لافروف يحذر من «انزلاق خطر» بعد تهديدات أميركية بـ«قطع رأس الكرملين»

موسكو ومينسك «وضعتا النقاط على الحروف»

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)
TT

لافروف يحذر من «انزلاق خطر» بعد تهديدات أميركية بـ«قطع رأس الكرملين»

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)

بالتوازي مع تسريع موسكو خطواتها لترتيب أولويات المرحلة المقبلة مع بيلاروسيا، الحليفة الرئيسية للروس في مواجهتها الحالية مع الغرب، بدا أن ردود الفعل الغاضبة في روسيا على تصريحات أميركية حول ضرورة «قطع رأس الكرملين» قد حملت إشارات تحذيرية مباشرة من انزلاق الموقف، نحو وضع وصفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأنه «خطر».
وفي ثاني لقاء خلال الأسبوع الأخير، يجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بدا أن الطرفين نجحا في تجاوز عدد من الملفات الخلافية المطروحة على الطاولة، حول ملف الاندماج الكامل والتعاون في كل المجالات، بما في ذلك على الصعيد العسكري.
وأعرب لوكاشينكو، الثلاثاء، عن ارتياحه لنتائج اجتماع مطول عقد في ساعة متأخرة ليلة الثلاثاء مع بوتين، وقال إن الطرفين «ناقشا أمس كثيراً من القضايا». وجاء الاجتماع بعد مرور أيام قليلة على زيارة عمل قام بها بوتين إلى مينسك، وصفتها مصادر إعلامية بأنها تهدف إلى جذب الجارة الأقرب لروسيا، للانخراط مباشرة في الحرب الأوكرانية.
ومع أن الطرفين الروسي والبيلاروسي رفضا تلك التصريحات، وأعلنا أن خطواتهما المشتركة لا تقتصر على تعزيز التعاون العسكري؛ بل تمتد لتشمل المناحي الاقتصادية، ومسائل التكامل في إطار دولة الاتحاد بين البلدين؛ لكن القرارات التي أعلنت بعد ذلك دلت إلى توسيع التحضيرات المشتركة لاحتمال فتح جبهة جديدة على الحدود البيلاروسية الأوكرانية، بما في ذلك من خلال تعزيز القوات المشتركة على الحدود، ونشر مظلة دفاع صاروخي مشتركة، وتأكيد موسكو خطوات لإطلاق تدريبات للقوات البيلاروسية على استخدام أسلحة ومعدات حديثة.
وحمل اجتماع الرئيسين في وقت متأخر مساء الاثنين إشارات إلى وجود بعض النقاط التي تحتاج إلى توافق على أعلى المستويات. ولم يعلن الجانبان تفاصيل عن أجندة اللقاء؛ لكن لوكاشينكو قال إنه «يجب أن أقول إنه بالأمس ناقشنا كثيراً من القضايا؛ خصوصاً في الاقتصاد». وزاد أنه «تم الاتفاق أخيراً على كثير من القضايا، لقد تم وضع النقاط على الحروف». ووفقاً له، فإن حكومتَي روسيا وبيلاروسيا سوف «تستكملان التفاصيل».
في غضون ذلك، برزت ردود فعل روسية غاضبة على تصريحات مسؤولين عسكريين أميركيين، حملت تهديداً بـ«توجيه ضربة لقطع رأس الكرملين». ومع الحملة الإعلامية القوية على التصريحات، شدَّد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على خطورة الانزلاق نحو توسيع المواجهة، ورأى أن التصريحات «هي في الواقع تهديد بالتصفية الجسدية لرئيس الدولة الروسية».
وأضاف لافروف في حديث لوكالة أنباء «تاس» الحكومية، أن «واشنطن ذهبت أبعد من الجميع. هناك بعض المسؤولين من (البنتاغون) هددوا بتوجيه ضربة قطع الرأس إلى الكرملين. في الواقع، نحن نتحدث عن تهديد بالتصفية الجسدية لرئيس الدولة الروسية». وحذر من أنه «إذا قام شخص ما برعاية مثل هذه الأفكار، فعليه أن يفكر ملياً في العواقب المحتملة لمثل هذه الخطط».
وذكَّر الوزير الروسي بتصريحات سابقة لمسؤولين غربيين ألمحت إلى احتمال انزلاق الموقف نحو مواجهة نووية، وزاد: «يبدو أنهم تخلوا تماماً عن اللباقة. وكانت ليز تراس (رئيسة وزراء بريطانيا السابقة) قد أعلنت خلال مناظرة سبقت الانتخابات، أنها مستعدة تماماً لإصدار أمر بتوجيه ضربة نووية».
وأشار أيضاً إلى مطالبة الرئيس الأوكراني من بلدان «الناتو»: «توجيه ضربات نووية وقائية إلى روسيا»، معتبراً أن «هذا أيضاً يتجاوز حدود ما هو مقبول». وخلص لافروف إلى أن «سياسة الغرب التي تستهدف احتواء روسيا خطيرة للغاية؛ وتنطوي على مخاطر الانزلاق إلى صدام مسلح مباشر بين القوى النووية». وزاد: «نحن من جانبنا على استعداد لمناقشة القضايا الأمنية، سواء الخاصة بالوضع في أوكرانيا، أو على المستوى الاستراتيجي الأوسع. دعونا ننتظر حتى تنضج واشنطن، لتدرك فشل مسارها الحالي، وتتأكد من عدم وجود بديل عن بناء علاقات معنا على أساس الاحترام المتبادل والمساواة، مع مراعاة إلزامية المصالح الروسية المشروعة».
وقال إن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى أوكرانيا، يريدون «هزيمة روسيا في ميدان المعركة من أجل تدميرها».
بدوره، قال الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف، إن روسيا «لن تجري مفاوضات بناء على شروط الآخرين». وزاد أن موسكو انطلقت في دعواتها للحوار «من شروطنا والتفكير السليم».
وجاء حديث بيسكوف رداً على تصريحات وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا، الذي قال إن السلطات الأوكرانية تسعى لعقد «قمة سلام» في الأمم المتحدة، مع أمينها العام أنطونيو غوتيريش، بصفة الوسيط المحتمل.
وقال كوليبا في تصريح لوكالة أنباء «أسوشييتد برس»، الاثنين، إنه «راضٍ تماماً» عن نتائج زيارة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى واشنطن الأسبوع الماضي، وكشف عن أن الحكومة الأميركية وضعت خطة خاصة لتجهيز بطارية صواريخ «باتريوت» للتشغيل في بلاده، خلال أقل من 6 أشهر. وأشار كوليبا إلى أن أوكرانيا «ستقوم بكل ما في وسعها للفوز بالحرب في 2023»، مضيفاً: «تنتهي كل حرب بطريقة دبلوماسية. تنتهي كل حرب نتيجة إجراءات تتخذ في ساحة المعركة، وعلى طاولة المفاوضات».
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت موسكو ستُدعى لحضور «قمة السلام» في فبراير (شباط)، قال إنه «يجب أولاً إجراء محاكمات جرائم الحرب في محكمة دولية».
وفي تعليق روسي آخر، قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل غالوزين، إن موسكو لا ترفض مقترح التسوية السياسية للنزاع في أوكرانيا، ولكن ليس على أساس الشروط التي تطرحها كييف حالياً. وقال غالوزين في مقابلة مع وكالة أنباء «تاس»: «إن القصور التام في قرارات وأفعال نظام كييف الحالي الذي يشتهر سياسيوه بعدم التزامهم وعدم أهليتهم للتفاوض، أمر واضح تماماً».
وأضاف نائب وزير الخارجية: «على الرغم من أن روسيا لا ترفض خيار المفاوضات والتسوية السياسية للنزاع، فإنّنا لن نتحدث عن الشروط التي طرحتها القيادة الأوكرانية. كل شيء يعتمد الآن فقط على استعداد كييف والقيمين الغربيين لحل سياسي دبلوماسي حقيقي للأزمة». كما وصف غالوزين بالأمر «غير المقبول على الإطلاق»، ما وصفها بـ«مبادرات السلام التي يطلقها الرئيس الأوكراني، والتي بموجب تنفيذها يزعم أنه مستعد لعقد هدنة مع روسيا».
وكان زيلينسكي قد اقترح «مبادرة حسن نية»، تقوم على سحب القوات الروسية من «الأراضي الأوكرانية» بحلول عيد الميلاد. ووصف غالوزين الاقتراح بـ«الأمر السخيف».


مقالات ذات صلة

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية- رويترز)

ترمب عن الـ«ناتو»: يدفعون أقل مما ينبغي لكي تحميهم الولايات المتحدة

حضّ ترمب أعضاء حلف «الناتو» على زيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 5 % من إجمالي ناتجهم المحلي، مقابل «حماية الولايات المتحدة».

«الشرق الأوسط» (مارالاغو (الولايات المتحدة))
أوروبا رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية على أوكرانيا بمنطقة سومي 4 يناير 2025 (رويترز)

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها وجّهت ضربات مكثفة لوحدات أوكرانية في منطقة كورسك غرب روسيا، وأفاد الجيش الأوكراني بتصعيد القتال خلال اﻟ24 ساعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا دبابة روسية مدمرة في منطقة كورسك (أ.ب)

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أكد مسؤول عسكري أوكراني، الاثنين، أن قواته تكبّد قوات موسكو «خسائر» في كورسك بجنوب روسيا، غداة إعلان الأخيرة أن أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في هذه المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟