في الحرب على الإرهابيين». وهو يرى أن من بين هؤلاء «الإرهابيين» قوة «فجر ليبيا» التي يشارك ممثلون عنها في حوار ليون. هذه معضلة أخرى ستظهر ملامحها عمليا في المستقبل القريب.
الجيش كما هو معلوم يعاني من نقص في التسليح، مما أدى إلى صعوبة حسم معركته مع المتطرفين. يتهم هذا القائد العسكري وهو يتحدث من مقره في رئاسة الأركان جنوب طبرق، المجتمع الدولي والأمم المتحدة بوضع العراقيل أمام شراء الجيش لحاجته من الأسلحة والذخيرة.
الأمم المتحدة تجاهلت، كما يقول المستشار عبد الكريم، تقوية السلطة الشرعية ممثلة في البرلمان والجيش، وقامت في المقابل بالتركيز على الحوار وكأنها تريد إجبار الليبيين على الرضا بحكم الميليشيات المتشددة مرة أخرى.
منذ بداية وصول ليون لليبيا بدا أن هناك اندفاعا غربيا لإنجاز مسألة الحوار بأي ثمن، رغم غياب أطراف ليبية فاعلة على الأرض. وقامت العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية المحسوبة على هذا الاتجاه بتخصيص مساحات واسعة من وقتها للترويج للقاءات المبعوث الأممي، حتى بدا لقطاعات كثيرة في هذا البلد أن مجرد الوصول إلى مرحلة التوقيع يمكن أن تحل المشكلة الليبية.
هناك مثل في أوساط الليبيين يقول إنه كلما انعقد اجتماع من هذا النوع وقعت مشكلة كبيرة في البلاد. تردد هذا المثل أولا حين حاول المتطرفون في طربلس ومصراتة السيطرة على حقلي الفيل والشرارة في جنوب ليبيا.. وتردد أيضا وقت أن شنت قوات المتطرفين أنفسهم تحت اسم «قوات الشروق» هجوما داميا لاحتلال منابع النفط قرب بلدة النوفلية.. ثم تردد المثل نفسه أخيرا حين توسع «داعش» فجأة، منذ يوم السبت الماضي، في منطقة الهلال النفطي. وبطبيعة الحال، كما يقول أحد نواب البرلمان: «هذه مجرد مزحة عامة تعكس ما يشعر به الليبيون من مرارة وعدم ثقة في ما يجري بشأن دولتهم».
فور توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى في الصخيرات أعلنت الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني الترحيب به، وأصدرت بيانا قالت فيه إنه خطوة على بداية الطريق الصحيح لخروج ليبيا من أزمتها، ودعت جميع الأطراف لتغليب مصلحة الوطن، للوصول لاتفاق شامل يؤسس لحكومة وفاق وطني تقود الليبيين في معركتهم ضد الإرهاب. كما رحب بالاتفاق عدد من دول الجوار وسفراء دول غربية.
المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، بدر عبد العاطي، نقل في بيان رسمي ترحيب القاهرة بتوقيع الاتفاق ووجه التحية لـ«الموقف الإيجابي والشعور بالمسؤولية الذي تحلى به المشاركون في الحوار»، ولـ«الجهود الكبيرة» التي بذلتها بعثة الأمم المتحدة وعلى رأسها ليون للوصول إلى «هذه النتيجة الإيجابية». كما عبرت مصر عن «خالص تقديرها للمملكة المغربية الشقيقة على دورها في استضافة الأطراف الليبية المتحاورة». وأشار بيان عبد العاطي إلى «أهمية الدور الذي لعبته دول جوار ليبيا في توفير الظروف التي أدت إلى التوقيع على هذا الاتفاق».
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إن الاتفاق يضع حلا سلميا للأزمة الليبية. وحضر مراسم التوقيع في حفل رسمي بالصخيرات سفراء ومبعوثون من دول كبرى، إضافة إلى شهود ليبيين من عدة مجالس محلية وأحزاب، بينما قاطعها المؤتمر الوطني واكتفى بإرسال رسالة إلى ليون أكد فيها على استمراره في الالتزام بمبدأ الحوار كأساس للحل، واستعداده للحضور في الجولة المقبلة لتقديم تعديلات يرى أنها جوهرية لإنجاح الحوار.
التوقيع في حد ذاته أشاع أجواء جديدة وبوادر انفراجة، وأوضح بحسب عدة أطراف متخاصمة أنه لا يمكن لفصيل واحد حل مشكلة ليبيا بمفرده. هذه لغة إيجابية لم تكن معتادة في خضم الصراع بالمدفعية والراجمات. كما وصف أحد المشاركين من مصراتة، وهو النائب فتحي باشاغا، توقيع المسودة بأنه إنجاز وطني يجدر الاحتفاء به، من أجل الوصول لاتفاق نهائي وتشكيل حكومة وفاق. بيد أن هناك من ينظر للصورة من زاوية مختلفة، ويخشى من تعقيدات الواقع عند الدخول في تفاصيل التنفيذ مستقبلا. يقول عبد المجيد، مستشار رئيس البرلمان: «نحن لسنا ضد أي اتفاق أو صلح من شأنه أن يمضي بليبيا إلى بر الأمان. ومع ذلك أعتقد أن التوقيع بالأحرف الأولى لا يعني التوقيع النهائي. البرلمان هو الذي سيقرر كيف ستسير الأمور».
يشير عبد المجيد هنا إلى مخاوف من أن تنفرد حكومة الوفاق المقترحة في مسودة الصخيرات بمصير الجيش. ويرى أن الكلمة النهائية في هذا الأمر لا بد أن تستمر في يد البرلمان.. «هناك ثوابت لدى البرلمان. أولا: منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة يكون للبرلمان ورئيسه. حتى لو تغير الوضع وأصبح رئيس الحكومة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، فلا بد أن يكون اختيار هذه الحكومة ورئيس الوزراء من المجلس المنتخب، وليس من أي جهة أخرى. البرلمان سيستمر كجهة وحيدة مخول لها منح الثقة للحكومة أو سحب الثقة منها».
وعما إذا كان يخشى من تأثير تنفيذ اتفاق الصخيرات على الجيش، يقول: «لا أحد يستطيع أن يصدر قرارات بإلغاء تكليف القائد العام للقوات المسلحة إلا البرلمان». مثل هذا الشعور بالخوف على مؤسسة الجيش من التفكك مجددا بعد أن جرت إعادة بنائها مطلع العام الماضي موجود لدى قادة آخرين في مجلس النواب والقوات المسلحة. ويتابع عبد المجيد قائلا: «أنا كمواطن ليبي أقول لك إنه على الجميع أن يفهم أن الجيش خط أحمر، وأمن ليبيا خط أحمر، وشرعية البرلمان خط أحمر. لن نتنازل عن البرلمان الشرعي المنتخب من الشعب، ولن نتنازل عن الجيش، ولا عن منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولن نعطي هذه السلطة للإرهابيين مرة أخرى، ولن نسمح مرة أخرى للإخوان ولأتباع الإخوان بالتلاعب بأمن ليبيا».
واعتاد خصوم القبائل المحسوبة على نظام القذافي وصفها بـ«الأزلام»، رغم أنها قبائل كبيرة ولها تأثير في مجريات الأمور. ويستشعر بعض زعماء هذه القبائل بأنه يوجد إصرار من جانب «الثوار» على أن تقتصر عملية الحوار على قادة «17 فبراير». لكن المستشار عبد المجيد يرى أن هذه أمور تجاوزها الزمن، ويأخذ على حوار الصخيرات عدم مشاركة القبائل الرئيسية فيه.. «كان يفترض أن تشارك هذه القبائل في حوار ليون. هذا إذا كانت تريد نجاح الحوار من دون استثناء». ويقول: «(17 فبراير) ليست قرآنا. نحن اليوم نريد أن نبني دولة قانون.. ولذلك المقاضاة تكون لمن أجرم في حق الشعب فقط، وليس معاقبة كل الليبيين».
النائب عميش يمثل مدينة بنغازي في البرلمان، ويرأس فيه لجنة العدل والمصالحة الوطنية، وينظر للتوقيع في الصخيرات بتشكك وهو يرصد التطورات في بلاده، ويقول إن «الموضوع برمته حتى الآن ينحصر في أنه لا يوجد حسن نية». ويضيف: «بينما نحن مشغولون بالحوارات والمصالحة الوطنية، يتوسع تنظيم داعش على الأرض.. لقد سيطر أخيرا على سرت وعلى القرضابية وعلى معسكرات كاملة، ويلتف الآن لابتلاع الهلال النفطي بأكمله بما فيه من موانئ لتصدير البترول. أنا أشكك في النوايا الدولية تجاه ليبيا».
من بين المخاوف التي يشعر بها النواب وجود اتجاه يتبناه قطاع من المتشددين في طرابلس، يتحدث عن انتهاء مدة عمل البرلمان في 21 أكتوبر المقبل. لكن عميش يقول إن «هذا الكلام غير صحيح، وفي الوقت نفسه لا تستطيع أن تقول إنه كلام غير شرعي، لأن الوضع يتطلب إنهاء بعض المهام، وهذه المهام تتعرض للإعاقة من البعض حتى داخل البرلمان نفسه»، وهو يشير في هذا الصدد إلى تشريعات ينبغي الانتهاء منها لحماية الدولة من أي احتمال لحدوث فراغ في السلطة. حول هذه النقطة يشدد المستشار عبد المجيد على أن البرلمان لن يسلم السلطة النيابية إلا لمجلس منتخب، ويضيف أن هذا يتطلب إجراء انتخابات، وهو أمر «صعب في ظل الأوضاع الأمنية المتردية في عموم ليبيا.. هل نسلم السلطة لـ(الإخوان) والمتطرفين و(داعش)؟».
من جانبه، يعتقد المستشار عبد الكريم أن مسودة الصخيرات ستعيد الميليشيات المسلحة التي يديرها المتطرفون لحكم البلاد بعد أن أسقط الليبيون ممثليها في انتخابات المؤتمر المنتهية ولايته، مشيرا إلى أن «الشعب التف حول الجيش بعد أن رأى الفوضى على يد هذه الميليشيات. ما أراه اليوم هو محاولة لإعادة حكم ليبيا للمتطرفين». رغم التشدد من بعض الأطراف سواء في الجبهة الغربية التي يهيمن عليها «الإخوان» وقادة الميليشيات، أو الجبهة الشرقية التي يوجد فيها البرلمان ويتركز فيها الجيش، فإن الحوار في حد ذاته أدى إلى فتح العديد من الثغرات من أجل البحث عن مخرج.
تقول مصادر على صلة بمفاوضات الصخيرات إنه سيجري وضع النقاط الخلافية في الاعتبار، بما فيها محاولة إدخال عناصر فاعلة أخرى مثل باقي القبائل وقادة من القوات المسلحة، ضمن مخرجات الاتفاق النهائي حتى يكون قابلا للتنفيذ، خاصة أن ليون نفسه أعلن أنه سيعقد اجتماعا آخر مع كل الأطراف قبل التوقيع النهائي، داعيا كل من لم يستطع الحضور في اجتماع الصخيرات الأخير للمشاركة لمواجهة التحديات التي تمر بها البلاد.

* الأطراف الليبية في الصخيرات.. وخارجها
* أهم الأطراف التي شاركت في التوقيع بالأحرف الأولى على مسودة اتفاق الصخيرات: «البرلمان» و«مجموعة من النواب المقاطعين لجلساته (أغلبهم من مصراتة)»، و«مجموعة المستقلين»، وغالبية «الأحزاب الليبية» وبعض من ممثلي «المجالس البلدية».
* المؤتمر الوطني المنتهية ولايته (البرلمان السابق) شارك في معظم جلسات الحوار لكنه لم يحضر توقيع مسودة الصخيرات، بسبب وجود خلافات بين أعضائه حول بعض البنود، وقال إنه سوف يتقدم في وقت لاحق بتعديلات يرى أنها لازمة من أجل إنجاح الاتفاق.
* انطلاق الحوار بقيادة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة برناردينو ليون منذ أواخر العام الماضي، تسببت في تغيير الكثير من المواقف التي كانت متشددة خاصة بين قادة الميليشيات العسكرية المحسوبة على مدينة مصراتة وفجر ليبيا، مما أدى إلى انسحاب بعض هذه الميليشيات من تحت عباءة القادة المتشددين، والانحياز لموقف المجلس البلدي لمصراتة الرافض للاقتتال والتطرف.
* يقوم عدد من نواب البرلمان الذي يعقد جلساته في طبرق بمحاولات للوساطة مع أطراف من مصراتة وأخرى قبلية وعسكرية لديها تحفظات على حوار الصخيرات، من أجل تغيير مواقفها، والتوصل لحلول وسط، والمشاركة في إنجاز الاتفاق النهائي. وجانب من هذه اللقاءات بدأ الترتيب له ليكون في القاهرة خلال عيد الفطر هذا الأسبوع.



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».