كيف تضاعف اليابان قوتها العسكرية؟ وما تحدياتها الأمنية؟

(تحليل سياسي)

مقاتلات يابانية وأميركية في طلعة تدريبية فوق بحر اليابان في 25 مايو 2022 (أ.ب)
مقاتلات يابانية وأميركية في طلعة تدريبية فوق بحر اليابان في 25 مايو 2022 (أ.ب)
TT

كيف تضاعف اليابان قوتها العسكرية؟ وما تحدياتها الأمنية؟

مقاتلات يابانية وأميركية في طلعة تدريبية فوق بحر اليابان في 25 مايو 2022 (أ.ب)
مقاتلات يابانية وأميركية في طلعة تدريبية فوق بحر اليابان في 25 مايو 2022 (أ.ب)

تنطوي استراتيجية الأمن القومي الجديدة لليابان وخطط الدفاع ذات الصلة، على دلالة بأنه سوف تكون هناك جهود تحديث عسكرية كبيرة في مواجهة التهديدات المتصورة في شمال شرقي آسيا، خصوصا الصين.
ونقلت «وكالة الأنباء الألمانية» عن الكاتبة شيلا سميث، الباحثة المتخصصة في الدراسات اليابانية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي أن حكومة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا وافقت في منتصف ديسمبر (كانون الأول) على التوسع الأكثر طموحا وسرعة للقوة العسكرية في اليابان منذ إنشاء قوات الدفاع الذاتي في البلاد في عام 1954. والهدف ذو شقين هما: تعزيز قدرة اليابان على ردع العدوان؛ وضمان استعداد قوات الدفاع الذاتي للقتال في حالة اندلاع صراع.
ووعد كيشيدا بزيادة حصة الناتج المحلي الإجمالي المخصصة للأمن القومي إلى 2 في المائة، ارتفاعا من الحد الأقصى التقليدي البالغ 1 في المائة في العقود الأربعة الماضية.
وتم الإعلان عن ثلاث وثائق ستوجه لتوسع الجيش، تتعلق الأولى باستراتيجية الأمن القومي الجديدة، وتعرض تقييم طوكيو للتهديدات المصطفة ضدها وتحدد الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية التي ستستخدمها لمعالجتها. وهذه الاستراتيجية، وهي الثانية فقط في تاريخ اليابان بعد الحرب، وتشير إلى الصين وكوريا الشمالية وروسيا كمصدر قلق خاص.
الوثيقة الثانية، وهي عن خطة الدفاع الوطني العشرية، تحدد التحسينات العسكرية المطلوبة لقوات الدفاع الذاتي للقيام بعملها. وقائمة التحسينات الدفاعية شاملة، حيث تدعو الخطة إلى قيادة عملياتية متكاملة جديدة للقوات الثلاث لقوات الدفاع الذاتي، وقدرات فضائية وسيبرانية موسعة، واكتساب قدرات هجومية بعيدة المدى.
وتحدد الوثيقة الثالثة، وهي خطة مشتريات مدتها خمس سنوات، أولويات تنفيذ خطة الدفاع. وسيتم إنفاق ما يقدر بنحو 320 مليار دولار في هذه الفترة الأولية، التي تبدأ في السنة المالية المقبلة وتستمر حتى عام 2027.
- الأولويات الاستراتيجية الجديدة
تقول سميث إن أبرز جوانب الاستراتيجية الأمنية الجديدة لليابان ستشمل: إدخال خيار الضربة التقليدية بعيدة المدى. فمنذ عدة سنوات، تعمل اليابان على تطوير ما تسميه قدرتها على «المواجهة» أو القدرة على الرد على التهديدات في البحر والمجال الجوي المحيط بالأرخبيل الياباني.
فالصواريخ التي استخدمتها للدفاعات الساحلية لها مدى محدود، حوالي 200 كيلومتر، لكن صواريخ جو - جو الجديدة المشتراة من النرويج سيكون مداها أكثر من 480 كيلومترا. وستتطلع اليابان الآن إلى إدخال صواريخ يبلغ مداها 1610 كيلومترات. ومن المحتمل أن تكون هذه صواريخ كروز «توماهوك» أميركية الصنع حتى تتمكن اليابان من بناء صواريخ جديدة بمفردها. وستسمح هذه القدرات الجديدة لليابان بضرب أهداف في عمق آسيا القارية وتهدف إلى جعل المعتدين المحتملين يعيدون التفكير قبل مهاجمة اليابان.
وتؤكد الاستراتيجية الجديدة أيضا على تطوير التكنولوجيا المحلية في اليابان. وستشمل حصة الميزانية الوطنية الممنوحة للابتكار للمرة الأولى التقنيات اللازمة لدفاعات البلاد، وستكون المنافسة الاستراتيجية أحد محركات الاستثمار الوطني في البحث والتطوير. وستتطلع وزارة الدفاع أيضا إلى دعم زيادة الاستثمار في تطوير الأسلحة، سواء في الإنتاج المحلي أو من خلال الاتحادات الدولية. وسيكون تطوير الصواريخ أولوية.
وأولى مخططو الدفاع اهتماما جديا لقدرة قوات الدفاع الذاتي على القتال كقوة متماسكة، والحفاظ على العمليات على مدار أزمة أو صراع. وتشمل الأولويات: تطوير التخطيط التشغيلي المتكامل، بما في ذلك قيادة مشتركة جديدة؛ والاستثمار في قدرة القوات على الصمود، إذ إن جعل المطارات والموانئ المدنية في متناول قوات الدفاع الذاتي، بما في ذلك أحدث منصاتها مثل الطائرة المقاتلة «إف 35» وكذلك المدمرات، سيقطع شوطا طويلا لضمان الاستعداد.
كما غرست الحرب في أوكرانيا إحساسا بالإلحاح في اليابان عندما يتعلق الأمر بتأمين المتطلبات اللوجيستية الأساسية، مثل الوقود والذخيرة وغيرها من الإمدادات الحيوية.
- التهديدان الكوري الشمالي والصيني
وتتساءل الكاتبة سميث: لماذا تجري اليابان هذه التغييرات؟ لتقول إن هذه القفزة في تسليح قوات الدفاع الذاتي هي نتاج عدة عوامل، أكثرها وضوحا هو الوجود المتزايد للجيوش الأجنبية في اليابان وحولها. وتعبر الصواريخ الكورية الشمالية المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان وأراضيها بشكل متكرر من دون سابق إنذار. ويعمل الجيش الصيني بانتظام بالقرب من المياه والمجال الجوي الياباني. ويجتذب النزاع الإقليمي بين اليابان والصين حول جزر سينكاكو/دياويو في بحر الصين الشرقي قدرا كبيرا من اهتمام خفر السواحل واهتمام الجيش. وتزايدت هذه التهديدات الواضحة منذ نهاية الحرب الباردة، ولطالما دافع مخططو الدفاع عن العديد من التحسينات الواردة في الخطة الجديدة.
وفي الوقت نفسه، تتسارع وتيرة التغير التكنولوجي بين الجيوش في المنطقة، وتراجعت اليابان عن الركب. والواقع أن ترسانات الصواريخ المتنامية في شمال شرق آسيا، والتي أصبحت الآن أسرع وأكثر دقة ويصعب اكتشافها، كانت سببا في تعميق شعور اليابان بالضعف. وأكدت طوكيو لبعض الوقت على الدفاعات الصاروخية الباليستية للتعامل مع هذا الانتشار، لكن الكمية الهائلة من الصواريخ في المنطقة تجعل من غير الواقعي الاعتماد على تلك الدفاعات وحدها. علاوة على ذلك، أدت تقنية صواريخ الهايبرسونيك، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، إلى تفاقم الوضع من خلال جعل الصواريخ القادمة غير قابلة للكشف فعليا إلا بعد فوات الأوان. كما تهدد القدرات غير المتماثلة الجديدة التي طورتها الصين بتقويض قدرة الولايات المتحدة على مساعدة اليابان. وترى سميث أن التغيير قادم بسرعة وقوة في جميع أنحاء العالم. وتبدو المنطقة، بل العالم، أكثر تهديدا للشعب الياباني. والرسالة التي يتم إرسالها من طوكيو هي أن اليابان سوف تستعد للتحرك، والتصرف من دون تردد، إذا احتاجت إلى الدفاع عن نفسها.


مقالات ذات صلة

السودان وأوكرانيا على طاولة مباحثات السيسي ورئيس الوزراء الياباني

شمال افريقيا السودان وأوكرانيا على طاولة مباحثات السيسي ورئيس الوزراء الياباني

السودان وأوكرانيا على طاولة مباحثات السيسي ورئيس الوزراء الياباني

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم (الأحد)، على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في السودان، وذلك خلال لقائه مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في القاهرة. ووصف الرئيس المصري المباحثات مع رئيس الوزراء اليباني بأنها كانت «إيجابية وبناءة»، حيث جرى استعراض ما تشهده الساحة الدولية اليوم من تحديات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الرياضة سالم الدوسري في مرمى النيران بعد تصرف غير مبرر في «ذهاب الأبطال»

سالم الدوسري في مرمى النيران بعد تصرف غير مبرر في «ذهاب الأبطال»

تحول المهاجم سالم الدوسري من بطل محتمل للهلال في نهائي دوري أبطال آسيا لكرة القدم إلى «مفسد للحفل» بعد طرده في الدقائق الأخيرة بلقاء الذهاب، بسبب اعتداء على منافس في الدقائق الأخيرة خلال تعادل محبط 1 - 1 في الرياض أمس (السبت). وافتتح الدوسري التسجيل في الدقيقة 13 من متابعة لكرة عرضية، ليثبت مجدداً أنه رجل المواعيد الكبرى، إذ سبق له التسجيل في مرمى أوراوا في نهائي نسخة 2019، حين أسهم في تتويج الهلال. وخلد اسمه في الذاكرة بتسجيل هدف فوز السعودية التاريخي على الأرجنتين في كأس العالم بقطر العام الماضي، ليهز الشباك في نسختين بالنهائيات، فضلاً عن التسجيل في 3 نسخ لكأس العالم للأندية. لكن الدوسري (31

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم ما دلالات جولة رئيس وزراء اليابان الأفريقية؟

ما دلالات جولة رئيس وزراء اليابان الأفريقية؟

في ظل التداعيات الجيوستراتيجية للحرب الروسية - الأوكرانية، والتنافس المحموم من جانب الدول الكبرى على النفوذ في أفريقيا، تسعى اليابان لزيادة تأثيرها في القارة، وهو ما يراه خبراء تقاطعاً وتكاملاً مع استراتيجية واشنطن الجديدة، وتأسيساً لأدوار جديدة تحاول طوكيو من خلالها مجابهة تصاعد النفوذ الصيني. في هذا السياق، زار رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، أمس، مصر في بداية جولة أفريقية تشمل أيضاً غانا وكينيا وموزمبيق.

أفريقيا ما دلالات الجولة الأفريقية لرئيس وزراء اليابان؟

ما دلالات الجولة الأفريقية لرئيس وزراء اليابان؟

في ظل التداعيات الجيوستراتيجية للحرب الروسية - الأوكرانية، وما استتبعها من تنافس محموم من جانب الدول الكبرى على النفوذ في أفريقيا، تسعى اليابان لزيادة نفوذها في القارة، وهو ما يراه خبراء تقاطعاً وتكاملاً مع استراتيجية واشنطن الجديدة، وتأسيساً لأدوار جديدة تحاول طوكيو من خلالها مجابهة تصاعد النفوذ الصيني. في هذا السياق، زار رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، اليوم (السبت)، مصر، في بداية جولة أفريقية تشمل أيضاً غانا وكينيا وموزمبيق.

العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.