في بيروت، ركّز المثقفون اللبنانيون في قراءاتهم لعام 2022 على الرواية والشعر بشكل خاص. ومن سألناهم بدوا متخففين من الكتب الفكرية والنقدية ومستسلمين لأخيلة الأدب ومتعه وألعابه اللغوية المراوغة. الكتب تتكرر والقراء من المثقفين يحبون السباحة في بحور الشعر والروايات بنصوصها الطويلة... ماذا قرأ اللبنانيون؟ هنا عتبة للإجابة:
الأديب فارس يواكيم: ما زال محفوظ الروائي المفضّل لديّ
- لم أقرأ كتاب «نسوان من لبنان» لإسكندر الرياشي في طبعاته السابقة، لكني اكتشفته في الطبعة الأنيقة التي أصدرتها «دار الجديد». سرد المؤلف بظرفه وبجرأته على التصريح بسلبياته، حكايات من المجتمع النسائي اللبناني وصلاته بالسياسي والاجتماعي، مع قدر من الخيال. وجديد الطبعة تمثّل في المقدمة التي كتبها المغدور به لقمان سليم بأسلوبه الهائم باللغة العربية.
وقرب نهاية العام، قرأت رواية «ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس» لسمير عطا الله. سردها بأسلوبه الممتع المغري الذي يجعلك لا تترك الكتاب إلا بعد قراءة الصفحة الأخيرة. تجري الأحداث في جزيرة برتغالية متخيَّلة، موقعها في ملتقى أضلاع المثلث الأوروبي - الأفريقي - الأميركي اللاتيني. لكن الخيالات أقنعة للواقع، والجزيرة موقع عزلة أو انفتاح عبر المحيط بحسب إرادة الإنسان وبحكم ظروفه السياسية والاجتماعية والنفسية.
من الرواية إلى الشعر و«خليل حاوي المنسي» (دار نلسن) أو الديوان المفقود الذي يتضمّن سبع عشرة قصيدة غير منشورة، معظمها بخط يد الشاعر، جمعها الناشر سليمان بختي من أرشيف العائلة، ومنها «يا صبية» التي عرفها الناس عندما غناها مارسيل خليفة. ومنها باللهجة العامية اللبنانية: «شو قولكم؟ قديش إلنا حباب/ غابوا وما رجعوا رجعة الغياب».
وباللغة الإنجليزية قرأت الجزء الأول من «بيروت. 1840 - 1918. بورتريه بالصورة والكلمة الوصفية»، وهو كتاب ضخم من جزأين وبقلم كاتبين: بدر الحاج وسمير مبارك. الجزء الثاني مخصص للصور الفوتوغرافية الفريدة النادرة عن العاصمة اللبنانية في تلك الحقبة. الجزء الأول من شقّين: بدر الحاج قدّم تعريفاً مفصلاً بالمصوّرين الذين التقطوا معالم بيروت، المشهورين منهم، وغير المشهورين، وأرفق دراسته بصور نموذجية. الشق الثاني، بقلم السفير مبارك، دراسة توثيقية مكثفة لبيروت، تغطّي وتحلل معالمها الجغرافية والاجتماعية من خلال أنماط الحياة اليومية.
ومن الكتب التي أعدت قراءتها «تأملات في عالم نجيب محفوظ» لمحمود أمين العالم. وما زال محفوظ الروائي المفضّل لدي، والكتاب يعيدك إلى الثلاثية و«بداية ونهاية» و«زقاق المدق» و«أولاد حارتنا» وسائر روايات محفوظ وقصصه القصيرة.
الروائية والناشرة رشا الأمير: كتبنا تستحق القراءة
- كثيرة هي الكتب التي تستحق القراءة والاهتمام هذا العام، ومنها إصدارات مهمة لدار الجديد: إسكندر رياشي، الصحافي التائه صاحب «نسوان من لبنان»، ولمياء المبيّض وكتابها عن ليلى والدتها وعن ساحل الأمراء ـ ساحل المتن الجنوبي، وفادي العبد الله الشاعر والناقد. البياض الباقي والهشاشة أساساً، ميشال كيلو الروائي والمحلل السياسي ـ مزار الدُّب والثورة السوريّة وبيئتها الدوليّة، وحازم صاغيّة القلم العارف، والدكتورة منى نصر الله وهي تحيّي والدتها أملي باللغة الإنجليزيّة، ووديع فلسطين في «الأديب من أين يبدأ». وقد غادرنا بعد شهر من صدور كتيّبه التكريمي.
لفتني هذا العام فوز الروائيّة الفرنسيّة أنّي إرنو بجائزة نوبل للأدب. قرّاؤها مختلفون بحدّة حولها لأسباب سياسيّة وجندريّة وأدبيّة. كتابها الأشهر عنوانه «الساحة» عن «دار فوليو» فيه تسرد وفاة والدها وعلاقتها به وبوالدتها، وكيف أتاح لها تحصيلها العلمي فرص الترقيّ الاجتماعي وما استتبعه من اغتراب عن أهلها وبيئتها.
متأثّرة باجتياح روسيا لأوكرانيا بحثت عن كتب ذات صلة بشخصيّة الرئيس فلاديمير بوتين. نصحني صديق برواية غوليانو دا إمبولي، الأولى: «إمام الكرملين» عن «دار غاليمار». الكتاب شيق ومثير، وصل إلى قائمة الغونكور القصيرة ثمّ نال جائزة الأكاديميّة الفرنسيّة.
من اكتشافات العام روائيّ فرنسي - لبناني وصلت روايته إلى قائمة الغونكور الطويلة: «بيروت على ضفاف السين» لسبيل غصوب «دار ستوك». بأسلوب لا يشبه ما اعتدناه. يستجوب الكاتب والديه فنكتشف معهما أنّ حرب لبنان أورفت في فرنسا، وأنّ الكاتب الشاب المولود في فرنسا يحمل في جيناته التراجيديا اللبنانيّة المتشعبّة. كتابٌ ذكي وحسّاس نال جائزة غونكور الطلّاب.
قبل الختام ذكر كتابين: «إبراهيم ناجي. زيارة حميمة تأخّرت كثيراً» بقلم حفيدته الدكتورة سامية محرز، صدرت عن «دار الشروق». كتاب ممتعٌ ومهمّ.
وأختم بكتاب مكرم رباح «النزاع على جبل لبنان»، وهو أطروحة أكاديميّة أثراها الباحث بمجموعة نادرة من الصور تحاول تفكيك العلاقة المركبّة بين دروز وموارنة هذا البلد.
الأديبة الروائية هالة كوثراني: استراحة كسولة في القراءة
- بعد صدور روايتي «يوم الشمس» في أواخر مارس (آذار) الماضي، استمتعت بقراءات حرّة، وغرقت في استراحة كسولة من الكتابة اليومية مكتفيةً بأن أدوّن جملاً واستنتاجات وأفكاراً من دون أن أتبع الخيط الذي بالعمل اليومي يصبح خيوطاً ثم بناءً صلباً. أذكر مما قرأته في الأشهر الأخيرة من عام 2022 كتابَ «في أثر عنايات الزيات» للشاعرة المصرية إيمان مرسال، وهو كتاب مختلف لأنه أشبه بوثائقي أدبي يطرح ثيمات يمكن أن تكون مفاتيح قصائد وروايات، كهشاشة حضورنا بين الولادة والغياب، والغموض الذي يصعب تبديده ويمتزج بحزن وجودي وقهر أمام محاولة فهم انتحار شابة ذكية وحساسة وموهوبة استُخفّ بموهبتها بقسوة وجهل.
قرأت أيضاً رواية «مستر نون» للروائية اللبنانية نجوى بركات التي ترسم بلغة بديعة وخيالٍ صاحٍ «بيروت الديستوبيا وعقد الشخصيات المعطوبة»، و«صباح الخامس والعشرين من شهر ديسمبر (كانون الأول)» للأديبة والباحثة اللبنانية يسرى مقدّم. وهو كتاب يتجاوز التصانيف إلى الأدب الصافي، كلّما غصنا فيه ارتفع بنا. قرأت أيضاً روايتَيّ «All the Lovers in the Night» و«Breasts and Eggs» (مترجمتين من اليابانية إلى الإنجليزية) للروائية اليابانية ميكو كاواكامي التي تعرّي الذكورية في اليابان وتنسج بين شخصياتها علاقات مختلفة ومفاجئة، كما تكتب بنفَس نسوي عميق ولا تتردّد في الحفر بجروح الفروق الطبقية وأشكال التمييز. ومن الكتب التي اكتشفت في صفحاتها مرايا وأبواباً ونوافذ كتاب بعنوان «ضفاف أخرى» يضمّ حواراً أجراه الشاعر والكاتب العراقي علي محمود خضيّر مع الشاعر والكاتب والمترجم عيسى مخلوف الذي تتعمّق إجاباته في ثيمات تشغلنا لأنها جزء من حيواتنا كالحرب والهجرة والفقد والعنف والعلاقة بالأمكنة. قرأت أيضاً رواية «حفلة التفاهة» للروائي التشيكي الفرنسي ميلان كونديرا، وأعدت قراءة روايته «كائن لا تحتمل خفته» التي لا تزال من الروايات الأقرب لذائقتي ولا أملّ العودة إليها. كما أعدت قراءة رواية «Une Femme» للفرنسية أنّي إرنو بعد فوزها بجائزة نوبل في الأدب. أنهيت أيضاً قراءة «فريديريك نيتشه: سيرة فلسفية» لجوليان يونغ الذي قدّم تفاسير دقيقة لأعمال الفيلسوف الألماني، ملقياً الضوء على قصص من حياته الشخصية وأبرز ما تأثر به. أهمّ ما طرحه يونغ هو تحليل آخر أعمال نيتشه التي جُمعت بعد وفاته في كتاب بعنوان «The Will to Power». وأخيراً قرأت رواية «حائط خامس» للشاعر والروائي اللبناني عباس بيضون الذي ابتدع شخصية روائية جذّابة وجديدة.
المؤلف الموسيقي نشأت سلمان، رئيس «مؤسسة أنور سلمان»: لفتتني كتب مهمة عن الشعر والموسيقى
- أبرز ما أثر فيّ مما قرأت في 2022 كتاب «خليل حاوي... الديوان الأخير». وهو عبارة عن مجموعة قصائد لم تنشر في دواوين الشاعر سابقاً. تم جمعها بالتعاون مع عائلته، وتُوِّج الكتاب بشهادة مؤثرة للشاعر شوقي أبي شقرا وشهادات لبعض من عاصره من تلامذته... وأجمل ما في أعمال كهذه هي إثباتها لخلود المبدعين. كان مؤثراً إطلاق الكتاب في احتفال بالجامعة الأميركية في بيروت تبعد بضعة أمتار عن المكان الذي أطلق «فيه الراحل كلمته» الأخيرة في يومٍ مشؤوم من عام 1982.
كما لفتني الكتاب الذي صدر أخيراً للناقدة والباحثة زهيدة درويش جبور «الشعر العربي المعاصر من منظور إيكولوجي»، وفيه دراسة نتاج 12 شاعراً من مختلف البلدان العربية، تسلّط الضوء على كيفية تعامل الشعراء العرب المعاصرين مع الطبيعة، والانعكاسات السلبية للتطور التكنولوجي حين لا يواكبه تطور على مستوى القيم الإنسانية والروحية.
وفي اللغات الأجنبية قرأت كتاب «Hacking Darwi» للأميركي جامي ميتزلو، الذي يتطرق إلى الثورة الجينية وتكنولوجياتها ويطرح أسئلة أخلاقية حاسمة فيما يتعلق بتأثير هذه الثورة على مبادئ التنوع والمساواة، وضرورة العمل على تشكيل إطار أخلاقي لتحفيز استخدام هذه التكنولوجيا بحكمة.
كما قرأت كتاب «هذا الرجل من لبنان» أو «The Man From Lebanon» للناقدة الأميركية باربرة يونغ، الذي ترجمه حديثاً الشاعر والأديب اللبناني هنري زغيب، وقد لفتني ما تضمنته النسخة المترجمة من وثائق أميركية ولبنانية جديدة عن جبران خليل جبران وشعرت بأنه من أعمق ما قرأت عنه من أبحاث.
أما الكتاب الأخير الذي أعكف على قراءته فهو «Sound Within Sound: Radical» «Composers of the Twentieth Century»، للإعلامية والناقدة البريطانية كايت موليسون التي تطرح ما يشبه تأريخاً بديلاً لمؤلفي الموسيقي في القرن العشرين. وقد بذلت الكاتبة على ما يبدو جهداً جذرياً وجديداً وثورياً لإعادة كتابة التاريخ الموسيقي للقرن العشرين في كتاب يتحدى الوضع الراهن بينما يقدم لنا عالماً من الموسيقى الرائدة.