إيران تستكمل مسعاها لإحياء مشروع «ضاحية جنوبية» بريف دمشق

مستغلة الأوضاع المعيشية وانشغال روسيا في حرب أوكرانيا

لافتة إلى بلدة السيدة زينب جنوب دمشق (المرصد)
لافتة إلى بلدة السيدة زينب جنوب دمشق (المرصد)
TT

إيران تستكمل مسعاها لإحياء مشروع «ضاحية جنوبية» بريف دمشق

لافتة إلى بلدة السيدة زينب جنوب دمشق (المرصد)
لافتة إلى بلدة السيدة زينب جنوب دمشق (المرصد)

تسعى إيران لإعادة إحياء مشروعها التوسعي قرب العاصمة السورية والذي لطالما سعت إلى تنفيذه وسبق أن أحبطته روسيا، وهو مد نفوذها إلى بلدات ريف دمشق الجنوبي المجاورة لمنطقة السيدة زينب، وتشكيل «ضاحية جنوبية» شبيهة بتلك التي في بيروت وتخضع لنفوذ «حزب الله».
وتستعين إيران لتنفيذ هدفها، بتكثيف شرائها المنازل وإقامة معسكرات جديدة في منطقة ملاصقة لمناطق نفوذ روسيا المشغولة حالياً بحربها في أوكرانيا.
ويضم ريف دمشق الجنوبي الشرقي كثيراً من البلدات والقرى؛ أهمها وأكبرها، ببيلا ويلدا وبيت سحم، وتتبع إدارياً محافظة ريف دمشق بمساحة تقدر بنحو 4 كيلومترات مربعة. ويحده من الشمال مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وحي التضامن، ومن الشمال الشرقي حيا سيدي مقداد والقزاز، ومن الجنوب منطقة السيدة زينب التي تسيطر عليها ميليشيات إيرانية. ومن الشرق غوطة دمشق الشرقية، ومن الغرب حي الحجر الأسود.
وتُعَد منطقة السيدة زينب؛ الواقعة على بعد نحو 8 كيلومترات من العاصمة دمشق على الطريق السريع المؤدي إلى مطار دمشق الدولي، المعقل الرئيسي للميليشيات الإيرانية والميليشيات الموالية لها في ريف دمشق الجنوبي. وقد اتخذت إيران منذ ما قبل اندلاع الحرب المستمرة في سوريا منذ نحو 12 عاماً، من السيدة زينب معقلاً رئيسياً، بادعاء الدفاع عن المزار الذي يؤمه آلاف الزوار الشيعة من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان.
مصادر محلية من سكان بلدة حجيرة التابعة لناحية ببيلا والواقعة على بعد نحو كيلومتر واحد شمال السيدة زينب، أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الأغلبية العظمى من سكان البلدة؛ ضمن بلدات ببيلا ويلدا وبيت سحم، كانوا حتى ما قبل اندلاع الحرب من الطائفة السنية، وقد سيطرت فصائل المعارضة المسلحة في السنوات الأولى من النزاع على تلك البلدات. وعقب استعادة الحكومة السيطرة عليها صيف عام 2018 من خلال اتفاق «مصالحة» برعاية روسية أفضى إلى تهجير مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة الرافضين للمصالحة وعوائلهم إلى شمال سوريا، وعودة كثير من الأهالي إلى منازلهم، بدأ العديد منهم يتحدث عن عروض قدمت لهم من قبل أشخاص غرباء عن المنطقة، بشراء عقاراتهم، ولكن قلة من الأهالي استجابت لتلك العروض.
واتضح بعد ذلك أن من سكن المنازل التي جرى بيعها هم عائلات مقاتلين من الميليشيات التابعة لإيران. الأهالي العائدون إلى البلدة، وفق المصادر، تحسسوا من العروض المغرية لعقاراتهم وراحوا يحذرون بعضهم من البيع؛ ما أدى إلى تراجع كبير في أعداد الأهالي الذين قد يستجيبون لعروض البيع. لكن المصادر لفتت إلى أنه؛ ومع التدهور الحاد الأخير في الوضع المعيشي للأهالي، عادت تلك العروض تظهر من جديد، وتحت وطأة الفقر، هناك من يستجيب لها، حتى باتت أي جادة مأهولة تضم ما بين 3 و4 عائلات من مقاتلي الميليشيات الإيرانية.
وأشارت المصادر إلى أن كثيراً من مقاتلي الميليشيات التابعة لإيران الذين سكنوا في البلدة، ينحدرون من شيعة بلدتي الفوعة وكفريا بريف إدلب، وأنهم قد نزحوا منهما بعد سيطرة «هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)» على المنطقة، ضمن اتفاق المدن الأربع «كفريا - الفوعة... الزبداني - مضايا» عام 2017 بين فصائل جهادية وإيران. وقضى الاتفاق بإخلاء مدينتي الفوعة وكفريا الشيعيتين من سكانهما، مقابل خروج المسلحين وعوائلهم من مدينتي الزبداني ومضايا.
مصادر محلية أخرى ذكرت لـ«الشرق الأوسط» أن هناك معلومات يجري تداولها بين سكان المنطقة بأن إيران تبني معسكراً جديداً لميليشياتها شمال «المجمع الثقافي الرياضي الترفيهي» الضخم الذي افتتحته في الحجيرة خلال فبراير (شباط) 2021 بعد أن أطلقت عليه اسم «مجمع الشهيد العقيد هيثم سليمان»، مضيفة، والكلام للمصادر: «يقال إن المعسكر سيقام على أرض كبيرة تكاد تصل إلى الحدود الإدارية لناحية ببيلا» شمالاً.

تنافس روسي - إيراني
مع بداية النزاع في سوريا، اتخذت إيران من مسألة «الدفاع عن مقام السيدة زينب» حجة لجذب المسلحين من أصقاع العالم إلى سوريا، إلى أن أصبحت تنتشر في سوريا ميليشيات إيرانية ومحلية وأجنبية تابعة لطهران يزيد عددها على 50 فصيلاً، ويتجاوز عدد مسلحيها 60 ألف مقاتل، يعملون تحت قيادة خبراء عسكريين إيرانيين على تنفيذ مساعي طهران لمد نفوذها في ريف دمشق الجنوبي لتشكيل «ضاحية جنوبية» شبيهة بتلك الموجودة في بيروت.
ولأن روسيا الحليف القوي للنظام السوري، لم ترتح للمساعي الإيرانية وراحت تعمل على الحد منها؛ لا بل تقويضها. ووفق مصادر مطلعة سبق أن تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن الروس عطلوا أكثر من مرة مساعي إيران لإنهاء وجود فصائل المعارضة المسلحة وتنظيم «داعش» و«هيئة تحرير الشام» في أحياء القدم والعسالي وشارع الثلاثين الواقعة جنوب دمشق. وقد حُسِمَ الملف مع ملفات مدينة الحجر الأسود ومخيم اليرموك وحي التضامن جنوب العاصمة ويلدا وببيلا وبيت سحم، لمصلحة روسيا عبر رعايتها ما تسمى «اتفاقات المصالحة»، وبالتالي إدخال تلك الأحياء والبلدات في إطار نفوذها. ولفتت المصادر آنذاك إلى أن ما قامت به روسيا في مناطق جنوب دمشق وريفها الجنوبي «أثار انزعاج الإيرانيين»؛ لأنها بذلك أحبطت الحلم الذي لطالما سعت طهران إلى تنفيذه، وهو «مد نفوذها وتشكيل (ضاحية جنوبية) تتصل مع منطقة السيدة زينب القريبة منها من الناحية الجنوبية».
وبعد أن أدخلت روسيا مناطق ريف دمشق الجنوبي في إطار نفوذها، أقامت في وسط بلدة يلدا مركزاً كبيراً لـ«الشرطة العسكرية الروسية»، وواظب عناصره على تسيير دوريات بشكل شبه يومي تجوب مختلف الأحياء؛ ما أدى إلى عزل مناطق ريف دمشق الجنوبي عن منطقة النفوذ الإيراني. كما جرى، إضافة إلى ذلك، إغلاق الطريق المؤدي من ببيلا إلى السيدة زينب أمام السيارات بساتر ترابي عالٍ عند المنطقة الفاصلة بين ببيلا وحجيرة، وبات الوصول إلى الأخيرة يتطلب سلوك طريق مطار دمشق الدولي والدخول في العقدة المؤدية إلى محافظة السويداء، ما يعكس مدى الصراع الروسي - الإيراني على النفوذ في سوريا.



أنقرة تتحرى مع بغداد عن مسيّرة «أُسقطت» في كركوك

TT

أنقرة تتحرى مع بغداد عن مسيّرة «أُسقطت» في كركوك

موقع سقوط المسيّرة التركية في كركوك (إكس)
موقع سقوط المسيّرة التركية في كركوك (إكس)

أكدت تركيا أنها والعراق لديهما إرادة قوية ومشتركة في مجال مكافحة الإرهاب، كما عدّ البلدان أن تعاونهما في مشروع «طريق التنمية» سيقدم مساهمة كبيرة لجميع الدول المشاركة وللمنطقة وللاقتصاد العالمي.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كيتشالي، إن «هناك إرادة قوية ومشتركة تزداد قوة بين تركيا والعراق في مجال مكافحة الإرهاب»، لافتاً إلى أنهما يتعاونان في كشف ملابسات حادث سقوط طائرة مسيّرة تركية في كركوك.

وأضاف كيتشالي، على حسابه في «إكس»، تعليقاً على بيان أصدرته قيادة العمليات المشتركة العراقية، الخميس، بشأن سقوط طائرة مسيّرة في محافظة كركوك تبين أنها تركية، أن أنقرة بدأت التنسيق مع السلطات العراقية للكشف عن ملابسات الحادث.

لحظة سقوط المسيّرة التركية في كركوك (إكس)

وشدد المتحدث التركي على عزم بلاده على محاربة الإرهاب، قائلاً إن تركيا مستمرة في مكافحة «تنظيم حزب العمال الكردستاني» الذي يتمركز داخل أراضي العراق، وفقاً لمبدأ الدفاع الشرعي المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

وذكر أن العراق أعلن «العمال الكردستاني» تنظيماً محظوراً، وأن أنقرة شهدت في 15 أغسطس (آب) الحالي توقيع مذكرة تفاهم للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب بين البلدين، وأن هذه التطورات من نتاج تلك الإرادة المشتركة على التعاون في مكافحة الإرهاب.

وأضاف كيتشالي أن كلا البلدين عازمان على ضمان تحقيق نتائج ملموسة من هذا التعاون على الأرض، وزيادة التنسيق بين السلطات المختصة في هذا الاتجاه.

ضابط عراقي يعاين حطام المسيّرة التركية في كركوك (إكس)

في سياق متصل، كشفت المخابرات التركية عن مقتل اثنتين من عناصر «العمال الكردستاني» بعملية نفذتها في هاكورك شمال العراق.

وقالت مصادر أمنية، الجمعة، إن العملية أسفرت عن مقتل بهار أكيول، الملقبة بـ«فارشين غابار»، ونوربهار كارا داغلي، الملقبة بـ«تيجدا جيان»، وإنهما كانتا مسؤولتين عن تحضير المتفجرات المصنوعة يدوياً المستخدمة في هجمات «العمال الكردستاني»، وتم القضاء عليهما أثناء تحضيرهما عبوات ناسفة ومتفجرات يدوية الصنع.

وبحسب المصادر، انضمت أكيول إلى «العمال الكردستاني» في 2015، وتلقت تدريبات على الأسلحة في معسكرات التنظيم بالعراق، وسبقتها كارا داغلي بالانضمام عام 2014، وانتقلت إلى هاكورك عام 2023 لتتلقى تدريبات على تنفيذ الهجمات الإرهابية.

رباعي «طريق التنمية»

على صعيد آخر، أكدت تركيا والعراق أن تعاونهما سيكون أقوى وأفضل بفضل مشروع «طريق التنمية».

وعُقد الاجتماع الوزاري الرباعي الأول حول «طريق التنمية» في المكتب الرئاسي التركي في قصر دولمة بهشة في إسطنبول، الخميس، بمشاركة وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، ونظيره العراقي رزاق محيبس السعداوي، ومشاركة وزيري الطاقة والبنية الإماراتي محمد المزروعي، ووزير النقل القطري جاسم بن سيف السليطي عبر «الفيديو كونفرنس».

وقال أورال أوغلو، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره العراقي عقب الاجتماع، إن المشروع سيساهم بشكل مباشر في تعزيز نظام التجارة العالمي وتنمية الدول المشاركة فيه، وإن السمة الرئيسية للاقتصاد الحديث أن الإنتاج متعدد الجنسيات والتدفقات المالية وحجم التجارة الدولية وصل إلى مستويات كبيرة جداً.

وأضاف أن الاجتماع لم يناقش فقط مستقبل قطاعي النقل والخدمات اللوجستية، ولكن أيضاً المستقبل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للدول الأربع المشاركة، مؤكداً أنه «من المهم للغاية بالنسبة لنا جميعاً أن يكون لدينا مرافق نقل آمنة وسريعة لإقامة التعاون الاقتصادي الذي لا غنى عنه لبلداننا».

الاجتماع الرباعي حول «طريق التنمية» في إسطنبول بمشاركة إماراتية - قطرية عبر «الفيديو كونفرنس» (حساب وزير النقل التركي على «إكس»)

ومشروع «طريق التنمية» عبارة عن طريق بري وسكة حديدية يمتدان من العراق إلى تركيا وموانئها، بطول 1200 كيلومتر داخل العراق، بهدف نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج، مع ما يرتبط بذلك من إقامة مشروعات وإنشاء مرافق للخدمات اللوجستية في ميناء «الفاو» العراقي.

ويُتوقع أن يقلل المشروع من زمن ما يستغرقه نقل البضائع بين ميناء شنغهاي في الصين وصولاً إلى ميناء روتردام في هولندا، من 33 إلى 15 يوماً، وهو لا يقتصر على البنية التحتية للنقل فقط، وإنما يشمل أيضاً خطوط النقل للطاقة والاتصالات.