مصدر عشائري: مفاوضات سرية للتمهيد لاقتحام الفلوجة وتفادي تكرار أخطاء سابقة

أنباء عن تفخيخ «داعش» مساجد ومنازل المدينة التي تحاصرها القوات العراقية

عربتان مدرعتان تابعتان للقوات العراقية تحاولان اختراق أول الخطوط الدفاعية لمسلحي «داعش» على أطراف الفلوجة أمس (أ.ب)
عربتان مدرعتان تابعتان للقوات العراقية تحاولان اختراق أول الخطوط الدفاعية لمسلحي «داعش» على أطراف الفلوجة أمس (أ.ب)
TT

مصدر عشائري: مفاوضات سرية للتمهيد لاقتحام الفلوجة وتفادي تكرار أخطاء سابقة

عربتان مدرعتان تابعتان للقوات العراقية تحاولان اختراق أول الخطوط الدفاعية لمسلحي «داعش» على أطراف الفلوجة أمس (أ.ب)
عربتان مدرعتان تابعتان للقوات العراقية تحاولان اختراق أول الخطوط الدفاعية لمسلحي «داعش» على أطراف الفلوجة أمس (أ.ب)

في الوقت الذي أثارت فيه المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق مخاوف من إمكانية ارتكاب «إبادة جماعية» في الفلوجة نتيجة قيام تنظيم داعش بتفخيخ المساجد والمآذن والمنازل السكنية في المدينة، فإن شيخ إحدى العشائر في المنطقة كشف عن «مفاوضات سرية جارية مع جهات حكومية لتخطي هذا المأزق ولكي لا تتكرر الأخطاء التي ارتكبت في مناطق أخرى».
وكانت مفوضية حقوق الإنسان اتهمت في بيان لها تنظيم داعش باتخاذ «إجراءات خاصة في الفلوجة الهدف منها الإبادة الجماعية الممنهجة للمدنيين الذين يخالفون تعليماتها وكذلك للقوات الأمنية». وأضاف البيان أن «عصابات (داعش) قامت بتفخيخ كل الجوامع والمآذن والدور السكنية والطرق المؤدية إلى الفلوجة وكذلك المؤسسات الرسمية فيها بقصد إيقاع أكبر الخسائر البشرية والمادية فيها بقصد الإبادة الممنهجة»، مشيرًا إلى أن «عصابات (داعش) الإرهابية ومنذ مدة تزيد على ثلاثة أشهر قامت باتخاذ المدنيين دروعًا بشرية من خلال منع خروجهم من قضاء الفلوجة ومصادرة ممتلكات كل شخص لا ينفذ تعليماتها».
وتابع البيان أن تنظيم داعش «عمل على الاستهداف المباشر للعوائل وفئة النساء والأطفال الذين اختطفهم وطلب الفدية من ذويهم»، مؤكدًا أن «صور هذه الجرائم والانتهاكات الخطيرة التي قامت بها عصابات (داعش) الإرهابية تصل إلى مصاف الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية».
بدوره، أبلغ الشيخ حميد الجميلي، أحد شيوخ عشائر الفلوجة، «الشرق الأوسط» بأن «بعض شيوخ عشائر المنطقة أبلغوا القوات الأمنية ومسؤولين في الحكومة المحلية بأن وضع الفلوجة يجب أن يؤخذ بالحسبان عند أية محاولة لاستعادتها من تنظيم داعش الذي تمركز فيها منذ أكثر من سنة ونصف السنة وهو ما يعني أن المعركة في كل الأحوال لن تكون سهلة نظرا لوجود مقاومة من قبل من يتبقى منهم بالإضافة إلى الأهالي الذين لم يتمكنوا من الخروج بسبب منع (داعش) سيستخدمون كدروع بشرية».
وردا على سؤال حول ما أعلنه بعض قياديي ميليشيا «الحشد الشعبي» من أن من تبقى داخل الفلوجة «هم من الدواعش فقط»، قال الجميلي إن «هذا الكلام غير صحيح لأن سياسة (داعش) معروفة في إجبار الناس على البقاء، وبالتالي فإن هذه التصريحات تحمل نفسا انتقاميا ستكون له نتائج سلبية».
وبشأن المخاوف من تفخيخ الفلوجة من قبل «(داعش»، قال الجميلي إننا «نبحث كل هذه الأمور ونحن مع تحرير المدينة وطرد الدواعش وعودة أهاليها، ولكن هذا ينبغي ألا يتم على حساب المدينة المعروفة بتاريخها ومساجدها».
وتأتي المخاوف من إمكانية ارتكاب إبادة جماعية في الفلوجة بالتزامن مع ما أعلنته الأمم المتحدة عن مقتل وإصابة 45 ألف مدني خلال المعارك المستمرة في العراق منذ سنة ونصف السنة. وقالت الأمم المتحدة في تقرير لها إن «المعارك الدائرة في العراق مستمرة بتأثيراتها المروعة على المدنيين حيث سجل مقتل ما لا يقل عن 15 ألف مدني وجرح 30 ألفًا آخرين منذ شهر يناير (كانون الثاني) عام 2014»، مبينة أن «انتهاكات حقوق الإنسان وعمليات التهجير الجماعية مستمرة في أنحاء البلاد دون هوادة».
ميدانيا، نفذت القوات العراقية، أمس «قصفا عنيفا» على مواقع لتنظيم داعش على أطراف مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، وذلك غداة إعلانها تكثيف عملياتها العسكرية في المحافظة، بحسب مصدر أمني.
وكانت القيادة المشتركة للقوات العراقية أعلنت أول من أمس انطلاق عمليات «لتحرير الأنبار» التي يسيطر التنظيم على مساحات واسعة منها، بعد ساعات من شن الائتلاف الدولي بقيادة واشنطن غارات مكثفة قربها.
وقال ضابط برتبة ملازم أول في الشرطة إن القوات المشتركة تقوم «بقصف عنيف على مواقع التنظيم بالمدفعية وقذائف الهاون والصواريخ على مختلف الجهات الغربية والجنوبية والشرقية لمدينة الرمادي». وأوضح، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، أن عمليات القصف «تستهدف خطوط الصد والدفاع لتنظيم داعش، فضلا عن أماكن تحشداتهم هناك».
بدوره، قال حاكم الزاملي، رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن مدينة الفلوجة «مطوقة من جميع الجهات وتمت السيطرة بالكامل على المناطق والقرى القريبة من الفلوجة، وكذلك تسيطر قواتنا الأمنية على مناطق شرق الرمادي وغربها وبالتحديد في مناطق غرب الخالدية وزنكورة وتم تحرير مناطق البو شجل وقرية الشيحة شرق مدينة الرمادي والسيطرة بشكل كامل على منطقة الصقلاوية والدخول إلى مقتربات قريبة جدًا من مدينة الفلوجة وبذلك تكون المدينتان مطوقتين تمامًا».
بدوره، قال عضو مجلس محافظة الأنبار، جاسم الحلبوسي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «القوات الأمنية نفذت عملية عسكرية واسعة النطاق شملت مناطق محيطة بالرمادي والفلوجة ونتائجها الأولية مقتل العشرات من قادة وعناصر تنظيم داعش الإرهابي وكسر ظهورهم بخسائرهم الفادحة وهروبهم من مناطق كانوا يسيطرون عليها».
وأضاف الحلبوسي أن «معركة تحرير الأنبار بدأت ولن تتوقف حتى إعلان عملية التطهير الشامل».
من جهة أخرى، أكد مسؤول في قضاء الخالدية، أن القوات الأمنية تتقدم من محاور كثيرة في عمليات تحرير مدينة الرمادي من تنظيم «داعش»، لافتًا إلى أن هناك قصفًا عنيفًا على مواقع التنظيم. وقال رئيس مجلس القضاء علي داود في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن المحور الأول من منطقة البوعيثة شرق المدينة، والثاني من منطقة الطاش جنوبًا، والمحور الأخير الملعب الأولمبي ومنطقة زنكور باتجاه الرمادي، وإن القوات الأمنية تتقدم من مناطق المضيق وحصيبة باتجاه الرمادي، لكنه أشار إلى أن هذا التقدم «يسير بطيئا لأن تلك القوات تنتظر التقدم من بقية المحاور حتى يكون هناك توازن في العمليات العسكرية ومن ثم الدخول إلى المدينة».
من جانبه، أكد نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار فالح العيساوي لـ«الشرق الأوسط»، أن «العمليات العسكرية انطلقت من المحور الشمالي لمدينة الفلوجة شرق الأنبار، وأن القطعات العسكرية باشرت بالانطلاق في المحور الثاني للعملية صوب المناطق الجنوبية للرمادي، وتحديدًا من منطقة الطاش جنوب المدينة». أضاف العيساوي: «هناك هروب جماعي للقيادات الأجنبية في صفوف التنظيم الإرهابي من داخل مدينة الفلوجة، وإن أغلب المسلحين من أهالي المدينة اتصلوا مطالبين بالاستسلام مقابل العفو عنهم».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.